عبدالله فراجي - بِلاَ بَوْصَلَةٍ أَرُومُ الْمَدَى

أَيَا مِدَادَ أَحْرُفِي،
أَرَى قَدَاسَةَ النُّجُومِ فِي السَّمَاء ِتَخْتَفِي،
وَأَرْجُلِي تَغُوصُ فِي الرِّمَالِ وَالْحُمَمْ...
أَيَا رَمَادَ أَحْرُفِي،
أَرَى قَصَائِدِي تَلُوكُ حِبْرَهَا،
وَفَارِسُ الزَّمَانِ مُتْعَبٌ،
مُطَوَّقٌ بِهَالَةٍ مِنَ الْفَرَاغِ وَالْعَدَمْ...
أَيَا سَوَادَ أَحْرُفِي،
أَرَى السُّقُوطَ وَالأَلَمْ
وَذِلَّةُ الزَّمَانِ في قَبِيلَتي تَبِيعُ بُؤْسَهَا،
لِسَادَةِ الْحُرُوبِ وَالنِّقَمْ
وَخَلْفَ مَوْكِبِي تَأَجُّجٌ وَرِفْعَةٌ،
وَسَطْوَةُ الزَّمَانِ وَالتَّتَارِ وَالْعَجَمْ...
سُكُونُ أَحْرُفِي يَشُقُّهُ نَشِيجُ مَيِّتٍ،
وَدَوْرَةُ السُّيُولِ وَالْحَصَى،
وَهَا أَنَا أَرَى الظَّلاَمَ فِي الْقِمَمْ...
أَتِيهُ بَيْنَ وَرْدَةٍ وَشَوْكِهَا،
وَصَرْخَتِي تَكَسَّرَتْ عَلَى صَلاَبَةِ الرُّؤَى
وَسِدْرَةِ الْهَوَانِ وَالنَّدَمْ...
طُبُولُ يَعْرُبٍ تَدُقُّ نَحْبَهَا،
وَصَوْتُهَا مُدَمِّرٌ لِكُلِّ فَارِسٍ،
لِكُلِّ طَائِرٍ يَحُومُ فِي حَرَارَةِ الْأَلَمْ...
وَها خُطُوطُ رِحْلَتِي تَعَرَّجَتْ،
وَخَانَهَا الْمُهَرّجُونَ حِينَ أَقْبَلوا
يُعَرْبِدُونَ فِي جَنَائِنِ الْهَوَى،
وَيَصْنَعُونَ مِنْ غِلَالِهَا سَلاَسِلَ النِّقَمْ...
فَقَدْتُ نَجْمَةَ الشَّمَالِ فِي تَغَرُّبِي،
فَقَدْتُ زَادَ رِحْلَتِي،
عَبَرْتُ أَرْضَ قَرْيَةٍ تَمُوتُ فِي الدُّجَى
وَشَوْكَتي مَرَابِعٌ هَجِينَةٌ،
يَطَالُهَا الْكَلاَمُ وَالرَّجَاءُ وَالْحُلُمْ...
وَهَا أَنَا أَرَى عَوَاصِفَ الضَّيَاعِ في الْمَدَى،
وَسَطْوَةَ الْمَكَانِ وَالظُّلَمْ
وَفِي السَّمَاءِ لاَ أَرَى كَوَاكِبًا،
وَلَا أَرَى انْبِثَاقَ نُورِهَا
وَفِي تَمَرُّدِي وَغُرْبَتِي
تَدَنَّسَتْ قَدَاسَةُ الْحَيَاةِ وَالْهِمَمْ...
مِنَ الرَّمَادِ لِلسَّمَاءِ طَارَ فَيْنَقِي،
وَلِلرَّمَادِ عَادَ وَالْتَهَبْ
وِشَاحُهُ الْبَهِيُّ فَارَ ثَائِرًا،
وَشَدْوُهُ الْقَوِيُّ فِي السَّحَابِ يَرْتَقِي
بَشَائِراً تُطِلُّ مِنْ عُيُونِ صِبْيَةٍ،
وَتَمْنَحُ الْحَيَاةَ بَارِقًا وَأَنْجُمًا
وَنَبْضُ فَيْنَقِي يَجِيشُ فِي دَوَاخِلِي،
يَمُورُ فِي حَرَارَةِ الْأَلَمْ...
حِكَايَتِي مِنَ الْبِحَارِ لِلْبِحَارِ تَرْقُبُ اكْتِمَالَهَا، وَشُعْلَةُ الرَّمَادِ في اتِّقَادِ قَلْبِهَا رَصَاصَةٌ، وَظُلْمَةٌ، وَأَحْرُفٌ عَنِيدَةٌ، جَنَازَةٌ حَزِينَةٌ، وَجِيفَةٌ... وَجَوْقَةٌ تَلُوكُ خَوْفَهَا...
عَلَى مَزَالِقِ الطَّرِيقِ دُبِّجَتْ حُرُوفُها بِشَهْوَةِ الْجُنُونِ وَالسُّقُوطِ، وَالتَّشَرْذُمِ اللَّعِينِ، فِي جَنَائِز الَّذِينَ طَوَّقُوا بَهَاءَهَا.
وَسَاحَ في الرِّمَالِ حُسْنُهَا،
مِنَ الْبِحَارِ لِلْبِحَارِ سَامَهَا الْحِصَارُ وَالدَّمَارُ بِانْعِطَافَةِ الْقدَرْ.
عَلَى شَفِيرِ حُفْرَةٍ تَمَايَلَتْ قِلاَعُنَا،
وَرَجَّ أُسَّهَا الظَّلَامُ وَالشَّرَرْ
عَلَى تُخُومِهَا تَفَلَّقَ الصَّبَاحُ وانْفَجَرْ،
وَشَعَّ نُورُهُ الْبَهِيُّ فِي تَعَاسَةِ الْبَشَرْ.

عبدالله فراجي

من ديوان على شفير السقوط الصادر سنة 2021.
....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...