قرأت له كثيرًا، وقرأت عنه كثيرًا، وشُغِلتُ بأحاديثه كما شُغِل بها كثير من الناس الذين يعنون بالأدب الفرنسي خاصةً، وبالأدب الإنساني الحديث عامةً، وكنتُ شديد الشوق إلى لقائه، والحرص على أن أسمع منه بعض الحديث ساعةً من نهار، أو ساعةً من ليل، ولكن ظروف الحياة لم تُتِحْ لي ذلك على كثرة ما أتاحت لي من لذة الحديث إلى الأدباء البارعين من الفرنسيين وغير الفرنسيين، حين أسافر أنا إلى أوروبا، أو حين يسعون هم إلى مصر.
ثم زار أندريه جيد مصر في الشتاء الماضي، وحاولتُ لقاءه، بل حاولت أن أتيح للمثقفين المصريين الاستماع لبعض أحاديثه في محاضرة من محاضرات كلية الآداب، فلم أجد إلى ذلك سبيلًا؛ لأن أندريه جيد كان محزونًا كئيب النفس، كاسف البال، يخضع لأزمةٍ من هذه الأزمات التي تلم ببعض الأدباء والمفكرين الممتازين، فتدفعهم إلى العزلة دفعًا، وتزهدهم تزهيدًا شديدًا في لقاء الناس.
وقد كتب إليَّ أندريه جيد في ذلك الوقت كتابًا رقيقًا عذبًا، يعتذر إليَّ فيه من امتناعه على هذا اللقاء بأزمته تلك، ويرجو مني أن أصدِّقه، وألَّا أظن به التعلل أو تعمُّد التقصير.
ثم عاد إلى فرنسا، ومضيت أنا في القراءة له والقراءة عنه، والاشتغال به، حتى أتيح لي بعد أن عدتُ من أوروبا آخِر الصيف الماضي أن ألقاه لقاءً طويلًا في القاهرة، وأن أخلو إليه أربع مرات في الأسبوع، وأنفق معه في كل مرة ثلاث ساعات، أو أقل من ذلك أو أكثر، وقد اتصل هذا اللقاء شهرًا وبعض شهر، وأكبر الظن أنه سيستأنف متى سمح الوقت باستئنافه، وأرجو أن يكون ذلك قريبًا.
لقيته في القاهرة مع أنه مقيم في باريس يعمل مع زميله وصديقه جيرودو في نشر الدعوة لفرنسا أثناء الحرب، وما أشك في أنه يلقى من إقامته المتصلة في باريس مشقةً شاقةً وعناءً ثقيلًا، فهو أبغض الناس للإقامة المتصلة، وأحبهم للسفر القريب والبعيد، ولكني مع ذلك لقيته في القاهرة، وأستطيع أن ألقاه متى شئتُ، سواء أراد ذلك أم لم يرده، وسواء ألمَّتْ به أزمة المفكرين أو انجلت عنه، والفضل في ذلك للمطبعة التي نشرت لنا في هذه الأيام يومياته، والفضل في ذلك لابني الصغير الذي أهدى إليَّ هذه اليوميات قبيل إبحارنا من مرسيليا. وهذه اليوميات صورة دقيقة مطابِقة للأصل كما يقال أشد المطابَقة، ترتسم فيها شخصية أندريه جيد كأوضح ما يمكن أن تكون، وهي طويلة تقع في أكثر من ١٣٠٠ صفحة، قد طُبِعت طبعًا أنيقًا في حرف دقيق، وتصوِّر من حياة صاحبها خمسين عامًا كاملة، فقد بدأها سنة ١٨٨٩، حين كان في العشرين من عمره، ووقف منها عند أول سنة ١٩٣٩، حين أبحر من مرسيليا قاصدًا إلى مصر.
فهو إذًا يحدِّثنا عن حياته أثناء نصف قرن كامل، وهو لا يحدِّثنا عن نفسه كما تعوَّد أصحاب اليوميات أن يفعلوا؛ أريد أنه لا يُظهِر لنا نفسه في كتابه هذا كما يُظهِر نفسه للناس في المجالس والأندية والشوارع، وقد اتَّخَذ من اللباس والزينة والهيئة المصنوعة ما تواضَعَ الناس على أن يتخذوا حين يلقى بعضهم بعضًا، وأنت تعلم أن أكثر الذين يكتبون اليوميات والمذكرات يزيِّنون أشخاصهم المعنوية للناس كما يزيِّنون أشخاصهم المادية حين يلقونهم، يقتصدون في ذلك حينًا، ويسرفون في ذلك أحيانًا، ولكنهم يتكلفون على كل حال، ويظهرون نفوسهم كاسيةً لا عاريةً. أما أندريه جيد فإنه قد أعرض عن هذا الصنيع إعراضًا تامًّا، لا غش فيه ولا محاولة للغش، لا لأنه أراد أن يكون صريحًا صادقًا، بل لأنه لم يستطع إلا أن يكون صريحًا صادقًا، وخصلة الصراحة والصدق هي المميز الأول والأخير، المميز الأساسي لشخصيته المعقَّدَة الخصبة البسيطة المتعددة الواحدة مع ذلك. فرضت هذه الخصلة نفسها عليه، فلم يستطع أن يخلص منها، ولا أن يخالف عن أمرها، ولعله لم يحاول ذلك على كثرة ما أرادته الظروف والناس، ومنافعه القريبة والبعيدة على محاولته. فأما في الكتب التي كتبها للناس وأذاعها فيهم، فقد أذعن لخصلة الصراحة والصدق إذعانًا صريحًا صادقًا، ولكنه راعى ما لا بد من مراعاته في الكتب الأدبية التي تذاع في الناس من أصول الفن قبل كل شيء، ومن ظروف النظام والعُرْف بعد ذلك؛ فكانت خصلة الصراحة والصدق في هذه الكتب مقيَّدة بهذه القيود التي لا تكاد تخفي شيئًا، ولكنها مع ذلك لا تظهر الكاتب كما هو أو كما يحب أن يراه الناس. وأما في اليوميات فقد ألغى أندريه جيد هذه القيود نفسها؛ لأنه لم يكتبها للناس، وإنما كتبها لنفسه، ولنفسه وحدها، وقد أقام من نفسه رقيبًا يلاحظ أدق الملاحظة ما كان يجري به قلمه من هذه اليوميات، وينبهه في سرعة وقوة إلى ما قد يدفعه الفن إليه من التكلُّف أحيانًا، ومن التفكير في الناس، وفي أنهم قد يقرءون ما يكتب في يومٍ من الأيام أحيانًا أخرى، فيرده إلى السذاجة والطبع، ويجرده من التكلُّف والزينة، ويضطره إلى ما ينبغي له، حين يخلو إلى نفسه، من التبذل وإرسال المزاج على سجيته.
وقد عود الناس، فيما كان يذيع فيهم من الكتب، صراحةً لم يألفوها، وصدقًا لم يعرفوه، وتمردًا لا عهد لهم به؛ حتى إذا تقدَّمت به السن، وعرف الناس منه ذلك، وبلا سخطهم عليه وتبرمهم به، وتم الاتفاق الصامت بينه وبين الناس على أنه قد خُلِق كذلك، فلا سبيل إلى أن يغيِّر نفسه ولا إلى أن يغيِّره أحدٌ، ولا بد من أن يؤخذ كما هو، ويُقبَل أو يُرفَض على عِلَّاته، دون أن يصنع شيئًا ليتملق الناس أو يرضيهم عن نفسه وعن آثاره؛ أقول لما تعوَّد الناسُ صراحته وصِدْقه، وتعوَّد هو من الناس سخطهم وإنكارهم، سقطت الفروق بين ما كان يكتب لنفسه، وما كان يكتب للناس، فجعل يكتب لتلك كما كان يكتب لأولئك، أو جعل يكتب لأولئك كما يكتب لتلك، واستقام له طبعه الصادق الصريح في آثاره الخاصة والعامة، فلم يتحرج من نشر بعض يومياته في المجلة الفرنسية الجديدة التي أنشأها مع جماعة من أصدقائه، ثم في أسفار صغار، ثم لم يتحرج من نشرها كاملةً حين طلبت إليه ذلك دار من دور النشر.
وما يدعوه إلى التحرُّج، وقد صارح الناس من أمره بالعظيم! فَلْيصارحهم بما بقي من أمره، فلن يستطيعوا له ضرًّا ولن يستطيعوا له نفعًا. وقد عوَّد نفسه الاستقلال التام، فهو لا ينتظر من الناس شيئًا، كما أنه لا يخاف منهم شيئًا، وشخصية أندريه جيد متمردة بأوسع معاني هذه الكلمة وأدقها، متمردة على العُرْف الأدبي، وعلى القوانين الخلقية، وعلى النظام الاجتماعي، وعلى النظام السياسي، وعلى أصول الدين نفسها؛ متمردة على كل شيء حتى على نفسها في أكثر الأحيان.
وفي كل إنسان حر، أو مؤمن بحريته، حظ من التمرد على هذا النظام أو ذاك من نُظُم الحياة الاجتماعية، ولكنه يصانع ويداجي ويحتال ليلائم بين شخصيته وبين البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ ففي حياته شيء من الكذب قليل أو كثير، وفيها حظ من النفاق عظيم أو ضئيل، يُظهِر للنُّظُم الاجتماعية طاعةً لها ورضًى بها، وهو لها كلها أو بعضها كارِهٌ، وعليها ساخط، وبها متبرم، ولكنه محتاج إلى أن يعيش، فلا بد له من الكذب والنفاق وخداع الجماعات وسرقة لذاته ما وجد إلى سرقتها سبيلًا، والناس قد عرفوا ذلك وأقرُّوه وتواضعوا عليه، وأصبح الكذب والنفاق وسرقة اللذات وإخفاء السيئات أوضاعًا اجتماعيةً يألفها الناس، ينكرونها في ألفاظهم ويقرونها في سريرتهم وفي أعماق نفوسهم. أما أندريه جيد فإنه ينفرد بالملاءمة بين تمرده الداخلي وسيرته الخارجية إنْ صحَّ هذا التعبير؛ يرى الرأي فيعلنه مهما تكن نتيجة ذلك، ويشتهي الشيء فيسعى إليه ويحقِّقه مهما تكن نتيجة ذلك، ويحس هذا الحس أو ذاك، ويشعر هذا الشعور أو ذاك، ويجد القدوة على تصوير حسه وشعوره فلا يتردد في تصوير حسه وشعوره، يقسو في هذا كله على الناس، ويقسو في هذا كله على نفسه، ولا يقبل في هذه القسوة هوادةً ولا موادعةً.
ومن أجل هذا أنكره الناس إنكارًا شديدًا، وعابوه بالحق والباطل، ولعلهم عابوه بالباطل أكثر ممَّا عابوه بالحق؛ فهم حملوا عليه أشياء لا يد له فيها، كهذه المرأة التي كان لها خليل أديب يسيء عشرتها، ويشتط عليها في المعاملة، ولا يعفيها من الضرب والإيذاء، فكانت تحمل هذا كله على أندريه جيد، وتزعم أنه يغري تلاميذه وأصدقاءه بإيذاء الأزواج والخليلات، مع أن خليلها ذاك لم يكن يتصل بأندريه جيد من قريب ولا من بعيد، ولكن سيرته الصريحة وأدبه الصريح وهذه الحرية المطلقة التي أباحها لنفسه، كل ذلك أساء رأي الناس فيه، فحملوا عليه من النكر والإثم ما جنى وما لم يجن، وكأن المصادفة قد أعانت الناس على ذلك ومهَّدَتْ لهم سُبُله، فالكتَّاب الذين ينقدونه عائبين له، وهم كثيرون، لا يكادون يروون عنه جملةً أو نصًّا حتى يروونهما محرَّفَيْن، إما لخطأ اضطروا إليه، أو لعمد دفعهم إليه سوء النية، والكتَّاب الذين ينتقدونه مُثنِين عليه وهم قليلون، لا يكادون ينقلون عنه نصًّا حتى يدركه التحريف، وإذا هم يحملون على صاحبه من الخير ما لم يرد، ويهدون إليه من الثناء ما لا يستحق، وهو يرى هذا كله في الصحف والمجلات والكتب، ويسمعه في الأحاديث، ويهم بتصحيحه ورد الأمر فيه إلى نصابه، ولكنه يكف عن ذلك آخِر الأمر؛ لأنه لا يحفل بما يقول الناس فيه من خير أو شر، وحسبه أن يسجل هذا كله في يومياته.
قلتُ إن شخصية أندريه جيد متمردة، وإن تمرده صريح صادق، وإن هذا التمرد الصريح الصادق هو الذي يميِّزه من غيره من الكتَّاب والأدباء والمفكرين، وأحب أن أشير إلى بعض النواحي التي يظهر فيها تمرده هذا قويًّا عنيفًا، ولكني أحب أن ألاحظ قبل كل شيء أن القسم الأول من يومياته، هذا الذي كُتِب في أول الشباب، يصوِّر لنا هذه الشخصية الناشئة، وفيها أصول القوة والبأس والتمرد والثورة. فهو لا ينشأ كما ينشأ غيره من الشبان الممتازين، متأثرًا بما حوله من الحياة الأدبية والعقلية مؤثرًا فيه، ولكنه ينشأ ناقدًا لتأثره وتأثيره، مسجلًا لما يأتيه من خارج ولما يصدر عنه، مبيِّنًا ما في هذا وذاك من خير أو شر، محاولًا إصلاح ما يراه شرًّا والاستزادة مما يراه خيرًا، محاسبًا نفسه حسابًا شديدًا على ما أخذ وما أُعطي، مراقبًا فنَّه الناشئ الغض مراقبةً دقيقةً، يقوِّمه إذا اعوجَّ، ويرده إلى الطريق إذا جار عنها، وإلى الطريق التي يريدها هو، لا التي يريده عليها الأدباء وأصحاب الفن الذين هم أكبر منه سنًّا، وأبعد منه بالفن والأدب عهدًا، وأعمق منه بهما علمًا.
وهو لا يقرأ كتابًا ولا مقالًا ولا فصلًا في صحيفة، ولا يسمع حديثًا من أديب ناشئ مثله أو أديب متقدم في السن ممتاز في المكانة، إلا مسَّه بالنقد والتحليل، ورده إلى أصله، واستخلص منه ما يلائم مزاجه وطبعه، ونفى منه ما يجافي هذا الطبع أو ينافي ذلك المزاج. فهو إذًا ينشئ شخصيته الفنية تنشيئًا ممتازًا، قوامه الملاحظة والمراقبة الشديدة والنقد لا إسماح فيه، حتى إذا تمت نشأة هذا الفن، واستقرت في نفس الشاب هذه الثقة أو هذا الشيء الذي يشبه الثقة ويدفع الأديب إلى الإنتاج، واجه الناس بآثاره ناقدًا لنفسه في إصدار هذه الآثار، مسجلًا ما يعرف من مواطن الضعف فيها، منتظرًا ما سيلقى الناس به آثاره من الرضى أو السخط، ومن النقد أو التقريظ.
وقد كان أندريه جيد أقل الناس حظًّا من رضى النقاد وثنائهم عليه، ثم من رضى الناس وإقبالهم على آثاره، وكانت كُتُبه الأولى أقل الكتب رواجًا وانتشارًا، ولكن ذلك لم يغيِّر من سيرته مع نفسه، ومع الناس، فمضى في طريقه قدمًا حتى غصب القرَّاء غصبًا، وأكرههم على قراءته إكراهًا، وحملهم على الإعجاب بفنِّه حملًا، وأظهر للنقاد أن الأديب الممتاز يستطيع أن يفرض نفسه على قرَّائه، سواء رضي النقاد أم سخطوا. على أنه كان وما زال فيما أعتقد يعزي نفسه بأنه لا يكتب لهذا الجيل أو لهذه الأجيال التي يعيش فيها، وإنما يكتب لأجيال مُقبِلة، فليس عليه بأس إذا لم يفهمه معاصروه.
وقد نشأ أندريه جيد بروتستنتيًّا، ولكنه لم يلبث أن عرض لشئون الدين بالنقد، كما عرض لغيرها من الشئون، فلم يَبْقَ له من مذهبه الديني الموروث إلا شدته على نفسه، وأخذه إياها بالحزم والعنف والدقة في بعض سيرته وفي تفكيره وحياته العقلية بوجه خاص، وإذا هو يفرق بين الدين والأوضاع الدينية والاجتماعية، فينفي هذه ويستبقي ذاك، وإذا هو مؤمن أشد الإيمان وأقواه حتى يُظَن به التصوف، منكر للكنيسة أشد الإنكار، ثائر عليها أعظم الثورة، ولكنه لا يؤمن إيمان المقلِّد، وإنما يؤمن إيمان المجتهد، فيعرض له الشك ويؤذيه الريب. ثم هو ينظر في غرائزه وفي الأوضاع الاجتماعية، وفيما يأخذ الدين والعُرْف والأخلاق والقوانين هذه الغرائز به من النظام، وإذا هو ينحرف عن هذا النظام انحرافًا منكرًا في سيرته، فيألف لونًا من اللذة تنكره النُّظُم الدينية والاجتماعية إنكارًا شديدًا، ولكنه لا يتحرَّج من إرضاء غرائزه على هذا النحو البغيض، ثم لا يداجي في ذلك ولا يصانع ولا يخفي منه شيئًا، بل يجهر بآرائه فيبثها في كتبه، ثم يؤلِّف في الدفاع عنها كتابًا وأي كتاب! وقد أحَبَّ فتاةً تجمعها به صلة القرابة أشد الحب فاتخذها له زوجًا، وكان أسعد الناس بحبها، كما كانت أسعد الناس بحبه، ولكن ذلك لم يمنعه من المضي في طريقه تلك، في غير تردُّد وفي أيسر تحفُّظ واحتياط. وأكبر الظن أنه شقي بحبه وأشقى به أيضًا، فهو ينبئنا في يومياته بأنه لا يريد أن يودع هذه اليوميات شيئًا مما يمس زوجه، ثم ينبئنا في آخِر الكتاب بأنه نادم على هذه الخطة؛ لأنه انتزع من هذا الكتاب نفسه.
ونحس نحن أثناء قراءة اليوميات الخلاف المؤلِم الذي ثار بين الزوجين حول المسألة الدينية خاصةً؛ فقد كانت مدام أندريه جيد مؤمنةً صادقةً، وآذاها من غير شك أشد الإيذاء ما ظهر من انحراف زوجها الذي كانت تحبه وتؤثره، عن جادة الدين وعن جادة العُرْف أيضًا.
وقد وجد أندريه جيد نفسه في أشد الألم وأعنفه، حين أحس حزن زوجه، وبعد الآماد بينه وبينها في السيرة والتفكير؛ وإنه ليصف لنا بعض سعادته تلك العوجاء التي ظفر بها في بعض أيامه، فحبَّبَتْ إليه الحياة، وجدَّدَتْ نشاطه بالعمل والإنتاج، وإذا شيء واحد ينغص عليه هذه السعادة، وهو تفكيره بين حين وحين في يأس امرأته وقنوطها، لو أنها عَلِمَتْ أنه يجد السعادة في غير حبها، وفي وغير قُرْبها.
ومن أجل هذا، وأشياء أخرى غير هذا، قلت في أول هذا الفصل إن شخصية أندريه جيد متعددة وواحدة في وقت معًا، فهو يحب زوجه أصدق الحب وأعمقه وأبقاه، ويجزع لموتها أشد الجزع، ويصور جزعه في صحف خالدة، ولكنه في الوقت نفسه ينحرف عنها انحرافًا منكرًا، ولا يرى بذلك بأسًا ولا جناحًا. وقد قلت كذلك في أول هذا الفصل إنه يقسو على نفسه، كما يقسو على غيره في صراحة وصدق، وربما كان من أوضح الأدلة على هذه القسوة أنه عرف من نفسه البخل وحب المال، فلم يتردد في تسجيل هذه الخصلة من خصاله، وفي تسجيل ما تكلفه من العناء المادي والخلقي؛ فهو يذهب إلى المطعم فيأكل غير ما يشتهي أو أقل ممَّا يشتهي بخلًا بالمال، ثم يألم لذلك ويشكو منه، وهو يدعو غيره إلى الطعام، فإذا أدى الثمن قصر في إرضاء الخادم، ولم يمنحه إلا قليلًا، ولعله لا يمنحه شيئًا بخلًا وتقتيرًا، ثم يستخزي لذلك، ويسجل خزيه، ويعرف الناس عنه هذا البخل فيتندرون به، ويخترعون القصص والأحاديث، وتنتهي نوادرهم إلى أندريه جيد، فلا يتردد في تسجيلها وتصحيحها، إنِ احتاجت إلى التصحيح. ولا أذكر قسوته على نفسه في الفن، فتلك خصلة لا يكون الأديب أديبًا إلا بها، وأما قسوته على غيره فتصورها هذه الأحكام الصارمة التي يدمغ بها أصدقاءه وأحب الناس إليه في فنهم، وفي أخلاقهم، وفي صُوَرهم وأشكالهم، كما يدمغ بها خصومه وأبغض الناس إليه، ثم لا يتردد في إذاعتها، وأصدقاؤه وخصومه أحياء، كما أنه هو حي أيضًا، ومن الممكن، بل من المحقق، أنهم سيقرءونه وسيلقونه؛ ولكن أي بأس عليه وقد أخذ نفسه بالحرية والاستقلال، وبالصراحة والصدق؟ وهو على بخله وحبه للمال، رقيق القلب جدًّا، طيب النفس جدًّا، عطوف على الفقراء والبائسين، لا يتردد في معونتهم، وتيسير الحياة لهم؛ فهو يبخل على نفسه، ويبخل على القادرين من أصدقائه وذوي معرفته، ولكنه لا يبخل على العاجزين والبائسين.
وعطف أندريه جيد على الفقراء والبائسين، وإيمانه بالحرية والمساواة، وكرامة الشخص الإنساني؛ كل هذا مضافًا إلى مسيحيته الخالصة، قد دفعه إلى الشيوعية حين ظهرت وعظم أمرها، وإذا هو يدافع عنها أشد الدفاع وأقواه، ولكنه حر صادق، فلا يكاد يزور روسيا ويرى فيها ما يرى، حتى يعود ساخطًا على النظام القائم فيها، معلنًا سخطه، متعرضًا لغضب المتطرفين، كما تعرَّض من قبلُ لغضب المحافظين، ساخرًا من غضب أولئك وهؤلاء، كما سخر من غضب البروتستنت والكاثوليك والملحدين.
وهناك مسألة يُعْنَى بها «أندريه جيد» في يومياته عنايةً شديدةً، وهي مسألة تأثيره في الشباب؛ فخصومه يشفقون من هذا التأثير أشد الإشفاق، على حين يرى هو في بعض أوقاته أنه لم يؤثر في الشباب، أو لم يؤثر فيهم كما ينبغي، ويتمنى في بعض الأوقات لو استطاع أن يؤثر في الشباب، فيعلِّمهم الحرية والاستقلال، ولا سيما بالقياس إلى أساتذتهم وبالقياس إليه هو خاصةً. والشيء الذي لا شك فيه هو أن أندريه جيد قد أثَّر في أجيال من الشباب الفرنسيين تأثيرًا عميقًا، ولا سيما من الناحية الفنية، ومن ناحية الحرية الأدبية، في الشعور وفي تصوير الشعور، ولعلي أتحدَّث إليك في يوم قريب عن تلميذ من تلاميذه كاد يكون صورةً منه، لولا أن الموت اخترمه قبل أن يبلغ الأربعين.
وبعدُ؛ فقد يكون من الخير أن نردَّ هذه الشخصية القوية المتمردة إلى أصولها وعناصرها في أسطر قِصار بعد هذه الإطالة التي لم نجد منها بدًّا، وقد ذكرتُ مسيحيته الموروثة، وأثرها في أخلاقه وتفكيره، فَلْأضِفْ إليها كلفه بالعلوم التجريبية ومشاركته فيها، وأسفه لأنه لم يفرغ لها، ثم لأضف إلى هذين العنصرين عنايته بالموسيقى وبراعته فيها، وأخذه نفسه بالإيقاع ساعات في كل يوم، وحزنه أن حالت الظروف بينه وبين هذا الإيقاع. فأما القراءة فقُلْ فيها ما شئتَ، ولا سيما قراءة الأدب الإنجليزي والألماني والروسي، وبنوع خاص شكسبير وجوت ودوستويفسكي، وهو من أكثر الأدباء قراءةً للأدب الفرنسي قديمه وحديثه، يقرأ الكتاب مرةً ومرتين وثلاثًا، ويجد في كل مرة لذةً جديدةً ورغبةً في الإعادة، وهو مشغوف شغفًا خاصًّا ببلزاك وزولا، وله على معاصريه أحكام تبلغ القسوة المنكرة، وأحكام أخرى تبلغ الإعجاب الذي لا حد له، وما ينبغي أن أنسى عنايته بالأدب القديم وبالأدب اللاتيني خاصةً، وتأثُّره بهذا الأدب في فنه، ولا سيما من ناحية النظم والموسيقى، حتى يضيق أحيانًا بهذا التأثُّر؛ فنثره يوشك أن يكون شعرًا؛ لأنه يقيمه على لون من الموسيقى يوشك أن يكون حسابًا.
وأندريه جيد حضريُّ الغريزة بدويُّ السيرة، حريص أشد الحرص على لذَّات الحضارة ورفاهيتها، مبغض أشد البغض للإقامة المتصلة في مكان واحد، كأن أبا تمام قد قال فيه بيته المشهور:
كَأَنَّ بِهِ ضَغَنًا عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ شَوْقًا إِلَى كُلِّ جَانِبِ
فأنت تراه متنقلًا بين باريس وقريته في نورمنديا، وجنوب فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأفريقيا الشمالية وتركيا ومصر والروسيا، ولأفريقيا الشمالية أثر خاص ممتاز في حياته الأدبية، وقد ألهمته أجمل كتبه وأروعها، ولم يتصل جيد بشعب، بعد الشعب الفرنسي، كما اتصل بالشعب العربي في أفريقيا الشمالية، وبالشعب العربي الساذج الغافل، يلتمس عنده لذَّاته على اختلافها.
وقد أطلت، ولكن ماذا أصنع وأنا مطيل بطبعي، ومضطر في هذا الحديث إلى أن أصور لك كتابًا يبلغ أكثر من ألف وثلاثمائة صفحة، وشخصًا واحدًا ولكنه لا يكاد يحصى! ومع ذلك فهل أختم هذا الحديث دون أن أذكر ما يجده قارئ هذه اليوميات من المتاع الذي لا حد له، حين يرى الكاتب يصوِّر له أصدق التصوير وأدقه عنايتَه بآثاره الفنية منذ يفكر فيها، وحين يأخذ في إنتاجها إلى أن يتمها، مبطئًا حينًا مسرعًا حينًا آخَر، شقيًّا بالزائرين له والصارفين له عن العمل دائمًا؛ ثم قراءة هذه الآثار على أصدقائه وخاصته، وعلى «رجيه مرتان دي جار» من بينهم بنوع خاص، ثم قبوله لملاحظاتهم، يذعن لها عن رضًا، ويذعن لها عن كُرْه، ويمتنع عليها أحيانًا، ويندم على هذا الامتناع؛ ثم إذاعته لهذه الآثار، وانتظاره لآراء الناس فيها، وعنايته بهذه الآراء، لا ليردَّ عليها ولا ليصحِّحها، بل ليسجلها في يومياته ليس غير.
وهل أختم هذا الحديث دون أن أشير إلى ما تصوِّر لنا هذه اليومياتُ من أصدقاء الكاتب وخصومه، وهم خلاصة الأدباء الفرنسيين وصفوتهم! ولكن هناك أشياء كثيرة جدًّا في هذه اليوميات لم أُشِرْ إليها، ولن أستطع الإشارة إليها، إلا أن أطغى على غيري من الزملاء الذين يكتبون في «الثقافة»، كما فعلتُ في الأسبوع الماضي، آسفًا معتذرًا.
فَلْأقف عند هذا الحد، ولأسجل حزني حين أقرأ ما تتيح لي الأيام قراءته من الكتب الممتعة، فأود لو يشاركني المثقفون من المصريين فيما فيها من متاع، وأعجز عن تمكين كثير منهم من هذه المشاركة. ما أشد حاجتنا إلى الذين يقرءون ويلخِّصون للناس ما يقرءون، ويترجمون لهم بعض ما يقرءون!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فصول في الأدب والنقد، طـه حسين.
ثم زار أندريه جيد مصر في الشتاء الماضي، وحاولتُ لقاءه، بل حاولت أن أتيح للمثقفين المصريين الاستماع لبعض أحاديثه في محاضرة من محاضرات كلية الآداب، فلم أجد إلى ذلك سبيلًا؛ لأن أندريه جيد كان محزونًا كئيب النفس، كاسف البال، يخضع لأزمةٍ من هذه الأزمات التي تلم ببعض الأدباء والمفكرين الممتازين، فتدفعهم إلى العزلة دفعًا، وتزهدهم تزهيدًا شديدًا في لقاء الناس.
وقد كتب إليَّ أندريه جيد في ذلك الوقت كتابًا رقيقًا عذبًا، يعتذر إليَّ فيه من امتناعه على هذا اللقاء بأزمته تلك، ويرجو مني أن أصدِّقه، وألَّا أظن به التعلل أو تعمُّد التقصير.
ثم عاد إلى فرنسا، ومضيت أنا في القراءة له والقراءة عنه، والاشتغال به، حتى أتيح لي بعد أن عدتُ من أوروبا آخِر الصيف الماضي أن ألقاه لقاءً طويلًا في القاهرة، وأن أخلو إليه أربع مرات في الأسبوع، وأنفق معه في كل مرة ثلاث ساعات، أو أقل من ذلك أو أكثر، وقد اتصل هذا اللقاء شهرًا وبعض شهر، وأكبر الظن أنه سيستأنف متى سمح الوقت باستئنافه، وأرجو أن يكون ذلك قريبًا.
لقيته في القاهرة مع أنه مقيم في باريس يعمل مع زميله وصديقه جيرودو في نشر الدعوة لفرنسا أثناء الحرب، وما أشك في أنه يلقى من إقامته المتصلة في باريس مشقةً شاقةً وعناءً ثقيلًا، فهو أبغض الناس للإقامة المتصلة، وأحبهم للسفر القريب والبعيد، ولكني مع ذلك لقيته في القاهرة، وأستطيع أن ألقاه متى شئتُ، سواء أراد ذلك أم لم يرده، وسواء ألمَّتْ به أزمة المفكرين أو انجلت عنه، والفضل في ذلك للمطبعة التي نشرت لنا في هذه الأيام يومياته، والفضل في ذلك لابني الصغير الذي أهدى إليَّ هذه اليوميات قبيل إبحارنا من مرسيليا. وهذه اليوميات صورة دقيقة مطابِقة للأصل كما يقال أشد المطابَقة، ترتسم فيها شخصية أندريه جيد كأوضح ما يمكن أن تكون، وهي طويلة تقع في أكثر من ١٣٠٠ صفحة، قد طُبِعت طبعًا أنيقًا في حرف دقيق، وتصوِّر من حياة صاحبها خمسين عامًا كاملة، فقد بدأها سنة ١٨٨٩، حين كان في العشرين من عمره، ووقف منها عند أول سنة ١٩٣٩، حين أبحر من مرسيليا قاصدًا إلى مصر.
فهو إذًا يحدِّثنا عن حياته أثناء نصف قرن كامل، وهو لا يحدِّثنا عن نفسه كما تعوَّد أصحاب اليوميات أن يفعلوا؛ أريد أنه لا يُظهِر لنا نفسه في كتابه هذا كما يُظهِر نفسه للناس في المجالس والأندية والشوارع، وقد اتَّخَذ من اللباس والزينة والهيئة المصنوعة ما تواضَعَ الناس على أن يتخذوا حين يلقى بعضهم بعضًا، وأنت تعلم أن أكثر الذين يكتبون اليوميات والمذكرات يزيِّنون أشخاصهم المعنوية للناس كما يزيِّنون أشخاصهم المادية حين يلقونهم، يقتصدون في ذلك حينًا، ويسرفون في ذلك أحيانًا، ولكنهم يتكلفون على كل حال، ويظهرون نفوسهم كاسيةً لا عاريةً. أما أندريه جيد فإنه قد أعرض عن هذا الصنيع إعراضًا تامًّا، لا غش فيه ولا محاولة للغش، لا لأنه أراد أن يكون صريحًا صادقًا، بل لأنه لم يستطع إلا أن يكون صريحًا صادقًا، وخصلة الصراحة والصدق هي المميز الأول والأخير، المميز الأساسي لشخصيته المعقَّدَة الخصبة البسيطة المتعددة الواحدة مع ذلك. فرضت هذه الخصلة نفسها عليه، فلم يستطع أن يخلص منها، ولا أن يخالف عن أمرها، ولعله لم يحاول ذلك على كثرة ما أرادته الظروف والناس، ومنافعه القريبة والبعيدة على محاولته. فأما في الكتب التي كتبها للناس وأذاعها فيهم، فقد أذعن لخصلة الصراحة والصدق إذعانًا صريحًا صادقًا، ولكنه راعى ما لا بد من مراعاته في الكتب الأدبية التي تذاع في الناس من أصول الفن قبل كل شيء، ومن ظروف النظام والعُرْف بعد ذلك؛ فكانت خصلة الصراحة والصدق في هذه الكتب مقيَّدة بهذه القيود التي لا تكاد تخفي شيئًا، ولكنها مع ذلك لا تظهر الكاتب كما هو أو كما يحب أن يراه الناس. وأما في اليوميات فقد ألغى أندريه جيد هذه القيود نفسها؛ لأنه لم يكتبها للناس، وإنما كتبها لنفسه، ولنفسه وحدها، وقد أقام من نفسه رقيبًا يلاحظ أدق الملاحظة ما كان يجري به قلمه من هذه اليوميات، وينبهه في سرعة وقوة إلى ما قد يدفعه الفن إليه من التكلُّف أحيانًا، ومن التفكير في الناس، وفي أنهم قد يقرءون ما يكتب في يومٍ من الأيام أحيانًا أخرى، فيرده إلى السذاجة والطبع، ويجرده من التكلُّف والزينة، ويضطره إلى ما ينبغي له، حين يخلو إلى نفسه، من التبذل وإرسال المزاج على سجيته.
وقد عود الناس، فيما كان يذيع فيهم من الكتب، صراحةً لم يألفوها، وصدقًا لم يعرفوه، وتمردًا لا عهد لهم به؛ حتى إذا تقدَّمت به السن، وعرف الناس منه ذلك، وبلا سخطهم عليه وتبرمهم به، وتم الاتفاق الصامت بينه وبين الناس على أنه قد خُلِق كذلك، فلا سبيل إلى أن يغيِّر نفسه ولا إلى أن يغيِّره أحدٌ، ولا بد من أن يؤخذ كما هو، ويُقبَل أو يُرفَض على عِلَّاته، دون أن يصنع شيئًا ليتملق الناس أو يرضيهم عن نفسه وعن آثاره؛ أقول لما تعوَّد الناسُ صراحته وصِدْقه، وتعوَّد هو من الناس سخطهم وإنكارهم، سقطت الفروق بين ما كان يكتب لنفسه، وما كان يكتب للناس، فجعل يكتب لتلك كما كان يكتب لأولئك، أو جعل يكتب لأولئك كما يكتب لتلك، واستقام له طبعه الصادق الصريح في آثاره الخاصة والعامة، فلم يتحرج من نشر بعض يومياته في المجلة الفرنسية الجديدة التي أنشأها مع جماعة من أصدقائه، ثم في أسفار صغار، ثم لم يتحرج من نشرها كاملةً حين طلبت إليه ذلك دار من دور النشر.
وما يدعوه إلى التحرُّج، وقد صارح الناس من أمره بالعظيم! فَلْيصارحهم بما بقي من أمره، فلن يستطيعوا له ضرًّا ولن يستطيعوا له نفعًا. وقد عوَّد نفسه الاستقلال التام، فهو لا ينتظر من الناس شيئًا، كما أنه لا يخاف منهم شيئًا، وشخصية أندريه جيد متمردة بأوسع معاني هذه الكلمة وأدقها، متمردة على العُرْف الأدبي، وعلى القوانين الخلقية، وعلى النظام الاجتماعي، وعلى النظام السياسي، وعلى أصول الدين نفسها؛ متمردة على كل شيء حتى على نفسها في أكثر الأحيان.
وفي كل إنسان حر، أو مؤمن بحريته، حظ من التمرد على هذا النظام أو ذاك من نُظُم الحياة الاجتماعية، ولكنه يصانع ويداجي ويحتال ليلائم بين شخصيته وبين البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ ففي حياته شيء من الكذب قليل أو كثير، وفيها حظ من النفاق عظيم أو ضئيل، يُظهِر للنُّظُم الاجتماعية طاعةً لها ورضًى بها، وهو لها كلها أو بعضها كارِهٌ، وعليها ساخط، وبها متبرم، ولكنه محتاج إلى أن يعيش، فلا بد له من الكذب والنفاق وخداع الجماعات وسرقة لذاته ما وجد إلى سرقتها سبيلًا، والناس قد عرفوا ذلك وأقرُّوه وتواضعوا عليه، وأصبح الكذب والنفاق وسرقة اللذات وإخفاء السيئات أوضاعًا اجتماعيةً يألفها الناس، ينكرونها في ألفاظهم ويقرونها في سريرتهم وفي أعماق نفوسهم. أما أندريه جيد فإنه ينفرد بالملاءمة بين تمرده الداخلي وسيرته الخارجية إنْ صحَّ هذا التعبير؛ يرى الرأي فيعلنه مهما تكن نتيجة ذلك، ويشتهي الشيء فيسعى إليه ويحقِّقه مهما تكن نتيجة ذلك، ويحس هذا الحس أو ذاك، ويشعر هذا الشعور أو ذاك، ويجد القدوة على تصوير حسه وشعوره فلا يتردد في تصوير حسه وشعوره، يقسو في هذا كله على الناس، ويقسو في هذا كله على نفسه، ولا يقبل في هذه القسوة هوادةً ولا موادعةً.
ومن أجل هذا أنكره الناس إنكارًا شديدًا، وعابوه بالحق والباطل، ولعلهم عابوه بالباطل أكثر ممَّا عابوه بالحق؛ فهم حملوا عليه أشياء لا يد له فيها، كهذه المرأة التي كان لها خليل أديب يسيء عشرتها، ويشتط عليها في المعاملة، ولا يعفيها من الضرب والإيذاء، فكانت تحمل هذا كله على أندريه جيد، وتزعم أنه يغري تلاميذه وأصدقاءه بإيذاء الأزواج والخليلات، مع أن خليلها ذاك لم يكن يتصل بأندريه جيد من قريب ولا من بعيد، ولكن سيرته الصريحة وأدبه الصريح وهذه الحرية المطلقة التي أباحها لنفسه، كل ذلك أساء رأي الناس فيه، فحملوا عليه من النكر والإثم ما جنى وما لم يجن، وكأن المصادفة قد أعانت الناس على ذلك ومهَّدَتْ لهم سُبُله، فالكتَّاب الذين ينقدونه عائبين له، وهم كثيرون، لا يكادون يروون عنه جملةً أو نصًّا حتى يروونهما محرَّفَيْن، إما لخطأ اضطروا إليه، أو لعمد دفعهم إليه سوء النية، والكتَّاب الذين ينتقدونه مُثنِين عليه وهم قليلون، لا يكادون ينقلون عنه نصًّا حتى يدركه التحريف، وإذا هم يحملون على صاحبه من الخير ما لم يرد، ويهدون إليه من الثناء ما لا يستحق، وهو يرى هذا كله في الصحف والمجلات والكتب، ويسمعه في الأحاديث، ويهم بتصحيحه ورد الأمر فيه إلى نصابه، ولكنه يكف عن ذلك آخِر الأمر؛ لأنه لا يحفل بما يقول الناس فيه من خير أو شر، وحسبه أن يسجل هذا كله في يومياته.
قلتُ إن شخصية أندريه جيد متمردة، وإن تمرده صريح صادق، وإن هذا التمرد الصريح الصادق هو الذي يميِّزه من غيره من الكتَّاب والأدباء والمفكرين، وأحب أن أشير إلى بعض النواحي التي يظهر فيها تمرده هذا قويًّا عنيفًا، ولكني أحب أن ألاحظ قبل كل شيء أن القسم الأول من يومياته، هذا الذي كُتِب في أول الشباب، يصوِّر لنا هذه الشخصية الناشئة، وفيها أصول القوة والبأس والتمرد والثورة. فهو لا ينشأ كما ينشأ غيره من الشبان الممتازين، متأثرًا بما حوله من الحياة الأدبية والعقلية مؤثرًا فيه، ولكنه ينشأ ناقدًا لتأثره وتأثيره، مسجلًا لما يأتيه من خارج ولما يصدر عنه، مبيِّنًا ما في هذا وذاك من خير أو شر، محاولًا إصلاح ما يراه شرًّا والاستزادة مما يراه خيرًا، محاسبًا نفسه حسابًا شديدًا على ما أخذ وما أُعطي، مراقبًا فنَّه الناشئ الغض مراقبةً دقيقةً، يقوِّمه إذا اعوجَّ، ويرده إلى الطريق إذا جار عنها، وإلى الطريق التي يريدها هو، لا التي يريده عليها الأدباء وأصحاب الفن الذين هم أكبر منه سنًّا، وأبعد منه بالفن والأدب عهدًا، وأعمق منه بهما علمًا.
وهو لا يقرأ كتابًا ولا مقالًا ولا فصلًا في صحيفة، ولا يسمع حديثًا من أديب ناشئ مثله أو أديب متقدم في السن ممتاز في المكانة، إلا مسَّه بالنقد والتحليل، ورده إلى أصله، واستخلص منه ما يلائم مزاجه وطبعه، ونفى منه ما يجافي هذا الطبع أو ينافي ذلك المزاج. فهو إذًا ينشئ شخصيته الفنية تنشيئًا ممتازًا، قوامه الملاحظة والمراقبة الشديدة والنقد لا إسماح فيه، حتى إذا تمت نشأة هذا الفن، واستقرت في نفس الشاب هذه الثقة أو هذا الشيء الذي يشبه الثقة ويدفع الأديب إلى الإنتاج، واجه الناس بآثاره ناقدًا لنفسه في إصدار هذه الآثار، مسجلًا ما يعرف من مواطن الضعف فيها، منتظرًا ما سيلقى الناس به آثاره من الرضى أو السخط، ومن النقد أو التقريظ.
وقد كان أندريه جيد أقل الناس حظًّا من رضى النقاد وثنائهم عليه، ثم من رضى الناس وإقبالهم على آثاره، وكانت كُتُبه الأولى أقل الكتب رواجًا وانتشارًا، ولكن ذلك لم يغيِّر من سيرته مع نفسه، ومع الناس، فمضى في طريقه قدمًا حتى غصب القرَّاء غصبًا، وأكرههم على قراءته إكراهًا، وحملهم على الإعجاب بفنِّه حملًا، وأظهر للنقاد أن الأديب الممتاز يستطيع أن يفرض نفسه على قرَّائه، سواء رضي النقاد أم سخطوا. على أنه كان وما زال فيما أعتقد يعزي نفسه بأنه لا يكتب لهذا الجيل أو لهذه الأجيال التي يعيش فيها، وإنما يكتب لأجيال مُقبِلة، فليس عليه بأس إذا لم يفهمه معاصروه.
وقد نشأ أندريه جيد بروتستنتيًّا، ولكنه لم يلبث أن عرض لشئون الدين بالنقد، كما عرض لغيرها من الشئون، فلم يَبْقَ له من مذهبه الديني الموروث إلا شدته على نفسه، وأخذه إياها بالحزم والعنف والدقة في بعض سيرته وفي تفكيره وحياته العقلية بوجه خاص، وإذا هو يفرق بين الدين والأوضاع الدينية والاجتماعية، فينفي هذه ويستبقي ذاك، وإذا هو مؤمن أشد الإيمان وأقواه حتى يُظَن به التصوف، منكر للكنيسة أشد الإنكار، ثائر عليها أعظم الثورة، ولكنه لا يؤمن إيمان المقلِّد، وإنما يؤمن إيمان المجتهد، فيعرض له الشك ويؤذيه الريب. ثم هو ينظر في غرائزه وفي الأوضاع الاجتماعية، وفيما يأخذ الدين والعُرْف والأخلاق والقوانين هذه الغرائز به من النظام، وإذا هو ينحرف عن هذا النظام انحرافًا منكرًا في سيرته، فيألف لونًا من اللذة تنكره النُّظُم الدينية والاجتماعية إنكارًا شديدًا، ولكنه لا يتحرَّج من إرضاء غرائزه على هذا النحو البغيض، ثم لا يداجي في ذلك ولا يصانع ولا يخفي منه شيئًا، بل يجهر بآرائه فيبثها في كتبه، ثم يؤلِّف في الدفاع عنها كتابًا وأي كتاب! وقد أحَبَّ فتاةً تجمعها به صلة القرابة أشد الحب فاتخذها له زوجًا، وكان أسعد الناس بحبها، كما كانت أسعد الناس بحبه، ولكن ذلك لم يمنعه من المضي في طريقه تلك، في غير تردُّد وفي أيسر تحفُّظ واحتياط. وأكبر الظن أنه شقي بحبه وأشقى به أيضًا، فهو ينبئنا في يومياته بأنه لا يريد أن يودع هذه اليوميات شيئًا مما يمس زوجه، ثم ينبئنا في آخِر الكتاب بأنه نادم على هذه الخطة؛ لأنه انتزع من هذا الكتاب نفسه.
ونحس نحن أثناء قراءة اليوميات الخلاف المؤلِم الذي ثار بين الزوجين حول المسألة الدينية خاصةً؛ فقد كانت مدام أندريه جيد مؤمنةً صادقةً، وآذاها من غير شك أشد الإيذاء ما ظهر من انحراف زوجها الذي كانت تحبه وتؤثره، عن جادة الدين وعن جادة العُرْف أيضًا.
وقد وجد أندريه جيد نفسه في أشد الألم وأعنفه، حين أحس حزن زوجه، وبعد الآماد بينه وبينها في السيرة والتفكير؛ وإنه ليصف لنا بعض سعادته تلك العوجاء التي ظفر بها في بعض أيامه، فحبَّبَتْ إليه الحياة، وجدَّدَتْ نشاطه بالعمل والإنتاج، وإذا شيء واحد ينغص عليه هذه السعادة، وهو تفكيره بين حين وحين في يأس امرأته وقنوطها، لو أنها عَلِمَتْ أنه يجد السعادة في غير حبها، وفي وغير قُرْبها.
ومن أجل هذا، وأشياء أخرى غير هذا، قلت في أول هذا الفصل إن شخصية أندريه جيد متعددة وواحدة في وقت معًا، فهو يحب زوجه أصدق الحب وأعمقه وأبقاه، ويجزع لموتها أشد الجزع، ويصور جزعه في صحف خالدة، ولكنه في الوقت نفسه ينحرف عنها انحرافًا منكرًا، ولا يرى بذلك بأسًا ولا جناحًا. وقد قلت كذلك في أول هذا الفصل إنه يقسو على نفسه، كما يقسو على غيره في صراحة وصدق، وربما كان من أوضح الأدلة على هذه القسوة أنه عرف من نفسه البخل وحب المال، فلم يتردد في تسجيل هذه الخصلة من خصاله، وفي تسجيل ما تكلفه من العناء المادي والخلقي؛ فهو يذهب إلى المطعم فيأكل غير ما يشتهي أو أقل ممَّا يشتهي بخلًا بالمال، ثم يألم لذلك ويشكو منه، وهو يدعو غيره إلى الطعام، فإذا أدى الثمن قصر في إرضاء الخادم، ولم يمنحه إلا قليلًا، ولعله لا يمنحه شيئًا بخلًا وتقتيرًا، ثم يستخزي لذلك، ويسجل خزيه، ويعرف الناس عنه هذا البخل فيتندرون به، ويخترعون القصص والأحاديث، وتنتهي نوادرهم إلى أندريه جيد، فلا يتردد في تسجيلها وتصحيحها، إنِ احتاجت إلى التصحيح. ولا أذكر قسوته على نفسه في الفن، فتلك خصلة لا يكون الأديب أديبًا إلا بها، وأما قسوته على غيره فتصورها هذه الأحكام الصارمة التي يدمغ بها أصدقاءه وأحب الناس إليه في فنهم، وفي أخلاقهم، وفي صُوَرهم وأشكالهم، كما يدمغ بها خصومه وأبغض الناس إليه، ثم لا يتردد في إذاعتها، وأصدقاؤه وخصومه أحياء، كما أنه هو حي أيضًا، ومن الممكن، بل من المحقق، أنهم سيقرءونه وسيلقونه؛ ولكن أي بأس عليه وقد أخذ نفسه بالحرية والاستقلال، وبالصراحة والصدق؟ وهو على بخله وحبه للمال، رقيق القلب جدًّا، طيب النفس جدًّا، عطوف على الفقراء والبائسين، لا يتردد في معونتهم، وتيسير الحياة لهم؛ فهو يبخل على نفسه، ويبخل على القادرين من أصدقائه وذوي معرفته، ولكنه لا يبخل على العاجزين والبائسين.
وعطف أندريه جيد على الفقراء والبائسين، وإيمانه بالحرية والمساواة، وكرامة الشخص الإنساني؛ كل هذا مضافًا إلى مسيحيته الخالصة، قد دفعه إلى الشيوعية حين ظهرت وعظم أمرها، وإذا هو يدافع عنها أشد الدفاع وأقواه، ولكنه حر صادق، فلا يكاد يزور روسيا ويرى فيها ما يرى، حتى يعود ساخطًا على النظام القائم فيها، معلنًا سخطه، متعرضًا لغضب المتطرفين، كما تعرَّض من قبلُ لغضب المحافظين، ساخرًا من غضب أولئك وهؤلاء، كما سخر من غضب البروتستنت والكاثوليك والملحدين.
وهناك مسألة يُعْنَى بها «أندريه جيد» في يومياته عنايةً شديدةً، وهي مسألة تأثيره في الشباب؛ فخصومه يشفقون من هذا التأثير أشد الإشفاق، على حين يرى هو في بعض أوقاته أنه لم يؤثر في الشباب، أو لم يؤثر فيهم كما ينبغي، ويتمنى في بعض الأوقات لو استطاع أن يؤثر في الشباب، فيعلِّمهم الحرية والاستقلال، ولا سيما بالقياس إلى أساتذتهم وبالقياس إليه هو خاصةً. والشيء الذي لا شك فيه هو أن أندريه جيد قد أثَّر في أجيال من الشباب الفرنسيين تأثيرًا عميقًا، ولا سيما من الناحية الفنية، ومن ناحية الحرية الأدبية، في الشعور وفي تصوير الشعور، ولعلي أتحدَّث إليك في يوم قريب عن تلميذ من تلاميذه كاد يكون صورةً منه، لولا أن الموت اخترمه قبل أن يبلغ الأربعين.
وبعدُ؛ فقد يكون من الخير أن نردَّ هذه الشخصية القوية المتمردة إلى أصولها وعناصرها في أسطر قِصار بعد هذه الإطالة التي لم نجد منها بدًّا، وقد ذكرتُ مسيحيته الموروثة، وأثرها في أخلاقه وتفكيره، فَلْأضِفْ إليها كلفه بالعلوم التجريبية ومشاركته فيها، وأسفه لأنه لم يفرغ لها، ثم لأضف إلى هذين العنصرين عنايته بالموسيقى وبراعته فيها، وأخذه نفسه بالإيقاع ساعات في كل يوم، وحزنه أن حالت الظروف بينه وبين هذا الإيقاع. فأما القراءة فقُلْ فيها ما شئتَ، ولا سيما قراءة الأدب الإنجليزي والألماني والروسي، وبنوع خاص شكسبير وجوت ودوستويفسكي، وهو من أكثر الأدباء قراءةً للأدب الفرنسي قديمه وحديثه، يقرأ الكتاب مرةً ومرتين وثلاثًا، ويجد في كل مرة لذةً جديدةً ورغبةً في الإعادة، وهو مشغوف شغفًا خاصًّا ببلزاك وزولا، وله على معاصريه أحكام تبلغ القسوة المنكرة، وأحكام أخرى تبلغ الإعجاب الذي لا حد له، وما ينبغي أن أنسى عنايته بالأدب القديم وبالأدب اللاتيني خاصةً، وتأثُّره بهذا الأدب في فنه، ولا سيما من ناحية النظم والموسيقى، حتى يضيق أحيانًا بهذا التأثُّر؛ فنثره يوشك أن يكون شعرًا؛ لأنه يقيمه على لون من الموسيقى يوشك أن يكون حسابًا.
وأندريه جيد حضريُّ الغريزة بدويُّ السيرة، حريص أشد الحرص على لذَّات الحضارة ورفاهيتها، مبغض أشد البغض للإقامة المتصلة في مكان واحد، كأن أبا تمام قد قال فيه بيته المشهور:
كَأَنَّ بِهِ ضَغَنًا عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ شَوْقًا إِلَى كُلِّ جَانِبِ
فأنت تراه متنقلًا بين باريس وقريته في نورمنديا، وجنوب فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأفريقيا الشمالية وتركيا ومصر والروسيا، ولأفريقيا الشمالية أثر خاص ممتاز في حياته الأدبية، وقد ألهمته أجمل كتبه وأروعها، ولم يتصل جيد بشعب، بعد الشعب الفرنسي، كما اتصل بالشعب العربي في أفريقيا الشمالية، وبالشعب العربي الساذج الغافل، يلتمس عنده لذَّاته على اختلافها.
وقد أطلت، ولكن ماذا أصنع وأنا مطيل بطبعي، ومضطر في هذا الحديث إلى أن أصور لك كتابًا يبلغ أكثر من ألف وثلاثمائة صفحة، وشخصًا واحدًا ولكنه لا يكاد يحصى! ومع ذلك فهل أختم هذا الحديث دون أن أذكر ما يجده قارئ هذه اليوميات من المتاع الذي لا حد له، حين يرى الكاتب يصوِّر له أصدق التصوير وأدقه عنايتَه بآثاره الفنية منذ يفكر فيها، وحين يأخذ في إنتاجها إلى أن يتمها، مبطئًا حينًا مسرعًا حينًا آخَر، شقيًّا بالزائرين له والصارفين له عن العمل دائمًا؛ ثم قراءة هذه الآثار على أصدقائه وخاصته، وعلى «رجيه مرتان دي جار» من بينهم بنوع خاص، ثم قبوله لملاحظاتهم، يذعن لها عن رضًا، ويذعن لها عن كُرْه، ويمتنع عليها أحيانًا، ويندم على هذا الامتناع؛ ثم إذاعته لهذه الآثار، وانتظاره لآراء الناس فيها، وعنايته بهذه الآراء، لا ليردَّ عليها ولا ليصحِّحها، بل ليسجلها في يومياته ليس غير.
وهل أختم هذا الحديث دون أن أشير إلى ما تصوِّر لنا هذه اليومياتُ من أصدقاء الكاتب وخصومه، وهم خلاصة الأدباء الفرنسيين وصفوتهم! ولكن هناك أشياء كثيرة جدًّا في هذه اليوميات لم أُشِرْ إليها، ولن أستطع الإشارة إليها، إلا أن أطغى على غيري من الزملاء الذين يكتبون في «الثقافة»، كما فعلتُ في الأسبوع الماضي، آسفًا معتذرًا.
فَلْأقف عند هذا الحد، ولأسجل حزني حين أقرأ ما تتيح لي الأيام قراءته من الكتب الممتعة، فأود لو يشاركني المثقفون من المصريين فيما فيها من متاع، وأعجز عن تمكين كثير منهم من هذه المشاركة. ما أشد حاجتنا إلى الذين يقرءون ويلخِّصون للناس ما يقرءون، ويترجمون لهم بعض ما يقرءون!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فصول في الأدب والنقد، طـه حسين.