محمد مصطفى العمراني - كنز غريب وكبش أسود!

عندما زرت القرية قبل عام لم يكن للناس من حديث إلا عن الكنوز ، في كل مقيل كانوا يتحدثون عن كنوز كثيرة في الجبال ، وأن أشخاصا يأتون من مناطق بعيدة في جنح الظلام يحفرون ويحملون تلك الكنوز ويمضون ، أشخاص لديهم خرائط ، يأتون إلى أماكن محددة ، صائدو كنوز يتعللون بأنهم يبحثون عن الأعشاب الطبية ، لقد رأيت بعيني العديد من الحفر الكبيرة في بعض الجبال .

أقسم لي جارنا أن مسعود هاشم الذي صار أغنى رجل في المنطقة قد وجد كنزا في الجبل ، كنا في السوق فأخذني جانبا ، جلسنا تحت شجرة وبدأ يتحدث:

ـ هل سمعت بموت نجله سليمان ؟

ـ نعم سمعت بموته .

وسألته مستغرباً :

ـ لكن هذا حدث قبل سنوات !

ـ مسعود لم يجد الكنز أمس أو قبل شهر لقد وجده قبل سنوات .

لم أستوعب الأمر فسألته :

ـ لكن ما علاقة موت ابنه بالكنز ؟!

وأنطلق جارنا يروي لي القصة الغريبة :

ـ عندما وجد مسعود علامات غريبة في الجبل لفت هذا الأمر انتباهه ، حينها ألتقط صورا لتلك الرموز والعلامات ، وذهب إلى خبير آثار في الحديدة فأخبره أن تلك علامات تؤكد وجود كنز في ذلك المكان ، عاد مسعود إلى القرية ولم يكن يومها يملك حتى قيمة القات ، حينها كان يتسلل في جنح الظلام مع ثلاثة من أولاده إلى الجبل ويحفرون إلى قرب الفجر ويعودون.

عندما أقترب من الكنز رأى في منامه شخصا حذره من مواصلة الحفر والسطو على الكنز ، لكنه لم يتوقف ، زاره في المنام في اليوم الأول والثاني ولكنه لم يتوقف ، في اليوم الثالث قال له :

ـ إذا أخذت الكنز سآخذ منك الكبش الأسمر

أرتشف جارنا نفسا عميقا من سيجارته وواصل حديثه :

ـ ظن صاحبنا أن الكبش الأسمر هو كبش من حيواناته التي في الزريبة ولم يعلم أنه ولده سليمان ، أنت تعرف سليمان ولده كان أسمر ، من يراه لأول مرة يظن أنه من الأخدام وليس ابن مسعود .

قاطعته :

ـ الله يرحمه ، كنا نلعب الكرة سويا لكنه كان أصغر مني بسنوات .

ـ بعد أن وجد مسعود الكنز في الصناديق وفتحها ووجدها مليئة بسبائك الذهب سال لعابه على الذهب ، وفجأة خرج له من الشق ثعبان مخيف له قرنين في رأسه فتراجع إلى الخلف وارتعدت فرائصه ، وفر أولاده ، ولم يجرؤ على لمس قطعة ذهب ، لقد خاف على حياته .

قاطعته مرة أخرى :

ـ وكيف فعل ؟ هل ترك الذهب ومضى ؟!

ـ أرسل نجله إلى الفقيه عبد الله محمود فلما جاء إلى الجبل ورأى الكنز في الصناديق كاد عقله يطير من شدة الفرح ، مد يده إلى أحد الصناديق فظهر له الحنش من الشق الذي خلف الصناديق وحينها جف ريقه وأرتبك وفر هاربا ، ثم تماسك وتشجع وبدأ يقرأ القرآن ويكبر ويتقدم نحو الحنش وحينها تحرك الحنش وترك المكان وهم يهللون ويكبرون ، بعدها حملوا الذهب ونزلوا ، أعطوا للفقيه خمسين قطعة ذهبية أشترى منها سيارة وبنى منزلا جديدا .

بعد أيام وجد مسعود نجله سليمان ميتا في فراشه ، رغم أنه لم يمرض أو يشكو من أي ألم ، وحينها علم أنه قد ضحى بولده ، وأن الكبش الأسمر لم يكن غير سليمان .

أشار جارنا بعصاه نحو الجبل قائلا :

ـ تعرف أكمة الغراب ؟

ـ نعم أعرفها كنت أرعى الغنم في الجبل وأجلس تحتها .

ـ هناك يوجد كنز أيضا ، لقد رأيت علاماته .

وسألته :

ـ ولماذا لم تحفر وتخرج الكنز كما فعل مسعود ؟!

ـ أخاف على ولدي ، أنت تعرف أني لا أملك إلا عبد الغني ولا أريد أن أضحى به .

جاءت سيارة القات فتركني جارنا وهرع إليها وتفرقنا ، وعدت إلى المدينة ونسيت تلك القصة من أساسها .

لم يمر غير أسابيع على عودتي من القرية حينها حتى سمعت بوفاة زوجة جارنا رحمها الله ، عندما كنا أطفالا كنا نذهب إليها فتعطينا الكعك والحلوى وبعض النقود أحيانا .

سمعت أمي تتحدث عنها وتقول : مسعدة مقطوعة من شجرة ، تعجبت كيف تكون امرأة ومقطوعة من شجرة ! سألت أمي يومها :

ـ كيف امرأة قطعوها من شجرة ؟!

ـ يعني ليس لها أقارب

ولأنها ليس لها أقارب فقد كانت تتشاجر كثيرا مع زوجها وتأتي إلى منزلنا وتظل تشكو من بخله وسوء معاملته لها حتى أنام وهي ما تزال تشكو .

تظل عندنا لأيام تشكو وتثرثر ثم يأتي ويعيدها إلى المنزل .

منذ أشهر سمعت أن جارنا قد أشترى عمارة في مدينة إب ، وقد تزوج بفتاة من المدينة عمرها أصغر من عمره بثلاثين سنة .!

لقد أشترى عقارات كثيرة ، سمعت شائعات عديدة عن ثرائه المفاجئ ، البعض يقول أنه قد وجد كنزا ، أحد الزملاء أكد لي أنه بدأ يشتغل سمسارا في تجارة الأراضي في مدينة إب وكسب الملايين وبدأ يشتري أراضي ويبيعها فتبددت شكوكي حول مصدر ثروته .

ولكن القصة لم تنته .!

قبل أيام كنت في شارع العدين بمدينة إب وإذا بسيارة فخمة تتوقف فجأة بجواري ، فتح جارنا بابها ونزل ، صافحني بحرارة ثم أقسم علي بأن أتناول الغداء معه في منزله الجديد ، ذهبت معه وحين بدأت أتحدث قاطعني :

ـ تذكر يوم جلست معك تحت الشجرة وحدثتك عن الكنز ؟

ـ نعم أذكر

همس لي :

ـ الحمد لله ان الذي جاءني في المنام أخذ بقرتي الصفراء وترك لي كبشي الأبيض .

ـ تقصد زوجتك أخذوها بدل نجلك ؟

ـ قضاء أخف من قضاء .

وأضاف :

ـ إذا أقبلت عليك الدنيا يأتي الخير من كل جهة ، جاء الكنز وتخلصنا من النكد .

وضحكنا .

حين غادرت منزله فكرت أن أذهب إلى القرية وأبحث لي عن أحد الكنوز لكنني خشيت على كبشي الصغير .!



************​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...