لم تكمل( هَيَا) الستة أشهر بعد عامها الأول بعد..
طفلة تنضح بالحياة والحيوية والبراءة...
لم تكمل (هَيَا) الستة أشهر بعد عامها الأول بعد..
طفلة تنضح بالحياة والحيوية والبراءة...
- إنها تغلبني يا أمي !!
- ضريبة اكتساب الخبرة!!
- أخاف أن تؤذي نفسها!
- الحياة كلها مغامرة.. ستقومين بما ينبغي عليك نحوها بالتأكيد...
- أو تظنين ذلك؟؟!
***
- ماذا فعلت؟ لماذا أمي غاضبة؟
تتسع حدقتا (هَيَا), تحاول أن تفهم سر غضبة أمها.. ترفع حاجبيها الرقيقين.. وتلمع العينان السوداوان الواسعتان.
كل ما فيها غضٌِِِ بضٌ, تمتلئ خلاياها بنسغ الحياة النابضة.. مازال حليب الطفولة يعطي نسيج جسمها رياً يكسبه طراوةً ونداوةً واستدارة بريئة...
- أهكذا؟؟! هكذا جذبت غطاء الطاولة فأوقعت المزهرية.. انظري الآن ماذا فعلت.. لقد كسرتها.. انظري!!! انظري!!!.
كانت أمها تنحني أمامها لتصل إلى مستوى نظرها (هَيَا)، وهي تشير بإصبعها بعصبية إلى قطع الزجاج المتناثرة على الأرض...
ترمش (هَيَا) بأهدابها الطويلة السوداء من حدة صوت الأم.. تنهرها بنزق وتوتر...
- أمي الحنون....ماذا جرى لها؟؟ تراها لم تعد تحبني؟
لكنها تقف ثابتة تحدق بها وتتابع حركاتها مأخوذة بالموقف الجديد...
اقتربت لترى ما الذي سقط... وماذا تعني أمها بـ(كسرتها).
- ابتعدي!! قلت لك ابتعدي.. الآن قد تجرحين نفسك وينزل الدم!!!
- دم!! دم!! أنا أخاف الدم!! ماذا فعلت؟ لماذا الدم؟
تقلب شفتها السفلى وتكورها مثل حبة فريز طازجة, ويقترب حاجباها من بعضهما، وتلمع دمعة تحيل سواد العين وبياضها مرآة كريستالية شفّافة.. تلعب على أوتار قلبك لحناً شجياً يلين نياط القلب فيذوب عطفاً عليها.
وتظن أمها أنها استطاعت أن تردعها عن مثل هذا التصرف.. هيهات.. إنها بعيدة كل البعد عن دخول تلافيف كومبيوتر هيا والسير مع كيمياء تفاعلها البكر مع الحياة...
- ولكني أريد أن أتعرف على الشيء الذي يلمع فوق.. هناك في الأعلى.. كنت أراه كلما حملتني أمي أو حملني أبي.. أردت أن أعرف فقط...
تستمر في مراقبة حركات أمها العصبية، وهي تجمع الأشياء التي تناثرت على الأرض ثم تمسحها بعد ذلك.. وهي متسمرة في الزاوية البعيدة لا تجرؤ على الاقتراب خشية سماع الدرجة العالية الحادة من صوت أمها...
- ماذا تفعل أمي؟! ليتها تشرح لي!!
***
استيقظت (هَيَا) باكراً هذا الصباح.. شعاع الضوء النافذ من وراء ستارة غرفة النوم لمس جفنيها الرقيقين بعصاه السحرية ففتحتهما.. تستجلي الموقف...
- أين أنا؟
تنظر من بين فتحات سور سريرها..
- هاهي أمي !! ما تزال نائمة!! لن أناديها هذه المرّة.. سوف تغضب مني وتعيدني إلى النوم... ولن أستطيع النزول من سريري لأنها سترفع هذا السور عالياً.. وإن ناديتها سوف تصرخ علي.. وأنا أحبها.. ولكن لا أحب أن تصرخ.. أخاف...
جربت هَيَا أن تتسلق السور الخشبي لسريرها.. رفعت رجلاً عليه ورفعت ثقل جسمها بساعديها البضين.. تغريك غمازتي الكوع اللذيذتين بتقبيلهما مرات ومرات.. وأصابعها الطرية منفوخة بنداوة طرية, ولكنها بدأت تكتسب قوة تعينها على الحركة والإمساك بالأشياء...
استدار رأسها الصغير لتلقي نظرة على ألعابها العزيزة فوق سريرها, ووضعت إصبعها الصغير على فمها:
- أرجو ألا تصدروا أصواتاً حتى لا تستيقظ ماما.. ستعيدني إلى النوم.. أنا أكره أن أعود للنوم.. شبعت نوماً..
الآن صارت (هَيَا) على الأرض.. طارت فرحاً بنفسها وبإنجازها الجديد.. ابتسمت لنفسها في المرآة.. تعرف أن من في المرآة هي صديقة لطيفة, تبادلها كل الحركات.. تبادلها الابتسام, ومد اللسان, وأحياناً تقبلها...
تلفتت حولها تستكشف المكان بإرادة حرّة..
كل الأشياء حولها عملاقة.. أين ستتجه؟؟؟ حاولت اتخاذ قرار سريع.
- آآآآآه.. ذاك الجارور هناك.. لنكتشف ما فيه...
جلست على الأرض.. فتحته.. وبدأت ترمي بكل قطع ملابسها الصغيرة خارجه.. إنها تعرفها كلها.. لاشيء جديد مثير...
مدت يدها الصغيرة إلى قبضة الجارور الثاني.. لكنه لارتفاعه كان أصعب في الفتح.. فانتصبت واقفة تحاول من جديد.. ثم بدأت بإخراج ما فيه ورميه.. أصدرت فرشاة الشعر التي رمتها صوتاً عند ارتطامها بالأرض.. حاولت أن تدير رأسها لترى وقع هذا على أمها.. لكن درجة دورانه الممكنة لم تمكنها من رؤية أمها فاستدارت بجسمها كله..
- ما زالت نائمة.. يعني كل ما أفعله لا يغضبها.
عادت إلى ما كانت فيه, ومدت أصابعها إلى قبضة الجارور الثالث.. واستدارت عيناها النجلاوين عند رؤيتها لما فيه، ولمعت بالإثارة...
- أأأ..هاهي زينة أمي!!!
- لماذا تضع منها على وجهها وتمنعني من فعل ذلك؟!.. كلما مددت يدي يعلو صوتها.. أحب أمي اللطيفة الهادئة الحنون.. وأخاف صوتها العالي!!
أخرجت الزينة كلها.. الأساس, والبودرة, والكحل, وألوان الشفاه، وظلال العيون, و... وجلست على الأرض تفترشها بعدتها كاملة...
- سأفعل مثل ما تفعل أمي.. كل شيء.. ياه جميلة جداً.. سأكبر مثل ماما إذا وضعت هذا.. أستطيع أن أفعل هذا بسهولة...
بدأت تختبر قدراتها الجديدة في فتح الأغطية.. ولفرحتها الشديدة فتحت أمامها كل الأبواب المغلقة.. وستدخل في تجربة مثيرة للغاية...
- سأضع هذا هنا.. وهذا هنا.. آه وهذا أيضاً.. أكيد هذا ما تضعه على الفم...
فتحت الأم عينيها بتكاسل.. كانت تدير وجهها لسرير طفلتها.. احتاجت لثوانٍ قبل أن تعي أن الطفلة لم تكن في سريرها.
انتصبت جالسة بذعر.. لم يكن هناك داع للبحث.. هاهي على يسار السرير على الأرض...
- يا إلهي!! ما هذا؟! ماذا فعلت؟!
وجه( هَيَا) ملطخ بالألوان بعشوائية تغري بالضحك.. لم يجد أي من الألوان مكانه الذي صنع من أجله.. ما عدا أحمر الشفاه.. لكنه رسم شفاه إضافية فوق الأصلية امتدت يميناً ويساراً..للأعلى وللأسفل...
وانزلقت مسرعةً من على السرير.. ثم مثل القط البري وثبت باتجاه (هَيَا)...
أثناء ذلك توقفت (هَيَا) عن الحركة تماماً.. وبقيت أنظارها معلقة بأمها ترصد حركاتها دون أدنى فكرة عن ما سيكون عليه رد الفعل التالي...
- ماذا فعلت ؟؟..ماذا فعلت؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
كانت نبرتها هامسة ربما من أثر النوم.. وربما من ذهول من سابقة خطيرة لـ(هَيَا).. سابقة نزولها من على السرير وحدها.
بدأت بلملمة الأشياء المبعثرة حولها, وقد فسد ما فسد منها, وانسكب ما انسكب.. وتكسر ما تكسر.. وهي تبربر طوال الوقت بكلمات لم تفهمها هَيًا...
- عفريتة صغيرة.. ماذا أفعل بك الآن؟
انتبهت الصغيرة أن أمها لا تصرخ هذه المرة...
- يعني مبسوطة.. يعني ما فعلته جيداً.. ياسلام سأعيد الكرّة بالتأكيد...
حملتها أمها لحوض المغسلة، وقامت بغسل وجهها ومسحته، ثم اضطرت لتنظيفه بمنديل ورقي.
- أمي لا تصرخ الحمد لله.. لكن لماذا تؤلمني بيديها.. آخ.. توجعني...
- عفريتة صغيرة.. عفريتة صغيرة...
-
عفريتة صغيرة؟! ما معناها؟!.. تكررها أمي وهي غير غاضبة.. معناها جميل بالتأكيد.. إنني أحب أمي...
- ماما...ماما عفريتة صغيرة...
- ولك.. أنت العفريتة!!!
نهرتها مدعية التقطيب.. ولكن الصغيرة كشفتها.
- ماما تلعب معي !! أكيد تلعب.. ياسلام لنلعب...
- قالت بنصف لسان.. أنت العفريتة ماما...
لم تعلق أمها هذه المرة.. نظرت في عينيها وهي تمثل التقطيب.. وقامت بوضعها على السرير في وضعية الجلوس.. وجثت على ركبتيها أمامها.. ثم أشارت إلى الأرض المتسخة ببقايا مواد الزينة...
- انظري ماذا فعلت.. أترين؟! سوف أضعك في غرفة الفئران!!!
-
تفرجت (هَيَا) في وجه أمها تستطلعه.. يمتلئ وجهها بالتساؤل.. ولفظت السؤال ببراءة فائقة:
- فيران؟.. وين فيران؟؟؟
- في المطبخ على السقيفة.. أتعرفينها؟
في المطبخ؟!.. على السقيفة؟!.. فيران؟!...
حاولت أن تستدعي للفئران تصوراً, ولكنها لم تجد لها ملفاً في عقلها...
- ما هي الفئران؟؟ أكيد صغار!!.. ياه..
سألت بدهشة العالم كله:
- مع فيران؟؟....ألعب معهم؟؟
صوتها.. ابتسامتها الطفلة.. نبرة السؤال الممطوطة للغواية؛ تحمل إثارة التفتح للحياة.. كل ذلك لا يقاوم.. لا يقاوم...
اتسعت عينا الأم دهشةً لفجاءة وجمال السؤال.. والتصور البريء.. ثم ابتسمت وهي تنظر في وجه هَيَا؛ وعيناها تلمعان من الحب.. ثم انفجرت بالضحك.. تضم الصغيرة إلى صدرها.. تغمرها بالحنان المتفجر...
طفلة تنضح بالحياة والحيوية والبراءة...
لم تكمل (هَيَا) الستة أشهر بعد عامها الأول بعد..
طفلة تنضح بالحياة والحيوية والبراءة...
- إنها تغلبني يا أمي !!
- ضريبة اكتساب الخبرة!!
- أخاف أن تؤذي نفسها!
- الحياة كلها مغامرة.. ستقومين بما ينبغي عليك نحوها بالتأكيد...
- أو تظنين ذلك؟؟!
***
- ماذا فعلت؟ لماذا أمي غاضبة؟
تتسع حدقتا (هَيَا), تحاول أن تفهم سر غضبة أمها.. ترفع حاجبيها الرقيقين.. وتلمع العينان السوداوان الواسعتان.
كل ما فيها غضٌِِِ بضٌ, تمتلئ خلاياها بنسغ الحياة النابضة.. مازال حليب الطفولة يعطي نسيج جسمها رياً يكسبه طراوةً ونداوةً واستدارة بريئة...
- أهكذا؟؟! هكذا جذبت غطاء الطاولة فأوقعت المزهرية.. انظري الآن ماذا فعلت.. لقد كسرتها.. انظري!!! انظري!!!.
كانت أمها تنحني أمامها لتصل إلى مستوى نظرها (هَيَا)، وهي تشير بإصبعها بعصبية إلى قطع الزجاج المتناثرة على الأرض...
ترمش (هَيَا) بأهدابها الطويلة السوداء من حدة صوت الأم.. تنهرها بنزق وتوتر...
- أمي الحنون....ماذا جرى لها؟؟ تراها لم تعد تحبني؟
لكنها تقف ثابتة تحدق بها وتتابع حركاتها مأخوذة بالموقف الجديد...
اقتربت لترى ما الذي سقط... وماذا تعني أمها بـ(كسرتها).
- ابتعدي!! قلت لك ابتعدي.. الآن قد تجرحين نفسك وينزل الدم!!!
- دم!! دم!! أنا أخاف الدم!! ماذا فعلت؟ لماذا الدم؟
تقلب شفتها السفلى وتكورها مثل حبة فريز طازجة, ويقترب حاجباها من بعضهما، وتلمع دمعة تحيل سواد العين وبياضها مرآة كريستالية شفّافة.. تلعب على أوتار قلبك لحناً شجياً يلين نياط القلب فيذوب عطفاً عليها.
وتظن أمها أنها استطاعت أن تردعها عن مثل هذا التصرف.. هيهات.. إنها بعيدة كل البعد عن دخول تلافيف كومبيوتر هيا والسير مع كيمياء تفاعلها البكر مع الحياة...
- ولكني أريد أن أتعرف على الشيء الذي يلمع فوق.. هناك في الأعلى.. كنت أراه كلما حملتني أمي أو حملني أبي.. أردت أن أعرف فقط...
تستمر في مراقبة حركات أمها العصبية، وهي تجمع الأشياء التي تناثرت على الأرض ثم تمسحها بعد ذلك.. وهي متسمرة في الزاوية البعيدة لا تجرؤ على الاقتراب خشية سماع الدرجة العالية الحادة من صوت أمها...
- ماذا تفعل أمي؟! ليتها تشرح لي!!
***
استيقظت (هَيَا) باكراً هذا الصباح.. شعاع الضوء النافذ من وراء ستارة غرفة النوم لمس جفنيها الرقيقين بعصاه السحرية ففتحتهما.. تستجلي الموقف...
- أين أنا؟
تنظر من بين فتحات سور سريرها..
- هاهي أمي !! ما تزال نائمة!! لن أناديها هذه المرّة.. سوف تغضب مني وتعيدني إلى النوم... ولن أستطيع النزول من سريري لأنها سترفع هذا السور عالياً.. وإن ناديتها سوف تصرخ علي.. وأنا أحبها.. ولكن لا أحب أن تصرخ.. أخاف...
جربت هَيَا أن تتسلق السور الخشبي لسريرها.. رفعت رجلاً عليه ورفعت ثقل جسمها بساعديها البضين.. تغريك غمازتي الكوع اللذيذتين بتقبيلهما مرات ومرات.. وأصابعها الطرية منفوخة بنداوة طرية, ولكنها بدأت تكتسب قوة تعينها على الحركة والإمساك بالأشياء...
استدار رأسها الصغير لتلقي نظرة على ألعابها العزيزة فوق سريرها, ووضعت إصبعها الصغير على فمها:
- أرجو ألا تصدروا أصواتاً حتى لا تستيقظ ماما.. ستعيدني إلى النوم.. أنا أكره أن أعود للنوم.. شبعت نوماً..
الآن صارت (هَيَا) على الأرض.. طارت فرحاً بنفسها وبإنجازها الجديد.. ابتسمت لنفسها في المرآة.. تعرف أن من في المرآة هي صديقة لطيفة, تبادلها كل الحركات.. تبادلها الابتسام, ومد اللسان, وأحياناً تقبلها...
تلفتت حولها تستكشف المكان بإرادة حرّة..
كل الأشياء حولها عملاقة.. أين ستتجه؟؟؟ حاولت اتخاذ قرار سريع.
- آآآآآه.. ذاك الجارور هناك.. لنكتشف ما فيه...
جلست على الأرض.. فتحته.. وبدأت ترمي بكل قطع ملابسها الصغيرة خارجه.. إنها تعرفها كلها.. لاشيء جديد مثير...
مدت يدها الصغيرة إلى قبضة الجارور الثاني.. لكنه لارتفاعه كان أصعب في الفتح.. فانتصبت واقفة تحاول من جديد.. ثم بدأت بإخراج ما فيه ورميه.. أصدرت فرشاة الشعر التي رمتها صوتاً عند ارتطامها بالأرض.. حاولت أن تدير رأسها لترى وقع هذا على أمها.. لكن درجة دورانه الممكنة لم تمكنها من رؤية أمها فاستدارت بجسمها كله..
- ما زالت نائمة.. يعني كل ما أفعله لا يغضبها.
عادت إلى ما كانت فيه, ومدت أصابعها إلى قبضة الجارور الثالث.. واستدارت عيناها النجلاوين عند رؤيتها لما فيه، ولمعت بالإثارة...
- أأأ..هاهي زينة أمي!!!
- لماذا تضع منها على وجهها وتمنعني من فعل ذلك؟!.. كلما مددت يدي يعلو صوتها.. أحب أمي اللطيفة الهادئة الحنون.. وأخاف صوتها العالي!!
أخرجت الزينة كلها.. الأساس, والبودرة, والكحل, وألوان الشفاه، وظلال العيون, و... وجلست على الأرض تفترشها بعدتها كاملة...
- سأفعل مثل ما تفعل أمي.. كل شيء.. ياه جميلة جداً.. سأكبر مثل ماما إذا وضعت هذا.. أستطيع أن أفعل هذا بسهولة...
بدأت تختبر قدراتها الجديدة في فتح الأغطية.. ولفرحتها الشديدة فتحت أمامها كل الأبواب المغلقة.. وستدخل في تجربة مثيرة للغاية...
- سأضع هذا هنا.. وهذا هنا.. آه وهذا أيضاً.. أكيد هذا ما تضعه على الفم...
فتحت الأم عينيها بتكاسل.. كانت تدير وجهها لسرير طفلتها.. احتاجت لثوانٍ قبل أن تعي أن الطفلة لم تكن في سريرها.
انتصبت جالسة بذعر.. لم يكن هناك داع للبحث.. هاهي على يسار السرير على الأرض...
- يا إلهي!! ما هذا؟! ماذا فعلت؟!
وجه( هَيَا) ملطخ بالألوان بعشوائية تغري بالضحك.. لم يجد أي من الألوان مكانه الذي صنع من أجله.. ما عدا أحمر الشفاه.. لكنه رسم شفاه إضافية فوق الأصلية امتدت يميناً ويساراً..للأعلى وللأسفل...
وانزلقت مسرعةً من على السرير.. ثم مثل القط البري وثبت باتجاه (هَيَا)...
أثناء ذلك توقفت (هَيَا) عن الحركة تماماً.. وبقيت أنظارها معلقة بأمها ترصد حركاتها دون أدنى فكرة عن ما سيكون عليه رد الفعل التالي...
- ماذا فعلت ؟؟..ماذا فعلت؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
كانت نبرتها هامسة ربما من أثر النوم.. وربما من ذهول من سابقة خطيرة لـ(هَيَا).. سابقة نزولها من على السرير وحدها.
بدأت بلملمة الأشياء المبعثرة حولها, وقد فسد ما فسد منها, وانسكب ما انسكب.. وتكسر ما تكسر.. وهي تبربر طوال الوقت بكلمات لم تفهمها هَيًا...
- عفريتة صغيرة.. ماذا أفعل بك الآن؟
انتبهت الصغيرة أن أمها لا تصرخ هذه المرة...
- يعني مبسوطة.. يعني ما فعلته جيداً.. ياسلام سأعيد الكرّة بالتأكيد...
حملتها أمها لحوض المغسلة، وقامت بغسل وجهها ومسحته، ثم اضطرت لتنظيفه بمنديل ورقي.
- أمي لا تصرخ الحمد لله.. لكن لماذا تؤلمني بيديها.. آخ.. توجعني...
- عفريتة صغيرة.. عفريتة صغيرة...
-
عفريتة صغيرة؟! ما معناها؟!.. تكررها أمي وهي غير غاضبة.. معناها جميل بالتأكيد.. إنني أحب أمي...
- ماما...ماما عفريتة صغيرة...
- ولك.. أنت العفريتة!!!
نهرتها مدعية التقطيب.. ولكن الصغيرة كشفتها.
- ماما تلعب معي !! أكيد تلعب.. ياسلام لنلعب...
- قالت بنصف لسان.. أنت العفريتة ماما...
لم تعلق أمها هذه المرة.. نظرت في عينيها وهي تمثل التقطيب.. وقامت بوضعها على السرير في وضعية الجلوس.. وجثت على ركبتيها أمامها.. ثم أشارت إلى الأرض المتسخة ببقايا مواد الزينة...
- انظري ماذا فعلت.. أترين؟! سوف أضعك في غرفة الفئران!!!
-
تفرجت (هَيَا) في وجه أمها تستطلعه.. يمتلئ وجهها بالتساؤل.. ولفظت السؤال ببراءة فائقة:
- فيران؟.. وين فيران؟؟؟
- في المطبخ على السقيفة.. أتعرفينها؟
في المطبخ؟!.. على السقيفة؟!.. فيران؟!...
حاولت أن تستدعي للفئران تصوراً, ولكنها لم تجد لها ملفاً في عقلها...
- ما هي الفئران؟؟ أكيد صغار!!.. ياه..
سألت بدهشة العالم كله:
- مع فيران؟؟....ألعب معهم؟؟
صوتها.. ابتسامتها الطفلة.. نبرة السؤال الممطوطة للغواية؛ تحمل إثارة التفتح للحياة.. كل ذلك لا يقاوم.. لا يقاوم...
اتسعت عينا الأم دهشةً لفجاءة وجمال السؤال.. والتصور البريء.. ثم ابتسمت وهي تنظر في وجه هَيَا؛ وعيناها تلمعان من الحب.. ثم انفجرت بالضحك.. تضم الصغيرة إلى صدرها.. تغمرها بالحنان المتفجر...