شهادات خاصة نقوس المهدي - في محبة المبدع اليمني محمد الغربي عمران

بعيدا جدا عن نية المديح وأجواء الإطراء والثناء، وقريبا أكثر مما تكتسيه الشهادة من أمانة وبعد أيقوني وقيمة جمالية، وتعبيرا عن شريعة الإعتراف والتحاب والإنصاف، وتحديدا من قبيلة أحمر بوسط المغرب التي أنتمي إليها، ويفتخر أهلها بشرف الانتماء إلى قبيلة حِميَر باليمن السعيد، وانطلاقا من هذه العلاقة الطردية، أتمنى مخلصا أن تسعفني اللغة للإدلاء بشهادتي التي أروم من خلالها قول الحق ولا شيء غير الحق في حق المبدع اليمني محمد الغربي عمران، الذي أعتبره مبدعا استثنائيا، يمتلكِ قدرات معرفية رفيعة، ويشيل هموم انتماء لتاريخ طويل، بكل ملابساته الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادبة، وروائيا فذا رفد المكتبة العربية بالعديد من الاعمال السردية المائزة، وعلاوة على هذا العطاء الإبداعي الذي توحده ثيمة الانتماء للأرض، والدين والمعتقد، فإنه ظل وفيا لرسالته ككاتب ملتزم، ومناضلا يحمل قضايا الهوية الوطنية، منافحا عنها، مشرحا إياها بمبضع النطاسي الماهر، متحديا كل صنوف المنع والقمع والإقصاء، ودعوات التشرذم والتطرف والطائفية، وعسف الرقيب.
ولد الروائي محمد الغربي عمران ساردا متكاملا من غير وصاية فكرية، منفتحا ومتحررا، وفوق هذا مفكرا تنويريا، شغوفا بالتجديد والابتكار، جوابا للآفاق، مؤمنا بـ (أن كل سبات يهزم الا سبات الضمير) كما قال الكبير عبدالعزيز المقالح.
تشكل الكتابة في معتقده مغامرة إبداعية مغايرة تماما للسائد والمألوف، وضربا من الشطح وإلإشراق العرفاني، ورحلة معرفية للتنقيب عن كيمياء الحقيقة في هشيم الصراعات السياسية والدينية المستشرية بهذا البلد، وتتبع خط تمثُّل الواقع وعكسه عبر سرود مسكونة بهاجس التجريب، بوصفه تخريبا للصورة النمطية في الكتابة، ومراكمة لعدة خبرات حياتية، للمراهنة على الخروج من مأزق تأليه التاريخ والسياسة والتراث الديني والفقهي المتزمت، وكسر صنم الطابوهات، واجتراح طريقة مغايرة ومتحررة في الكتابة تجد مستندا لها في الحرية الفكرية، والسعي للمثاقفة، ومقارية الأديان والعقائد، وزرع قيم التسامح، واستشراف رؤية متجددة حداثية لما يجب أن تكون عليه الكتابة الحديثة، البعيدة عن اجترار الوقائع والأحداث، بل كتابة عابرة للأجناس، تنتفي فيها الحواجز بين صنوف التعبير، وتذوب عبرها الحدود بين الواقع والخيال، لتستحيل الى خطاب يتمثل قضابا العالم، وتتبني مواقف ملتزمة بقضايا الوطن والامة، مؤمنة بحرية الرأي والرغبة في التغيير، انطلاقا من ان (كمال الحق في مطابقته للوجود) على رأي ابن سبعين.
لقد تعرفت على المبدع محمد الغربي عمران من خلال عطاءاته الأدبية المتنوعة، وتناوله لمفهوم التاريخ القديم بطَرَقات عصرية مرنة، واهتمامه بكل ما يؤسس لفكر جدلي متنور بعيد عن الدوغمائية، وتقديس الماضي، والانصهار في قضايا اليمن الذي شكل بؤرة اهتمامه، ومنارة إشعاع منذ أمجاد حضرموت التليدة، وشقشقت في ربوعه الأسطورة والسحر، والشعر والعطر والطيب، والبن والهال والقات، واللؤلؤ والمرجان، وعاش فيه يمانيون أحفاد وأسباط من عهد الملكة بلقيس، ووجوديات الفتى القتيل، ومغامرات الملك الضليل، وعنتريات شاعر بني عبس، وزعامات عمرو بن مزيقيا، وبطولات ابن ذي يزن، وبوهيمية آرتير رامبو، وتتراقص في حصونه عرائس الجمال وكل ملاحم التاريخ البشري التي دونت والتي لم تكتب منذ أن انزلقت هذه البقعة الطيبة من الجنة، واستقرت على هذه الرقعة الجغرافية التي كانت سعيدة، قبل أن تشيخ الأمنيات على عتباتها، وترمي عليها الصراعات رداءها وتشردها.
أستاذي الرائع محمد الغربي عمران
سلام إليك، وأنت تتذوق بلذاذة قهوتك اللذيذة
(من فنجانٍ صنعانيٍّ
يأخذُ شكلَ بخارِ الغيمةِ
وهي تبلِّل جفنَ صباحٍ
يفتح عينيهِ الخضراوين
على جبلٍ تكسو عري حجارتهِ
أشجارُ البنّ )
كما يقول الشاعر عبدالعزيز المقالح..
وشكرا كثيرا لمجلة بصرياثا الثقافية والأدبية في شخص مدير تحريرها الشاعر والروائي والمسرحي عبدالكريم العامري على مبادرته الطيبة بتخصيص هذا العدد النصف الشهري للإحتفاء بالتجربة الغنية للروائي اليمني والعربي الكبير محمد الغربي عمران...





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...