كرة القدم حاميد اليوسفي - هذه الكرة بنت الحرام*.. حظ موفق للفريق الوطني - من خواطر يوم الأحد

يوم الأحد هو يوم عطلة في أغلب أرجاء العالم. وهو يوم الحمام أو تناول وجبة الغذاء خارج البيت، أو زيارة الأهل والأصدقاء، أو التنزه في الحدائق والشوارع، ولكنه أيضا يوم الكرة والمباريات بمختلف أشكالها عند شريحة واسعة من سكان الكوكب.
هذه الكرة بنت الحرام حسب المزاج الشعبي. فهي تدوخ من لا يدوخ، وتسحر من لا يشد فيه السحر. حتى الذين ينتقدونها، وأنا واحد منهم، أجدها تجذبني، وتجرني لأجلس في حضنها. لا تحترم لا صغارا ولا كبارا، لا إناثا ولا ذكورا. الكل يجلس في حضرتها، وتأخذ بلبّه. ومن يعشقها أكثر يذهب إليها، ويعاينها عن قرب من داخل الملاعب. ومن يعشقها أقل تأتي إليه داخل البيت أو في المقهى. لا فرق بين مدينة كبيرة، وقرية منسية بين الجبال. الكل في هواها سواء. لذلك انتبه إليها الرأسمال واستغلها، ثم حولها من فن إلى صناعة وتجارة، يجني من ورائها أرباحا خيالية.
لست مدمنا على مشاهدة مباريات كرة القدم، لكن عندما تحل تظاهرة كبرى مثل كأس العالم أو كأس إفريقيا أو بعض مباريات الفرق الأوروبية البطلة، أجد نفسي مرغما على الجلوس أمام التلفزيون سواء في المقهى أو في البيت. وغالبا ما أشجع من أراه يستحق التشجيع.
حدث مرة أن كنت مع بعض الأصدقاء في منتجع (اوريكة) صيف 2019، وتزامن ذلك مع مباراة الجزائر وساحل العاج. ودعنا المنتجع مبكّرا لمشاهدة المباراة في اثنين (اوريكة). وجدنا كل المقاهي مملوءة عن آخرها. صعدنا لبناية متواضعة فوق سطح إحدى المقاهي، وتابعنا المباراة من هناك، وقلوبنا تخفق مع هوى الجزائر. وأكملنا مشاهدة الأشواط الإضافية وضربات الجزاء في الطريق لكن عبر الهاتف.
كانت الجزائر تتوفر وقتها على فريق قوي ومنظم. أحببت في الفريق الجزائري الروح القتالية، وهي نفس الميزة التي تطبع منتخب الفراعنة، بالإضافة إلى نجومه الدوليين. غير أنه في الأيام الأخيرة صعُب علي أن أتحمل سلوك جراد الجنرالات وإعلامهم الذي كرّه العديد من المغاربة في متابعة مباريات الفريق الوطني الجزائري رغم التراجع البين في أدائه. لذلك أجد أحيانا عذرا للاعب السليماني رحمه الله، عندما تعرض للطرد في مقابلة الفريق الوطني المغربي ضد المنتخب الجزائري بالعاصمة الجزائر. حدث عندما اقترب من الخروج من الملعب أن استفزه الجمهور، فقام بتلك الحركة المعلومة في وجه الرئيس الجزائري بومدين الذي كان يتابع المباراة من المنصة الشرفية، وهي حركة يتذكرها جيدا جمهور السبعينات من القرن الماضي.
قلت لست غاوي كرة، ولا أفهم كثيرا في دهاليزها. أحيانا أنسحب قبل نهاية المباراة، أو أكتفي بشوط واحد، وفي النهاية أطّلع على النتيجة في المواقع الإخبارية. حتى الفريق الوطني أيام المدرب السابق كان يقلقني مستواه، وطريقة لعبه، ويدفعني أحيانا إلى الانسحاب في حالة غضب.
أما مع وليد الركراكي المدرب الوطني، فقد تابعت أغلب مبارياته مع فريق الوداد سواء في البطولة الوطنية، أو الإفريقية، وشعرت بانجذاب قوي يشدني للرجل. والله لاحظت فرقا كبيرا بينه وبين سلفه حتى في ممازحة اللاعبين، وتفاعله معهم، ربما يعود ذلك لتقارب الثقافة والسن.
عندما كان يلعب الفريق الوطني في السبعينات والثمانينات، كان ثمة سحر يجذبني ويشدني لمتابعة مبارياته حتى النهاية. يوم سجل حمان الهدف في شباك (مايير) حارس ألمانيا، وأنا شاب يافع أتابع المباراة من بيت عمي، لأنه لم نكن وقتها نلمك جهاز تلفاز، قفزت من مكاني حتى كدت أن أسقط في الصينية. نفس الإحساس بدأ يراودني اليوم، لكن من غير أن أقفز، أو أخشى أن أسقط في الصينية بعد أن بلغت من الكبر عتيا.
الأطفال في الحي اشتروا الأقمصة، وهم على استعداد لملأ الأزقة بفرحهم وضجيجهم، فقط أتمنى لو اشتروا كرات جديدة بدل تلك القديمة التي خرج منها الهواء، وعندما تقع في الأرض تحدث صوتا يوقظ الموتى.
أمنيتي الأخيرة، ألا تغفلنا الحكومة، فتصفعنا بزيادات جديدة في الأسعار، وتُنغص علينا هذه الفرحة التي تغمرنا، ونحن مدوخين بالكرة مع فريقنا الوطني هذه الأيام.
حظ موفق للفريق الوطني
المعجم :
ـ بنت الحرام: مجاز شعبي يعني فاتنة وساحرة.


مراكش 20 نونبر 2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...