هناء جودة - ميراث.. قصة قصيرة

تيك تك تيك تك تيك تك
دقات الساعة تدك رأسي وقد ارتكنت إليها صورة أبي وقد اعتلاها شريط أسود بنفس لون ثوب أمي التي توسد خدها يدها وهي تجلس على الأر يكة أسفل صورة أبي؛ كان لابد لي من إعادة تشكيل، وجمع شتاتي، فبعضي غاضب، وبعضي حزين ، وبعض آخر يمر بموات مؤقت ، لم يتمكن أي من الاطباء والجراحين أن يجمعني، الشتات يقتلني …
حزين يا قمقم في بحر الضياع ………… حزين أنا زيك وإيه مستطاع
تراودني الكلمات وأنا أجلس إلى جوار صديقتي في نادي الأدب، بينما راح من يرددها مدعيا محاولة تعليم الصغيرات كيف يقال الشعر، يحدثهن عن جاهين والأبنودي بينما راحت نظراته من خلف نظارته تحرث أجسادهن الغضة، وحين جاء ذكر أمل دنقل إذا بإحدى المرفهات اللاتي ضقن بالملل واخترن الترويح عن أنفسهن بين المثقفين تصيح:
– أمل دي شاعرة جامدة جدا
كتمنا ضحكاتنا لكن عيوننا جميعا أشعرتها بما وقعت فيه فأسرعت خارجة تتبعها نظرات المتصابين الذين أحزنهم رحيلها..
يغريني حبى للشعر بخوض التجربة، يتقبلني البعض و يرفضني البعض، تأخذني التجربة هذه المرة، تسحرني الكلمة، أجدني في رحابها شخصية مختلفة عن تلك التي في الخارج، أفرض احترامي على الجميع، يسعدني ارتقاء مستوايّ في الشعر والقصة ، أجدني بجناحين شفافين، كلما قصصت إحدى كتاباتي وأثنى عليها الأساتذة، أحس نشوة و سعادة حقيقية …

طق طق طق طق طق
نقرات أمي على المسند الخشبي لأريكة جدتي تسلمني لنوبة خوف وقلق لم أفق منها إلا على صوتها:
– كم الساعة الآن ؟ لماذا تأخرتِ إلى هذا الوقت ؟ ماذا يقول أهل البلد عنا الان؟
يختفى الجناحان ، أسقط على صخرة الواقع الأعمى؛ تكسر فرحتي ، أهمس في نفسي
– أنا لم أخطئ .. الساعة الان العاشرة في فصل الصيف، أنا ربة الطهر التي ربتني يدك الطيبة ، كنت في حرم الكلمة والثقافة والالتزام..
بتسنّد ع القلم المَوجوع
وأمشي عَلَى السطر
وبشيل أحمال بتهِد الضهر
إنما ما حاولتش يوم أبكي
قُدام الناس
لكن ع الورقة وف الكرّاس
برسمني يادوب .. شجرة صبّار
تؤنبني ، تهددني بمنعى عن الخروج لو تكرر التأخير؛ أبكى متمتمة:
– كم هى حادة بشكل لا يتسق مع حنانها الذي يغمرنا جميعًا ..
أشكو لجدتي ما تفعله بي، تبتسم قائلة :
– لا خوف عليكِ منها ، تخشى عليكِ نظرات الناس التي تترقب ، وألسنتهم التي لا ترحم ..
لن أحسب لهذا الهاجس أي حساب، لم أخطئ حتى أتوارى، حين يصبح لدى ابنة، سأربيها جيدا و أحصنها بالدين ، لن أقهرها باسم التقاليد العفنة، وألسنة الناس التي لا يكبحها أي شيء، ولا يرضيها أي شيء …

تيك تك … طق طق … تيك تك … طق طق
الساعة فوق الحائط تدق العاشرة ، تفتح باب الشقة بهدوء ، تدخل بابتسامتها الرقيقة ، لتجدنى فى انتظارها على نفس الأريكة ، تقبلني ، تقدم الى بعض وريقات و رسوم ، تحكى و السعادة تملأ عينيها ، لم اسمع كلمة مما قالت ، اعبس فى وجهها ، اسألها:
– كم الساعة الآن؟ لماذا تأخرتي لهذا الوقت؟ ماذا يقول أهل البلد عنا ؟
تبكى، تدخل غرفتها، تغلق الباب …
قالوا السعاده إيه ؟
أنا قولت باب مفتوح
داخل ف حضن السما
وهواه يرد الروح
أو طير طليق ف الفضا
بيبوس خدود النور
لو يتحبس ف القفص
حتما يموت مجروح
أفكر جديا في استدعاء المنجد ليعيد الأريكة سيرتها الاولى قبل أن اقدمها اليها كهدية بمناسبة زواجها

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...