9- شخصية الشيطان "إبليس"
صورة الشيطان – أو إبليس – فى المقامة المذكورة باسمه
– المقامة الإبليسية – مثيرة للتعجب، ومفجرة للضحك فى الموقف الذى ذكرت من خلاله أيضًا.
فهى مثيرة للتعجب؛ لأن إبليس الذى اعتدنا أن نراه فى الخرابات إذا به فى هذه المقامة وفى مفتتح السرد بها يُرى فى مكان أشبه بالجنان، وعندما يراه عيسى على هيئة شيخ يراع منه، وإذا بإبليس هو الذى يهدىء من روعه ويطمئنه، وبدلاً من أن يمارس إبليس أبلسته المعهودة منه فى إغوائه وإضلاله لعيسى إذا به هو الذى يرشده إلى المكان الذى يجد فيه إبله التى شردت عنه، وإن كان لم يتبع الصراط المستقيم
فى هذا بإدلاله مباشرة لمكانها، بل صاغ له هذا عن طريق اللغز.
وفى كل ما ذكرناه نرى إيجابية من إبليس وخيرية – إن صح
التعبير – بعكس الصورة المعهودة عنه عندنا من وسوسة وإضلال.
وأيضًا من صفات إبليس الأخرى فى هذه المقامة أنه محب لسماع الشعر، يطلب من عيسى أن ينشده، وبالفعل ينشده عيسى أشعارًا لشعراء جاهليين كامرىء القيس وطرفة، ولم يعجب إبليس بسماع هذه الأشعار، ولكنه يطرب جدًّا وينتشى حين ينشده عيسى قصيدة قصصية لأبى نواس يذكر فيها ثورته على بكاء الأطلال؛ لأنه لا حبيب له فيها، ثم يحكى
عن ليلة قضاها مع رفاق له عبث فيها معهم، ومارسوا مجونهم وانتشوا بشرب الخمر.
وهنا ندرك أن عدم إعجاب إبليس بشعر العرب القدماء كامرىء القيس وطَرَفة؛ لأنه ليس فيه مثل ذلك المجون والفحش الذى يُرى فى شعر أبى نواس، وانتشى إبليس حين سماعه قصيدة منه.
ومن هنا فإبليس على الرغم من محاولته إظهار صورة مخالفة للصورة التى نعرفها عنه من أبلسة وإضلال، لكنه يكشف عن حقيقته
– ولو بصورة غير مباشرة – من خلال استنكاره شعر العرب القدماء واستحسانه وانتشائه حين سماعه شعر أبى نواس المستهتر الماجن.
ويفاجىء إبليس عيسى بن هشام بأنه شاعر– كل هذا ولم يكشف
له نفسه بعد – وينشده قصيدة معروفة لجرير زاعمًا أنها حقًّا له.
ثم يلفت عيسى إلى أمر يجهله، وهو أن كل شاعر من الشعراء
له شيطان من الجن يلهمه. ويكشف له شخصيته فى هذه اللحظة ويقول له إنه أبو مرة وهو الذى ألهم جريرًا هذه القصيدة. يقول فى ذلك "وكنتُ أكتمك حديثى، وأعيش معك فى رخاء، ولكنك أبيت فخذ الآن، فما من أحد من الشعراء إلا ومعه معين منا، وأنا أمليتُ على جرير هذه القصيدة، وأنا الشيخ أبو مرة".
وعند هذه اللحظة يختفى إبليس من أمام عيسى، وإن كان حضوره فى المقامة لم ينته بعد، فإذا بنا نفاجأ فى نهاية المقامة بأبى الفتح يحكى أنه قد تسوَّل على إبليس وأعطاه الأخير عمامته التى اعتبرها "ثمرة برّه".
فها هو ذا إبليس كما بدأ المقامة بالإحسان إلى عيسى بطمأنته وإدلاله بعد ذلك على مكان إبله الشاردة عنه، إذا به ينهى المقامة أيضًا بالإحسان والبر حين يتحدث أبو الفتح عن إعطاء إبليس إياه عمامة برًّا به.
إن صورة إبليس هذه المخالفة للواقع الذى نعرفه تفاجئنا وتدهشنا،
بل وتضحكنا أيضًا، فوقوع الشىء من غير المتوقع منه مدعاة للضحك، فما بالنا والذى يقوم بالهداية والبر هو إبليس خبير الإضلال والوسوسة!
وشخصية إبليس فى هذه المقامة لا تتوقف عند مفاجأتنا بصورة الهداية والبر التى تبدو عليها – أو تتصنعها -، بل هى أيضًا شخصية بشوشة تطرب عند سماع الشعر خاصة الماجن منه كشعر أبى نواس، وهذا أيضًا يشيع الفكاهة منه، وفى الوقت نفسه يدل على جانب الخبث الذى حاول إخفاءه بمظاهر الهداية والبر التى تصنّعها فى مواقف مختلفة بالمقامة.
صورة الشيطان – أو إبليس – فى المقامة المذكورة باسمه
– المقامة الإبليسية – مثيرة للتعجب، ومفجرة للضحك فى الموقف الذى ذكرت من خلاله أيضًا.
فهى مثيرة للتعجب؛ لأن إبليس الذى اعتدنا أن نراه فى الخرابات إذا به فى هذه المقامة وفى مفتتح السرد بها يُرى فى مكان أشبه بالجنان، وعندما يراه عيسى على هيئة شيخ يراع منه، وإذا بإبليس هو الذى يهدىء من روعه ويطمئنه، وبدلاً من أن يمارس إبليس أبلسته المعهودة منه فى إغوائه وإضلاله لعيسى إذا به هو الذى يرشده إلى المكان الذى يجد فيه إبله التى شردت عنه، وإن كان لم يتبع الصراط المستقيم
فى هذا بإدلاله مباشرة لمكانها، بل صاغ له هذا عن طريق اللغز.
وفى كل ما ذكرناه نرى إيجابية من إبليس وخيرية – إن صح
التعبير – بعكس الصورة المعهودة عنه عندنا من وسوسة وإضلال.
وأيضًا من صفات إبليس الأخرى فى هذه المقامة أنه محب لسماع الشعر، يطلب من عيسى أن ينشده، وبالفعل ينشده عيسى أشعارًا لشعراء جاهليين كامرىء القيس وطرفة، ولم يعجب إبليس بسماع هذه الأشعار، ولكنه يطرب جدًّا وينتشى حين ينشده عيسى قصيدة قصصية لأبى نواس يذكر فيها ثورته على بكاء الأطلال؛ لأنه لا حبيب له فيها، ثم يحكى
عن ليلة قضاها مع رفاق له عبث فيها معهم، ومارسوا مجونهم وانتشوا بشرب الخمر.
وهنا ندرك أن عدم إعجاب إبليس بشعر العرب القدماء كامرىء القيس وطَرَفة؛ لأنه ليس فيه مثل ذلك المجون والفحش الذى يُرى فى شعر أبى نواس، وانتشى إبليس حين سماعه قصيدة منه.
ومن هنا فإبليس على الرغم من محاولته إظهار صورة مخالفة للصورة التى نعرفها عنه من أبلسة وإضلال، لكنه يكشف عن حقيقته
– ولو بصورة غير مباشرة – من خلال استنكاره شعر العرب القدماء واستحسانه وانتشائه حين سماعه شعر أبى نواس المستهتر الماجن.
ويفاجىء إبليس عيسى بن هشام بأنه شاعر– كل هذا ولم يكشف
له نفسه بعد – وينشده قصيدة معروفة لجرير زاعمًا أنها حقًّا له.
ثم يلفت عيسى إلى أمر يجهله، وهو أن كل شاعر من الشعراء
له شيطان من الجن يلهمه. ويكشف له شخصيته فى هذه اللحظة ويقول له إنه أبو مرة وهو الذى ألهم جريرًا هذه القصيدة. يقول فى ذلك "وكنتُ أكتمك حديثى، وأعيش معك فى رخاء، ولكنك أبيت فخذ الآن، فما من أحد من الشعراء إلا ومعه معين منا، وأنا أمليتُ على جرير هذه القصيدة، وأنا الشيخ أبو مرة".
وعند هذه اللحظة يختفى إبليس من أمام عيسى، وإن كان حضوره فى المقامة لم ينته بعد، فإذا بنا نفاجأ فى نهاية المقامة بأبى الفتح يحكى أنه قد تسوَّل على إبليس وأعطاه الأخير عمامته التى اعتبرها "ثمرة برّه".
فها هو ذا إبليس كما بدأ المقامة بالإحسان إلى عيسى بطمأنته وإدلاله بعد ذلك على مكان إبله الشاردة عنه، إذا به ينهى المقامة أيضًا بالإحسان والبر حين يتحدث أبو الفتح عن إعطاء إبليس إياه عمامة برًّا به.
إن صورة إبليس هذه المخالفة للواقع الذى نعرفه تفاجئنا وتدهشنا،
بل وتضحكنا أيضًا، فوقوع الشىء من غير المتوقع منه مدعاة للضحك، فما بالنا والذى يقوم بالهداية والبر هو إبليس خبير الإضلال والوسوسة!
وشخصية إبليس فى هذه المقامة لا تتوقف عند مفاجأتنا بصورة الهداية والبر التى تبدو عليها – أو تتصنعها -، بل هى أيضًا شخصية بشوشة تطرب عند سماع الشعر خاصة الماجن منه كشعر أبى نواس، وهذا أيضًا يشيع الفكاهة منه، وفى الوقت نفسه يدل على جانب الخبث الذى حاول إخفاءه بمظاهر الهداية والبر التى تصنّعها فى مواقف مختلفة بالمقامة.