لا أدري كيف خطرت في ذهني، تلك المقارنة التي أجريتها يوماً، بين ميدان كرة القدم والبيت الشعري العربي، وكان ذلك في حوار صحفي، جرى الحديث فيه عن العمود الشعري العربي وممكنات التجديد.
حيث أشرت إلى شبه ما، بينهما، فكما هو البيت الشعري في شطريه وحدوده المغلقة، والمفردات التي تشكل بحركتها معنى وجمالاً، ومنها يتشكل الفعل الشعري، كذلك هو ميدان كرة القدم في شطريه وحدوده المغلقة، وحركة اللاعبين داخل الميدان، وما تنتج هذه الحركة من المعاني التي صارت معروفة لدى مئات الملايين من البشر، وجمالاً، لا يختلف عن جمال الشعر، بل هو أكثر تأثيراً في محبي كرة القدم، ومن الجمال هذا والمعاني، يتشكل الفعل الكروي المذهل.
وكما هو الماضي في البيت الشعري، حيث يظل حاضراً ويقود ذاكرة الشاعر، بل ذاكرة القارئ أيضاً، فكل شاعر يقرن بشاعر سبقه أو بأكثر من شاعر، وكل قصيدة تجد من يرى فيها تأثير قصيدة سبقتها، وكل بناء لغوي داخل البيت الشعري، لابد أن نجد فيه ما يحيلنا إلى بناء لغوي في بيت شعري كتب من قبل.
وهكذا، هو ميدان كرة القدم، فكل خطة كروية تعد امتداداً لخطة سبقتها، أو تطويراً لها، وكل لاعب موهوب، يقرن بآخر سبقه، وكل حركة فردية تجد من يعيدها إلى الماضي، فالتقليد والتكرار داخل البيت الشعري وداخل ميدان كرة القدم، أكثر من الجديد، ومع ذلك لا يحول التقليد ولا التكرار، دون ظهور مواهب استثنائية، قادرة على التغيير والإضافة، أمثال بيليه البرازيلي ومارادونا الأرجنتيني وزيدان الفرنسي من أصل عربي.
ليكن ما ذهبت إليه، مجرد خاطرة، جاءت في وقتها ثم ذهبت، غير أن علاقة الادباء بكرة القدم مازالت قائمة، وهي في كثير من الحالات تتجاوز الإعجاب العادي، إلى الكتابة، ونعرف مبدعين كباراً، لعبوا كرة القدم في شبابهم ثم هجروا ميادينها، إلى ميدان الكتابة الأدبية، كما فعل نجيب محفوظ والبير كامو ويفتشنكو وسواهم، وأعرف شخصياً كتاباً وشعراء، واصلوا متابعة مباريات كرة القدم.
والحديث عنها وعن لاعبيها وجديدها رغم علو قاماتهم في عالم الكتابة والابداع، ومنهم الروائي أحمد المديني، الذي اعتدت مشاكسته واستفزازه، فكلما شجع فريقاً، شجعت الفريق الآخر، أما محمد شكري، فهو مغرم بترديد أهازيج مشجعي الفرق المغربية، وبخاصة حين كان يقفز مثل عنز جبلي، على سلالم العمارة التي يسكنها، في طنجة أما الكاتب المصري محمود السعدني، فهو خبير حقيقي بكرة القدم وتاريخها ونجومها أما كتابات الأدباء عنها، فقد باتت واسعة وكثيرة جداً ففي مذكرات ماركيز ورد الحديث عنها وعن نجومها في أكثر من مناسبة.
واصدر الكاتب الارغواني ادواردو غاليانو، كتابا جميلا ترجم إلى العربية هو «كرة القدم في الشمس والظل» الذي يجمع فيه بين المعرفة التاريخية والتناول الإبداعي، وكتب الروائي الألماني بيتر هندكه، رواية بعنوان «قلق حارس المرمى حين ضربة الجزاء» وهي مترجمة إلى اللغة العربية، وقرأت ان الروائي الجزائري رشيد بوجدره، كتب رواية عن كرة القدم، حاولت الحصول عليها، فلم أوفق.
واتصلت بصديق، ليوفر لي نسخة من رواية بوجدره، فنبهني إلى مقالة كتبها أحمد حجار في صحيفة «الحياة»، بعنوان «كرة القدم تدخل الأدب من شباك المرمى» وحين قرأتها وجدت ان الرجل قد توسع في رصد ما كتبه الأدباء عن كرة القدم ومواقفهم منها، محمود درويش يتابع مباريات كرة القدم ويعدها «أشرف الحروب» وكتب مقالة عن اللاعب الأرجنتيني دييغو مارادونا.
والشاعر الأميركي ارشيبالد ماكليش، يرى أن الشعر وكرة القدم لا يجتمعان والروائي بول أوستر يشير إلى رمزية الصراع في كرة القدم وأنها بشكل أو بآخر، ما تبقى من حروب الماضي ووريثتها حيث يقول «البلدان تخوض حروبها اليوم في ملاعب كرة القدم بجنود يرتدون السروال القصير. وإذ يفترض أنها لعبة وان التسلية هدفها غير ان الذاكرة الخفية لتناحرات الماضي تخيم على كل مباراة، وكلما سجل هدف ترددت أصداء الانتصارات والهزائم القديمة».
وكتب نجيب محفوظ في المرايا: في ذلك اليوم شاهدت مباراة كرة قدم لأول مرة في حياتي، وعرفت لاعبين لم يمح أثرهم من نفسي حتى اليوم وسررت وسعدت وبدأت أعشق هواية جديدة.
حدثني شاعر عربي انه حضر مباراة بكرة القدم بصفته وزيرا للشباب بين فريق وطني وفريق من دولة أخرى، لها مشاكل سياسية عميقة مع الدولة التي يمثلها الوزير الشاعر وكان من أهداف اقامة تلك المباراة تجاوز توترات الماضي، غير انه في لحظة انفعال طلب من المدرب الوطني، دفع لاعبيه الى المزيد من الخشونة وكأنه على رأي بول أوستر، ترددت في عقله أصداء الماضي.
وفي مقالة أحمد النجار اشارة إلى كتابات الروائي الايطالي ابرتو أيكو عن كرة القدم وانه يراها ظاهرة اجتماعية مؤثرة وتستقطب الكثيرين وتحاط بنشاطات اجتماعية وثقافية عديدة وواسعة وينقل عن الروائي البرازيلي جورجي أمادو قوله «أغبياء اوانك الذين لا يحبون كرة القدم» ويقول حجار: «مع منتصف التسعينات من القرن الماضي، حدث التحول الكبير وصار امرا عاديا وجود كتب وروايات عن كرة القدم» غير ان الروائي الاسباني خافير مارياس يرى «ان لا حاجة لكرة القدم إلى كتاب لان شعبيتها تكفي» وهكذا فان القطيعة بين الأدباء وكرة القدم قد انتهت وكما دخلت كرة القدم الحياة بعنفوان فإنها تدخل الانتاج الأدبي بعنفوان أيضا.
في كتاب الشاعر عز الدين المناصرة «هجرة النص الشعري» وفي معرض حديثه عن محاولاته الشعرية الأولى أي ما قبل النشر يقول انه كتب قصيدة في مديح فريق كرة القدم في مدرسته، مدرسة بني نعيم الابتدائية.
وقد قرأت للشاعر موسى حوامده في قصيدته «أحسن إلى الحمامة القتيلة»
أفسد اللاعبون اللعبة
إذ أصغوا إلى صفارة الحكم.
حيث أشرت إلى شبه ما، بينهما، فكما هو البيت الشعري في شطريه وحدوده المغلقة، والمفردات التي تشكل بحركتها معنى وجمالاً، ومنها يتشكل الفعل الشعري، كذلك هو ميدان كرة القدم في شطريه وحدوده المغلقة، وحركة اللاعبين داخل الميدان، وما تنتج هذه الحركة من المعاني التي صارت معروفة لدى مئات الملايين من البشر، وجمالاً، لا يختلف عن جمال الشعر، بل هو أكثر تأثيراً في محبي كرة القدم، ومن الجمال هذا والمعاني، يتشكل الفعل الكروي المذهل.
وكما هو الماضي في البيت الشعري، حيث يظل حاضراً ويقود ذاكرة الشاعر، بل ذاكرة القارئ أيضاً، فكل شاعر يقرن بشاعر سبقه أو بأكثر من شاعر، وكل قصيدة تجد من يرى فيها تأثير قصيدة سبقتها، وكل بناء لغوي داخل البيت الشعري، لابد أن نجد فيه ما يحيلنا إلى بناء لغوي في بيت شعري كتب من قبل.
وهكذا، هو ميدان كرة القدم، فكل خطة كروية تعد امتداداً لخطة سبقتها، أو تطويراً لها، وكل لاعب موهوب، يقرن بآخر سبقه، وكل حركة فردية تجد من يعيدها إلى الماضي، فالتقليد والتكرار داخل البيت الشعري وداخل ميدان كرة القدم، أكثر من الجديد، ومع ذلك لا يحول التقليد ولا التكرار، دون ظهور مواهب استثنائية، قادرة على التغيير والإضافة، أمثال بيليه البرازيلي ومارادونا الأرجنتيني وزيدان الفرنسي من أصل عربي.
ليكن ما ذهبت إليه، مجرد خاطرة، جاءت في وقتها ثم ذهبت، غير أن علاقة الادباء بكرة القدم مازالت قائمة، وهي في كثير من الحالات تتجاوز الإعجاب العادي، إلى الكتابة، ونعرف مبدعين كباراً، لعبوا كرة القدم في شبابهم ثم هجروا ميادينها، إلى ميدان الكتابة الأدبية، كما فعل نجيب محفوظ والبير كامو ويفتشنكو وسواهم، وأعرف شخصياً كتاباً وشعراء، واصلوا متابعة مباريات كرة القدم.
والحديث عنها وعن لاعبيها وجديدها رغم علو قاماتهم في عالم الكتابة والابداع، ومنهم الروائي أحمد المديني، الذي اعتدت مشاكسته واستفزازه، فكلما شجع فريقاً، شجعت الفريق الآخر، أما محمد شكري، فهو مغرم بترديد أهازيج مشجعي الفرق المغربية، وبخاصة حين كان يقفز مثل عنز جبلي، على سلالم العمارة التي يسكنها، في طنجة أما الكاتب المصري محمود السعدني، فهو خبير حقيقي بكرة القدم وتاريخها ونجومها أما كتابات الأدباء عنها، فقد باتت واسعة وكثيرة جداً ففي مذكرات ماركيز ورد الحديث عنها وعن نجومها في أكثر من مناسبة.
واصدر الكاتب الارغواني ادواردو غاليانو، كتابا جميلا ترجم إلى العربية هو «كرة القدم في الشمس والظل» الذي يجمع فيه بين المعرفة التاريخية والتناول الإبداعي، وكتب الروائي الألماني بيتر هندكه، رواية بعنوان «قلق حارس المرمى حين ضربة الجزاء» وهي مترجمة إلى اللغة العربية، وقرأت ان الروائي الجزائري رشيد بوجدره، كتب رواية عن كرة القدم، حاولت الحصول عليها، فلم أوفق.
واتصلت بصديق، ليوفر لي نسخة من رواية بوجدره، فنبهني إلى مقالة كتبها أحمد حجار في صحيفة «الحياة»، بعنوان «كرة القدم تدخل الأدب من شباك المرمى» وحين قرأتها وجدت ان الرجل قد توسع في رصد ما كتبه الأدباء عن كرة القدم ومواقفهم منها، محمود درويش يتابع مباريات كرة القدم ويعدها «أشرف الحروب» وكتب مقالة عن اللاعب الأرجنتيني دييغو مارادونا.
والشاعر الأميركي ارشيبالد ماكليش، يرى أن الشعر وكرة القدم لا يجتمعان والروائي بول أوستر يشير إلى رمزية الصراع في كرة القدم وأنها بشكل أو بآخر، ما تبقى من حروب الماضي ووريثتها حيث يقول «البلدان تخوض حروبها اليوم في ملاعب كرة القدم بجنود يرتدون السروال القصير. وإذ يفترض أنها لعبة وان التسلية هدفها غير ان الذاكرة الخفية لتناحرات الماضي تخيم على كل مباراة، وكلما سجل هدف ترددت أصداء الانتصارات والهزائم القديمة».
وكتب نجيب محفوظ في المرايا: في ذلك اليوم شاهدت مباراة كرة قدم لأول مرة في حياتي، وعرفت لاعبين لم يمح أثرهم من نفسي حتى اليوم وسررت وسعدت وبدأت أعشق هواية جديدة.
حدثني شاعر عربي انه حضر مباراة بكرة القدم بصفته وزيرا للشباب بين فريق وطني وفريق من دولة أخرى، لها مشاكل سياسية عميقة مع الدولة التي يمثلها الوزير الشاعر وكان من أهداف اقامة تلك المباراة تجاوز توترات الماضي، غير انه في لحظة انفعال طلب من المدرب الوطني، دفع لاعبيه الى المزيد من الخشونة وكأنه على رأي بول أوستر، ترددت في عقله أصداء الماضي.
وفي مقالة أحمد النجار اشارة إلى كتابات الروائي الايطالي ابرتو أيكو عن كرة القدم وانه يراها ظاهرة اجتماعية مؤثرة وتستقطب الكثيرين وتحاط بنشاطات اجتماعية وثقافية عديدة وواسعة وينقل عن الروائي البرازيلي جورجي أمادو قوله «أغبياء اوانك الذين لا يحبون كرة القدم» ويقول حجار: «مع منتصف التسعينات من القرن الماضي، حدث التحول الكبير وصار امرا عاديا وجود كتب وروايات عن كرة القدم» غير ان الروائي الاسباني خافير مارياس يرى «ان لا حاجة لكرة القدم إلى كتاب لان شعبيتها تكفي» وهكذا فان القطيعة بين الأدباء وكرة القدم قد انتهت وكما دخلت كرة القدم الحياة بعنفوان فإنها تدخل الانتاج الأدبي بعنفوان أيضا.
في كتاب الشاعر عز الدين المناصرة «هجرة النص الشعري» وفي معرض حديثه عن محاولاته الشعرية الأولى أي ما قبل النشر يقول انه كتب قصيدة في مديح فريق كرة القدم في مدرسته، مدرسة بني نعيم الابتدائية.
وقد قرأت للشاعر موسى حوامده في قصيدته «أحسن إلى الحمامة القتيلة»
أفسد اللاعبون اللعبة
إذ أصغوا إلى صفارة الحكم.