ناجي نوراني - ظل الظلال.. قصة قصيرة

ستموت الان وظهرك الى حقيبتك المدرسية المشققة كحائط طيني. قلم اخضر بها لن يمس... الازرق في نهايته، وبقية الالوان لن تحضر اليك فقد ذهبت الى الموت وحيدا
****
" ماتجي بكرة بدون مصاريف الدراسة... والا" هز العصا في وجهك ومضى. كم تكره الاستاذة!.. كم تحب المدرسة واكثر!. تسلق المزيرة- بعيدا عن اعينهم- تغمر يديك في مائه البارد. الشخبطة على السبورة الباهتة ببقايا طبشورة ملونة. مرة وبطبشورة جديدة، رسمت رياحا بيضاء وسحابة بيضاء وسماء واطفالا يلعبون. مدرسة بلا استاذة. وببساطة رايت السماء الطباشيرية زرقاء، والاطفال ملونين، والمدرسة خضراء، والمطر شفافا. كانت تمطر داخل السبورة بشكل مائل. واشرقت شمس هناك. كانت تمطر داخل السبورة بشكل مائل. واشرقت شمس هناك. اخذ قوس قزح يظهر بصعوبة. وقبل ان يكمل، ولان المدرس دخل، سكتت الرياح، وعادت السماء داكنة، وامطرت داخل السبورة مطرا اسودا. اوافقك"خت يديك على السبورة بسرعة".. شيئا فشيئا، اخذت الامطار تهطل من يديك، ومن عينيك كذلك. الاطفال البيض ركضوا باتجاه مطر يديك، واخذوا يختفون واحدا تلو الاخر هناك بمرح، وانت تعرف لاول مرة ان الامطار مالحة هكذا. اخذت تمطر كذلك.. عيناك.. يداك بمطر اسود.. ظهرك بمطر احمر.. اردت ان تركض معهم. لكن المطر لم ياخذك، وبقيت هناك السبورة لاتفتح لك. سواد النهار انفتح لك، ودخلت دون صعوبة الى الموت. هوايتك التسابق بين خط الافق وشجرة السدر عبر الضلع الناقص في سبورة المدرسة، بينما الارض او اصدقاؤك يركضون معك، لاتدري- سالت مرة الاستاذ:" هل تشبه سدرة المنتهى سدرة المدرسة؟ هل بها اشواك"
شوكك بعصاه كما قال حتى تتادب- ها انت تتادب حتى السكوت.
****
"بكرة بديك مصاريف المدرسة" هكذا وعدك ابوك. وجهه يحمل تصميما حقيقيا وحزنا عاجزا. غده لاياتي منذ ثلاث ايام. وغدك لن ياتي ابدا. عن ماذا كنت تبحث بيدك في مصدر الكهرباء؟ لماذا تذهب الى الموت صغيرا هكذا؟ امك لن تعرف موتك الان... بعد ساعتين وقد برد الموت عليك، بردائها الذي ارتدته على عجل" يحيى ، وقع في المدرسة"...هكذا اخبروها.لانصاف الحقائق طعم مر. تركض اليك لتجدك الموت ضربك تماما في قلبها. ستبحث بعينيها الدامعتين عن ابيك لتساله لماذا؟ ابوك الذي سيذوي شيئا فشيئا لن ينظر الى عينيها لا الان ولابعد الان. كسرت شيئا بينهما، وهي لن تنساك ابدا. صغيرا ستكون دائما في ذاكرتها التي لن تهتري، فالحزن يحفظ الاشياء.
لاتذهب... فالموت موحش جدا مع الوحدة، وانت مازلت صغيرا على الوحدة وصغيرا اكثر على الموت.
وانت اصغر بالتاكيد على الحياة...
هذا النص منقول من مجموعة القاص القصصية "ظل الرائحة"- دار سندباد بالقاهرة 2012م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...