في وسط شارع الرشيد وفي منطقة ” المربعة ” ببغداد ظهرت في اواسط الاربعينات من القرن الماضي مقهيان ذات طراز غير مألوف عند اهل بغداد هما المقهى البرازيلية والمقهى السويسرية وكانت واجهتهما الباهرتان تخلبان الالباب حيث الزجاج السميك الفاخر والمناضد الراقية التي صنعت من اعواد الخيزران اضافة الى الكراسي الوثيرة التي استوردت من اوربا خصيصا وماكينات القهوة التي تعمل بالكهرباء وتقدم للزبون برائحتها المتميزة والتي كنا نشمها عن بعد حتى ونحن نتسكع على الرصيف القريب وقد اختيرتا من قبل النخبة المثقفة مجلسا للفنانين التشكيليين الذين درسوا في معاهد الفن في روما وباريس وبقية مدن القارة الاوربية وكان من جلاّسها الفنان جواد سليم وأخوه نزار سليم وفائق حسن وشاكر حسن آل سعيد ورفعت الجادرجي وقتيبة الشيخ نوري ويمكننا ان نقول ان المقهى البرازيلية بالذات أزهرت فيها حدائق التجديد سواء بالفن التشكيلي او الشعر او القصّإذ كانت المنطلق الاول لنشوء الحركة التشكيلية الحديثة في العراق ، ليس هذا فحسب بل كانت ايضا المنطلق الاول لفكرة تأسيس اتحاد الادباء في العراق بعدما التأم شمل ادباء العراق المجددين واصبحوا من روّاد المقهى البرازيلية امثال عبد الوهاب البياتي وكاظم جواد ورشدي العامل ونزار عباس ثم التحق بهم عبد المجيد نوري ونجيب المانع وسعدي يوسف وغائب طعمة فرمان وفؤاد ونهاد التكرلي وقرروا تقديم طلب اجازة لتأسيس اتحاد خاص بالادباء وقد وصل هذا الخبر الى اسماع السلطة فأوجسوا خيفة من الامر فسارعت السلطة الى تجميع بعض وجوهها من الكتّاب والشعراء المتعلقين بأذيالها وأرخصوا لهم إجازة تأسيسه قبل ان يقدم الطرف الاخر على طلب الاجازة وفعلا تم التأسيس عام/1952 ولكن بوجوه اخرى
وفي السنوات اللاحقة انضم جماعة المقهى السويسرية ” كافيه سويس ” الى تلك الثلة الثقافية – الفنيّة والتي كان من ابرز روّادها جبرا ابراهيم جبرا الروائيّ والمترجم والشاعر والفنان التشكيلي حين استقرّ في العراق بعد نزوحه من بلاده فلسطين وتبعه عبد الملك نوري الى هذا الحشد من المثقفين المتأوربين وأسسوا تجمّعا ثقافيا جديدا غير مألوف في الوسط الثقافي البغدادي قائما على مزج الادب العربي بالادب الغربي الذي أخذ بالانتشار السريع نظرا لانفتاح بغداد على الثقافات الاجنبية وانتشار الكتب المترجمة على نطاق واسع بفضل مكتبة ماكينزي ودور النشر والطباعة التي وفدت الينا من بيروت ولندن وباريس والعديد من عواصم العالم
اما مقهى الكيت كات المصممة على الطراز الإنجليزي الرفيع فقد كان موقعها امام ساحة التحرير الى جانب مكتبة النهضة العريقة ومكتبة التحرير والمكتبة العالمية وتتميز باطلالة خلاّبة على الساحة نفسها لما تموج بها من حركة لاتهدأ في وسط شريان بغداد ومركزها الضاج بالحركة ليل نهار ، وكان جلّ مرتاديها من المثقفين ذوي النزعة الاوربية ورجال الصحافة التنويرية والسياسيين الليبراليين الميّالين للفكر والتيارات الغربية التي كان يعجّ به الشارع العراقي وقتذاك ؛ ولأنهم نخبة اقلية فقد نأوا بأنفسهم عن الاندماج مع المجتمع الصاخب العائم بالتوجه الماركسي الذي كان اشبه بـ”تسونامي ” فكري اكتسح معظم الساحة الثقافية واغلب الفئات العمرية الشابة والطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي وجزءاً كبيرا من شباب مجتمع الطبقة الوسطى في الاسرة البغدادية ممن يسميهم الماركسيون بالبرجوازية الصغيرة
فالشعلة الثورية في الكيت كات كان منطفئة الاّ من بقايا جمرات صغيرة تحت الرماد تكاد لاترى ولاتلسع عند بعض الروّاد من المثقفين فالكثير منهم وطنيون ديمقراطيون من دعاة المجتمع المدني وليبراليون من الطراز الاول ومنهم من يتغنون بالحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه الجادرجي ، على العكس مما كان يثار في مقاهي بغداد التقليدية والتي كانت مرتعا خصبا لنموّ النزعة الثورية المتأججة سواء لدى الماركسيين ام الاحزاب القومية التقدمية التي تأثرت بشكل او بآخر بالفكر الماركسي . والطريف ان مقهى الكيت كات كانت تقدّم لزبائنها الحلوى الافرنجية وكؤوس المرطبات والمياه الغازية والصودا ومن النادر جدا ان ترى الشاي وأقداحه المتعارف عليها على مائدة روّادها فقد استبدلت اباريق الشاي والسماورات الشرقية بماكينات صنع المرطبات وآلات تحضير الكاباتشينو والنسكافيه
والحق ان جليسي المقهى البرازيلية والسويسرية والكيت كات لم يستسيغوا ان يكونوا روّادا للمقاهي الكلاسيكية المنتشرة بكثافة في بغداد ولاسيما مقهى الشابندر والزهاوي وحسن العجمي والبلدية والبرلمان وغيرها ؛ لكنهم كانوا على صلة وثيقة بأقرانهم الادباء والفنانين مهما اختلفت رؤاهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية فاختلاف الرأي ووجهات النظر لم تكن ابدا تفسد الوداد والصداقة والمحبة بينهم واذكر هنا حادثة استدراج الشاعر البوهيمي المتمرد حسين مردان للمقهى البرازيلية بدفعٍ من الشاعر بلند الحيدري حيث أوكل ساطع عبد الرزاق صديقهما المشترك وحلقة الوصل بين زمرتي الادب والفن ليقنع شاعر القصائد العارية كي يترك مقاهي ساحة الميدان بصخبها وزبائنها عتاة الصعلكة والمجون ويقعد مسترخيا على مقاعد الخيزران الانيقة الحديثة في البرازيلية ويتذوّق الترف البورجوازي وقد نجحت محاولة ضمّه الى النخبة الجديدة المثقفة بالتيارات الغربية ردحا من الزمن لكنه وهو الحليف الوفيّ لاصدقائه القدامى لم يبقَ طويلا وعاد الى مرابعه الاولى بسبب اخلاصهِ الطبقي لثلّتهِ في ساحة الميدان ومقاهي الكلاسيك النابتة في ضميره كما كان يقول هو نفسه لاصدقائه الادباء ذوي المنحى البورجوازي حين يتهكّم عليهم
وقد شهدت حقبة اواخر الاربعينات ولادة أثرى ماكتب من شعر حديث في تلك المقاهي الحديثة حيث أصدر بدر شاكر السياب ديوانه ( ازهار ذابلة ) العام/1948 ولحقه عبد الوهاب البياتي وأصدر ديوانه (ملائكة وشياطين ) كما أصدر بلند الحيدري مجموعته المتميزة ( خفقة الطين ) ثم تبعته نازك الملائكة واصدرت ديوانها (شظايا ورماد ) الذي اثار جدلا طويلا في الاوساط الادبية وعدّ في نظر البعض الباكورة الاولى للشعر الحرّ القائم على تفعيلة واحدة ، لكن المنازعات على الاولوية والسبق في الكتابة بهذا النوع من الشعر لم تهدأ وكثيرا ماكان النزاع بين البياتي والسياب يصل اشدّه في تلك المقاهي شفاها ووجها لوجه ثم ينعكس لاحقا في الصحافة ويدور الجدل بين المهتمين على قدم وساق
وأتذكّر أنه في العام/1969 تم قبولي طالبا في كلية الآداب وكنت دائم الزيارة للمقهى البرازيلية ولاسيما وانزوي في الجناح الخاص بالطلبة وأقرأ ماهو مطلوب مني ضمن مناهجي الدراسية واعكف بعدها على قراءة ماكنت اشتريه من مكتبات شارع المتنبي ومن باعة الكتب المنتشرين على الارصفة اثناء مروري في شارع الرشيد وربما ارتقي مكتبة ماكينزي واقتني رواية انجليزية لديكنز او مارك توين تثير فضولي واجهد في ترجمتها وحدي مستعينا بالمعجم الصغير الذي كان لايغادر جيبي واقعد ساعات طوال في ذلك الجناح المخصص للطلبة وكأنه مكتبة هادئة تسعفني على المزيد من القراءة ، والحق اني كنت أرتعب رهبة وخوفا من التقرّب من الادباء الجالسين غير بعيدين عني في ذات المقهى والذين أراهم كبارا أجلاّء وتصيبني الرهبة مثلما يخاف الطالب الصغير من معلمه حين يراه بغتة في شارع او سوق لكن أذني كانت مشدودة لحواراتهم ونقاشاتهم وكثيرا ماكنت احفّز نفسي واتشجّع وألتمس مكانا قريبا منهم لأصغي الى مايقال وشيئا فشيئا بدأت ادنو منهم وأزيل ذلك الحاجز المهيب وأشاركهم نقاشاتهم الى ان اعتدتُ على مشاركتهم جلساتهم وعرض ماكنت اكتبه عليهم لالتماس وجهة نظرهم بشأن ما أكتب اذ لم تكن هذه المقاهي ملاعب للّهو وتزجية الوقت وقتل الفراغ فقط وانما كانت منهلا يملأ عقولنا فكرا راقيا متجددا حتى في فسحة الخروج من البيت
تُرى لمَ يفعل الزمن السافل بذاكرتنا العراقية ويطيح بها ؟؟ وماعسانا نفعل نحن المثقفين الخافتي الصوت امام هدير التدمير الهائل ، وقبيل كتابتي لهذه المقالة عزمت على المرور بهذه الاضرحة الثقافية فرأيت المقهى البرازيلية وقد تحوّلت مخازن لتجميع الاقمشة ، اما المقهى السويسرية فلم اجد لها أثَراً ، والشدْو الرخيم لفيروز وموشّحاتها الذي كان يصدح في اركان الكيت كات أخرسته صيحات الباعة الجائلين وهم يفرشون بضائعهم قرب عتَبتها ورصيفها المحاذي لها فسألت البائع عمّا آل اليه هذا المكان -وقد أشرتُ على مقهى الكيت كات- فأجابني انه تخصص في بيع الادوات الطبية للعاجزين عن الحركة مثل كراسي المقْعدين والعكازات ومايتعلّق بها فذرفت دمعةً حرّى أحسستها قد لسعت وجهي وغادرت المكان دون ان يرى البائع بكائي.
وفي السنوات اللاحقة انضم جماعة المقهى السويسرية ” كافيه سويس ” الى تلك الثلة الثقافية – الفنيّة والتي كان من ابرز روّادها جبرا ابراهيم جبرا الروائيّ والمترجم والشاعر والفنان التشكيلي حين استقرّ في العراق بعد نزوحه من بلاده فلسطين وتبعه عبد الملك نوري الى هذا الحشد من المثقفين المتأوربين وأسسوا تجمّعا ثقافيا جديدا غير مألوف في الوسط الثقافي البغدادي قائما على مزج الادب العربي بالادب الغربي الذي أخذ بالانتشار السريع نظرا لانفتاح بغداد على الثقافات الاجنبية وانتشار الكتب المترجمة على نطاق واسع بفضل مكتبة ماكينزي ودور النشر والطباعة التي وفدت الينا من بيروت ولندن وباريس والعديد من عواصم العالم
اما مقهى الكيت كات المصممة على الطراز الإنجليزي الرفيع فقد كان موقعها امام ساحة التحرير الى جانب مكتبة النهضة العريقة ومكتبة التحرير والمكتبة العالمية وتتميز باطلالة خلاّبة على الساحة نفسها لما تموج بها من حركة لاتهدأ في وسط شريان بغداد ومركزها الضاج بالحركة ليل نهار ، وكان جلّ مرتاديها من المثقفين ذوي النزعة الاوربية ورجال الصحافة التنويرية والسياسيين الليبراليين الميّالين للفكر والتيارات الغربية التي كان يعجّ به الشارع العراقي وقتذاك ؛ ولأنهم نخبة اقلية فقد نأوا بأنفسهم عن الاندماج مع المجتمع الصاخب العائم بالتوجه الماركسي الذي كان اشبه بـ”تسونامي ” فكري اكتسح معظم الساحة الثقافية واغلب الفئات العمرية الشابة والطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي وجزءاً كبيرا من شباب مجتمع الطبقة الوسطى في الاسرة البغدادية ممن يسميهم الماركسيون بالبرجوازية الصغيرة
فالشعلة الثورية في الكيت كات كان منطفئة الاّ من بقايا جمرات صغيرة تحت الرماد تكاد لاترى ولاتلسع عند بعض الروّاد من المثقفين فالكثير منهم وطنيون ديمقراطيون من دعاة المجتمع المدني وليبراليون من الطراز الاول ومنهم من يتغنون بالحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه الجادرجي ، على العكس مما كان يثار في مقاهي بغداد التقليدية والتي كانت مرتعا خصبا لنموّ النزعة الثورية المتأججة سواء لدى الماركسيين ام الاحزاب القومية التقدمية التي تأثرت بشكل او بآخر بالفكر الماركسي . والطريف ان مقهى الكيت كات كانت تقدّم لزبائنها الحلوى الافرنجية وكؤوس المرطبات والمياه الغازية والصودا ومن النادر جدا ان ترى الشاي وأقداحه المتعارف عليها على مائدة روّادها فقد استبدلت اباريق الشاي والسماورات الشرقية بماكينات صنع المرطبات وآلات تحضير الكاباتشينو والنسكافيه
والحق ان جليسي المقهى البرازيلية والسويسرية والكيت كات لم يستسيغوا ان يكونوا روّادا للمقاهي الكلاسيكية المنتشرة بكثافة في بغداد ولاسيما مقهى الشابندر والزهاوي وحسن العجمي والبلدية والبرلمان وغيرها ؛ لكنهم كانوا على صلة وثيقة بأقرانهم الادباء والفنانين مهما اختلفت رؤاهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية فاختلاف الرأي ووجهات النظر لم تكن ابدا تفسد الوداد والصداقة والمحبة بينهم واذكر هنا حادثة استدراج الشاعر البوهيمي المتمرد حسين مردان للمقهى البرازيلية بدفعٍ من الشاعر بلند الحيدري حيث أوكل ساطع عبد الرزاق صديقهما المشترك وحلقة الوصل بين زمرتي الادب والفن ليقنع شاعر القصائد العارية كي يترك مقاهي ساحة الميدان بصخبها وزبائنها عتاة الصعلكة والمجون ويقعد مسترخيا على مقاعد الخيزران الانيقة الحديثة في البرازيلية ويتذوّق الترف البورجوازي وقد نجحت محاولة ضمّه الى النخبة الجديدة المثقفة بالتيارات الغربية ردحا من الزمن لكنه وهو الحليف الوفيّ لاصدقائه القدامى لم يبقَ طويلا وعاد الى مرابعه الاولى بسبب اخلاصهِ الطبقي لثلّتهِ في ساحة الميدان ومقاهي الكلاسيك النابتة في ضميره كما كان يقول هو نفسه لاصدقائه الادباء ذوي المنحى البورجوازي حين يتهكّم عليهم
وقد شهدت حقبة اواخر الاربعينات ولادة أثرى ماكتب من شعر حديث في تلك المقاهي الحديثة حيث أصدر بدر شاكر السياب ديوانه ( ازهار ذابلة ) العام/1948 ولحقه عبد الوهاب البياتي وأصدر ديوانه (ملائكة وشياطين ) كما أصدر بلند الحيدري مجموعته المتميزة ( خفقة الطين ) ثم تبعته نازك الملائكة واصدرت ديوانها (شظايا ورماد ) الذي اثار جدلا طويلا في الاوساط الادبية وعدّ في نظر البعض الباكورة الاولى للشعر الحرّ القائم على تفعيلة واحدة ، لكن المنازعات على الاولوية والسبق في الكتابة بهذا النوع من الشعر لم تهدأ وكثيرا ماكان النزاع بين البياتي والسياب يصل اشدّه في تلك المقاهي شفاها ووجها لوجه ثم ينعكس لاحقا في الصحافة ويدور الجدل بين المهتمين على قدم وساق
وأتذكّر أنه في العام/1969 تم قبولي طالبا في كلية الآداب وكنت دائم الزيارة للمقهى البرازيلية ولاسيما وانزوي في الجناح الخاص بالطلبة وأقرأ ماهو مطلوب مني ضمن مناهجي الدراسية واعكف بعدها على قراءة ماكنت اشتريه من مكتبات شارع المتنبي ومن باعة الكتب المنتشرين على الارصفة اثناء مروري في شارع الرشيد وربما ارتقي مكتبة ماكينزي واقتني رواية انجليزية لديكنز او مارك توين تثير فضولي واجهد في ترجمتها وحدي مستعينا بالمعجم الصغير الذي كان لايغادر جيبي واقعد ساعات طوال في ذلك الجناح المخصص للطلبة وكأنه مكتبة هادئة تسعفني على المزيد من القراءة ، والحق اني كنت أرتعب رهبة وخوفا من التقرّب من الادباء الجالسين غير بعيدين عني في ذات المقهى والذين أراهم كبارا أجلاّء وتصيبني الرهبة مثلما يخاف الطالب الصغير من معلمه حين يراه بغتة في شارع او سوق لكن أذني كانت مشدودة لحواراتهم ونقاشاتهم وكثيرا ماكنت احفّز نفسي واتشجّع وألتمس مكانا قريبا منهم لأصغي الى مايقال وشيئا فشيئا بدأت ادنو منهم وأزيل ذلك الحاجز المهيب وأشاركهم نقاشاتهم الى ان اعتدتُ على مشاركتهم جلساتهم وعرض ماكنت اكتبه عليهم لالتماس وجهة نظرهم بشأن ما أكتب اذ لم تكن هذه المقاهي ملاعب للّهو وتزجية الوقت وقتل الفراغ فقط وانما كانت منهلا يملأ عقولنا فكرا راقيا متجددا حتى في فسحة الخروج من البيت
تُرى لمَ يفعل الزمن السافل بذاكرتنا العراقية ويطيح بها ؟؟ وماعسانا نفعل نحن المثقفين الخافتي الصوت امام هدير التدمير الهائل ، وقبيل كتابتي لهذه المقالة عزمت على المرور بهذه الاضرحة الثقافية فرأيت المقهى البرازيلية وقد تحوّلت مخازن لتجميع الاقمشة ، اما المقهى السويسرية فلم اجد لها أثَراً ، والشدْو الرخيم لفيروز وموشّحاتها الذي كان يصدح في اركان الكيت كات أخرسته صيحات الباعة الجائلين وهم يفرشون بضائعهم قرب عتَبتها ورصيفها المحاذي لها فسألت البائع عمّا آل اليه هذا المكان -وقد أشرتُ على مقهى الكيت كات- فأجابني انه تخصص في بيع الادوات الطبية للعاجزين عن الحركة مثل كراسي المقْعدين والعكازات ومايتعلّق بها فذرفت دمعةً حرّى أحسستها قد لسعت وجهي وغادرت المكان دون ان يرى البائع بكائي.