(المقهى ـ بعد 30 دقيقة)
كانت الفكرة التي سيطرت على عقلي هي تحويل مكتب نجيب محفوظ في الدور السادس بمؤسسة الأهرام إلى ما يشبه المتحف الصغير. هذا المكتب كان من قبل مخصصًا للكاتب الراحل توفيق الحكيم عندما كان الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة الأهرام، ونجح ـ عن قناعة، وذكاء، ووعى ـ في أن يجعل الدور السادس بالأهرام يضم كبار الكتّاب، وفي المقدمة منهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم، وبعد رحيل توفيق الحكيم في يوليو 1987 انتقل نجيب محفوظ إلى المكتب.
عن هذا المكتب (الغرفة) قال نجيب محفوظ: "في الأيام التالية بعد إعلان الجائزة- جائزة نوبل- كانت أعصابي في أسوأ حالاتها؛ بسبب شدة الزحام وضيق البيت وعدم قدرته على استيعاب الزائرين، وما أن علم إبراهيم نافع، رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس التحرير، بالأمر من الصحفي فتحي العشري، حتى أصدر قراره بفتح مكتب توفيق الحكيم، وتخصيصه لي كي أستقبل فيه الزوار والضيوف من مصر والعالم".
إذن ما المانع في أن يبقى هذا المكتب يستقبل زوارًا وباحثين ومحبي أدب نجيب محفوظ؟ ليكون مزارًا؛ بعدما يتم جمع تراثه الصحفي، وصوره، ومقالاته، وحواراته في الصحافة المصرية والعربية والعالمية منذ أن أقنعه محمد حسنين هيكل (هيكل الذي كان يعرف قيمة وقامة الثقافة وناسها) بالعمل ـ ككاتب ـ في الأهرام.
وهذا إذا حدث فمن المؤكد ـ بجانب المتحف الذي يحمل اسمه ـ سيضيف للصحافة بصفة عامة ولـ"الأهرام" بصفة خاصة، ولمصر أيضًا وهي تحتفل بذكرى ميلاد- كان هذا في العام الماضي- أديب نوبل الذي تفخر به العواصم العربية كلها وليست القاهرة فقط.
•••
(المقهى ـ بعد 40 دقيقة)
كنت قد فرغت من كوب الشاي الثالث عندما اتصلت بالأستاذ عبدالصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، والرجل، مشكورًا، استمع للفكرة بكل اهتمام وترحيب ثم قال: "عظيم.. هذه فكرة رائعة والهيئة الوطنية للصحافة ستدعمها بكل ما لديها من تراث نجيب محفوظ، وسنقوم بتجميع كل إنتاجه وإبداعه من جميع المؤسسات الصحفية، ليتم وضعه بطريقة علمية، ومهنية، وبحثية، متطورة وحديثة في مكتبه بالأهرام- بعدما يتم إخلاؤه وتجهيزه - ليتاح البحث في أرشيفه لكل دارس أو باحث سهولة، ويسر، طالما أصبح كل هذا في مكان واحد وهو مكتبه التاريخي بالأهرام. وسأكون ـ إذا نجحت فكرتك ـ أول من يحضر حفل الافتتاح".
ثم قال بجدية واضحة في صوته، أو هكذا فهمت: "ليس عليك الآن سوي الاتصال بالأستاذ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام ـ وهو صديق أعتز به ـ وتخبره بما دار بيني وبينك ثم تبلغني بما اتفقتما عليه حتى نبدأ في تحويل الفكرة إلى واقع عملي، ليصبح المكتب مزارًا صحفيًا، وفكريًا، وثقافيًا، وأدبيًا ومنبرًا- من خلال الصحافة المصرية- نفخر به جميعاَ في الحاضر والمستقبل"!
بعد دقائق أغلقت الخط، ودفعت حساب المقهى، وخرجت إلى الشارع سعيدًا.
•••
(الشارع ـ بعد 50 دقيقة)
في الوقت نفسه بدأت محاولة الاتصال بالأستاذ عبدالمحسن سلامة حتى أخبره بما دار بيني وبين الأستاذ عبدالصادق الشوربجي، لكن كل محاولات التواصل والاتصال به باءت بالفشل. حتى أنني ركبت المترو وقتها، ولم أنتظر صديقي على المقهى كما كان الاتفاق بيننا!
•••
* أمس،،،،
كتبت هذا المقال قبل شهور.. ونشرته فى موقع "باب مصر" - مرفق رابط المقال - فى ذكرى وفاة أديبنا الكبير.
* اليوم،،،
أعيد جزءًا منه فى ذكرى ميلاد أديبنا الكبير.
* غدًا،،،، وبعد غد،،،،
(إذا كنا من أهل الدنيا) سأعيد نشره كلما حلت الذكرى (الميلاد - أو الوفاة)! ولن أملّ من التذكير بالفكرة.
-------------
ملحوظة:
صديقي الذي عاد للمقهي ولم يجدني - بعدما تركتها أثناء محاولتي الاتصال بالأستاذ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام لعرض الفكرة عليه (وفشلت طبعاَ) - كلما رآني سألني وهو يضحك:
"على كده بقى رد عليك"؟!
ثم يكمل ضاحكاَ - أو ساخراَ للدقة -: "لا تنسي الاحتفاظ بالمقال لتنشره فى الذكرى المقبلة.. واجعله بنفس العنوان:
"نهارك سعيد يا عم نجيب" ثم يواصل ضحكته وهو يقول:
"ربما تجد - يا صديقي - مَنْ يجيب"!
فأرد..
باسماَ..
وصامتًا..
ولا أعلق!
خيري حسن
11 ديسمبر / 2022
-----------
رابط المقال:
https://www.babmsr.com/
كانت الفكرة التي سيطرت على عقلي هي تحويل مكتب نجيب محفوظ في الدور السادس بمؤسسة الأهرام إلى ما يشبه المتحف الصغير. هذا المكتب كان من قبل مخصصًا للكاتب الراحل توفيق الحكيم عندما كان الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة الأهرام، ونجح ـ عن قناعة، وذكاء، ووعى ـ في أن يجعل الدور السادس بالأهرام يضم كبار الكتّاب، وفي المقدمة منهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم، وبعد رحيل توفيق الحكيم في يوليو 1987 انتقل نجيب محفوظ إلى المكتب.
عن هذا المكتب (الغرفة) قال نجيب محفوظ: "في الأيام التالية بعد إعلان الجائزة- جائزة نوبل- كانت أعصابي في أسوأ حالاتها؛ بسبب شدة الزحام وضيق البيت وعدم قدرته على استيعاب الزائرين، وما أن علم إبراهيم نافع، رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس التحرير، بالأمر من الصحفي فتحي العشري، حتى أصدر قراره بفتح مكتب توفيق الحكيم، وتخصيصه لي كي أستقبل فيه الزوار والضيوف من مصر والعالم".
إذن ما المانع في أن يبقى هذا المكتب يستقبل زوارًا وباحثين ومحبي أدب نجيب محفوظ؟ ليكون مزارًا؛ بعدما يتم جمع تراثه الصحفي، وصوره، ومقالاته، وحواراته في الصحافة المصرية والعربية والعالمية منذ أن أقنعه محمد حسنين هيكل (هيكل الذي كان يعرف قيمة وقامة الثقافة وناسها) بالعمل ـ ككاتب ـ في الأهرام.
وهذا إذا حدث فمن المؤكد ـ بجانب المتحف الذي يحمل اسمه ـ سيضيف للصحافة بصفة عامة ولـ"الأهرام" بصفة خاصة، ولمصر أيضًا وهي تحتفل بذكرى ميلاد- كان هذا في العام الماضي- أديب نوبل الذي تفخر به العواصم العربية كلها وليست القاهرة فقط.
•••
(المقهى ـ بعد 40 دقيقة)
كنت قد فرغت من كوب الشاي الثالث عندما اتصلت بالأستاذ عبدالصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، والرجل، مشكورًا، استمع للفكرة بكل اهتمام وترحيب ثم قال: "عظيم.. هذه فكرة رائعة والهيئة الوطنية للصحافة ستدعمها بكل ما لديها من تراث نجيب محفوظ، وسنقوم بتجميع كل إنتاجه وإبداعه من جميع المؤسسات الصحفية، ليتم وضعه بطريقة علمية، ومهنية، وبحثية، متطورة وحديثة في مكتبه بالأهرام- بعدما يتم إخلاؤه وتجهيزه - ليتاح البحث في أرشيفه لكل دارس أو باحث سهولة، ويسر، طالما أصبح كل هذا في مكان واحد وهو مكتبه التاريخي بالأهرام. وسأكون ـ إذا نجحت فكرتك ـ أول من يحضر حفل الافتتاح".
ثم قال بجدية واضحة في صوته، أو هكذا فهمت: "ليس عليك الآن سوي الاتصال بالأستاذ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام ـ وهو صديق أعتز به ـ وتخبره بما دار بيني وبينك ثم تبلغني بما اتفقتما عليه حتى نبدأ في تحويل الفكرة إلى واقع عملي، ليصبح المكتب مزارًا صحفيًا، وفكريًا، وثقافيًا، وأدبيًا ومنبرًا- من خلال الصحافة المصرية- نفخر به جميعاَ في الحاضر والمستقبل"!
بعد دقائق أغلقت الخط، ودفعت حساب المقهى، وخرجت إلى الشارع سعيدًا.
•••
(الشارع ـ بعد 50 دقيقة)
في الوقت نفسه بدأت محاولة الاتصال بالأستاذ عبدالمحسن سلامة حتى أخبره بما دار بيني وبين الأستاذ عبدالصادق الشوربجي، لكن كل محاولات التواصل والاتصال به باءت بالفشل. حتى أنني ركبت المترو وقتها، ولم أنتظر صديقي على المقهى كما كان الاتفاق بيننا!
•••
* أمس،،،،
كتبت هذا المقال قبل شهور.. ونشرته فى موقع "باب مصر" - مرفق رابط المقال - فى ذكرى وفاة أديبنا الكبير.
* اليوم،،،
أعيد جزءًا منه فى ذكرى ميلاد أديبنا الكبير.
* غدًا،،،، وبعد غد،،،،
(إذا كنا من أهل الدنيا) سأعيد نشره كلما حلت الذكرى (الميلاد - أو الوفاة)! ولن أملّ من التذكير بالفكرة.
-------------
ملحوظة:
صديقي الذي عاد للمقهي ولم يجدني - بعدما تركتها أثناء محاولتي الاتصال بالأستاذ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام لعرض الفكرة عليه (وفشلت طبعاَ) - كلما رآني سألني وهو يضحك:
"على كده بقى رد عليك"؟!
ثم يكمل ضاحكاَ - أو ساخراَ للدقة -: "لا تنسي الاحتفاظ بالمقال لتنشره فى الذكرى المقبلة.. واجعله بنفس العنوان:
"نهارك سعيد يا عم نجيب" ثم يواصل ضحكته وهو يقول:
"ربما تجد - يا صديقي - مَنْ يجيب"!
فأرد..
باسماَ..
وصامتًا..
ولا أعلق!
خيري حسن
11 ديسمبر / 2022
-----------
رابط المقال:
https://www.babmsr.com/