حميد سعيد - رسالة اعتذار .. الى أبي جعفر المنصور

أورثتنَا حُلماً جميلاً ..
أيها الحلمُ الجميلُ
مُذ جاءَ عبد اللهِ يحملها الى الضفتينِ .. شَمساً
وهي في ماء الصباحاتِ الجميلةِ تستحمُّ ..
ولا يَمسُّ ظِلالها البيضَ .. الأصيلُ
تَتَبغَددُ الأقمارُ..
كُلُّ قصيدةٍ حَملت غُرورَ صبا نداءٍ جامحً..
جاءت اليها
خَرجَ النُوا سيونَ من أَسرارها الأولى..
هُنا ..
حيثَ استظلّ النورُ بالجوريّ والدفلى.. وأسرارُ الندامى بالنخيلْ
مُذْ كانَ عبدُ اللهِ .. أطلَقَ في ملاحمها الوعولْ
تَتَعلّمُ الأنهارمن لألاء فضتها..
وتصهل في مواسِمها الخيولْ
حُلُمٌ جميلٌ ..
تلكَ أبوابٌ ثمانيةُ .. تَزاحَمُ عندَ سدرتِها الفصولْ
من أيَّ بابٍ ..
تَخرجُ الدُنيا .. وتَدخُلُ كلُّ أغنيةٍ بَتولْ
يتعايش الخُلعاءُ والفقهاءُ فيها..
حيث تَلعبُ في حدائقها .. العصافير الشقيّةُ والصُقورْ
يتحاورُ الثَمِلُ المشاكسُ في جوازِ الشكِّ والأيمانِ..
والشَيخُ الوقورْ
لا يتعب الثمِلُ المشاكسُ .. من متاهات الخُمارِ
ولا يَضيقُ بمَكْرهِ .. الشيخُ الوقورْ
* * *
في طاق ِ أسماء ..
يبارك ليلكِ الشُعراء..
يَنتحلونَ مَعصية َ المعاني .. في التصوّفِ والمجونْ
تتشابكُ الأحلامُ والأوهامُ .. حيث يواصلونَ الليلَ بالليل ِ القصائدُ ..
بينَ منزلةِ الرؤى الأولى ومنزلةِ الجنونْ
حُلُمٌ جميلٌ ..
أيّ ملحمةٍ .. يَخُطُّ حُروفَها الطينُ النَبيلُ
بغدادُ ..
هذا الطائرُ الفِضيُّ .. حيث يكون كان الشعرُ واللحنُ الجميلُ
ولطالما غَنَّتهُ دجلة ُ في لياليها .. ورددّهُ المغنّونَ الفُحولُ
الموصليان الخرافيان ,, والعودُ السَخيُّ
وَتَرٌ غَويٌّ ..
بغدادُ ..
سِحْرُ مآذنٍ خُضرٍ .. وسِحرٌ بابليُّ
* * *
هَلْ كُنتَ تُدركُ .. أنّ في الطينِ العراقيِّ .. استفاقَ الطيبُ
صارَ مدينة ً .. هَلْ كُنتَ تُدركُ .. أنّ هذا المسك من دَمِنا المكابر ِ ..
ليسَ هذا المسك .. بعض دم ِ الغزال .. هَلْ كُنتَ تُدركُ ..
أن كلَّ غُزاتِها اندحروا .. ويندحرونَ .. لكنّ السؤالْ
لمَ يحشدونَ على عفافِ نخيلها
لمَ يشعلونَ النارَ في أحلامها..
لمَ يحقدونّ على أغانيها..
ويختطفون دفء الحزن ِ .. فيها ؟!
* * * *
* * * *
مُذ كانَ عبد اللهِ .. كانت هذهِ القرشيّة ُ الخضراءُ ..
بُستان المحبيّن .. المآذن والجِنانْ
ليلٌ .. لعاشقةٍ تُحاول أنْ تنامَ ولا تَنامْ
ليلٌ .. لعابدةٍ يٌقصّرهُ القِيامْ
ليلٌ .. لصعلوكٍ يُقيمُ طقوسهُ في كلِّ حانْ
ليلٌ .. لمملوك يجرب أن يكون
ليل .. لعيارين ينتشرون بينَ حدائقِ الأسرار ِ ..
في أرض ِ السوادْ
بغدادْ ..
تُقبلُ من مساراتِ الظنون الى مسرّات الظنون ..
سيلِّمُ عبدُ الله ..
أشتاتَ الأساطير ِ .. الأقاويلَ التي تُروى .. اشارت الكواكبِ..
والرؤى..
ويُقيم فيها .. بيتَ عبد الله
أبوابٌ ثمانية ٌ .. وأزمنة ٌ تمرُّ .. يَدقُّ بابَ الماءِ ..
شيخ ٌ قانِط ٌ ..
ويَدقُّ بابَ القانطينَ .. فلا يُجابُ
أوَ كان يحلمُ بالظباءِ البيض؟!
أم ألقى أليهِ صحائفاً بيضاً .. غُرابُ؟!
بينَ القيامةِ والقيامةِ .. تُقبلُ الأشجارُ..
بينَ عواصفٍ مَرّت وأخرى في الطريق ِ ..
يَظلُّ عبد اللهِ ..
من سمرٍ الى سمر ٍ .. ومن خبرٍ الى خَبَرٍ ..
على ما كانَ ..
حيثُ يَكونُ .. كان الماءُ و أنحسرَ اليبابُ
* * *
أمس ِ استفقتُ على ضَجيج مواكبٍ ..
فرأيتُ عَيّارين من عُشّاقِها .. شاخوا ..
وما شاخَ النشيدُ ..
جاءوا أليها من أقاليم ِ الرياح ِ ..
وكُلّما مَرّوا على أحيائِها .. رَحلَ العبيدُ
* * * * *
* * * * *
أرأيتَ مقبَرةً تُداهِمُ سامري ليلٍ .. بأطرافِ الرصافةِ؟!
هل أقامَ دمٌ حييٌّ .. مأتما ً للوردِ؟!
هَلْ ؟!
سأعيدُ اسئلتي الى صفحاتها الأولى .. واسألُ عن كتاب الآس ِ
عن شجن ٍ نواسيّ .. أقامَ هنا ..
وأسألُ عن حديثٍ ضاع في عتماتِ محنتِها الأخيرة ..
كان يُروى في لياليها المُضيئةِ.. عن بني العبّاسْ
من هؤلاء؟!
سألتُ عبدَ اللهِ .. هل كانَ المُنًجم قدّ روى من قَبلُ..
عن وحش ِ الكوابيس ِ ..
الفراديسُ التي حَمَلَتْ سُفاحا ً .. أسقَطتُ حُمما ً وحُمّى والكراريسُ المخبّأة ُ العَتيقَة ُ..
أنجبتْ صُحُفاً .. على صفحاتِها تَتَشمّسُ الغيلانُ
بينَ سطورها يَنزو الضئيلُ الألعبانُ
وهل رأى بغدادَ ..
يَغصبُها أساوِرَة ٌ ورومُ
الملحُ يمشي في شوارعِها .. وتُغتالُ الكرومُ
* * *
زَحفُ الجرادِ .. يجيءُ من مُدنِ الرمادِ
مَسَدٌ على الطُرقاتِ .. حيثُ يَمرُّ أبناءُ الأفاعي
يَرتابُ أحفادُ الفريسيين من شَجرِ البلاد ِ
يَرتاب أحفاد الفريسيين .. من أنهارها ونَهارها
وسألتُ عبد اللهِ .. هل كان الفريسيون في الزَمن ِ الجميل ِ ..
يتواطأونَ على مفاتنها ..
وهل قالَ المنجِّمُ .. أنّ ألحانَ السماءِ تَموتُ ذات ضُحى
على وتَرٍ بَخيل ِ
في موكبِ النهرين .. كانَ يمَامُها يَصِلُ التخومَ ..
أليكِ أحملُ من حديثِ الماء ِ .. سيّدتي وَصايا
هي ما تبقى من حريرِ القول ِ .. أووشم المرايا
بغدادُ ..
لؤلؤة ٌ مُبجّلة ٌ يشوه سحرها .. وحشُ الخَطايا
* * *
ما عادَ لي ألا أناشيدي
وأسألُ عن مَقام ِ الصَفْح ِ بين َ يديك .. فاعتذري لنا ..
ما كان مِنّا .. ذلك الثفل البغيضُ
لحن ٌ مريض ٌ
لا الضوء ُ مرَّ على السَريرةِ .. لا الوميضُ
الوهمُ .. ثمَّ الوهمُ ..
ما غنّتْ عُليّة ٌ في منازلهمْ .. ولا ذُكِرَ الغريضُ
* * * * *
* * * * *
مَنْ هؤلاء؟!
يَقومُ عبد الله ..
أبوابٌ ثمانية ٌ .. سيفتحهَا لنا ..
للماء والشعراءِ ..
للفقهاءِ والخلعاء ..
هاأنذا أراهُ .. معمّماً بالريح ِ .. يَختارُ الحُميمة َ مَرَة أخرى ..
وليسَ سوى الحُميمةِ من طريْق
* * *
أورثتنا حُلماً جميلاً ..
أيها الحُلُمُ الجميلُ ..
بغدادُ .. ظِلّ اللهِ .. حيثُ تنّزلت ..
روحٌ .. وضوء مُستحيلُ..


حميد سعيد

/12/2005/ 25
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...