محمد المباركي - انتصارات المنتخب المغربي توحد الشعوب العربية والإفريقية والإسلامية

درس من انتصارات المنتخب المغربي في مباريات كأس العالم بقطر أن يسجع ويبهج كل بلد بانتصار منتخبه أمر طبيعي وعادي، لكن أن يصل الفرح الى الحد الذي عرفته انتصارات المنتخب المغربي ومدى تجاوب الشعب المغربي داخل وخارج الوطن بشكل منقطع النظير في مثل هذه الحالات. ومعه تجاوب الشعوب العربية والافريقية والإسلامية لأمر يدفع للتساؤل والتفكير والتبصر واستنتاج العبرة. هناك من قائل ينبغي انتظار الدورة النهائية لكأس العالم وعندها أمكن استنتاج الخلاصات قول فيه شيء من الصحة لكن ليس كل الصحة. لماذا؟ لأنه إذا ظهرت المعنى لا فائدة في التكرار. والمعنى أن المنتخب المغربي حقق ما فيه من كفاية عبر الانتصارات الحالية لاستنتاج الدرس. نقول هذا ولنا التأكيد أن للمنتخب المغربي كل المؤهلات للفوز بكأس العالم. انها منية كل مغربي ومغاربي وعربي وافريقي ومضطهدي العالم.
1 - لماذا هذا المنتخب بالضبط ؟ لأنه خلفا للعقلية الاستعلائية والتحكمية التي كانت تسود في السابق، فأننا نرى ان المنتخب المغربي الحالي يتسم بانسجام وطيد بين اللاعبين وبينهم والمدرب المقتدر. هناك سيمات أخلاقية عالية تجلت في المنتخب والتي عمادها: - تجاوز الفوقية الاستعلائية التي كان يتم التسيير بها ومعها تجاوز النزعة الذاتية المرضية التي يتميز بها الاحتراف الرياضي والكروي خاصة. هكذا أصبح الفريق يعمل من أجل الفوز الجماعي وليس البروز مما أعطاهم انسجاما تاما واحترافية موفقة الفردي
‎- دخل المنتخب حلبة الصراع الكروي وكأنه يحمل رسالة تحررية من هيمنة منتديات دول المركز. وهذه الروح الكفاحية المتفانية تلقاه الشعب المغربي بكل اعتزاز وافتخار والذي تجاوز المحيط المغربي ليعم الشعوب المغاربية والعربية خاصة لما ظهر العلم الفلسطيني الى جانب العلم المغربي وهو تحد ذو مغزى يفوق حلبة كأس العالم. أساسا ثقافة - تخضرم المنتخب المكون من أبناء الشعب داخل الوطن وخارجه. الأمر الذي ضرب عرض الحائط تلك المواقف الإقصائية التي لا تعترف بالمواطنة الكاملة لمهاجري الخارج، بدعوى أن الأجيال المتتالية انسلخت عن حويتها المغربية واعتنقت هوية بلد الاستقرار والنشأة. ما عبر عنه شباب الهجرة ضمن المنتخب الوطني، أن الهوية هي ومشاعر وروحية ثابتة في الوجدان جيل بعد جيل. هكذا عبروا بتصرفهم الراقي والرزين أن حب الوطن هو في الوجدان وليس بالاستقرار في رقعة أرضية بالوطن الأصل. فوطنية المهاجرين كما يبرهنون عنها في حياتهم اليومية وتصرفاتهم ومواقفهم اتجاه شعبهم، تؤكد أن وطنيتهم لا تقل أو تتميز في شيء عن وطنية إخوانهم وأخواتهم المستقرين بالمغرب. هكذا أمكن القول ان الشعب المغربي بواسطة أبنائه وبناته المستقرون ببلدان العالم، يعطون للوطن بعدا كونيا. لأن الوطن قبل أن يكون أرضا محدودة، فهو شعب وثقافة أينما حل الانسان المنتسب اليه. - نجح المنتخب المغربي لأن العقلية في التعامل لأن العقلية في التعامل بين أعضائه ومدربهم علاقة ديمقراطية وليست تحكمية وهو مثال لما يجب أن تسير علية مؤسسات الدولة داخل وخارج الوطن . بمعنى المؤسسات هي في خدمة المواطن وليس العكس. - انحدار أعضاء المنتخب المغربي من مختلف المناطق بتنوع لهجاتها وطبائعها الخاصة جسدت الوحدة المتراصة لأبناء الشعب المغربي. مما يضرب عرض الحائط تلك الدعاية المغرضة التي تزعم أن أبناء الشمال وخاصة منهم المنحدرين من منطقة الريف يدعمون الانفصال. انها دعاية مغرضة، كما انها عملية مغرضة اعتقال الأبرياء الذين خرجوا للتظاهر

‎السلمي الحضاري خلال حراك الريف المشروع. ان مطالب الحراك الشعبي هي مطالب اجتماعية واقتصادية وأخلاقية مشروعة قادرة التحقيق ان كانت هناك إرادة صادقة لدى المسؤولين. ان أزكى هدية وأحقها يمكن تقديمها للشعب المغربي اثر انتصارات منتخبه الباسل والحكيم، هو اطلاق معتقلي حراك الريف وكل معتقلي الرأي من صحفيين ومدونين وسياسيين. هذا لتعم البهجة القلوب جميع.

2- على المستوى المغاربي ان سياسة فرق تسود التي نهجها الاستعمار القديم ويمارسها الاستعمار الجديد تستهوي بعض الحكام الذين عوض العمل على وحدة شعوب المغرب الكبير ، يزرعون ما عجز عليه الخصوم والأعداء. وجاءت انتصارات المنتخب الوطني لتبرن أن الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري هما " خوا خوا...". انه الشعار الذي يردده كل جزائري والذي هو التعبير الصادق أن الشعبين الشقيقين هما اخوة وأصحاب مصير مشترك عبر التاريخ والمستقبل. نفس الشعور عبر عبرت عنه الشعوب المغاربية في كل مكان تواجدها داخل أو خارج أوطانها . فحلم الوحدة كشعار للتحرر ولتتقدم والديمقراطية قائما في وجدان الانسان المغاربي وهو ما عبرت عنه الشعوب المغاربية خلال هذا المونديال بوقوفها وقفة رجل واحد لدعم المنتخب المغربي الذي أصبح منتخب المغاربيين.

3- على المستوى العربي لقد برهنت انتصارات المنتخب المغربي في كأس العالم بقطر، أن طموح الشعوب العربية في الوحدة حقيقة مغروسة في كيانهم. وما رفع العلم الفلسطيني الى جانب العلم المغربي الا دلالة أكيدة عن إرادة الوحدة وأن انطلاقة القضية الفلسطينية هي قضية كل الشعوب العربية وأن الاستعمار والامبريالية غرسوا الكيان الصهيوني كشوكة مسمومة لإعاقة أية وحدة العربية. أن الشعوب العربية في كل بقاع الوطن العربي بتجاوبها مع انتصارات المنتخب المغربي كأنه انتصارا لها جميعا يبعث الأمل في مرحلة جديدة فاتحة آفاقا واعدة لوضع الركائز العملية والفعلية تدشين صيرورة الوحدة المندمجة اقتصاديا واجتماعيا مع احترام السيادة القطرية لكل بلد هذه الصيرورة يمكنها الارتكاز على العوامل التالية:
- فتح الحدود للأفراد والسلع مع حرية الاستقرار والإنتاج للإنسان العربي في مجموع الأقطار العربية.
- استعمال عملة واحدة وقوانين ومواقف تجارية واقتصادية موحدة، سواء داخل الفضاء العربي أو للتعامل مع باقي دول العالم.
- بنك عربي واحد يتم تسييره بشكل جماعي لتلبية المطالب الأساسية للإنسان العربي من غربه لشرقه وشماله لجنوبه.
- ضمان تعميم التعليم ومجانيته وتحديثه ليساير متطلبات العصر. المنتخب يلعب كرة القدم حسب المعايير الحديثة لهذه الرياضة وليس بارتداء الجلباب والبلغة التي هي رمز اللباس المغربي. نفس الأمر بالنسبة للتعليم ينبغي أن يكون عصريا حتى نضاهي الشعوب في كل الميادين العلمية. مثال اليابان وكوريا والصين أمام أعيننا، كيف خلال جيل أو جيلين يمكن الالتحاق بكوكبة الدول النامية.
- وضع برامج تنموية واقعية تشاركية وتكاملية في كل المجالاتن الثقافية والفنية والمهنية، هذه المحاور البسيطة الأساسية التي لا يختلف عليها اثنين، تسمح وضع اللبنات الضرورية للارتقاء الى مجالات أعلى للوحدة السياسية والإعلامية والعسكرية والقانونية على منوال الوحدة الأوروبية مثلا

‎الوحدة العربية ليست نشوة أو وهم، بل انها غاية مصيرية، ذلك أننا نعيش في عالم يحكمه قانون يأكل فيه القوى الضعيف، وهذا عبر قوانين دولية وضعت لهذه الغاية. أوروبا رغم اختلاف لغات شعوبها وثقافاتها وتاريخها الحضاري وعت هذه الحقيقة بعد أن كانت المركز الذي يدور حوله مصير باقي الشعوب، ظهرت تجمعات قوية تضاهيها في السيطرة الكونية. للنظر الى العالم يتضح أن هناك تجمعات بشرية موحدة بهذا الشكل أو ذاك لحماية شعوبها. هكذا نجد إلى جانب تجمع الاتحاد الأوروبي هناك تجمعات أخرى ممثلة في الوليات المتحدة والصين وفيديرالية روسيا والهند. الى جانب هذه التجمعات القوية هناك تجمعات ودول هزيلة تابعة للأولي رغما عنها لأن قانون التعامل والتواجد بين الدول يفرض ذلك. لذا تضل وحدة الشعوب العربية ضرورة مصيرية لانعتاق شعوبها من التأخر والتبعية والاستبداد.

4 - على المستوى الافريقي والشعوب التابعة ان رمزية الانتصارات التي حققها المنتخب المغربي خلال دورة كأس العالم تتجاوز ملاعب كرة القدم بقطر، لتخلق عند الانسان في العالم التابع بكل من افريقيا وأسيا، ذلك الشعور الذي احدثته جبهات التحرر من الاستعمار إثر الحرب العالمية الثانية. ولد ولّدت انتصارات المنتخب المغربي شيء من الاعتزاز والأمل للإنسان المستلب في هذه البقاع التي يسطر علها التأخر والفقر والجهل والاستبداد ، جراء التبعية ونظم الحكم السلبية لدولها. ان الشعور الحسي لمواطني هذه الشعوب يساعد قوى التنوير والحداثة شق طريق الأمل وانعتاق. خلاصة لا نقول أن انتصارات المنتخب المغربي ستحقق ثورة اجتماعية وتغيير سياسي على منوال الربيع العربي مثلا، الذي كانت شراراته انطلاقاته تدوينات فاسبوكية موجهة ما نريد التعبير عنه في هذه الكلمة الموجزة وهو وجود أرضية ثقافية وحضارية وطموح مشترك للشعوب المغاربية والعربية والافريقية والأسيوية في التحرر والوحدة عبر تجمعات ثقافية وحضارية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...