تواتيت نصرالدين - فستان الفرح / قصة قصيرة

عندما يستعبدنا المال فإننا سنفقد الكثير من القيم الانسانية التي تضر بنا وبغيرنا .وعندما نفقد ثقتنا في غيرنا فإننا سنفقد الكثير في علاقاتنا مع الناس .وعندما نخالف نواميس الكون نفقد الدنيا والآخرة . هكذا كان الشيخ محمود ينطق بالحكمة لأولاده لتكون لهم نبراسا في مسار حياتهم . لقد وهبه الله من الذريّة ما يقر عينه وعين زوجته التي كانت تدعو أن يرزقها الله بالذريّة الصالحة في كل صلاة .

لقد كان الشيخ محمود حريصا على تربية أبنائه وتعليمهم في كتاتيب القرية ومدارسها ورغم بعد القرية عن المدارس الإعدادية والثانوية كان يسعى في تعليمهم دون هوادة وبحرص شديد حتى تمكنوا من تجاوز مرحلة التعليم الجامعي بامتياز.

لم يفكر الشيخ محمود يوما أن يغادر قريته وأن يكون من سكان المدينة . ولكن هذا ما حصل بعد تخرج ابنته عبيدة من الجامعة وحصولها على منصب وظيفي مرموق ومستقر بإحدى البنوك بالمدينة التي تبعد عن القرية .ونظرا لقلة المواصلات وشحها عرضت عبيدة على والدها وأفراد أسرتها ضرورة السكن بالمدينة التي تعمل بها لما تلاقيه من صعوبة في التنقل والتأخر عن العمل والرجوع إلى القرية في أوقات متأخرة. لقد أقنعت عبيدة والدها بأن تكون علاقتهم بالقرية علاقة اتصال لا علاقة انفصال وذلك بالعودة إليها كل عطلة نهاية الأسبوع .

تقبل الشيخ الفكرة على مضض ورضخ للأمر الواقع أمام طلبات ابنته البكر التي كان يحبها كثيرا خاصة بعد وفاة أختها سهيلة التي كانت أصغر منها سنا في حادث مرور .

لقد كان الشيخ محمود ينظر إلى كريمته عبيدة نظرة الوالد المسؤول وقد تجاوزت عقدها الثالث من العمر ومازالت ترفض الزواج بكل من تقدم إليها .لم تمض إلاّ سنوات قليلة بالمدينة وتزوج أخوها رياض بعدما حصل على سكن اجتماعي بالمدينة التي استقر بها بعدما فتح مكتبا للمحاماة . وصحب معه اخته عبيدة ووالديه للإقامة معه والتخلص من مصاريف الكراء الباهض الذي كانت تسدده الأسرة في ايجار السكن الأول .ونتيجة للمعاناة الصحية التي كان يعانيها الشيخ محمود في الآونة الأخيرة توفي إثر أزمة قلبية حادة وتم دفنه بمسقط رأسه بالقرية التي أوصى بدفنه بها بعد وفاته . لقد حزن أفراد الأسرة على وفاة والدهم وخاصة زوجته التي كانت كثيرا ما تتردد على زيارة قبره كل جمعة

شاءت الأقدار أن تغادر زوجة الشيح محمود الحياة الدنيا هي الأخرى بعد عام من وفاة زوجها لتترك بعدها رياض وعبيدة . لقد بكت عبيدة والدتها بحرارة ولوعة. فكم كانت تتمنى أن تراها في فستان الفرح . هذا الفرح الذي طال أمده ولم تدرك عبيدة سره إلاّ بعد فوات الأوان بعدما تجاوزت العقد الخامس من عمرها لتحال على التقاعد .
*****
بقلم / تواتيت نصرالدين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...