بَعْدَ أَنْ أَعادَ امْرُؤُ الْقَيْسِ ثِيابَ فاطِمَةَ وَوَصِيفاتِها، بَعْدَ خُروجِهِنَّ مِنْ غَدِيرِ دارَةِ جُلْجُلٍ ، جَلَسْنَ يَسْتَرِحْنَ وَعَقَرَ الأَمِيرُ الشَّاعِرُ لَهُنَّ ناقَتَهُ، وَكَشَطَ لَهُنَّ عَنْ سَنامِها، وَأُوقِدَتِ النِّيرانُ، وَبَدَأَ الشِّواء وَرائِحَتُهُ الْمُثيرَةُ لِلشَّهِيَّةِ، وَفُتِحَتْ مَزاداتُ الْخُمُورِ، وَانْتَشَى الشَّاعِرُ، وَشَبِعَتِ الْجَواري، وَأَخَذْنَ يَتَرامَيْنَ بِلُحُومِ النّاقَةِ، وَعَزَفَتِ الْقِيانُ،
وَاَخَذَ الشَّرابُ مِنَ الْأَميرِ الشّابِّ فَقالَ:
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذارَى مَطِيَّتِي
فَيا عَجَبًا مِنْ رَحْلِها الْمُتَحَمَّلِ
يَظَلُّ الْعَذارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِها
وَشَحْمٍ كَهُدّابِ الدِّمَقْسِ الْمُفَتَّلِ
لَمْ تَبْقَ إلّا سُوَيْعاتٍ قَليلَةٍ لِتَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإذا مُنادٍ مِنْ أَحَدِ عَبيدِ الْأَمِيرِ وَمُساعِدِيهِ يُنادِي بِصَوْتِهِ الْجَهْوَرٍيِّ: أَيُّهَا الرَّكْبُ!! لَقَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ! الْعَوْدَةَ الْعَوْدَةَ!!
أَسْرَعَتِ الْوَصائِفُ وَأَناخَتِ الْجِمالَ، وَأَسْرَعَتِ الظُّعُنُ وَاعْتَلَتِ الْهَوادِجَ. وَبَقِيَ أمْرُؤ الْقَيْسِ بِجانِبِ مَرْكَبِ فاطِمَةَ يَنْتَظِرُها.
- نَحَرْتَ ناقَتَكَ كَرَمًا أوْ عِلَّةً لِتَرْكَبَ مَعِي؟
- الِاثْنَتانِ يا مَلِكَةَ فُؤادِي.
- إذًا أَنْتَ رَدِيفٌ.
- لا أُبالي يا مُهْجَتِي.
وَهَكَذا أَرْدَفَتْهُ في هَوْدَجِها، وَبِهَذا يَقُولُ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
فَقالَتْ لَكَ الْوَيْلاتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وَقَدْ مالَ الْغَبيطُ بِنا مَعًا
عَقَرْتَ بَعِيرِي يا امْرَأَ الْقَيْسِ فَانْزِلِ
وَهَكَذا اسْتَطاعَ امْرُؤ الْقَيْسِ أنْ يَنْفَرِدَ بِمُرادِ قَلْبِهِ لِيَحْكِيَ لَها لَوْاعِجَ قَلْبِهِ.
وَلَمّا كانَ امْرُؤ الْقَيْسِ طَوِيَلَ الْقامَةِ ثَقِيلَ الْجُثَّة تَكَسَّرَ قَتَبُ الْهَوْدَجِ ، وَهُوَ عِصِيُّهُ وَخَشَبُهُ، خَشِيَتْ عُنَيْزَةُ (وَهُوَ اسْمُ الدَّلالِ لِفاطِمَةَ) أَنْ يُجْرَحَ سََنامُ الْبَعِيرِ فَيَعْقُرَهُ وَيُخْرِجَهُ عَنِ الْمَسِيرِ، فَطَلَبَتْ مِنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَنْ يَنْزٍلَ عَنِ الْبَعِيرِ.
لَكِنَ امْرَأَ الْقَيْسِ دُنْجوانَ الْعَرَبِ لَمْ يَسْتَجِبْ لِطَلَبِها، وَلَنْ يَدَعَ فُرْصَةً كَهَذِهِ تَضيعُ مِنْهُ فَأَجابَها:
فَقُلْتُ لَها سِيرِي وَأَرْخِي زِمامَهُ
وَلا تُبْعِدِينِي مِنْ جَناكِ الْمُعَلِّلِ
اِرْخِي الزِّمامَ لِلْبَعِيرِ لِيَمْشِيَ وَلا تُبالِي عُقِرَ أوْ لَمْ يُعْقَرْ. وَاتْرُكِينِي أَجْنِ مِنْ ثَمَرِكِ ما يُسَلِّيني في هَذِهِ الرِّحْلَةِ الطَّويلَةِ.
وَأَضافَ قائِلًا:
إذا الْتَفَتَتْ نَحْوِي تَضَوَّعَ رِيحُها
نَسِيمَ الصَّبا جاءَتْ بِرَيّا الْقَرَنْفُلِ
إذا قُلْتُ هاتِي نَوِّلِينِي تَمايَلَتْ
عَلَيَّ هَضِيمَ الْكَشْحِ رَيّا الْمُخَلْخَلِ
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ
تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
وَبَعْدُ،
رَأَيْنا بَراعَةَ هذا الشَّاعِرِ في غَزَلِهِ الَّذِي لا مَثيلَ لَهُ في الشِّعْرِ الْعَرَبي، رِقَّةً في الْأُسْلُوبِ الْقَصَصِي، سُهولَةَ الْأَلْفاظِ مَعَ جَزالَتِها، دِقَّةً في الْوَصْفِ مَعَ جُرْأَةٍ في التَّعْبِيرِ:
تَضَوَّعَ رِيحُها وَانتَشَرَ، دَفَعَتْهُ ريحُ الصَّبا النّاعِمَةُ الَّتِي جاءَتْ بِعِطْرِ الْقَرَنْفُلِ .
نَحْنَ أَمامَ امْرَأَةٍ أَبْدَعَ الشّاعٍرُ في تَصْوِيرِها. إنَّها امْرَأَةٌ ضامِرَةُ الْخَصْرَيْنِ ، مُْمْتَلِئَةُ السّاقَيْنِ في مَوْضِعِ الْخَلْخالِ ، بَيْضاءُ، خَفيفَةُ اللَّحْمِ، غَيْرُ مُتَرَهِّلَةٍ، صَدْرُها
أَمْلَسُ كالْمِرْآةِ الْمَصْقُولَةِ.
هَذِهِ النُّعُوتُ أَخَذَها الشُّعَراءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَيْها شَيْئًا.
وَاَخَذَ الشَّرابُ مِنَ الْأَميرِ الشّابِّ فَقالَ:
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذارَى مَطِيَّتِي
فَيا عَجَبًا مِنْ رَحْلِها الْمُتَحَمَّلِ
يَظَلُّ الْعَذارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِها
وَشَحْمٍ كَهُدّابِ الدِّمَقْسِ الْمُفَتَّلِ
لَمْ تَبْقَ إلّا سُوَيْعاتٍ قَليلَةٍ لِتَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإذا مُنادٍ مِنْ أَحَدِ عَبيدِ الْأَمِيرِ وَمُساعِدِيهِ يُنادِي بِصَوْتِهِ الْجَهْوَرٍيِّ: أَيُّهَا الرَّكْبُ!! لَقَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ! الْعَوْدَةَ الْعَوْدَةَ!!
أَسْرَعَتِ الْوَصائِفُ وَأَناخَتِ الْجِمالَ، وَأَسْرَعَتِ الظُّعُنُ وَاعْتَلَتِ الْهَوادِجَ. وَبَقِيَ أمْرُؤ الْقَيْسِ بِجانِبِ مَرْكَبِ فاطِمَةَ يَنْتَظِرُها.
- نَحَرْتَ ناقَتَكَ كَرَمًا أوْ عِلَّةً لِتَرْكَبَ مَعِي؟
- الِاثْنَتانِ يا مَلِكَةَ فُؤادِي.
- إذًا أَنْتَ رَدِيفٌ.
- لا أُبالي يا مُهْجَتِي.
وَهَكَذا أَرْدَفَتْهُ في هَوْدَجِها، وَبِهَذا يَقُولُ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
فَقالَتْ لَكَ الْوَيْلاتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وَقَدْ مالَ الْغَبيطُ بِنا مَعًا
عَقَرْتَ بَعِيرِي يا امْرَأَ الْقَيْسِ فَانْزِلِ
وَهَكَذا اسْتَطاعَ امْرُؤ الْقَيْسِ أنْ يَنْفَرِدَ بِمُرادِ قَلْبِهِ لِيَحْكِيَ لَها لَوْاعِجَ قَلْبِهِ.
وَلَمّا كانَ امْرُؤ الْقَيْسِ طَوِيَلَ الْقامَةِ ثَقِيلَ الْجُثَّة تَكَسَّرَ قَتَبُ الْهَوْدَجِ ، وَهُوَ عِصِيُّهُ وَخَشَبُهُ، خَشِيَتْ عُنَيْزَةُ (وَهُوَ اسْمُ الدَّلالِ لِفاطِمَةَ) أَنْ يُجْرَحَ سََنامُ الْبَعِيرِ فَيَعْقُرَهُ وَيُخْرِجَهُ عَنِ الْمَسِيرِ، فَطَلَبَتْ مِنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَنْ يَنْزٍلَ عَنِ الْبَعِيرِ.
لَكِنَ امْرَأَ الْقَيْسِ دُنْجوانَ الْعَرَبِ لَمْ يَسْتَجِبْ لِطَلَبِها، وَلَنْ يَدَعَ فُرْصَةً كَهَذِهِ تَضيعُ مِنْهُ فَأَجابَها:
فَقُلْتُ لَها سِيرِي وَأَرْخِي زِمامَهُ
وَلا تُبْعِدِينِي مِنْ جَناكِ الْمُعَلِّلِ
اِرْخِي الزِّمامَ لِلْبَعِيرِ لِيَمْشِيَ وَلا تُبالِي عُقِرَ أوْ لَمْ يُعْقَرْ. وَاتْرُكِينِي أَجْنِ مِنْ ثَمَرِكِ ما يُسَلِّيني في هَذِهِ الرِّحْلَةِ الطَّويلَةِ.
وَأَضافَ قائِلًا:
إذا الْتَفَتَتْ نَحْوِي تَضَوَّعَ رِيحُها
نَسِيمَ الصَّبا جاءَتْ بِرَيّا الْقَرَنْفُلِ
إذا قُلْتُ هاتِي نَوِّلِينِي تَمايَلَتْ
عَلَيَّ هَضِيمَ الْكَشْحِ رَيّا الْمُخَلْخَلِ
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ
تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
وَبَعْدُ،
رَأَيْنا بَراعَةَ هذا الشَّاعِرِ في غَزَلِهِ الَّذِي لا مَثيلَ لَهُ في الشِّعْرِ الْعَرَبي، رِقَّةً في الْأُسْلُوبِ الْقَصَصِي، سُهولَةَ الْأَلْفاظِ مَعَ جَزالَتِها، دِقَّةً في الْوَصْفِ مَعَ جُرْأَةٍ في التَّعْبِيرِ:
تَضَوَّعَ رِيحُها وَانتَشَرَ، دَفَعَتْهُ ريحُ الصَّبا النّاعِمَةُ الَّتِي جاءَتْ بِعِطْرِ الْقَرَنْفُلِ .
نَحْنَ أَمامَ امْرَأَةٍ أَبْدَعَ الشّاعٍرُ في تَصْوِيرِها. إنَّها امْرَأَةٌ ضامِرَةُ الْخَصْرَيْنِ ، مُْمْتَلِئَةُ السّاقَيْنِ في مَوْضِعِ الْخَلْخالِ ، بَيْضاءُ، خَفيفَةُ اللَّحْمِ، غَيْرُ مُتَرَهِّلَةٍ، صَدْرُها
أَمْلَسُ كالْمِرْآةِ الْمَصْقُولَةِ.
هَذِهِ النُّعُوتُ أَخَذَها الشُّعَراءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَيْها شَيْئًا.