أدب السيرة الذاتية محمد السلاموني - (١) عن "السيرة الذاتية" والكتابة داخل الملكية العامة للغة:

(١)
عن "السيرة الذاتية"
والكتابة داخل الملكية العامة للغة:

إستدراكا على ما كتبت من قبل عن السيرة الذاتية وعلاقتها بالرواية، هنا أريد أن أضيف بأن السرد الشفاهى "المتمحور حول الحكاية- الخبر"، ويعد اللغة مجرد وسيلة للتواصل ونقل الخبر؛ ذلك السرد "الذى لم يفهم المنظرون والنقاد السرديون
أنه لا يقبض على العلاقة الإشكالية بين اللغة والعالم- بما هى ما يتأسس عليه الأدب ككل بما فى ذلك السرد- وبدلا من هذا، يؤسس وجوده على محاكاة الواقع بماهو اللغة المتداولة" ، هذا السرد المتفشى تاريخيا كالوباء المقيم، مجرد سرد حكائى، لا يمت للسرد الروائي بصلة، ولم يفهموا أن فشلهم في الإجابة عن سؤال "أدبية الأدب"، يعود إلى عدم قدرتهم على التمييز بين السرد الشفاهى السرد الكتابى.
كتبت كثيرا من قبل عن الفرق بين هذين النوعين من السرد، وهنا أريد أن أضيف بأن السرد السير ذاتى شأنه شأن السرد الروائي؛ فحيرة النقد السردى إزاء السيرة الذاتية، من حيث الصعوبات المتعلقة بالتصنيف النوعى، والفرق بينه وبين السرد الروائي، وما إلى ذلك، يعود إلى أن النقد يعتقد بأن الإجابة تكمن فى "الشكل- بما هو مجموعة التقنيات الواردة فى النص"؛ تأسيسا على تفريق توماشوفسكى، بين "المتن والمبنى الحكائيين"، وما ورد لدى بروب فى كتابه "مورفولوجيا الحكاية الشعبية"، وسنلاحظ بأن كلمة "الحكاية" تتصدر أغلفة الغالبية العظمى من الكتب المتعلقة بالسرد، فى الدراسات اللاحقة.
الحكاية لا تزيد عن مجرد عنصر من العناصر العديدة المكونة للسرد، وكما نعثر عليها فى السرد الأدبى نعثر عليها أيضا فى السرود غير الأدبية، وكذلك على جميع التقنيات التى ادعى السرديون أنها تخص السرد الأدبى، وهو ما دعاهم بعد ذلك للحديث عن "السرد عامة" وليس عن السرد الأدبى تحديدا.
كى لا أطيل- خاصة أن هذا مجرد مقال فيسبوكى- سأتحدث مباشرة وبايجاز عما أريد قوله عن "السيرة الذاتية" وعلاقتها بالادب.
أشرت إلى أن الأدب يرتكز فى الأساس على إشكالية العلاقة بين اللغة والعالم...
هذا وما يجعل من السيرة الذاتية عملا روائيا، ليس "الحكاية والرواى والشخصيات والأحداث... إلخ" ، فكما أشرت هى توجد أيضاً فى السرود غير الأدبية، وانما هو الموقف من اللغة.
وهو ما يعنى أن السرد الأدبى يشترك مع السرود الأخرى فى كثير من العناصر المكونة له، لكنه يتميز عنها فى الأساس بموقفه من اللغة .
اللغة السائدة، إلتى نتحدث بها ونكتب بها، أى اللغة الإستعمالية، هى الواقع نفسه الذى نحياه ونتعاطى معه فى كل لحظة، فى جميع المجالات... تلك اللغة تخضع للملكية العامة للمجتمع، إذ بإمكان ايا كان أن يستعملها ويتواصل بها مع الآخرين، أما اللغة الأدبية فتتقاطع مع تلك اللغة، وتضعها فى موضع سؤال جمالى، لصيف الصلة بالتاريخ.
اللغة الأدبية لغة بلاغية، أى أنها تتمحور حول "الإبلاغ" لكنه إبلاغ من نوع خاص، فبقدر ما يروم إقناع القارىء، فإنما يعمل على الاستحواذ عليه عقليا وانفعاليا؛ وبذا فهو يرتكز على "المعنى والأثر "...
تأسيسا على هذا فاللغة الأدبية "حرث" فى اللغة المعهودة، بهدف إعادة النظر فيما نراه واعتدنا عليه، أى أنها تعيد إلينا الإحساس بالحياة، بقدر ما تعيد تأسيس علاقتنا بالعالم.
سنلاحظ هنا أن اللغة الأدبية اشتغال إلى اللغة الاستعمالية، بما هى المادة الخام المعطاة سلفا، وتخضع للملكية العامة .
السيرة الذاتية، ترتكز على "الحياة الشخصية لكاتبها"، هذا والصدق الواقعى هو أهم ما تمتاز به، لكن ما يجعلها تنتسب إلى الأدب لا إلى التأريخ، أو غيره من السرود غير الادبية، هو المدى الذى تقطعه فى النأى بنفسها عن اللغة الاستعمالية السائدة، وهو ما يتحول باللغة من "الملكية العامة" إلى "الملكية الخاصة"...
وللحديث بقية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...