منقول - فيلوثيرابيا الفلسفة إكسير الحياة - تأليف الفيلسوفة الجزائرية ليلى تباني.

إن أول ما يصطدم به القارئ هو غرابة العنوان، ما هي هذه الفيلوثيرابيا؟ وكيف تكون الفلسفة هي إكسير الحياة؟ أليس من يزعم هذا الزعم كأنه يقول بأن الخيمياء هو إكسير المعادن؟
في الصفحة الأولى من الكتاب نجد الدكتورة الشاعرة [نادية النواصر] تطل علينا من نافذة الكتاب معلنة لنا عن السحر العجيب والتركيبة الفريدة التي يحفل بها هذا المؤلَّف، إنها تركيبة الإكسير.
في الصفحات الموالية يطالعنا مقال الفيلسوف موسى معيرش وهو ينقلنا من معرفته بالكاتبة إلى روح الكتاب معبرا عنه بأنه كتاب في فن عيش الحياة وإكسير لأدوائنا وعللنا.




الإكسير هذا المفهوم المدهش الذي ما فتئ يحيرنا معه والخيميائيين كأنه الهُيولى في غموضه.
الذي له ألف اسم واسم، لقد دُعيت ب: الإكسير والحجر الكريم والحجر المكرم وحجر الفلاسفة وحجر الحكماء والمفتاح والروح وعلم الموازين والمرتبة الذهبية والدواء الأكبر والكبريت الأحمر والحجر المثلث...
فما أنت أيها الإكسير صاحب الأسماء المتعددة؟
دعونا يا سادة ننصت إلى الإكسير وهو يتكلم على لسان [أب الكيمياء] أعني جابر بن حيان ماذا قال في رسالة الحدود؟:
(هو العلم بالشيء المدبَّر الصابغ، القالب لأعيان الجواهر الذائبة الخسيسة إلى أعيان الجواهر الذائبة الشريفة).
قال عنه المجريطي: (لفظة الإكسير معناها أنها القوة الكاسرة للقوى، المغيرة لها بالغلبة، المحيلة لها إلى جوهرها حتى يكون شبيهة به).
إن التفلسف هو هذا الإكسير، الذي يقلب المعتم إلى نور، والمنسي إلى حاضر، ويكسر حدة الجهل والهمجية والتفاهة والسطحية أي تلك الجواهر الخسيسة حتى تنقلب إلى جواهر نفيسة تعبر عن التحضر والحكمة والعمق والحب والجمال والشغف.
هذا الإكسير هو حي يضع أصبعه مباشرة على جراحك ويدميها كي تخف ويدلك على الإنسان النصف وعلى نصف الإنسان حتى لا تكونهما.
الإكسير والسعادة، آهٍ كم ضاعت أحلام الخيميائيين في أحلام اليقظة وهم يتخيلون معادنهم الرخيصة تحولت إلى ذهب وفضة، ذهب وفضة تحوطهم من كل مكان، ثراء وفخر بالسطو على المواد بحجر الفلاسفة العجيب، حتى قال المجريطي: "إن الإكسير هو الكيمياء، والكيمياء هو الغنى، والغنى هو السعادة، والسعادة هي البقاء على أفضل الأحوال، والبقاء على أفضل الأحوال هو التشبه بالإله"، لكن مع أفول الإكسير الخيميائي تأفل السعادة والبقاء على أفضل الأحوال وضاع التشبه بالإله.
لكن لما أصبح إكسير الحياة هو التفلسف، يعيد من جديد مساءلة السعادة، ولأن الإكسير يحيي ما يلمسه، فالسعادة تحيا كي تركض بنا هنا وهناك ترتدي القناع الفلاني والبهرج العلاني إلى أن تقف بنا عند ذاتنا، تلك الذات الذي حذرنا سقراط ألف مرة من خطر نسيانها لكنها ذات كما تسعد تحزن، والحزن من صميم وجودنا، بل أعمق من السعادة كما في رواية [حلم رجل مضحك] للأديب الروسي دستويفسكي من كآبة الحزن إلى اكتشاف الحقيقة المجيدة.
إن الإكسير كاشف عن فلسفة أجدادنا وحكمتهم التي عمقها في بساطتها وكانت أمثلتهم الدارجة هي مُثُلُهم وقيمهم في الحياة، ما أبعدنا عن البساطة ونحن جيل الجاهز.
إن الإكسير ينبهنا أن الطعام الذي نأكله قد يكون سلاحا ضدنا، فلعل طعامك مزيف وأنت تحسبه حقيقي.
الإكسير لا ينسى الأطفال الذين هم رمز الدهشة والفضول الفلسفي، والحاجة إلى تعليمهم داخل نظام ممتع ومبهج وخلاق ومنمي للفضول المعرفي الذي هو شهوة العقل ومانح لآليات الإبداع والتفكير والإنتاج حتى يغدو التعليم ككتاب أبي حيان التوحيدي (الإمتاع والمؤانسة) لفظا ومعنى.
كلنا سمعنا أو قرأنا [قواعد العشق الأربعون]، لكن ما سمعنا بقواعد التعلم الأربعين ثم لا ننسى الامتحان الذي يتعرض له المتعلم، امتحان من اسمه نترهب كرهاب العفريت من الماء المقدس، يسبب لنا قلقا وجوديا حول المصير والمستقبل يشرك معه حتى الأسر والعائلات، ومشكلة الغش في الامتحان، كلها تساؤلات عن واقعنا وليس عن واقع مفارق.
الإكسير يسائل تعليم الفلسفة للأطفال وهنا يطالعنا وجه (الأمير الصغير) في الرواية التي أبدعها [أنطوان دو سانت أكزوبيري]، فالطفل الصغير أحكم من الفيلسوف الكبير، وكما قال باسكال ذات مرة: [إن الطفل يرى أبعد وأعمق مما يراه الفيلسوف]، لذا قضية تعليم الطفل والتلميذ والطالب من أساسيات وجوهر الفلسفة.
إن الإنسان ما يفتئ يصطدم بأزمات الحياة ومشاكلها، فما جدوى التفلسف إن لم يكن قادرا على جعلنا أكثر حكمة ومرونة وقدرة على إيجاد الحلول المناسبة؟ ومعضلة ما نسميه بالقدر وحقيقة الخير والشر كلها موضوعات تمس تجربتنا الوجودية.
إن الإكسير جمال وهو يشدو بالمكان، جمالية الأمكنة، المكان الذي ترعرعنا فيه بذكرياته وأصدقائه، وانبهارها بمدن الحضارات القديمة وعجائبها.
نخط أفكارنا باللغة العربية لكن قلما نهتم بلغتنا العربية، وأن نتخذها موضوعا للتفكير، اللغة التي بها وعبرها نتفلسف ولا يمكن أن يوجد تفلسف خارج اللغة، هل فكرنا قط في تكريم هذه اللغة بالطريقة التي تجعلها عين شمس ساطعة؟
ومن منا لا يعشق كرة القدم ويتألم لطعم الهزيمة، لكن ذلك العشق هو ملهاة بطعم الديستوبيا، وكيف يمكن للعبة جميلة ككرة القدم أن تتحول إلى ديستوبيا؟
في هذا الكتاب ستتعرف على جزء من ذاتك، فأنت لا تخوض فقط قراءة كتاب بل تجربة وجودية مع موضوعاته، ينقلك الإكسير من مكان إلى مكان، ويترك بين المكانين فراغات من الدهشة والسؤال، وكما قال سقراط قديما: إن الحياة التي لا تكون موضوعا للتفكير لا تستحق اسم الحياة .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...