محمد مصطفى العمراني - نهاية معلم !

عندما عاد المعلم مقبول حسن من المدرسة في الظهيرة كان في غاية الإرهاق والجوع ، فمنذ الصباح لم يذق لقمة .!
فتح باب منزله ودخل ، لم يجد زوجته وأطفاله ، شعر بارتياح لمغادرتهم إلى منزل عمه ، على الأقل هناك سيجدون الطعام الذي يشتهون .
لم يتسلم راتبه منذ أشهر ، وحتى السلة الغذائية التي كان يستلمها من المنظمة لم تصل منذ شهرين ، طرق باب جاره ، هو الآخر لم يكن بالمنزل .
لم يدخرا وقتا فالجوع قد أصابه بصداع حاد ، ذهب إلى منزل مدير المدرسة ، لحسن حظه أنه جاء وعند المدير بعض الضيوف ، ولذا فقد ضمن وجبة غداء فاخرة ، تناول الطعام معهم ، ثم تناول الحلوى وارتشف الشاي كأنه أحد الضيوف .
عندما شرعوا في مضغ القات رمى له المدير بحزمة من القات .
مع نشوة القات نسي همومه وبدأ يتحدث حول الأحداث والمستجدات في المنطقة كأنه محلل سياسي في قناة إخبارية.!
زادت نشوته فحدثهم عن مشاريعه وطموحه وخططه المستقبلية وكأنه رجل أعمال يمتلك الملايين .!
في المساء عاد إلى منزله وإلى واقعه فتذكر أنه كان عليه أن يذهب إلى البحر مع جاره الصياد ليضمن طعام الغد ، لقد نسي الأمر .!
منذ أسابيع ، يعود من المدرسة يتناول طعامه ، ثم يمضغ القات لمدة ساعة ثم يغادر إلى البحر ، مساعدته لجاره الصياد على قاربه وفرت له مبالغ زهيدة بالكاد تفي بشراء كيلو دقيق ونصف كيلو أرز والقليل من الزيت والبهارات وبعض الخضار ، وحزمة صغيرة من القات .
قبل أيام كان الصيد وفيرا ، وحينها زاد نصيبه من النقود فعاد لزوجته بالحذاء التي ظل لأشهر يعدها به .
وحين رأى الفرحة في وجهها تساقطت دموعه وتذكر أيام الرواتب والعز ، كان يشتري لأطفاله الملابس الفاخرة ويخرج بهم كل خميس إلى الحديقة ويتناولون العشاء في أفضل مطعم بمدينة الحديدة .
من جديد هاجمه صداع حاد بحث في البيت عن حبة مسكن فلم يجد ، ذهب إلى الصيدلية وطلب شريط بندول .
فاجأه الصيدلي بوجه اخر :
- أستاذ مقبول لك أشهر ما حاسبتني حق العلاج الذي تأخذه.
- أول ما يسلموا الرواتب .. قاطعه الصيدلي :
- خلاص وقفنا الدين .
- الصداع سيقتلني خاف الله هب لي حبة بندول .
نهض من كرسيه وناوله حبة بندول وجرعة ماء .
عاد إلى منزله ، بعد أن أكمل صلاته شعر بالجوع ، فكر بالذهاب إلى بيت عمه لكنه تذكر والدة زوجته التي تكرهه بشدة وتشكوه لكل من يعرفها :
- جوع بنتي .
منذ انقطعت الرواتب قبل سنوات وهي تشير على ابنتها بأن تضغط عليه ليترك التدريس ويشتغل ، لكنه أصر وتمسك بتعليم التلاميذ ولو مجانا .
تحسس جيوبه فلم يجد حتى ثمن كعكة ، خرج وطرق باب جاره الصياد ، خرجت الطفلة :
- يا بتول أبوك قد رجع ؟
- لا ما رجع .
- طيب قولي لماما تشوف لي الف ريال سلف .
غابت الطفلة لثواني ثم عادت :
- تقول لك والله ما معها ريال .
عاد إلى منزله ، بحث في المطبخ عن أي شيء يأكله فلم يجد .
شرب جرعة كبيرة من الماء ثم قام يصحح دفاتر التلاميذ ، مضى الوقت سريعا وهو يصارع الجوع ، عند منتصف الليل تمدد في فراشه ونام .
في الصباح حاول النهوض من فراشه لكنه شعر بحمى شديدة وصداع ، حاول النهوض مجددا لكنه لم يستطع ، تحسس هاتفه ، أراد الاتصال بزوجته لكن هاتفه بلا رصيد ، حاول أن يستلف 100 ريال لكنه تذكر أنه قد استلف من الشركة من قبل .!
تحامل على نفسه بقوة ثم نهض ، ذهب إلى منزل جاره ، طرق الباب فلم يرد أحد يتساءل باستغراب :
- هل خرجوا أم انهم نيام ؟
طرق منزل جاره الاخر ، لكنه تنبه أن الباب مقفل من الخارج .
تماسك وعاد إلى منزله .
حدث نفسه :
- عندما أغيب يتصل المدير ، مؤكد سيتصل وحينها سأطلب منه أن يأتي لاسعافي .
ما كاد يصل إلى فراشه حتى ارتمى من شدة التعب والدوخة .
نام مجددا وحين استيقظ لم يدر كم عليه من الوقت ، كانت الحمى تكوي جسده ، الصداع يشل رأسه ، لم يستطع النهوض ، صار يهذي ، ينام ويصحو ، والوقت يمر وهو لم يعد قادرا على النهوض ، كوابيس مخيفة تحاصره ، يرى وحوشا تقترب منه ، يفر منها وهو يلهث ويتعثر ليسقط في هاوية مظلمة فيجد العشرات من الوحوش تحاصره من جديد ، يحاول الفرار ، يصرخ فلا يجد أحد ، تهاجمه الوحوش بضراوة وتمزق جسده وتلتهمه .
مضت أيام ولم يره أحد ، بعد أيام عادت زوجته إلى البيت لتجده في فراشه جثة هامدة لكن القلم ما يزال بيده وبجواره دفاتر التلاميذ .!

****

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...