محمد مصطفى العمراني - ليلة مقتل عباس غالب

قبيل مغرب تلك الليلة كنت عائدا من عرس أحد زملاء الدراسة ، هبطنا من ذلك الجبل ، في الطريق وقد بلغت نشوة القات الفاخر ذروتها قررت قتل عباس غالب زميلنا الذي كان يضايقني في الفصل ، قلت أخي الذي يرافقني :
- سأقتل عباس غالب ..
توقف عن المشي وسألني :
- ايش قلت ؟!
- سأقتل عباس غالب ، والله ما يمسي هذه الليلة على قيد الحياة .
- ما فعل بك عباس غالب ؟!
- نسيت زمان أيام الدراسة كيف كان يسرق كتبي وأقلامي ، نسيت عندما ركل الكرة الجديدة التي اشتريناها فعلقت في رأس الشجرة ثم انفطرت ؟!
- كان مجرم لكن ....
- لكن المجرم نهايته القتل
شعرت بأن أخي ما يزال متردد فصارحته :
- اذا كنت تخاف لا تذهب معي .
- بس حرام معه أطفال صغار و...
- أطفاله لهم رب يتولاهم ..
وصلنا نبع الماء وقت اذن المغرب وضعنا بنادقنا وأكياس القات جانبا ثم قمنا نتوضأ ونصلي . إلى أي جهة توجهنا ؟ لست أذكر .!
بعد الصلاة هدأت قليلا ، لكن فكرة قتل عباس غالب لم تغادر رأسي بعد .
قلت لأخي :
- لن أقتله سأجرحه بالرصاص ليرقد في المستشفى لأشهر .
وأضفت :
- لقد رحمته من أجل الأطفال فقط .
واصلنا السير باتجاه منزلنا وعدت إلى مضغ القات ، الليل يهبط ببطء ونحن نحث الخطى نحو البيت الذي بدا بعيدا رغم أننا نسرع مخافة أن يعم الظلام الحالك فنظل طريقنا إلى البيت فلم يكن لدينا أي كشاف أو بصيص ضوء .
الظلام يغطي كل ما حاولنا ، ظلام حالك جعلنا نتعثر في طريقنا ، وقعت في حفرة كانت في الطريق ، واصطدم أخي بشجرة سدر مزقت أشواكها ثيابه ، لكننا واصلنا المسير .
لقد مشينا كثيرا لكننا لم نصل إلى البيت .!
وعاودنا المشي وفجأة أطل القمر خلف السحاب فوجدنا أنفسنا قد اتجهنا جنوبا حتى وصلنا إلى إحدى التباب العالية ، هبت نسمة هواء باردة ، كانت القرية تبدو بعيدة ، أضواء القناديل فيها تبدو كالنجوم التي تنام على الجبال .
توجهنا نحو المنزل ، بعد نصف ساعة لم نصل إلى المنزل ، لقد وصلنا إلى حقول الذرة التي نمتلكها ، قررنا أن نستريح قليلا ثم نواصل المسير .
لم نكد نستريح قليلا حتى رأيته ، رأيت عباس غالب يقف وسط حقلنا ، هذا الوقح لم يكتف بما فعله معنا في طفولتنا لقد جاء ليسرق الذرة .!
همست لأخي :
- رأيته ؟
- من الذي رأيته ؟
- عباس غالب .
- لا لم أره .
أشرت إلى عباس الذي يظهر وسط الحقل اذا ظهر ضوء القمر ويختفي اذا غاب .
وعدت أساله :
- هل رأيته ؟
- نعم رأيته .
صوبت سلاحي نحو عباس وأطلقت النار ، شقت الرصاصة سكون الليل ونبحت كلاب في القرية ، لكن عباس ما يزال واقفا ، انه يتحداني .!
أطلقت الرصاصة الثانية والثالثة فسقط أخيرا .
قررت أن نتركه مضرجا بدمه حتى الصباح ، حتى يأتي الناس ويرونه متلبسا بجريمة سرقة كيزان الذرة .
عدنا باتجاه المنزل ونجحنا هذه المرة في الوصول إلى المنزل .
بعد أن تناولت العشاء سألت أمي :
- هل تعرفين زوجة عباس غالب وأطفاله ؟
- نعم أعرفهم مساكين يرحموا الله .
- لا حول ولا قوة الا بالله .
- ماذا حدث له ؟
- لا فقط مجرد سؤال .
أردت عدم إزعاجها ، أعرف أمي لو أخبرتها أنني قتلته فلن تسكت ، ستصيح وتصرخ وتولول ، وربما تصاب بالسكتة القلبية .
كنت في غاية السعادة بعد أن انتقمت من خصم الطفولة وأشفيت غليلي منه .
قبيل الظهر كنت نائما عندما جاء أخي وهزني بقوة لأنهض فزعا أساله :
- هاه هل جاء العسكر وعرفوا الحقيقة ؟!
- لا لقد رأيت عباس غالب في السوق .
- متأكد ؟
- متأكد 100%
- ومن هو الذي قتلناه ؟!
أسرعنا نجري نحو الحقل لنرى الضحية الذي قتلناه البارحة
لكن عمي كان قد سبقنا إلى الحقل ، وعندما وصلنا كان يصيح غاضبا :
- كل مرة أثبت هذه الفزاعة في مكانها وسط الحقل لكن يعلم الله من يأتي ويسقطها ؟!

***

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...