ظهيرات العدم
إنتظرينى هناك عند الفجر
إنتظرينى هناك عند الفجر
أو تحت تلك الغيمةِ
وأنا سوف آتى إليك وأنا أحمل فوق رأسى خبزى
وكيس ملحى
وشجرتىْ حِنَّاءٍ
وسوف أقرأ للقمرِ الضريرِ بعض أغنياتكِ
التى تركتها لى فوق المقبرة
وربما، أُجلسُ النجوم على ركبتيكِ
وأنا أحدّق طويلاً طويلاً إلى عينيكِ السيدتينِ
اللتين تمتلآن بالدموعِ وغرفِ الذكريات وتماثيلِ الصور
وتغرغران على ساحلِ الأفقِ
إنتظرينى
فأنا – الآخرُ – قد تخففتُ من الزمن المالح
ولم يعد يشغلنى الموت فى شىء
الموت – ذلك الوحش القابع هناك خلف الساعة الإلكترونية للربّ–
بمنجله الضخم
وعينيه الحافيتين اللتين تبكّانِ بالدم والمنجنيز
ذلك الحارس الأبدى لمملكة الربّ
والقابض على أحشاءِ السمواتِ
والأرضِ
إنتظرينى هناك
ياحبيبتى
ياكاملتىْ!!
فأنا قد تخلصت تماماً ونهائياً من فلسفة الوجود والعدم
من البحث عن الزمن الضائع تحت محراثِ الأفلاك
من البحث عن سقراط
وأفلاطون
وفسيفساء إبن رشد
و تخريفاتِ هيجل ذلك القابع الأبدى تحت منجل الجدل العقيم
وهو يفتش فى أوراقهِ
وكراريسهِ
عن حلٍ آخر لمعضلة الوجود والموت
والعالم الآخر
أو
إن كان الله موجوداً أو غير موجودٍ ؟!
إنتظرينى هناك يا حبيبتى ياكاملتىْ
فأنا فعلاً قد تخلصت من كل شىءٍ
- سواكِ أنتِ -
وبقيت أدور فى السكك والشوارع المعتمة كالضالين
وأنا أبحث عن آثار نعليك الكوكبيتينِ
أو عن نسخةٍ أخيرةٍ
من كتابِ أغنياتكِ
وصلواتك
التى تتردَّدُ عبر الجبالِ
والأوديةِ
ومثل سفينةٍ تبحرُ فى أعماق البحار والمحيطات
أفتش عن أثار أنفاسك التى تتنططُ ُعبر الأوديةِ والجبالِ
لماذا تنامين الآن ياحبيبتى ياكاملتىْ
وها قد هاجر الأصدقاء
وآثرت بعض العصافير أن تعيش فى المنفى
واختفت كافة الفراشات
فى الأفقْ
وماتت أمى وحيدةً فى السجن
وها أنذا قد أتيت أخيراً بسلةِ الغلالِ
والخبزِ
وهاهى ذى قنينة الخمر
لم يجف ريقها بعدُ
فلماذا تنامين الآن خلف هذه المقبرةْ؟
ومازال طعم ضحكتك الخضراء يرن فى أوردة روحى
وداخل شرايينى
وهناك فى صحنك الذى يستمر طويلاً على هذه الطاولة وهو يحدق إلى السقف
ولاتزال لغة جسدك هناك تحت مخداتىْ
- وبين أروقة المستشفيات العمومية والكاتدرائيات -
وهى تتسلل إلىّ فى الليل
كما كانت تتسلل إلىّ فى النهار
وهى تتفرع إلى شوارع
ومنحنياتٍ
إلى أشجارِ شاهقةٍ
وبناياتٍ
إلى عناقيد عنبٍ
وعصافير
أنت
أيها الطائر الباذخ تحت السموات
والذى لا ينام إلا على مخدةِ النجومْ
ولايعرف أى شىءٍ عن تصاريف القدر اللعينة
سوى أنه قاتلٌ
ولص !!
الجسد الحقيقى للعالم
تحت عريشةٍ باذخةٍ من القشِ
وخشب السنطِ
والآجّرِ
كان هنالك صيادانِ ماهرانِ وينظران طويلاً إلى البحر وهو بكامل ثيابهِ المنحطةِ
وجميع هيئاتهِ
وبطاطينهِ اللانهائيةِ
ويشيران إلى المراكب الغارقة
والأمواجِ المتلاطمةِ والقاسية هناك تحت القبةِ
وإذ هما يجلسان معاً
ويدخنان الحشيش والماريجوانا
حتى قال أحدهما للآخرِ
كان البحر صاخباً فى هذه الليلة ياصديقى
والأمواج غير مواتيةٍ
وما إن جدّفت عدة أمتار وبعيداً عن الشاطىء
إلا وكان هناك حوت ضخم يريد أن يبتلعنى
أنا والقاربُ
هل تصدق ذلك ياصديقى
لقد هربت من البحر
ومن الحوت
وكررت راجعاً وأنا خالى الوفاض
ولم أصطد ولو حتى صدفة واحدة
هل تصدق ذلك ياصديقى
يدى فارغة
وليس فى جيبى سوى خنفساءِ جاحظةٍ
ماذا سأقول لزوجتى إن هى سألتنى عن رغيف خبز واحد
وكيف أطعم أولادى ؟!
إذ ذاك قال الآخرُ
فى كل يوم نذهب إلى البحرِ ونصطاد السمك والقواقع
وفى كل يوم نذهب إلى الأسواق لنبيعه
فى كل يوم تتكرر هذه الرحلة اللعينة
والتى تبدأ من لحظة الشروقِ
وحتى لحظة الأفولِ
ألاترى – ياصديقى – أننا مثل هذه الأسماك
ثمة صياد ويقف هو الآخر على الشطِّ
وما نحن إلا أسماك وتسبح فى البحر
وفى لحظة ما
سوف نكون أنا وانت مثل هذه السمكة فى الشص
يوماً ما
سوف نبتلع الطعم
ونذهب أنا وأنت فى غياهبِ الجّبِ
بلا ثمنٍ
أو حتى لحظة إشفاق
فى شبكة صيادٍ واحدٍ
أنا
وأنت
تصور !!
هناك تحت هذه القبة السوداء
إنه الجسد الحقيقى للعالم !!
دعى فمك على فمى
دعى فمك على فمى وحتى فى هذه الليلة فى تُربِ الغفير
إتركى روحك أن تتسلل إلى عظم روحىْ
إتركى شمسك الخريفيةَ أن تقف متصالبةً
وعلى شباك بيتىْ
لمدة دقيقة واحدةٍ على الأقل
إتركى صنادلك
وخلاخيلك
فساتينك التى اشتريتها لك فى لحظة الزفافِ
أمشاط شعرك
فلَّاياتك
ساعاتك اللكسمبورجية
جواربك
كراساتك
وحكايات أغانيك القديمة على الرمل
صلواتك التى كنت تقد مينها فى كل ليلة إلى الربّ
ويحملها ملاكانِ أبيضانِ
حتى غضاريف السماء السابعة
وهما يقفان على البوابات الخلفية للزمن
إتركى كل شىءٍ
كل شىء
ياحبيبتى ياكاملتى حتى لحظة الوصلِ هذه
وأنا
فى كل ليلةٍ سوف أذهب إلى نفس المقبرة
وبنفس كل تلك الدموع
وهناك فى ترب الغفير
لأقف أمام شمسك البيضاء
وأبخرة فجرك
وسوف أخلع ما علىّ من سراويل
وحججٍ أثيمةٍ
ومناشفَ
سوف أفرغُ كل ذكرياتى المالحةِ عن الرحلةِ العنكبوتية
والتى قطعتها من شوارع القرية الظالمة
بحثاً عن شالك الأبيض
وحرير نعليك الأرجوانيتين
وجسدك الكشميرى
عن كلمةٍ أخيرةٍ كنت قد تركتها لى هناك على المائدةِ
وبقّعتها الوحدةُ الشرسةُ
ومثل أحد الجنرالات القدامى الذى فرّ من الحرب
بساقٍ مقطوعةٍ
وعينٍ ضريرةٍ
ويد واحدةٍ
سوف أقف أنا الآخرو طوال الليل فى نوبة حراسةٍ
مشدّدةٍ
أمام شمسك التى تشرق على الجبَّاناتِ
فى عز الليل
آه
ماذا لو كانت الوحدة امرأة ؟!
مغارة هرقل
كنت أبحث عنكِ فى شوارع اللكسمبورج
وفى متاهة باريس
وعلى ساحل الأطلسى الأمهرِ
فى كازابلانكا
أو داخل مغارة هرقل فى طنجة
الواطئة
الحارّة !!
هناك
ألقيت صنارتى فى البحر
وأنتظرت ألف سنة إلى أن ترحل كل هذه الغيوم
ونظرت إلى رزقةِ النجومِ
وهى تنعكس على حُلّةِ الأفقِ
ومشيت فى الطرق المكللةِ بالشوكِ
والدمْ
وسألت طائر البطريق الأخرق
ترى ,أين ذهب حبيبى
وما هو ميعاده
قرأت كافة الكتب بما فيها كتب التنجيم والسحر
وذهبت إلى كافة الأنبياء فى دورهم المشيدّةِ – هناك – تحت قبة النجومْ
البعض قال لى:
إنها مرّت من هنا
والبعض قال لى
إنها مرت من هناك وكانت تمسك فى يدها مبخرةً
من زجاجٍ
وترتل بعض الأناشيد فى الليل
وهى تحكى بعض الحكايات للأطفال المشردين فى الشوارعِ
والبعض الآخر قال لى
أناقد رأيتها بعينىّ هاتين فى عصر ذلك اليوم
لقد كانت على هيئة فراشةٍ
أو عصفورةٍ
لا أتذكر
وهى تتحلى بأساورَ من ذهبٍ
وتقدم خبزها للفقراءِ
البعض الآخر قال لى
لقد كانت مثل غيمةٍ صنعها الربّ
على مقاس السموات ِ
والأرضِ
وفى كل يوم كانت تعزف موسيقى السلام
والحب
هنا
أو هناك على هذه الأرض
وها أنذا ومنذ تلك اللحظة
أسند رأسى إلى حائط مبكى
وأحدّق إلى عجل موسى وهارون
الذهبى.
البحث عن طائر إسطورى
هأ .. هأ .. هأ
تمزقين ثوبى
وتشعلين النار فى روحى
وتقفين هناك خلف المرآةِ لتقولى لى:
أنا حبيبتك
غانيتك
أتسلل إليك عبر النافذة فى الليل
وأقرأ عن أساطير الجسد
وكراسات الشهوةِ
أين ذهب هيراقليطس
وبارامنيدس
وما هى حكاية أوريّا الحِتّى والنبى داوود فوق السطوحِ
وماذا كان يفعل رامبو فى جنةِ عَدَنٍ الصغرى
وكيف كانت كليوباتر ا تفتش فى دفاتر الأمس القريبة
عن قلبها الأرجوانىِّ
الشائك
فوق حشائش الرغوة
وهى تقف على شاطىء الإسكندرية الضّحلِ
وتلقى بصنارتها العابثةِ إلى الماء
ربما
تأتى سفينة عابرة
ربما
يذهب القمر وحيداً
فى غياهب الجُبّ
ليبحث عن طائر أسطورى
يقال عنه الزمن
وهو يختبىء فى المغارة.
ماذا فعلت لكل هؤلاء
ترى
أنا
ماذا فعلت لكل هؤلاء
سائق العربة المعطوبة
الذى يسير فى عرض الشارع ولا يعبأ حتى بإشارة المرور
أو جوازاتِ السفر
بائع الخبز الأعمى
الذى يعطينى رغيب خبز جافٍ
ولا يصلح سوى للصراصيرِ
والنمل
عازف الأورج الضرير
الذى لايعزف إلا موسيقى الجنائز
فوق قبور المارةِ
وغرف الممياواتِ
رجل الدولة الأخرق
الذى يأخذ شعبه إلى ناصية الجحيم
ويقول له
إيها الشعب الأخرقُ
أنا الممثل الشخصىّ للربِّ
أنا الجالس هنا على عرش العالم
كما هو الجالس هناك على عرش السموات
أنا أحُيى
وأمُيت
مثلما هو يحى و يميت
أيها الشعب الأخرق امتثل لأوامرى
ولا تفتح فمك قط ولو بكلمةٍ واحدةٍ
ترى
ماذا فعلت أنا لمدرس الفصل الذى يمسك فى يدهِ
قطعة طبشور
ملعثمةٍ
ويكتب فوق السبورةِ بيدٍ مقطوعةٍ
أنا اليوم سوف أعلمكم الفرقَ الحقيقى
بين المجاز
والجنازة الرسمية لملكات مصر
القديمة
لأمى التى تركتنى هناك فوق مذاود التبن
أغطّ فى النوم
وانا أنظرُ إلى السقفِ القشى للعالمِ
بعينين لاتريانِ أى شىء
سوى البومة العمياء لخريطة اللاشىء التى تمتد من الشرقِ إلى الغرب
وعلى نفس الحائطِ
وقبل أن يذهب أبى إلى صلاة الفجر
لساقية القرية المعطلة وأنا أدور خلفها
كالقردةِ المعلقة أو النسانيس وفى عز الشتاء والبرد
وأرى الأشباح وهى تتنطط فى الماء
وصراخ الجنيات
يقرقع فى أذنى من كل ناحيةٍ
من أنا
تحت كل هذه الغيمة من الأشباحِ والأساطير
ترى ماذا فعلت كى أجد نفسى فوق كل هذه الأرض
التى تمتلىء ببراز الأحصنة الخشبية
وعَرَق الجنيات ؟!
تصورات
سلاحفُ
وتنانيرْ
أمشطةُ
وفلّايات
غرابيبُ سودٍ
وحياةُ حيوانيةْ
تلك هى نغمة الحياة الخالصة
والتى تمتد من الأزلِ
إلى الأبدِ
والبحر غارق فى اليمّ
ولا أمل هناك
حتى فى سفينة تخرجنا وبعيداً عن هذا المدار
تلك إذن هى ثلاجة الموتى
وهذه هى كل غرف الدفن !!
ماذا تفعل هذه البنغالية العتيقة
هنا
وفوق هذه القارة الغريقة
فى إدمنتون
الأرض تلتصق بالسماءْ
والثلوج تملأ الحواف
ومثل صفائح الماريجوانا
ثدياها بارزانْ
كقطعتى فضةٍ
وكفلها يشبه مستعمرةً نائيةً للعراةِ
تقف وحيدةً فى عرض الشارعِ
وتحت أشجار الصنوبر المتلاصقة
تترك قبعاتها للريحِ
فيما تضع جسدها تحت إمرةِ رجل ٍ من الهنود الحمر
ليذهب بها وفى آخر الليلِ
إلى غرفة يملؤها
الجليد
فى الليلْ
بينما هى تبحث عن رغيف خبزٍ واحدٍ
لتدارى به عطشها
إلى الرب
فى ساعة القيلولة هذه
حيث الطرق خالية إلا من ذئب أعور
وخنزير برى
يتمرغ وحيداً
على الإسفلت !!
كل القصائد
كل القصائد المدهشة والتى حاولت أن اكتبها
على قميص الزمنِ
وفى غرف الدفنِ
ذهبت بمفردها
إلى أدراجِ الرياح
ودون أن تستنِد على عكازين
لتقف – وبمفردها كذلك – على جرف صخرةٍ
توشك أن تنهار
وهى تمسك بأعواد القصب الجافِ
ومزامير النبى داوود
لكى تلقى بنفسها تحت عجلات قطار الضواحى
الذى أخذ يتسكع بين أزاميل الحدادينِ
وحى النحاسين
فى نوبة من نوبات الصحيان الأسودِ
تحت سماءٍ ثلاثية الأبعاد
وفى كراسةٍ
من كراسات النحوِ
والصرفِ الصحىّ
وحديقة الفقه الجاف.
أنا مجرد خيال رجل تائه
أنا مجرد خيالِ رجلٍ تائه
أصحو من النوم
وأنا أحدق إلى النافذة المفتوحة عن آخرها
وألعب فى بيوضى
وليس فى فمى سوى ضحكةٍ
ميتةٍ
لرجل خرج إلى المعاش المبكّرِ
أو لموجموعة من الراحلين
الذين آثروا أن يغنوا تحت التراب الجماعى
لفرق الإنقاذ أغنيةً جماعية ًعن الحرب والسلام
وأن يخلعوا عنهم قمصانهم الصوف
وقبعاتهم القشية
وكافة ذكرياتهم الخرائبية
عن كل هذا العالم
أنا مجرد خيال رجلٍ تائه
ليس فى فمى سوى ضحكةٍ
ميتةٍ .. !!
لم تعد تعنينى كلمة الحرية فى شىء
وأنا
أحدق إلى كتاب كانط الملىء بالأخطاءِ
والمفتوح عن آخره حتى حدود المجازر
الإنسانية
بينما يجلس إلى جانبى
فرناندو بيسوا وهو يشخر شخرةً مدويةً
من جنياته اللواتى يلازمنه
من لشبونة
وحتى كتابِ اللاطمأنينةِ
ولا أجد ما أفعله سوى أن أفتح كتاب الرسم والخطط
وأقول لنفسى
ماذا تقول عن كل هذه الحياة التى تشبه روث الخيلِ
وزبل الأغنامْ
وهى تجثو على عتبة ليوناردو دافنشى
وخرائب سلفا دور دالى.
سأم
بجد.....
أنا سئمت من الحياة
أنا سئمت من كل هذا العالم
فوق صارية ضخمةٍ يضع العالم مؤخرته
ويترك بيوضه
للذباب المنقرض
والسفن العابرة للقارات
من يقول إن هذا النهار يشبه فى مجملهِ
كل تلك النهارات
ومنذ أن كان الرب يبحث
عن بديل له
وفوق هذه الأرض
إلى أن كان ثمة قابيل وهابيل
آه
هناك
امرأة وتقف على الباب
وفى يدها عربة روبابيكيا
ترصّ عليها الزمن بكل أخطائه
وطلسماتهِ
وتطلب من المارةِ
أن يعلقوا صورتها على الماءِ
وأن يعلنوا شارة الحدادِ
على جنة عدنٍ الزائفة
و وعود الرب المنقرضهْ !!
جزيرة العميان
لا
لاترحلى أيتها السفينة إلى بحرٍ آخر
ففى كل البحار ثمة سفن غرقى
وملاحون كثيرون
مازالوا ينتظرون
أن يفتح لهم البوغاز
بواباته
لكى تعبر كل تلك السفن الغرقى
من خرم ابرةٍ
إلى جزيرة الموتى
وعلى الشجرة يقف طائر "أبوقردان"
وحيداً
ممحونا
وشبه أعرجٍ
هرماً
وعاجزاً
حتى عن تذكر كل تلك الأوقات
التى قطع فيها كل تلك المسافاتِ
الشاسعة بين القاراتِ
والتى بدأت من جزيرة
النسيان
وحتى جزيرة العميان هذه.
سلة مهملات
أحياناً
ما أرصّ حروف اللغةِ فى سلةِ مهملات
وأقعد معها أنا و الذاكرة الخربة
على الأرصفة المهجورة
لكى أهش بهاعلى النمل والصراصير
وبقية الخنافس
أو أكومها أمام التنور الأبلهِ
لألقى بها إلى المحرقة
غير أن الحروف اللعينة تجلس معى على المصطبة
وهى ترقبُ المارة
بعينين ضالتين
وقلبها الملآن بالإرادةِ
والتصاميم
فتأخذ بيد بعضها البعض
لتعيد تفكيك خريطة العالم
فى كلمة
أو كلمتين
ومثل جزيرة استوائية
تشير الكلمة الأولى إلى عجل الربّ المقدس
أما الثانية
فتقف حائرة أمام كل هذه الأصنام
التى خلفها وراءه الرب
من عبدة الشمس
إلى بقرة الهند المقدسةِ
وهى تشخر وتنخرُ
كل هذه الاصنام تريد أن تدخل الى جنة عدن المقدسةِ
وحديقة الرب
وسيلته المثلى للهوِ والتسلية
غير أن ملائكة الرب إعترضت طريقها
وأخذت تفلّى رأسها من القمل
ومؤخرتها من التجاعيد
والسفلسِ.
أنهكنى النوم
أنا
أنهكنى النوم
أنهكتنى الأحلام التى لا تتوقف عن جنة الخلدِ
وحرّاس الجحيمْ
وملائكة الله الشداد الغلاظ
أنهكنى البرد الخالص فى الليل
والحر الخالص بالنهارْ
لمَ لا أحدّق إلى هذا الجبل – وكما فعل موسى من قبلُ–
وأسند رأسى إلى شمسِ متاخمةٍ لى
وأتوسدُ حريرة الموت
الناشفة
لا
لا تغمزى لى يا صنارة الجوعى
فها قد نفذ الزاد من بين جلاليبى الوسخة
ولم يعد فى قدمى سوى فردةِ حذاءٍ راسخةٍ
فى علم الناسخِ والمنسوخِ والمعقول واللا معقول فى هذا العالمِ
وأنا أبحث عن خريطة أخرى
ليس عليها علامات استفهام
أو أية أسئلة عن الشكّ
أو الموت
ولا يكون فيها كل هذه الغيوم
ولا يكون الرب جالساً بمفردهِ فوق صخرةٍ مبللةٍ
ويصدر أوامره إلى كل هذه المناشير
لكى يمنحونى صَك غفرانٍ
مغلفٍ بالجماجم والعظم
وأنا أشخّ على كل ما فى هذا العالم
من تعليماتٍ
وتشبه براز الأغنام والإبل
فوق جبل الزيتون
لمن ترقص هذه البومة العمياء
على جبل الزيتون ؟!
ربما
رأت الربّ فى منامها الراسخِ وهو يحاول أن
يعيد تفكيك العالمِ
وهو يجمع حوله الكثير من المؤلفةِ قلوبهم
والكثير الكثير من الكلاب الضالة
والقطط المتوحشة
ومئات الآلاف من الدساتير الخرسانيةِ
والدياناتِ المتردية
والنطيحة
والتى تحاول أن تعيد رسم الخريطة الدولية
للإنسانيةِ الغارقة فى الوحلِ
أو ربما أرادت كل تلك البومة العمياء أن تأخذ لنفسها
صورة تذكارية مع الرب وعلى هذا الشكل
الشمس تنام تحت مؤخرتها
والقمر يفرك بيوضه الترسانية
فوق سهلٍ جافٍ
وهى وحدها – أى كل تلك البومة – تتفرس
فى صورها اللامرئية
هناك وبجوار الربّ
فوق شجرة سنط عريانةٍ
ربما تظهر ومن خلال مرآة الحِبر الأعظم
نملةً
أرادت أن تتبوأ لنفسها مكانةً عليّةً
فوق بحيرة العدم
ومرايا الرب المتعاكسة.
النفخ فى المزمار
أنفخ فى هذا المزمار
وأقول للشمس...
وأنت أيتها الأخت العاشقة
أيتها الأخت الفاسقة
تعالى معاً لنتفرج سوياً
على كل أسارير العالم الذى يمتلىء
بالبعوض
والقُمَّلِ
ومحاكم التفتيش
ومحكمة اللاعدل الدولية
والهلال الأحمر والصليب الأحمر
والكاتدرائيات المزينة بالسيد المسيح
وهو جالس إلى كافة حواريه
وبجواره المجدلية الرؤوم
فى العشاء الأخير
وبيلاطس البنطى فوق حماره العقيم
والرحلة المكوكية للبراق الخرّاقِ
والطائر الأسطورى الذى يخترق الحجب
والسموات السبع
فى أقل من ثانيةٍ واحدةٍ
ولننظر معاً إلى كل هؤلاء الأنبياء الكذبة
وهم يجتمعون هناك على طاولةِ الربّ الرنانةِ
وكل له قانونه
وكل له تصاميمه
وتصوراته التى تعيد رسم خارطة العالم
طبقاً لمراياهُ المتعددة
وميكروسكوباته
كل يحاول أن يستحوذ على الرب ذاته
طبقاً لمرسومه الخاص
ويربطه من عنقه فى سلسة طويلةٍ
من الحكايات
والأساطير
لكى يعيد تنظيم العالم
حسب مراياه المكسورةِ
وهيولاه المتعجرفةِ
اللا تعدّ
وخراءاتهِ المدوية.
قبر الجندى المجهول
ياللخراء
لقد اصابنى الكبر
واشتعل الرأس شيبا
وما عدت أنظر إلى العالم من خلال بؤرته الإسطرلابية
والتى لاتطلع عليها الشمس
أو يمرّ عليها النهارُ المبقع بجلاليبه السودِ
وأغنياته
التى تشبه روث حظيرة أغنام
وبضع فقاقيع
فوق جزيرة سيبيريا
وها أنذا
أضرب على الحائط الإسمنتى للعالمِ
بكلتا يدى
أحياناً
ما أنطح هذا الجدار الراسخ بأم رأسى
عسى أن يسمعنى أحد فى هذا العالم
وأنا أرقص أو أبكى وأغنى ..
أو ربما يطلق أحدهم صفارة إنذارٍ
لشرطة المرافىء
ليخلصنى من هذه المسرحية الوسخة
لكاتبٍ مسرحى قد أصابه الجنون والخرفُ تماماً
وهو قاعد على دكته الخشبية
والتى ظل عليها لألف عامٍ
وهو يفتش بين دفاتره القديمة
وأوراقه المبعثرة
على أشرطة السكك الحديدية
ومترو الأنفاق
عن نهاية أخرى
وتليق بجنرالٍ إسطورى
ظل واقفاً فى الصفوف الأمامية
لحركة التاريخ
والجغرافيا
إلى أن فقد إيمانه الرّاسخ بحركة التاريخ أصلاً
ووضع كافة الجغرافيات المزورةِ
تحت قدميه
وأخذ يبول بضجرٍ
وحميمية
على كافة التصورات التى تجتاح العالم
من الشرق
إلى الغرب
ولم تقدم أى شىء للإنسانية الرثة
سوى هذه اللافتةِ
على قبر الجندى المجهول
هنا يرقد العالم بكامل تصوراتهِ !
أم النور
وأخيراً
- ها أنت ذى ياأمّ النور
واقفة فى المرحاض العمومى للعالمِ
فى انتظار أن يأتى أحدهم
ليفتح عليكِ بوابة هذه المغارةِ
المقدسةِ
أو يقدم لك الخلاص على طبق من النوستالجيا
وهو يمسك فى يده
غليونه الضخم
تماماً وكما كان يفعل هتلر فى الحرب العالمية الثانية
أو راسكو لينكوفِ
فوق طاولة ديستويفسكى
وهو يدخن الماريجوانا
ويحتسى البيرة المثلجة
وزجاجات الفودكا
تحت أعلام الرايخ الثالثِ
وهى ترقرف
فوق أسرةٍ من بلاستيك
وحكايات من أنقاض.
كثيراً مايقول لنفسه
كثيراً ما يقول لنفسه
لمَ لا تبدأ حياة جديدة يامحمد ياآدم
لمَ لا تحدق إلى الجزء الممتلئ من هذا العالم
وتنظر إلى الجزء الفارغ فقط
إكتب
إكتب يامحمد يا آدم
إكتب عن أى شىءٍ
وكل شىءٍ
عن هذه المرأة التى تنام بلا أحلام خالص
أو حتىشمس آخذةٍ فى النمو
عن رغيف الخبز الجاف والذى أكلته الفئران
تحت سماءٍ صافيةٍ
وهى تحلم بالنجوم
وتبحث عن القمر فى سلة المهملات
إكتب
عن نغمة البيانوالأخيرة والتى نسيها المارة
فى حديقة الحيوانات اللا إنسانية هذه
أو تحت أرجل القطط والكلابْ
فى شوارع العتمة
وهى تبحث لنفسها عن مأوى
أو ملجأ أخير فى كراسات العدم
واللاجدوى
إكتب
إكتب عن تلك المرأة
والتى عشقتها ذات يوم
وقررت أن تنتحر إذا تزوجت من رجل
فى المخابرات العامة
وفضلت عليه بائع سجائر سرّيح
ورغم ذلك تركها فى حقل واسعٍ
وراح يتناوب عليها رجال الدرك
وشرطة الأمن العام
وهى تفتش لنفسها عن حبة بطاطس
أو بصلة مشوية
وحتى لاتموت من الجوعِ والعطش
إكتب
عن الأغنيات التى تقف فى الحلق
كالرغرغات الأخيرة لمحتضرٍ
أو كالشوكة تماماً
فلاهى تخرج إلى الشارع لتتغوط
ولا هى تعود إلى حديقة الموسيقى
لتفقس
فوق أعواد القش
وكيزان الذرة العويجة
وصرخاتِ رجل المقهى الذى يغالط الزبائن
وإلى جواره خمسة من الشحاذين العميان
يسألون الناسَ إلحافا !!
إكتب
إكتب عن الأمل الذى يموت على طرف منجلٍ
وهو مغمض العينين
ويشهق شهقاته الأخيرةِ
فيما يرسم بيديه الإثنتين
شارة الخلاص
باسم الآب
والإبن
والروح المقدس
ولا يفعل أى شىءٍ غير ذلك إلى أن يموت
وفى فمه بضع كلماتجافة عن الحبّ !!
تفكيك
فكّك حياتك يامحمد ياآدم
إلى ألف قطعةٍ
وقطعةٍ
ألقها فى اليم
أو ألقها على الساحلِ
من يعيدها إلى سيرتها الأولى
الخالية من الشك
والخالية من اليقين
أيضاً
ثم ارقد على فراشك فى الليل
وادعو كافة النجوم إلى طاولاتك
أو قل لقلمك الجاف والذى تعب من الصراخ
فى الليل والبكاء فى النهار أن يتوقف عن
الفرجة على العالم وأن ينسى بقية الحروف
وشكل الكلمات و خطئها الزائد فى المحاججةِ
والتصانيف
قل للشمس أن تتريض قليلاً
على ساحلِ الجسد الحار رغم حصارها الدائم
لتآويلاتك
نم هادئاً يامحمد يا آدم
وأنت تسند رأسك إلى جذع نخلةٍ ضريرةٍ
لايقف عليها غير طائرٍ أخرسٍ
ولايعرف أى شىءٍ عن المخيلة
أو مربع فيثاغورث
أو الطبق الطائر
والمحيط الباسيفيكى
وثلوج كندا فى درجة حرارة
30 تحت الصفر
ولا ينتظر أى شىء هو الآخر من هذا
العالم
سوى أن يأتيه أحد ما
بفاكهةٍ
ولحم طيرٍ
والتين
والزيتونِ
نم هادئاً يامحمد يا آدم
وفى الصباح
إذهب إذهب إلى البحر
وقل لأمواجه الصخابة
ترى
أين ذهب حبيبى
وما هو ميعاده
وأين بقية السفن الغرقى؟!
بمفردى
فى الليلْ
ذهبت إلى سوق الخردة
ولم أشتر سوى طافيةٍ قديمةٍ
لبحارٍ
أخذ يجمع حاجياتهِ
وطاولاتهِ
من على كافة الشواطىء الهرمة ِللقاراتِ
وها آنذا
- وأخيراً -
أضع الطاقية أمامى
وعلى الطاولة
وأحدق إلى سوق الخردة
الذى يغصّ باللصوص
والباعةِ الجائلين
وكافة البحارة الذين نسوا حيواتهم
وصلواتهمْ
هناك على الرصيفِ
وراحوا يبحثون تحت الثلج
والعواصف الرملية
عن قارات جديدة
فيها عشبة جلجامش
وحانة سيدورى !!
لاأحد
دقيقة واحدة وتتغير إشارة المرور
البعض يذهب إلى الشمال
والبعض يذهب إلى الجنوب
البعض يذهب إلى الشرق
والبعض يذهب إلى الغرب
وأنا أرقد الآن بمفردى
على العشب
قرب حديقة الأشجار الملونة
وأشجار الماريجوانا
ونباتات الصبير
وأحدق ملياً إلى السماء العتيدة
والتى ليس بها
إشارة مرورٍ
واحدة !!
ترى
من سيكتب تاريخ تلك الشجرة ؟
من سيقف – هنا – على عريشة الريح هذه
ليقول لعصفور ضل طريقه إلى صدر أمهِ
هنا ترقد العاصفة
خذ حذرك أيها العصفور
ودّع تاريخك المبلول بالخطاباتِ
والتصاوير أيها العصفور الصغير
وانتظرنى
انتظرنى هناك فوق جذع نخلةٍ عجوز
وهناك فى الأعالى
عسى أن تشرق الشمسُ الافلةُ
على غيمةٍ طريدةٍ
كانت ترقد تحت جبل الزيتون
إلى أن يأتى تاريخ العهد الجديد !!
والآن أيها العصفورُ الصغيرُ
إترك محاريثك
وأدوات صيدك
وقنصك
ومزاميرك التى كنت تعزف عليها
الحانك المجردة من كل شىءٍ
غير طفولتك المعهودةِ
الجافة
الباردة
وفى جرف القرية الحار
عن صبيةٍ كان قد خطفها اللصوص ذات يومٍ
وظل أهلها يبحثون عليها بين المقابر
وسنابل القمحِ
وأعواد الذرةِ
وعشش الصفيح
إلى أن وجدوها وحبيبها القس
مقتولةً
وداخل كاتدرائية نائية
وفيما يقال كانت السيدة مريم المجدلية
ذات يوم
تمسح بجسدها
على جسد السيد يسوع المسيح
وذلك
قبل عملية الصَّلْبِ
بعشرةِ أيام كاملةً
تحت تلك الشجرةِ!!
لا تجعلنى أضيع منك فى السكك
إكتبنى على الورق ياحبيبى
إجعلنى كخاتم بين أصابعك
كلما أردت أن تنظر إلى الشمال
وجدتنى فيه
وإذا نظرت إلى الجنوب
كنت أنا ناحيتك
لا تجعلنى أضيع منك فى السككِ
مثل ذرةٍ من الغبار
ياحبيبى
جسدى يقول لك ياملاكى
وروحى حقل أشواكٍ لسواك أنت
أنا
انتظرتك ألف عام وعلى كافةِ الطرقِ
وبحثت عنك بين الجنودِ
وقطّاع الطرق
عساك أن تمرّ
ذات يوم تلفعت باليشمك وحذائى الصوفِ
وقلت للشمس
أين ذهب حبيبى وما هو ميعاده
وذات يوم تسلقت الجبال الوعرة
ومشيت فى الطرق
والأودية البعيدةِ
وعلى المنحدراتِ
وأخذت أنظر إلى الأفقِ
بعين منظورة
قلت: ربما تكون طائراً وتعبرُ
ربما تكون سفينةً وتمرُّ
ربما تكون قطعةً موسيقيةً ويعزفها أحد الرعاة
ربما تكون فراشةً وتبحث لها عن مستقرٍ
ربما تأتى إلىّ متخفياً
فى حشدٍ من الملائكةِ لترانىْ
ولكن النهار يمرّ
والليل يمضى
وأنا على هذه الحال
فلا أنت تأتى حيث أجد نفسى
ولا أنا أعثر عليك فيستقر قلبى
روحى تعبت من السير خلفك فى السكك
وأنا أتطلع إلى النوافذِ
والعمارات
كلماتى ماعادت تخرج من فمى قطّ
من فرط ما أصابنى من الوهن
من يطبطب على كفلِ روحى سواك أنت يا حبيبى
ألم يكن القدر سواك أنت ياشقيق نفسى
كل الطرق التى مشيت فيها بالاستقامةِ والعدل
كانت تأخذنى صوب بحارك
وأنهارك
شواطئك الملونة بالزمردِ
وكلمة السر
وها هو الليل قد أدبر ولم يبق أمامى فى الجُبّ
إلا أن أذهب وأعود
خشية أن يأكلنى الذئب
أو يعلقنى أهلى على مدخل القريةِ
كى تتعرّف علىّ
أو أكون عبرةً لكل عاشقةٍ.
المحنط الذى يركب سفينة الموتى
أنا المحنط الذى يركب سفينة الموتى
لمَ تهزأ بى البحارُ البعيدةُ
ولماذا ينظر المسافرون شزراً إلى حقائبى
الملآنة بالخراءِ
والديانات
فى حقائبى
ليس سوى الجلد على العظم
وزرقة البحار
والأنهارْ
والموانىء القديمة التى عفا عليها الزمن
وأصبحت مزاراتٍ
وأضرحةً
ولكنها – وبرغم كل ذلك – لاتزال بحالةٍ جيدةٍ
مثل بحار قديم
ويعبر كافة المحيطات
فى فمهِ غليونه الضخم
وهو يقبض على الدفة بكلتا يديهِ
بينما ينظر إلى السماءِ التى تغصّ بالنجوم
وتمتلىء بالسحاب
والبقع الرملية
وهو يضحك بملء فمهِ من السفر فى الليلِ
وحواليه يجلس البحارة
والنواتيون
وأصحاب الإختراعات البرمائية
فيما – هو – يضع على صدرهِ أوسمة الملكة كليوباترا
وحقائب الإسكندر الأكبر
وتوت عنخ آمون
وكل خطط المغول
واستراتيجيات جانكيز خانْ عند الظهيرةِ
وقطط التتار
ويحمل على ظهرهِ
حفنة من بنات فارسِ الأسطورياتِ
وهن يستحممن فى النبع
وفوق شرائع بابل المقدسةِ
لماذا أتعجب طويلاً من الشمس
وهى تحدق إلى الترسانة البحريةِ
لطالوطَ
وجنودهِ
وخوذة جلجا مش
ومؤخرةِ سوفوكليس؟!
سفن الذاكرة
آه ياحبيبى
لماذا أتعجب من الشمسِ
وهى تحدق طويلاً إلى كل تلك الممالك البائدةِ
والسفن المركونة
على الرصيف الضحل للإنسانية
المزورةِ
وفيما أنظر – أنا – إلى السيد وهو يصعد إلى الجلجثةِ ؟!
أقول لنفسى لماذا تسكن كل هذه السفن فى الذاكرةِ
ولا يتبقى على الشاطىء سوى الرملِ
والمحار الفارغ
وزعيق النوارس فى الليل
ولماذا لا يستقر فى ذاكرتى سوى
أغنياتٍ
لبحارةٍ
- وبملابسهم الرسمية -
ماتوا غرقى على شواطىء الهيمالايا ؟!
أريد أن أحتسى قليلاً من الشاى
وأنا أحدق طويلاً إلى صدر أمىْ
وأنتظر طفولتى
الهرمةِ
على مذاود الغسيل
وطشوت الذاكرة
آه
من يعيدنى إلى كل هذا الليل
إلى ذاكرتى المفقودةِ
لاعيد زوارقى الغرقانة
من البحر الصخّاب
وأجلس أنا وبقية الصيادين
على ساحرِ الأعرافِ
وكافة الخلجانِ
التى تضجُّ بالحجاج
والمسافرين
من ذوى النيات الحسنة
أو السيئة
لافرقْ
آه
أريد أن أحتسى قليلاً من الشاى
وأنا أعيد ترميم بيتى القديمِ
بقليل من الأجرِّ
والقش
وجلد الأغنام
وأنا أحدق إلى صدر أمى
وأنتظر طفولتى
الهرمة
على مذاود الغسيل
وتحت أعواد الكافور
والسنطِ
والخروع
وأشجار الجميز
لكى لا تكون لمحبوبتى علىّ من حجةٍ
بعد تعبِ كل هذا النهار ؟!
خبز الآلهة
كثيراً ما أحدق إلى السماءِ
وبعمقٍ
وأقول لها: أيتها السماء الراسخةُ
فوق كل هذه النجومْ
كيف يمكن الولوج إليك فى يوم كان مقداره
ألف سنة
وكيف لى أن أعود إلى نفس الأرضِ
وأنا محمل بخبز الآلهةِ
وضحكات الفجر البردانةِ
والتعرف على كافة التفاصيلْ
بدءاً من ولوج الليل فى النهار
وولوج النهار فى الليلِ
وانتهاءً
بالإنفجار الكبير
الذى سيحيل الأرضَ
كل الأرض
وكافة العوالم المرئية
واللامرئية
إلى مقلب زبالةٍ شاسعٍ
لكل هذه الإنسانيةِ
المزورةِ
والمؤودةِ على مناشير الجلادينِ
وصناع التاريخ الكذبة.
البحث عن الزمن المفقود
أنام ولاأحلم بشىءٍ
وأقوم ولا أحلم بشىءٍ
فقط
أسيرفى نفس الطرق التى أسير فيها كل يومْ
وكأننى ساعة ميكانيكية
معطلة
- فى يد الله -
لا تتوقف عن التكتكة
ولا تكف أبداً عن البحث عن الزمن المفقود
تحت قدمى فراشةٍ ضالةٍ
أو نملةٍ مقلوبةٍ
ولا تعمل إلا فى نفس الإتجاهات
للبحارة التائهينِ
أو لغواصين يعملون فى البحرِ
حيث الطحالب المسننة
وأسماك القرش
والحيتان العملاقة
فلماذا تنظرون إلىّ شزراً
يا أبناء الكلاب
والزمنُ الذى نعرفهُ ليس أكثر من محراثٍ
قديمٍ
لفلاحٍ
أخذ يزرع الكرة الأرضية عدة مراتٍ
بحثاً عن سنبلةٍ واحدةٍ
أو حبة قمحٍ أخيرةٍ
ولم يحصد فى حياته الوعرة التعسةِ هذه
سوى على ذبابةٍ ميتةٍ
فى كوب ماءٍ
وتحت خرم إبرة.
حسناً
حسناً
دعنا نعبرُ هذا النهر إلى نهرٍ آخر
دعنا نترك كل هذه الجبال
إلى جبالٍ أخرىْ
ربما نصل إلى طور سيناء
أو عيون موسى
لنرى الرب جهراً
أو من وراء حجابٍ لافرق
فماذا يمكن أن نرى هناك
غير الليل بكافةِ طرائفهِ
والنهار بكل توحشاتهِ
آهِ
أكل هذا الزمن الرث بآلته المعطوبة
فى ذاكرةٍ
تمتلىء بالأساطير والخزعبلات
وهى تقف على الرصيف الخالى من المارةِ
بجيوب مثقوبةٍ
وأيدٍ خاوية !!
الآن عرفت
آه
الموت !!
لماذا نخاف من الموت إلى هذه الدرجة
ألأننا وفى يوم ما سوف نغادر هذا العالم
ونترك وراءنا كل تلك الأرض المحروسةِ
التى تمتلىء بالتشوهاتِ
والديانات المعطوبةِ والمعصوبةِ العينينِ
والتى لم تقدم أى شىءٍ للإنسانية المظفرةِ
سوى عذاب القبرِ
والرحلة إلى الجحيمْ
ألأننا لا نثق فى أنه ليس ثمة حياة أخرى
غير هذه الحياة
ولماذا نبحث عن حياة أخرى وهى تهددنا
بالثعبانِ الأقرعِ
والحيات الصهباوات
والجنيات السود
آه الآن
الآن عرفت
أن كل هذه الحياة المعطوبة لا تساوى بصلة
أو دودةً ميتةً
فى زلعة المش
الحياة
الحياة المحروسة بالكلاب المدججة
وبالخونة المسعورةِ
بالظلم
والقهرْ
آهِ
الحياة التى نسيها الله عن ظهر قلب
وأخذ يقشر البطاطس واللفت
على طرف منجلٍ
وهو يتفنن فى جنته المؤودةِ
الموعودةِ
والتى ما خطرت على قلب بشرٍ قطُّ
ما معنى هذه الإقامةِ الجبرية هنا
أو هناك
وإلى يوم الحشر
فليقل لى أحدكم
أين ذهب كل أولئك الذين سبقونا إلى شاطىء
النسيان هذا ؟!
هل عاد أحد منهم خالص
هل رجع أحد منهم قط
فليقل لى أحدكم أيها المراءون الكلابْ
من ذهب إلى السماء ونزل ؟!
من صَرّ الماء فى صُرّةٍ ؟!
من دخل إلى القبر وعاد ؟!
أيها المجدفون الخونة
أنا
وكلما أحدق فى هذه الغلّاية المنسية
على بوابةِ الربّ
أو تلك السلخانة الأرضية
والتى تسمى العالم
أخرج عضوى التناسلى الأبله
وأضعه فى فرج العالم
وفى مؤخرةِ كل أولئك الأنبياء الكذبة
الذين ضرطواضرطةً
كونيةً
مازال صداها يتردّد حتى الآن
ومنذ بدء الخليقة وحتى اللحظة
وهى ليست على الأرجح
إلا ضحكات لطفلٍ أخرقٍ
ينظرُ إلى العالم من مؤخرة سروالهِ
إذن
تهيأوا جميعكم
للركض
والشخاخ
على جسد الأبدية الخالدْ
والذى نسيهُ الرب وأخذ ينظرُ الى شريط
السينما الملونةِ
من الفئران
والقطط
والطحالبْ
وهى تتناسلُ
وتتزاوج
وليهنأ الرب إذن بجنةِ عرضها السموات
والأرض.
بيان هام
أيها السادة
إليكم البيان التالى
ما نحن إلا براز آلهةٍ سكرانةٍ
أخذوا يتصارعون فيما بينهمْ
- كل يعمل على شاكلته -
فما كانت النتيجة غير هذا العالم
الذى يبدأ
من اللاشىء
وينتهى عند مجرة
اللاشىء
أما الصورة أو المعنى
فليست إلا مخلفات طفلٍ بائدٍ
أو ذاكرةٍ معطوبة
فليذهب إلى الخراء كل هذا العالم
إلى الخراء لكل هذه الأرض
إلى الخراء لكافة النجومْ
إلى الخراء لكل هذه الشمس
إلى متى أكون بينكم وأصمتُ
إلى متى أكون فيكم ولا أتكلمُ
اللعنة
ثم اللعنة
ثم اللعنة
على كل هذا العالم من قبل و من بعدُ
نحن الوجود المنقرض
أما ماكنّاهُ
أو سوف نكونه
فلا شىء أكثر من صورةٍ زائفةٍ
وحياة على الورق !!
مرايا تذكارية
أحياناً
ما أقول لنفسى
لمَ تهتم بالحياة إلى هذا الحدّ
لمَ لا تفكر فى الحياة ومثل بعوضةٍ
لزجةٍ
أو محراث مركونٍ
إلى جدارٍ قديمٍ
وساقية معطلةٍ
لمَ لاتفكر فى الحياة مثل فردةِ حذاءٍ
أو قلم ناشفٍ قد فرغ لتوهِ من الحبر
أو فيلم سينمائى ماسخٍ !!
الحياة أبسط مما تتصور
أيها الناسك
أن تأكل
وتشرب
وتنام
وفى نهاية الأمر تترك كل شىءٍ
وتذهب وحيداً إلى الموت
بلا نياشين
أو مرايا تذكارية
ولا حتى فخذ امرأة قد تتذكرك
هل تذكر
كم من الأصدقاء ماتوا وتركوا ضحكاتهم السوداءَ
فوق المقاهى
- حتى كنستها الريح الشرهة
الشرسةِ -
لتستقر أخيراً
فى حديقة اللامرئيات
وبقع الحبر الجافّ ؟!
إيزادورا
إيزادورا
لماذا ترقدين الآن فى هذه الملعقة
أقصد تلك الحفرة المليئة بالعناكبِ المخوخةِ
وخيوط الدود
تُرى أين ذهب حبيبك الذى كنت تبحثين عنه
فى البرّ الشرقى
وبعيداً عن مدينة مَلَّوى ؟!
ألا تزال غرفتك هناك مبنية تحت الأرضِ
خشية أن يسرقها اللصوص
أو يطلعوا على خطاباتك الهيروغليفية
التى كنت تكتبين عليها كلماتك المضخمةَ
بعبير جسدك الحلو
وفوق أوراق البردى ؟!
ألا تزال نفس الضحكة الرنّانة بين شفتيك
وأنا قد رأيتك فى العام 1983
أى بعد مرور مايقرب من أربعة آلاف عام
على ميتتكِ المفضلةِ فى النيل
وكم من السنوات سوف تبقين هنا أو هناك
ساكنة هكذا
وعلى هذه الأريكة بالذاتِ
وداخل خيوط ِهذه المقبرة
ألازال قلبك الرحيم ينبض باسم عاشقك الرجيم
والذى تركك فى ليلةٍ شبه عاصفةٍ
وهرب إلى البر الشرقى من النيل
باحثاً
عن رب آمون
وإخناتون
وإله الشمسِ
فى ضاحية بعيدة وعلى أطراف طيبةَ الغنّاءِ
وأنت كما أنتِ
تنسجين حرير خيالاتك
وتلفين الزمن حول رقبتك
مثل حريرةٍ
مدورةٍ
أو بقايا أنشودةٍ كان قد تركها الرعاة
فى بئر ماء ؟!
محاورة
فى حديقة الأمس المجاورة
وقف شيخانِ أبكمُ وأصم
أحدهما يقول للآخر
أنا أريد هذه الحياة
أنا لا أعرف أى شىءٍ عن العالم الآخرِ
وقيامةِ الموتى
وتجفيف الأعضاءِ
وخيانات الحريةِ
بينما يقول الآخر صاحب العمامة المدورةِ
كأحد الهندوسيين القدامى
من أتباع بوذا
وأنا أريد هذه المرأة بالذاتِ
المرأةُ التى تشبه فرسةً بريةً
عيناها تملآن الأفقَ بالبهجةِ
ورنةُ خلخالها يتفوق على المزامير بالدفّ
وموخرتها تعيدُ تشكيل خارطة اللذة
وفيما هما يتناوبان الضحك
ويرتشفان كأس الخمرةِ المثلجة
إذا بفراشةٍ تحطُّ على كتفى أحد الرجلين
وتقول لهما بصوت صارخ فى البرية
أيها العارفانِ المحبانِ
العالم ليس على حقيقةٍ واحدةٍ
والدلاء ملّانة خمرا
ما الذى بقى منى حتى الآن
سوى جرّةٍ معطوبةٍ
تحت سفح جبلٍ
ولايقف عليها سوى الغربان السود
وبقايا الخنافس
الضريرة
وكلما مرت عليها الريح
سألتها
عن كل أولئك الذين شربوا منها
أين هم الآن
وإلى أى مكان ياتُرى ذهبوا
ولكن الجرة المعطوبة
لا تفتأ أن تنفجر بالضحكِ
وتقول لنفسها
يالكل أولئك الموتى !!
بدون حقائب
بدون حقائب سوف أبحرُ
صوب كل الجهات
سأبحر بمفردى
وليس على كتفىّ سوى مجموعة من الذكريات الميتة
وبعض الصور السريالية عن الأحلام والتصوراتِ
اللامجدية عن هذا العالم
فى الصباح سوف أتذكر المساء
وفى المساء سوف أتذكر الصباح
وليس فى جعبتى
سوى قارورة فارغةٍ
عن حياة تأتى
وتروح
ثم لاشىء
لاشىء
الموجود هو هو اللاموجود
واللاموجود
هو هو حقيقة الوجود
فعلام تنزفُ كلُ هذه الشجرة إذا جُنّ الليل
وأخذ الصياد شبكته الوحيدة
فوق ظهره
وأبحر صوب كافة المحيطاتْ
والسمك هناك غارق فى اليمّ
على أية حالٍ
أنا
لم يعد يعنينى العالم فى شىء
غير أن أخذ أوراقى
وكراساتىْ
محبرتى
وكافة أشعارى
وألقى بها إلى النهرِ
لعلها تأكل و تشرب
وتنام على الأرصفة
وتبحث عن أى شىء آخر
غير الاستغراق فى النوم
إلى أن يأخذها أى عابر سبيل
- وبمحض الصدفة -
ويلقى بها فى مقابر الصدقة
آه
يالتلك الجّرة ؟!
عامل التذاكر
هاهو قد صَفّرَ القطار
ولم يبق على رصيف المحطة الشاغرِ
سوى عامل التذاكرِ
الوحيد
والذى جلس بمفردهِ على كرسى - من الخيرزان -
وهو يحدق إلى كل تلك العصافير
التى تأتى وتروح
فيما راح يتذكر أمه الوحيدةَ
التى تخبُّ فى النوم
فى دار العجزةِ
والمسنين
إطوِ
قال لنفسهِ
إطوِ هذه الصفحة
وأنس
إنس كل مافيها من حروفٍ
وكلمات
بدءاً من كلمة الحرية
والديمقراطية
وحقوق العمال
والإشتراكية
ودورة رأس المال
والعدالة الاجتماعية
وحقوق الانسان
ونزاهة الحكم فى العالم الثالثِ
وتداول السلطة
فلم يعد ثمة هناك من أملٍ خالصٍ
غير الرأسمالية المتوحشة
والتى تبدأ نهارها بالدمْ
وتنتهى على عتبة الماريجوانا
وأنهار الدم.
مسرح العبث
يالها من مسرحيةٍ فجةٍ
أنا نأتى لنموتْ
وليس فى مخيلتنا سوى بضع كلمات
عن الجنةِ
والجحيمِ
وبناتِ الحورِ
وعينِ الكوثرِ
فلمَ – إذن – كل هذه الإقامة الجبرية
هنا على الأرض
إذا كانت كل هذه الخزعبلات التى تنتظرنا هناك
ونحن هنا جثث
لايحرسها سوى الديدان
ولايمشى على رقبتها سوى السحالى الصخابة
والشجاعِ الأقرعِ
ومنكرٍ
ونكيرٍ
أين ذهبت كل أعواد الذرة
والتى كنا نجلس تحت ظلها فى الحقل
أين أختفت كل تلك الشموس
التى كنا نطاردها أثناء الليلِ
وفى غرف النومِ
وتنتظرنا هناك على حافة الترع
وشواطىء النخيلِ
أين راحت أشجار التوت البرى
ونباتات الحلفاءِ
وعصير الجميزِ
وأرغفة الأمهات فوق فرن الخبيز
وضحكات الجدّات قبل النوم
وحكايات الشيوخ عن مرضى الطاعون
والكوليرا
والسمكة التى ابتلعت الشص من يد الصياد
وحمار جارنا الأعرج
وهو يتنقلُ من قريةٍ إلى قريةٍ
فوق بقجته المسننة
وجمل جدى الهزيل
الذى يرفض أن يسير فى الليل
ومهما كانت النجوم
آه
يالها من ذكرياتٍ
فجةٍ
فى حانة الموتى هذه
وتحت أضرحة الممياوات.
فراشة بيكاسو
آه ِ
إسكبى عسلك أيتها الفراشة
على تكعيبة العنب
فها هو ذا الليلُ قد أقبل
ولم يعد ثمة أحد غيرى
وغيرك
من ينتظر صهللة النجوم
على الترعِ
وأنا بدورى سوف أترك لكِ بضع كلمات
كنت قد استعرتها من قواميس اللغةِ الدارجة ذات يومِ
لعلك ترفرفين عليها أيتها الفراشة
بكلماتك التامة ومنحنياتك
بأحلامك ومخاوفك
وربما أتخفف أنا الآخر من كل أفكارى
سالفة الذكر
عن المنظور
واللامنطور وحدّ الكفاف
حول جدل التاريخ
ووحدة الوجود عند محى الدين بن عربى
ورعونة السقالات التى تحمل طوابير القش والتبن
ونحن نحلمُ معاً أنا وأنت أيتها الفراشة أن نبنى هذه السقيفة
أو تلك الدار الطينية
إلى جوارِ ترعةٍ مهجورةٍ
حيث لا أمل فيها هناك سوى
إغفاءةٍ قليلةٍ
وقبل أن نسافر – معاً –
إلى مكانٍ
مجهول
آهِ
يافراشه !!
لعبة الحوائط
سوف نمرّ من هذا الشارعِ
وكما مرّ به الآلاف من قبلُ
وسوف نترك على الرصيف المقابل شكل خطواتنا
التى أنهكها التعب
والنسيان
وفى كل خطوةٍ
سوف نترك الكثير من الأحلام المشرئبة
وضحكات الطفولةِ المنسية
على عتبة التاريخ
من يقول لى إن هذا الرصيف
سوف يعبأ بى
أو بك
من يقول لى أو لك إن هذا الرصيف هو الآخر
غير مبال
بكل تلك الخطوات التى يتركها المارة
على أمعائهِ
وبين أحشائهِ
كعلامةٍ خالدةٍ
على الذكرى
كتلك التى يدون عليها المارة
أسماءهم
وعناوينهم
وأسماء حبيباتهم
وذكرياتهم المملحة
هناك وفوق جدرانِ دورات المياة العمومية
وهم يجففون سراويلهم
من كل وسخ التاريخ
وتقلبات الجغرافيا.
ما شأنى أنا
ماشأنى أنا
إن كانت هذه السنة بسيطة
أو كبيسة
أنا أجلس الآن على المقهى
وأضع رجلاً على رجلٍ
وأحدّق ملياً إلى الشارع الطويل
الذى يمتلىء بالضباب
وبعض عربات الكارو
والذى لا يمرّ به سوى الأشباح الديناصورية
لعالم غير منظور
فى شبكة المجارى
الكونية
ماشأنى أنا
إن كانت كل هذه الأحلام التى تبيضُ
وتفقس فى الرأس
سوف تتطلع هى الآخرى
إلى النافذةِ
المفتوحةِ
لأمرأةٍ
لاتكف عن الدوران حول جسدها
الذى لايهدأ وشهواتها المتناثرة فى الغرف
ولا ينام
إلا على صوت الموسيقى
وصفارات قطارات الضواحى
وهى تعطى مؤخرتها لكل مايأتى من الشبكة العنكبوتية
أو صرخات المجانين
فى شارع سليمان باشا ؟!
أوحى النحاسين
ماشأنى أنا
إن كان هذا العالم يصلح للسكنى
أم أننى أحد المرضى النفسانيين الكبار
فى مستشفى العباسية العام
والذى يلعق حذاءه فى الصباح
وفى آخر الليل
يسند رأسه إلى جذع نخلةٍ
لعله يشعل النار
فى كافة التصورات
عن ميكانيكا الكوانتم
وعربة فان جوخ
أو حتى رسائلة الأخيرة إلى محبوبتهِ الوحيدة
آهِ
ماشأنى أنا
إن كانت هذه السنة بسيطة
أم كبيسة
أى شىء سوف يتغير فى هذا العالم
وأنا أجلس الآن على المقهى المجاور
لحنفية التاريخ المفتوحة عن آخرها
وأضع ساقاً على ساقٍ
وأحدق إلى الشارع الطويل
الذى لايمرّ به سوى الأشباح الديناصورية
لعالم غير منظور
فى شبكة المجارى
الكونية ؟!
أحمد فؤاد نجم
آه
ياأحمد فؤاد نجم
لماذا تركت كل هذه الأشعار
التى تضحك
وتبكى
وذهبت بمفردكَ إلى سوق المغربلين لتشترى صينية بطاطس
بالعجوة
أو تبحث عن سيجارة حشيش فى حى الخرنفش
وأين ذهب الشيخ أمام – ذلك المغنى الضرير –
فى رحلتهِ المكوكية التى بدأت من حى الحسين
وانتهت مثل كومةِ ترابٍ باذخةٍ
فى بيت مشَّققٍ من بيوتِ
الدرب الأحمر
أو مساكن الغورية
وهو يحدق طويلاً إلى جامع قايتباى
من نافذة غرفتهِ الوحيدةِ
فيما المماليك المخنثون يصطفون صفوفاً
صفوفاً
فى شارع المعز لدين الله الفاطمى
وهم يحملون الرايات الحمر
ويصطادون النسوة كالسبايا
ويجمعون الرجال من كل فجٍ باعتبارهم
من الأرقاء
والعبيد
ويحيطون بالقاهرة العتيقة
من كل اتجاهٍ
بعد منتصف الليل
لا
لا
ياأحمد فؤاد نجم
أشعارك التى تركتها هناك
فى مقهى الحرافيش
وعلى مقربة من باب زويلة
مازال المارة يتداولونها بالبلطِ
والمناجل
وأحياناً بالضحكات الساخرةِ
عسى أن تخرج الحرية – فى يوم ما – مرفوعة الرأسِ
فى شارع المعز لدين الله الفاطمى
بدلاً من سنابك المغول
وسلخانة العسكر الدولية
فى يوم كان مقداره ألف سنة !!
ضحكات القمر الجافة
كان يعرف أنه لن يستقر طويلاً فى هذه البلدة
أو تلك
وأنه سوف يمرّ وعبر أزقة باب الشعرية المعتمة
على كافة حدائق الموتى
الذين راحت أعينهم تفيض من الدمعِ
لفرط ما عرفوا من الحق
وهم يحملون بين أصابعهم السنابل المخفيةَ
وأغنياتهمْ
التى تركوها هناك
فوق جدارٍ يريد أن ينقضّ
وكلماتهم التى تحملها الريح
إلى الجهات الأربع
ودون أن يلتفتَ إليها من أحدٍ
وأنه
وفى آخر الليلِ سوف يعود إلى نفس السككِ
والخيزرانات
التى تمتلىء بالقططِ والفئرانِ
والبعوض
والقُمَّل
وضحكاتِ القمر الجافةِ
ودون أن يعرف أين ذهب كل أولئك الموتى
- بحذرٍ -
بدءاً من سوفوكليس
وحتى أدولف هتلر
والإسكندر الأكبر
ولا أين كانت أمه كذلك تخبىء ذكرياتها الميتة
عن خالاتها الأربع العجائز
اللواتى تركنها وذهبن إلى أرض بعيدةٍ
لكى يجمعن الفِطْرَ
وحبات التوت البرى
والبطاطس
وفى اخر النهار يعدن ملفوفاتٍ
فى أكفانهن السوداءً
بجوار قمرٍ يتيمً.
مراياكِ
مراياكِ
تعكس تنوع الطبيعة
فلماذا إذن تتركين لحليب نهديك الساخن
أن يتوقف تحت الجسور الهرمة
وإلى جوار كافة البنايات
المنكوبة
ولا تأتين إلىّ فى عز الليل
أو تحت شمس الظهيرةِ الجافةِ
لنشربَ معاً ومن هذه الكأس الأخيرة
وقبل أن نصعدَ على الجُلجثة
أنا
وأنتِ
تماماً وكما فعل السيد فى لحظة الصلبْ
ودون أن يعبأ
لا بمريم المجدليةِ
ولاحتى بالسيدة العذراء
وأخذ ينظر إلى الحوار يين بشفقة
وسعة أفقٍ وضحكات شاحبة
أما كانت تكفى رأس يوحنا المعمدان – مثلاً –
وهى ترقص مذبوحةً على جسد سالومى
لكى يتوقف الرّبُ ولو لمرةٍ أخيرةٍ
عن ملء كل تلك الآبار والدواليب بالدمْ
ولا ينظر – إلى العالم – إلا من خلال عدستةِ
المقعرةِ
والمحدبةِ
والتى لا ترى سوى الخفافيش
والنملْ
وهى تضع كل هذا العالم فى الكفةِ المخرومةِ
لعزازيلَ
ودون أن يلتفت إلى كل هذه السنابل
المفرومةِ على الأرضِ
وتحت أرجل الأحصنة الصاهلة
على جثث التاريخ
وبكل منجنيقاته التى تعمل ليل نهار
ولا تتوقف عن الدورانِ أبداً؟
أين أنتِ ياسفينة نوح
ليركبَ فوقكِ كل أولئك الغرقى
الذين فقدوا بوصلة الوقوف
فى الموانىء
والمحطات
وعلى شواطىء الأنهار والمحيطات
أيها الرب!!
ألا تنام ولو لليلةٍ واحدةِ فقط
ليلةٍ واحدةٍ على الأقل
حتى يتوقف كل هذا الألمِ عن الدوران
أم أنها مزولة الأزل
والأبد
التى تعمل وبلا توقف خالصٍ
وفق قانون اللاجدوى الحار
ألم يقل نيتشة ذات يوم
أن الله مات
فمن ذا الذى نفخ فى روحك هكذا
وجعلك تقبض على مقود السفينة الغارقة هذه
وها أنت ذا
تعبر البحار
والمحيطات
وبلا إشارة واحدة
لتعلن عن أنتهاء تلك الرحلة
أو حتى انبلاح الفجر
فى نهاية المطاف ؟!
حرّاس الهيكل
أخوة الربّ
وحرّاس الزمن الممتلىء
بالأدعية
والتراتيلِ
والصلواتِ الفاسقةِ
فوق جدرانِ الهيكلِ
المملتىءِ
بالذهبِ
والفضةِ
والثراءِ الفاحشِ
أولئك الذين عاشوا حياةً باذخةً
وثريةً
فى حضن الربّ
ولم يعرفوا فى حياتهم الواسعة الشرهة
سوى أجساد النساء الباهظة
والمحلاةِ بالمشمشِ والياقوتِ
والرقصات الدائرية حول
فقه اللذةِ أو مؤخرات الموامسِ
والذين عاشوا حياة وسخة بجد
ترى أين هم الآن
وماذا حدث لهم
من رأى منكم ليقولَ
من كان هناك ليحدّث !!
من يقول للربّ
إننى هنا
وإننى هناك
أنا الجالس الآن على منضدةٍ مصنوعة من خشب الماهوجنى
وعظم الأغنام
ورقائق الخردة
من يقول للربّ
إننى مشيت فى كل هذه الطرق المفخخة
بالأمل
ولم أعثر على أى شىء
حتى ولو على حبلِ غسيلٍ واحدٍ
يربط الشرق
والغرب
فى سلسة
من يقول للربّ
إنه ثمة مئات الآلاف
من المسحاء
ويقفون الآن
صفوفاً
صفوفاً
فى انتظار طابور الذبح المقدس
أو القتل الجماعى
و القنص
من أجل مملكتك الغرّاء
تلك التى لا يسكنها سوى القتلة
والإنتهازيينِ
وبائعى صكوك الغفرانِ
من يقول للربّ
كم مرةً خرجت كل هذه الشمس
من غياهب الظلمة
لتشرق هنا وعلى الأرض
ولم يكن ثمة عدل قطُّ
فقط
الآلاف من الصراصير الجافة
وحرّاس الهيكل
وفرسان المعبد
من كل شكلٍ
ولونٍ
ولا أحد يعرف الحقيقة أبداً
لا أحد جاء ليقول لنا
ماذا تريد بالضبط
فى مملكتك
الواسعة
الغرّاءِ هذه
من يقول للرب
إنه ومنذ أن صعد موسى إلى الجبلِ
ورأى العليقةَ
لم يتغير أى شىء
فى هذا الكونِ
وماذا بعد العليقة
وجبل الطور
نفسُ الليل بخطواته الوئيدة
ونفس النهار بعزلتهِ اللا نهائية
ماذا فعل موسى بالعالم
ولماذا موسى بالذات
ولم يكن هذا أو ذاك
هل تغير العالم
هل تحولت البشرية إلى الإستقامة بالعدل
والحرية
هل توقفت الحروبٌ
وانتهت الديكتاتوريات
وتجارة الأعضاء البشرية
هل حدثت المساواة بين الناس
البعض قد نظر إليك أيها الربّ
باعتبارك المحارب الأعظم
والبعض سخر منك وبضراوةٍ
وأخذ فى تفكيك العالم
البعض قد راح يتبول بعمق
وأستاذيةٍ
على كتبك المقدسة
فلماذا كانت التوراة
ولماذا كتبت الأناجيل
وأين هى بقية الألواح
ألست أنت الربّ القادر الذى لا يهزمك شئ
ألم تكن تقدر – حتى – أن تحافظ على كل تلك الألواح
من الأيدى العابثة
من الأبدِ
إلى الأزل
وكيف كتبتها على مربعاتٍ
ومثلثات
ومستطيلات
من الطين
وماذا كتبت فى الألواح بالضبط
إنك انت الله
ولا إله إلا أنت
أعرف أعرف
لكن قل لى
ماذا يعنيك من العالم بالأساس
إذا كنت أنت خالق كل شىء
كل شىء
ولماذا هذا الشعور بالنقص
إذا كانت مخلوقاتك لا تعرفك
طالما أنت القابض
والباسط
بيديك الإثنين
على هذا العالم
قل لى
من سيأخذه منك
أو من سيقف فى مواجهتك
أين ذهب موسى إذن
ولماذا أخذ السيد هارون العصا من يد موسى
وأخذ يهش بها على العجل المقدسِ وهو غير عابئ لا بموسى ولا بكل ألواح الشريعة
وهو يسرق كل ذهب المصريات
ويشعل النار
فى كتاباتهم المقدسة
وكل تواريخهم
ودياناتهم القديمة
طرقك مليئة بالوحل أيها الربّ
ومن هو ذلك المسيح ليكون أنت
هل كنت فى حاجةٍ فعلاً لتخرج من رحم امرأةٍ
ويقال لها مريم العذراء
أليست سخرية
واستخفافاً بالعقول
أم إنها إحدى أساطيرك القوية
وطرقك الوعرة
التى تفاجىء بها الملاين من سكان
كل هذه الأرض
المعمورة
أو المطمورة ِ لافرق !!
ألم يقترب أحد منها قطُّ
ألم تكشف سرها للبشر من قبل
ألم يتحسس أحد عجيزتها
أو يملأ جرتها بالماء
ألم ترقص عاريةً – فى ليلةٍ عاصفةٍ –
وأمام يوسف النجار
ألم يأخذها يوسف النجار إلى عريشةٍ
قريبةٍ
وهو يجرجرها من شعر رأسها
حتى أصبحت عاريةً تماماً
وأخذ يضاجعها عشر مراتٍ على الأقل
ومثل بقرةٍ حلوبٍ
أمتلأت باللبن
والشهوةِ
وأخذت تشخر وتنخر
فى انتظار
أن يركبها عجل مقدسُ
أو حتى بغل
ليطفئ نيران كل تلك الشهوةِ العارمةِ
ألم تسمع شخراتها أنت أيها الرب المقدس
وعلى بعد آلاف من السنوات الضوئية
وأنت تتربع وبمفردك
على ساحل السماء البرتقالى
وتنظر إلى فخذيها اللدنين
وتكويرات المؤخرةِ المترجرجة
وعفوية الفخذين الأبيضين
اللدنين
الراسخين فى الشهوةِ
وطرائق اللذةِ
والمكتظين بالحليب
وعسل النحلِ
فلماذا إذن جعلت منها أسطورةً
للأولين
والآخرين
وهى هى التى أعطت نفسها لرجالِ كفر ناحوم
قاطبةً
وأخذت تصرخُ فى البرية
أنا أنا الرب ذاته
ومن رحمى يولد الربّ
أنا الربّ ذاته
بين فخذى يسكنُ العالم
وتقوم مدائن المعرفة
وعلى سرة بطنى تقوم مالك شتى
وتنهزم إمبراطوريات بتواريخ
باسمى سوف يلهث ملائكة العرش
وبين ثديى سوف يهتز العالم بالشهوة
من أين جاءنى يسوعكم إذن
هل نفخ الربّ بين فخذى بالفعل
من رأى منكم ليحدث
ومن كان هناك ليقولَ أنا بمفردى أعرف الحقيقة
تلك من أكاذيب الرواةِ
وصنّاع الأساطير
الحواةِ
العراةِ
والمخنثين
أنا
وفى ليلةٍ ما تغطيت بالنرجسِ
ووضعت نبات الخشخاش تحت رأسى كالقناديلِ
وقلت للشمسِ
إرقصى ياعشبة تحت رجلىّ
وأخذت أجرجر القمر من رأسهِ
وأقول له
أنت أيها الأبيض الأبيض
جسدى هو أشد بياضاً منك
دوائر فخذى مثل الحلى
سرتى كأس مدورة
ولايعوزها شرابُ ممزوج
من بين شفتىّ هاتين
تخرج اللآلىء بانتظامٍ إلى البحرِ
وعلى قميصِ نومى يأتى الرجال من ذوى القوةِ
والبأسِ
ويركعون تحت نعلىّ
أنا
أسمع صرخاتهمْ وهم يبكون
وهم يتلون صلواتهم المبرقشة إلى الربّ
أن أمنحهم هذا الجسدَ
ولو مرةً واحدةً على الأقل
كنت أنا الكأس والخمر فى نفس الوقت
كنت أنا الساقيةَ التى تفيض بالماء
والأرضَ التى يبذرون فيها بذورهم
لم يكن هناك أحد ليرانى
إلى أن امتلأت بطنى بالحليب
وتركتُ جسدى لكل عابرِ سبيل
قلت لنفسى ذات ليلة
والآن يامريم
ماذا تريدين من جسدك سوى أن يتشبع
ويمتلىء بالخمر
أن يمتلىء الإناءُ باللبن
لم يكن يوسف النجار سوى أحد هؤلاء البررة
وأنا لا أعرف حتى الآن من هو الذى غرس حربته القوية
فى بطنى
ووصلت إلى حد العنق
والصدر
من ذا الذى احتطبنى حتى امتلأتُ بالشهوةِ
إلى حد الفتنة
والغيبوبة
ربما كان موسى نفسه وقد أتى إلىّ فى الحلمْ
وربما يكون أخوه هارون
وبعد أن حطم الألواح
وراح يسجد لعجله الذهبى
على كلٍ الإسم لايهمْ
كان لابد أن يكون هو
وقلت له
لتكن مباركاً فى الأرضِ
كما فى السماء ِ
واصطنعت هذه الفضيحة لنفسى
وأمام كل رجالِ كفرِ ناحومِ
البعض كان يضحكُ
والبعض الآخر كان يشخر
والبعض قد خرّ راكعاً
الكل يبحث عن الربّ
فلمَ لا يكون الرب خلف هذه العشبة
ولمَ لا يكون الربّ هنا
أو هناك
وتحت هذه العريشة بالذات
أو خلف أوراق هذه الزهرة المكتسية بنفسها
الربّ دائماً موجود
الربّ دائماً موجود
ولاأحد يعرف شكله
أو لونه
كل يوم هو فى شأنٍ
فلمَ لا أخترع أنا الربّ ذاته
من فلذة كبدى
يسوع بن يوسف النجار
هللوا يا
هللوا يا
الآن
قد نزل الربّ بينكمْ
وأخذ يَكْرز فيكمْ
أنا أم الرب ذاته
وتحمل بالربّ
أنا هذه المرأة
الربّ منى
وأنا من الربّ
ومن يومها والعالم يحلم بالربّ ذاته
على سلم البشريةِ
المعوجِ
قد يقيم الربّ فى القدس
وقد يقيم فى أورشليم
قد يقيم فى فارس وعلى صورة ما
وأحيانا يذهب إلى أهل صيدا
فى صوره ما
أحياناً يقيم فى شوارع مصر القديمة وداخل كهوف الأهرامات
وأحياناً يمشى فى شوارع الناصرة
أنا الرب ذاته
لا مكان لى
ولا شكل
أقيم فى كل أحدٍ كيفما شاء
وأسكن فى كافة الأبنية
وفى الطرقاتِ
وعلى سواحل البر
وداخل أعماق المحيطات
مملكتى ليست من هذا العالم
أحياناً ما يكون إسمى إخناتون
أصنع مراكب الشمس
وأجرى عرشى على الماء
أتجول بحريةٍ بين
الشرق
والغرب
ولا أحد يعرفنى
أنا لا أنام أبداً
وأسير فى كافة المدن
وأخترع كافة الشوارع
بالليل
مثلما بالنهار
فى بلاد فارس أشعلوالى النيران
لأنهم رأوا أننى نار الكون
وفى بلاد الهند صورونى على شكل بقرةٍ
مقدسة
وفى بلاد طيبة قدموا إلىّ القرابين
من الماعز
والأغنام
وأحياناً
بالجميلات النائمات
على مذبح الربّ
وكانوا ياتون إلىّ فرادى
وجماعات
هم يبحثون عنى
وأنا
أملأ مخيلتهم
وأشكالهم
انا لست بعيداً عن هذا العالم
لا أحتاج إلى قرابين من أحدٍ
ولا أعبأ بكافة صكوك الغفران هذه
صنعت كل شىء بيدىّ هاتين
وقلت لنفسى
فلتدع كافة البشر يتخيلك كيفما يشاء وحيثما يشاء
أنا هو الوهم
والحقيقة فى نفس الوقت
أنا هو الخيال المارق
والواقع الأسطورى
أنا هو المعقول
واللامعقول فى نفس الصورة
أنا هو العالم والعالم هو أنا
انتبهوا
انتبهوا
لاتبحثوا عنى خارج ذواتكمْ
أيها النائمون تحت الثرى
أنا أنتم
وأنتم أنا
بدءاً من الذرة المنقوشة على الأرض
وانتهاءً بنقطة على المحيط
مركز الدائرة أنا
فى دائرة ٍعرضها السموات والأرضِ
هذه الدائرة لاتنتهى
ولاتبدأ
وأنا
أنا هو مركز الدائرة
سلاما
سلاما
سلاما
سلاه
لك يا اخناتون
سلاماً
سلاماً
سلاماً
سلاه
لك ياآمون
سلاماً
سلاماً
سلاماً
سلاه
لكل ساكنى الأرض
وأبناء العالم
ألم أقل لكِ ياأخت هارونْ
إن العالم لغز
يحوله جنوننا الأخرق
إلى شىءٍ
بشع
وغير معقولٍ
لاشىء
إلا لأنه يحاول أن يفسره
طبقاً لتصوراتهِ
ووقائعية مخيلته ؟!
يوسف الرامى
هل كان هذا الشرموط حقاً
ينقل دماء المسيح
من قرية ٍ
إلى قريةٍ
على أمل أن يعثر على الربّ
فى بئر ماءٍ
أو فى حديقةٍ مترامية الأطراف؟
أم أن يوسف الرامى قد أخذ
دماء قطةٍ عجوزٍ
وأخذ يصرخ فى شوارع القدس العتيقة
أنا الوحيد الذى أحمل
دماء السيد المسيح
أنا
من يجمع الحقيقة والحق
فى كأس واحدةٍ
ولا أحد سواى يعرف إن كانت مريم العذراء
هى عذراء بالفعل
أم أن ذلك كان من اختراع
كبير الكهنة؟!
وبعد أن نكحها ثلاث مراتٍ على الأقل
وقبل صياح الديك
أنا يوسف
يوسف الرامى الذى أحمل الدم المقدس
على ظهرى
وداخل كأس من النحاسِ الأصفرِ
والذى تركته الملكة كليوباترا
فى داخل قرية
أريحا
أنا يوسف الرامى الذى سوف يرش الأرض
بماء السيد
وأجعل الدم بمثابة الكأس المقدسة للعالم
وسوف أدفن هذه الكأس
فى مغارةٍ ما وعلى بحيرة طبرية
أو مغارةٍ ما من أحدى مغارات
باريس
حتى يظل كل من فى الأرض جميعاً
يبحث عن هذه الكأس
وإلى أن تقوم الساعة !
شكرى عبد الصادق
يرقد الآن فوق حشيشته الناعمة
بجوار الأم
والأب
فيما راح – أى شكرى عبد الصادق – يفتش عن
الروح المقدسةِ
بين تل الجماجم المجاورِة
وعظام الموتى
وسلة الدود
وتذاكر اللاعودة
وها هو ذا يتذكر شجرة الليمون
والنخل
وغصن الزيتون
وأعواد الجعضيض
والساقية المعطوبة على رأس الحقل
أكثر من مئة عام على الأقل
بينما الفاشية زوجته
راحت تتسلق على صدر رجل آخر
وهو يعبث بفخذيها اللدنين
ويشربُ من حليب السّرةِ الساحلى
ويدلك لها كفلها الناعم
بأصابعه الخشنة
ربما
يصيح الديك ثلاث مراتٍ على الأقل
وقبل أن يجرجرها إلى حقل الذرة
المجاور
لزريبته المكتظة بالتبن
والملاطِ
لكى تسقى بقية العيدانِ الناشفَة
الآن
ورغم أنه نائم إلى جوار أمهِ وأبيه
وفى مقبرة تحت شجرة الزنزلخت
يتذكر
أن العالم ما هو إلا مجرد مجموعة من الذكريات
الهرمةِ
أو ربما عملية تنفسٍ صناعية
وكأنها نقوش موقوفة
على جدران الزمن !!
دواليب الرأسمالية
وأنا
لا أزال لا أعرف نفسى
كيف لى ان أشعل الضوء فوق فتيلةٍ مقتولةٍ
وأستخدم السفن العابرة للقاراتِ
لأصلَ إلى سمواتٍ أخرى
وإلى أرضٍ غير هذه الأرض
تحت قدمىّ تتكسّرُ الأحلام فى السككِ
وينام ملك الموت الدامى
بأصابهِ المبقعةِ بالميتافيزيقا
لا أكتب شاهدةً على قبر
ولا أقرأ الإعلانات الأمريكية
فقط
أوقظ الظلام فى الليل
وأطبطب على رأسهِ
وأرتب أوراق المجدفين على الساحل الشمالى
لقارةٍ غارقةٍ
من يعرف حقيقةٍ إن كان المسيح قد مرّ من هنا أم لا؟
هل كانت الناصرة بالفعل
أم كفر ناحوم ؟!
وها هى الطيور نفسها قد هاجرت إلى قارةٍ بعيدةٍ
وطيور النوارس البردانة قد أخذت تقأقىء
تحت أرجل الخنازيرْ
فى البلاد البعيدة دائماً ما يسكن غراب أجير
عن أى شىء تبحثون أيتها الكلاب الضالةُ
عن الخلاص بالزيت
وماذا يفعل الربّ فوق سمواتهِ العامرة بالقتلى
وأنا هنا أهبكم حرية الحب
الحب الذى لا تعرفون
أهبكم الإنسانية المبخّرةَ
الإنسانية المحلولةَ الشعر
البردانة
الشعثاء
الإنسانية الجافّة الحافة الحاقةُ
والتى لا تشيخ أبداً
رغم كتيبة القوانين
ودواليب الرأسمالية المتوحشة
صفقوا للعدالة المقتولة على مشاجب القضاة
من هنا
ومن فوق هذه الأرض بالذات
قد مرت هذه السفينة من قبل
وهى تحمل جثث الموتى
وحناجر الغيوم المذبوحة
فى ثلاجات الجرانيومْ
لماذا تفتشون فى صناديق الزبالة
عن أغنية أخيرةٍ لىْ
أو صرخة أجيرة كان قد تركها الحلاج
تحت سقف منجلٍ
أو سياط الجلادين
وها أنتم ذا تبنون مساكنكم فوق تلِّ العمارنةِ
أو تبحثون بين أكداس القمامةِ
وأكوام القش عن التاريخ الحقيقى
لباراباس
وفيماذا كان يفكر السيد وهو يصعد على الجُلجثةِ
وقبل أن تنام أمه فى قلب مزود الطحين
والتبن
وحولها الجوقة الفارهة من المغنين العراة
والمغنيات المثليات !
فى بدروم الفانتازيا الكونية هذه
ثمة عنكبوتات وتقف شاخصةً على أوراقِ الحلفاءِ
أنا
تخلصت من جسدى تماماً
وتركت لكمْ أوردةَ روحى على ورق كربون ناشفٍ
وتحت عجلات عربة إسعاف مركونةٍ
لتصنعوا منها طائراتٍ ورقيةً
أو حقلاً من الموسيقى الشرهة
إلى النسيان
أنا
كثيراً ماقابلتنى مثل هذه الزهور
فى علب الصفيح
وهى تمشى مكسورة الأذرعِ
ومفقوءة العينين
بينما عربات الرّش
تكتسح الضحكات العابرة لأطفالِ الحضاناتِ.
خلاص إصطناعى
أنا....
ومنذ أن صاح الديك ثلاث مراتٍ
والعالم يغطُّ فى النوم
هل من خلاصٍ لهذه العشبةِ؟
وماذا يفعل كل هذا النهر إلى جوار قارب مكسور
فى قارورةٍ من نحاسٍ
ودخانٍ
وعلام كان السيد يبول على صياح الديك؟
ألم تكن هناك من نملةٍ
خالصةٍ
لكى تقوم بهذه المهمةِ الشاقةِ
بدلاً من ذلك الديك الملعون ؟!
لابد أن آلاف المجنزرات قد وقفت فى الحلق
وأن أمنا الشمس الرؤوم
قد رقدت هى الأخرى فى كهف أفلاطون
والذى ظل ذلك المنادىء
يفتش عنه لمدة ثلاث ليالٍ سوياً
منذ أن صاح الديك ثلاث مراتٍ
والعالم يغطّ فى النوم
ولا يعرف إن كان هذاالذى يحدث هنا أو هناك
تحت الشمس
أحلام شيطانٍ
أم خلاص اصطناعى
على ترع الفانتازيا الجهنمية.
الزمن يتقدم إلى الوراء
لابد أن الزمن يتقدم إلى الوراء ببطءٍ
وأنا أهتف
أيتها الشوارع
أيتها المكانس الكهربائية
والقطارات
ياصفارات الإنذار
وياعربات دفن الموتى
أيتها الموتوسيكلات التى تقطع الهواء
وبعيداً عن الجاذبية الأرضية
أيتها الأرامل
والمطلقات
أيتها العجائز والمسنات اللواتى يختبئن
فى دور العجزة والمسنين
وينتظرنَ الموت الشارد فى أية لحظة
أيها الأمل المخبوء – بحذافيرهِ – فى دورة مياهٍ عموميةٍ
أيتها الساعات التى لا تعمل إلا وفق قانونِ الرأسماليةِ
المتوحشةِ
أيها العمال المسحوقونَ تحت أرجل الدولار الامريكى
واليورو
وكافة العملات الأجنبية
لا خلاص لكم فى كل هذا العالم
سوى التمثيل بجثة العدم
على أنهار اللاشىء
وتحت شمسٍ قليلة الخبرة.
إدمنتون
هنا فى إدمنتون
الثلج يتساقط بضراوةٍ
ولا وجود للشمس أصلاً
والحياه داخل البيوت موت مبكر
ولا أحد فى الشوارع
غير الغربانِ
وطيور النوارسِ
من ذا الذى ابتكر هذا العالم فى كراسة المجازات
والشوارع التى لا تعملُ
والساعات طريق إلى المقابر الجماعية
كل هذه الحياة الجنائزية من أجل لا شىء
قل لى أنت يايسوع
هل جربت الثلج فى إدمنتون فى درجة
حرارة 40 تحت الصفر
وهل وقفت أمام ضفدعةٍ ميتةٍ على رصيفٍ خالٍ من المارةِ تماماً
أم اصطدت فراشةً
وتأكلها الذئاب
فى هناجر الديانات؟ !
متحف العاديات القديمة
مع حلول الليل أكتب عن الجسد
ومع حلول النهار أكتب عن المرأةِ التى تحلم باللذةِ وتمارس الجنس فوق طبقٍ طائرٍ
المرأة والجسد
كتاب واحد
فى عدة فصول
المرأة والجسد إنجيل واحدٍ
لكافة الديانات
أخترعنا الأساطير لكى نعرف حقيقة الله
واخترعنا الله
لكى نتخفف من وطأةِ كل هذه الأساطير
مع حلول الليل
أجلس الشمس عن يمينى
وأقرأ فى كتاب اللغةِ عن خبز
المرأة الجاف
وعجين السرة المسحوقِ
فى محلات الأحذيةِ
والبطاطس
إجلسنى أيها النهار عن يمينك
حتى أقرأ ما تيسرَ لى
من سورة العدم
على أرائكِ اللامعنى
وأبحث عن المنظور أو اللامنظور
فى متحفِ العاديّات القديمة.
أين شوكتك ياموت
أجلس فى الأزقة المعتمة وأحدق إلى السقف المُعَلَّقِ
فى السقف ثمة فراشة
وعلى أرضية الغرفةِ
إنجيل ليسوع المسيح
وهكذا تحدث زارادشت
والوصايا العشر
للنبى موسى فوق جبل الطور
ومزامير النبى داوود
وعناكب يوحنا المعمدان
ورأس سالومى
وفردة حذاء للغناجة المهتاجة هيروديا
وأنا أذرع الغرفة جيئة
وذهابا
وأقول لنفسى
أنا نقطة فى المحيط اللانهائى
فوق مجرةٍ ضائعة
فى عالم لا نهائى
أين شوكتك يا موت
أين غلبتك ياجحيم ْ؟
عن أيامى المقطوعة الرأس
أنا رجل ماتت زوجته
ذاتَ نهارٍ أثيم
فوق فراشى تتربع أربع كلماتٍ
سود
أنت رجلى الوحيد ياحبيبى
أتركك فى رعاية الجحيم حقاً
وقوس قزح
وها آنذا
أتمرمغ على سريرى الجافّ بضراوةِ كلب أعمى
وأبصُّ على الحوائط المكتظة بالعفاريت
وأستصرخ النوافذ
والبيوت
والعمارات
لاشىء
لاشىء
غير أيامى المقطوعة الرأسِ
والمشجوجة الأنفس
بيد ضاريةٍ
ودمامل سوداءْ !!
أيها القارئ العزيز
سأبوح لك بشىءٍ أيها القارىء العزيز
ياقارئى الحبيب
أنا هزمتنى الحياة فى مثل هذه الأيام
فى كل طريق أسير فيه أجد كارثةً
فى كل ليلةٍ أقطعها بمفردى
تتنطط ألف قطةٍ عمياء
وألف مصباحٍ أسود
فى مخيلتىْ
وتنام على أوردة روحى ثعابين جافة
بحجم الكرة الأرضية
وبالمناسبة
أصبحت الكرة الأرضية مجرد خيال
مغناطيسى
لصرصار أخرقْ
أصبحت أكره أفلاطون حتى النخاع
وأبول بضجرِ وحميميةٍ على كل ما قاله سقراط بقدر ما فى جعبتى
من خراءٍ
وأشعل النار فى كل جدلياتِ هيجل
وماركس
ومثلثات برمودا
وأشخر من كل رؤساء هذا العالم الكلاب الخونةِ
بدءاً برؤساء جمهوريات الموز
واللفت
وانتهاءً بجمهورية أفلاطون اللعينة
فماذا فى العالم بعدُ
سوى مجموعة من المسرحيات الهزلية
لمجموعةٍ من المؤلفين العميان
وعلى رأس القائمةِ
يأتى الشعراء
وهم ينزحون المجاريرْ
ويتركون قصائدهم تتعفن
تحت بئر السلم
البعض قد يتوقف بإزاء إناءٍ فارغٍ
والبعض قد يركب السفن الغارقة
لينجو من الليلِ
فى الليل
البعض قد يدق على طبول الفراغ الهرمةِ
بصناجتين طينيتينِ
والبعض الآخرقد يجلس على النواصى العتيقةِ
ليصلّح أحذية القوارير
وأدمغة السحالى
ولا أجد أمامى سوى شاشةٍ بيضاء
باتساع الكرة الأرضية
ليس فيها سوى مجموعةٍ من الفئران الضالةِ
التى تلعق أحذية الصراصير !!
أطباق الفقراء
أنا
لم أعد أنظر إلى الحياة بجديةٍ
إكتشفت أننى أحمق بما يكفى
أضعت حياتى فى جدول الضرب والقسمة
وبحثت فى حساب المثلثاتِ
والمربعاتِ
لمدة ربع قرنٍ على الأقل
وركبت عدة موجاتٍ فى وقت واحد
وتسلقت أشجار الجميز والسنط
لأف عام على الأقل
وأكلت من توت القرية الأحمر و الأبيض حتى تورمت قدماى
وجفّ حلقى
وطاردت العصافير إلى أن سقطت فى شبكتى الوحيدة
خنفساء جاحظة
بحثت عن العدل وفى أكوام القمامة
وتساءلت عن معنى الإنسانية الحارّة
تحت جنازير الدباباتِ
والصواريخ العابرة للقاراتِ
وها أنذا أشخر من كل أساطير العالم
عن الحرية
والديمقراطية
وبقية التوابل التى تمتلىء بها
أطباق الفقراء
المحمصة !!
إختراع الأمل
يجب أن نخترع الأمل
حتى ولو كان على شكل طبقٍ طائرٍ
يجب أن نخترع الأمل
حتى ولو كان على شكل جاموسةٍ
وتدور فى الشوارع
لكى نقول للموت
وبصوتٍ صارخٍ فى البريةِ
أنت لاشىء
لاشىء أيها الموت الجبان
يجب أن نخترع الأمل
لكى نسير فى الشوارع المغطاةِ
باليأس
ونحن ننظر إلى الشمس بعينين ضاحكتين
يجب أن نخترع الأمل
حتى ولو كان على شكل خرم إبرة !!
غداً أو بعد غد
غداً أو بعد غدٍ
ستسمعون نحيب هذه الشمس
أو بكاء تلك الشجرة
غداً أو بعد غدٍ
سوف يأتى الليل على ظهر نملةٍ عرجاء
غداً أو بعد غدٍ سوف نتعرف على النهار
من خلال تجاعيد الساعات الميكانيكية
لهذه الورةِ
أو تلك النجمة
غداً
أو بعد غدٍ
سوف تروى العصافيرُ فى الليل – عن حكاياتها -
لكل تلك الكتائب السوداء
لمملكة الربّ
غداً
أو بعد غدٍ
سوف يأتى الطوفان بعد الموت
لكى يقف تحت ظل تلك الصخرةِ
ويقول للريح
تخففى من ملابسك الداخلية
أيتها الغاشية
فالعالم لاشىء
العالم لاشىء
العالم لاشىء !!
عندما سار الربّ فى الشوارع والسكك
عندما سار الربّ وحيداً فى الشوارع والسكك
ووجد أن الشوارع خربةً
وخاوية
نظر إلى وجه الغُمْرِ ومن خلال نظاراته الضخمةِ
وتلسكوباتهِ المحدبة
والمقعرة
وأخذ يرش الملح على كل شىء بدءاً من الصخرة المجوفة لهرقل
على شواطىء طنجةَ
المتلفعة بأرديتها الصوفِ
وخلاخيلها النحاسية الخلابةِ
وانتهاءً بالدورة الدموية للأمل
أو تلك الوردة الهاربة تحت سفحِ جبل
موسى
وكان أن امتلأت الشوارع بالدم
والمستشفيات بالقتلى
وعلى الأسرة البيضاء صارت النسوة
لا يرضعن أولادهن سوى الخنافس
والبيلاجرا
والأطفال لا يذهبون إلا إلى دورِ العجزة
والمسنين
ولم يعد فى جعبة الفانتازيا السماوية
وعلم اللاهوت
والسياسة
سوى ملك الموت بكل أحصنتهِ الخشبية
وأصبحت التراجيديا الإنسانية
أنشودةً فى فم المغنين
إذ ذاك
نظر الرب إلى الشوارع النهمة
وأخذ يضحك ُ إلى الشمس
ويرش النجوم فى الأفق
وقال لنفسهِ
نعم أنا أخطأت فى صنع هذا العالم
فلماذا لا أضع تحت كل نافذةٍ
شمساً
وأمام كل باب جيشاً كاملاً
من المحبةِ
لمَ لا أمحو ما يسمى بالخير المحض
وما يعرف بالشر الخالص
لمَ لا يكون العالم كله عبارة عن فكرة
طرأت فى ذهنى
وأنا فى لحظة من الضجر
أو الشعور بالوحدة
أرجوكم
أرجوكم
إمهلونى قليلاً من الوقت
لأعيد ترتيب أوراقْىِ
وأجعل الحقيقة على شكل قوس قزح
ياأهل الأرض كلكم
أبنائى وشركائى فى الموت والحياة
الأسودُ إلى جوار الأبيض
والأحمر إلى جوار الأصفر
بلا موسى
أو عيسى
أو حتى زرادشت
أو هيجل!
رُفعت الأقلام
وجفت الصحف
لا وجود لى إلا من خلالكمْ
ولا معنى للزمنِ إلا بكمْ
أنتم مراياى
وكافة كلماتىْ
أنتم أنا فى الحقيقة
وأنا أنتم فى الواقع
أنتم ياأهل الأرض كلكم جميعاً
أبنائى وشركائى فى الموت
والحياة
انظروا إلى الليل
فبدون هذه الظلمة
لم يكن للنهار معنى
وبدون كل هذا النهار
لامعنى للنجوم
الليل أخ ناصع للنهار
الحقيقة متعددة أيها الناسْ
انظروا إلى كافة المرايا
لا إلى مرآةٍ
واحدةٍ
فقط.
ثلاثية يوسف
(1)
عندما وضعوا يوسف فى السجن
حارت امرأة العزيز
ماذا تفعل بجسدها الليلكى
وبكل تلك المؤخرة اللينةِ المرحةِ
وبصدرها النفاذ الأشقرِ
مثل سفينةٍ شراعيةٍ تحت هبوب الرياحِ
وماذا ستفعل بأنبوب الشهوةِ
الحارقةِ
وصرخات الروحِ الصّخّابة
وماذا ستفعل بتمثال المحبة الرازح
تحت عتبة الغرفةِ
الذى أخذ يعلو ويعلو
حتى تفوق على البنايات
والعربات المطهمة
وتلال الحُلى والزينة
وقالت لنفسها
ماذا سأفعل أنا بكل تلك الأناشيد الفرعونية
وأهرمات خوفو
وتراتيل إخناتونْ
ومزامير نفرتارى
وفى كل يوم
كانت تذهب بمفردها إلى السجن
لتقف أمام حارس البوابة العتيق
وتخلع ملابسها المزينة بالذهب
والفضة
لكى تقف أمام يوسف
كتمثالٍ من الذهب الخالص
واليواقيت
أو على شكل مشكاةٍ فى زجاجةٍ
إذ ذاك
أخذ يوسف العزيز يصرخ إلى الجدران
والنوافذِ
لا أريد أن آكل
ولاأريد أن أشرب
أريد أن أموت
على عتبات هذه المرأةِ
هذه المرأه إلهى
هى حقل حنطتى
وأشجار ظلى
هذه المرأة هى حروف كلماتى
ولغتى
ديانتى المستترة وطقوس صلواتى
إنها المرأة الوحيدة التى أرى
فيها الله جهرةً
لا تحرمونى من هذا الجسد أيها الناس
على سلم جسدها أنا
صعدت إلى ما هو أبعد من السماءِ
وأعمق من أعماق الأرض
نظرة عينيها تخترقانِ قلبى
أصابعها تشعل جدران روحى
وتشعل الحرائق فى كل جسمىْ
بين عينيها تسكن التواريخ
ومن خلال جسدها تقوم الحضاراتِ
وتنبنى الديانات
هى اللغة والقواميس
إنها المعنى الذى أبحث عنه
فى هذا العالمِ
أنا لم أعد أريد أى شىء من هذا العالم
سوى هذه المرأة بالذات
رائحة أنفها أعجوبةٌ
وبطنها سهولٌ بصحراواتٍ وأنهارٍ
ومنها يتدفق العسل
وأباريق الخمر
هذه المرأة أهرامات من ماس
وبوّابات من يواقيت مدفون
أقعدونى على فخذها إلى أن أموت
ولا توقظونى حتى تقوم من نومها
أو يعلن الزمن
عن نهاية الساعات !!
(2)
عندما وضعوا يوسف فى الجُبِّ
أخذ أخوة يوسف يتنططون فى الحقلِ
وراحوا يمسكون بالدفِّ
ويعزفون بالمزامير
وهم يرتلون صلواتهم وأدعيتهم الخارقة إلى الربّ
ربّ إبراهيم
وإسحاق
ويعقوب
وبعد ان أنجاهم من الذئب فى الفلاةِ
واسترحوا – الآن – من الداهية الأكبرِ
يوسف
الذى فضله أبواه عنهم جميعاً
لالشىء
إلا لأن أمه كانت تعرف
كيف ترقص بجسدها الأرجوانى
على أنامل يعقوب
واستطاعت – كذلك – بشهوانيتها المرعبةِ القدرةِ
أن تسلب يعقوب اللبّ
فأصبح لا يرى العالم إلا من خلالِ جسد هذه المرأةِ
ولا يرى الله ناصعاً
إلا من بين فخذيها المعشوشبتين
ومؤخرتها التى تكتظ بالهلاوسِ
واللوغاريتمات
عندما وضعوا يوسف فى الجبّ
راح أخوة يوسف يخططون
كيف يشعلون النار وبضراوةٍ
فى كل هذا كل العالم
وفى القدس بالذاتِ
وسوف ينتظرون كذلك ماذا سوف يفعل الربّ
فى سيمفونية الخراء هذه
-كل أنهار مصر تحت قدميك
ماصنعها الربّ إلا من أجلك أنت
أنت واهب الفرح
والمحبة
أنت الذى يصعد القمر كل ليلةٍ
إلى نافذة قصرك
ليطل عليك
ويستمد نورة من بهاء وجهك
وانعكاس شمسك
شكل عينيك طيبتانِ
مثل طيبة
أو مدينة الربّ منف
كم ألف سنة انتظرناك أنت
أيها اليوسفى فى الحسن
قبلك ظلمنا الملوك
وسخرَّنا الجبابرة
وجعلونا ننحت الصخر
بأسناننا
لمَ كل هذ ؟! هكذا قالت امرأة العزيز
(3)
عندما وضعوا يوسف على عرش مصر
جاءت امرأه العزيز
وجاءت جوقة المغنيين
والمغنيات
جاء رجال الدرك الأحمر
وكل رجال اللاهوت
من عبده آمون
وإخناتون
وهم يغنون بأصواتهم المخنثةِ
وخشخشات جلابياتهمْ
المزخرفةِ بالذهب
والفضةِ
أنت سيدنا
أميرنا
قمح مصر فى خزائنك
كل ذهب المصربين أصابعك
هاهم الفقراء
يقفون الآن صفوفاً
صفوفاً
فى انتظار أن تعطف عليهم
وأمام بوابات قصرك
نساؤنا يتضورنّ جوعاً فى الشوارع
ويمارسن الرزيلة تحت سقف كل بيت
من أجل لقمة العيش
أو رغيف خبز واحدٍ
أنت مشرّع الدياناتِ الأكبر
وصانع القوانين
أنت الذى سترد العدالة المسلوبة
إلى شوارعها
طالما كنت على عرش مصر
سوف نأمن على أولادنا فى الحقول
وعلى غنماتنا تحت أشجار
النخلِ
والكافورِ
مرة أخرى أيها اليوسفى
سوف نعود إلى الغناء بالدفّ
والرقص بالمزامير
بعد أن نسينا الفرحُ والسرورُ
قبلك
كنا نتمنى الموت ولو تحت سفح جبلٍ
أو تحت محراث حقلْ
قبلك ظلمنا الملوكْ
وأهلكنا الطغاة
فى برّ مصر لم نعد نعرف سوى أكل
الترابِ والخنافس
وأوراق الشجرْ
والسمك الميت
بيوتنا خربةٌ
وخاويةْ
أهلكنا الجوع
ودمرّنا اليأس فى السكك
إذ ذاك جاءت امرأة العزيز
وجلست تحت ساقى يوسف المعشوشبتينِ
وأخذت تغنى هى الأخرى
بصوتها الرخيم
وجسدها الملفوف الأخاذِ
من أين أتيت إلينا ياحبيبى
كم ألف سنة وأنا أنتظرك أن تأتى
جسدى لم يزهر إلا تحت أصابعك
وبين فخذيك
وجدت كنزى
أنتَ
عندما ألقيت بذورك بداخلى أزهر الحقل
ونوّر الرّمان
أورقت كل أشجار مصر
وفاضَ النيل على السكك
وأغرق كافة الصحارى
حليب جسدك يتفوق حتى على عسلِ النحلِ
وشرابِ الفراعنةِ
طعم شفتيك مثل طعم شفتى الربّ
حنانتين
ومغريتين
حتى للطير العابر
فما بالك بامرأة العزيز
يايوسف !!
دعنى أرقد بين فخذيك ياحبيبى وحتى أموت
دعنى أنسى العالم بكل مافيه يايوسف
حتى أرتوى من حليبك الساخنِ
وشهد أيامك الحلوة
خذ كل شىء
خذ كل شىء
ذهب الأسرة العاشرة
وحتى الأسرة العشرين
خذ ذهب منفِ
وخزائن طيبهْ
أنا – بنفسى – سوف أجمع لك
كل ذهب نساء مصر
من أين أتيت ياحبيبى
وما هو ميعادك
مصر درة الدنيا
وسيدة العالمِ
تجلس تحت قدميك
شهية
وباكية !!
نحن الذين أخترعنا الآلهة
وحتى فكرة التوحيد قد خرجت من هنا
من أرض مصر يا يوسف
نحن الذين توضأنا بالشمس
وأسقينا القمر حتى من حليب النجوم الفضفاض
وصلوات الكهنة فى داخل المعابد
على ضفات الأنهار غنت العصافير للربّ
آمون
وإخناتون
وحتى للجميلة نفرتيتى
كانت الشمس تشرق على الأرضِ
فلا يوجد على الوادى أحد
لايسبح باسم الربّ
ولا يسجدُ إلا للإله الواحد الأحدْ
حتى الصلوات الخمس نحن الذين أخترعناها – هنا- وفى بر مصر – يا يوسف
وأخذها منا كل أبناء الأرض
كان القمر يطلع فى الليلِ
فلا نرى سوى وجه الربّ – هادئاً ولا معاً -
فوق حدائق القبة
وكل أراضى الدلتا الواسعة
ياسيد الأرضين يايوسف
قل لى
من يضارعك فى الحسن يايوسف
مصر كلها كلها لك
بكل ما فيها
من ماشيةٍ
وأغنام
من ذهبٍ وكنوزٍ
فقط
احكم بالعدل يايوسف
أقم القانون فى الظُلْمة
حتى يأخذ الطفل حقه
وتُرَدّ للشيخِ سكينته
واجعل المحبة تسير فوق الأرض مثل امرأةٍ تكشف عن ساقيها
حتى يراها الناس
ويعشقها الخلق كلهم جميعاً
إجعلها مثل كتلة الهواءِ الراسخة
ويتنفسها الجميع
ويراها الناس وهى تسير على الأرض
بقدمين فارهتينِ
قبلك ظلم الملوك كل أبناء هذا الشعب يا يوسف
وأنا
أنا امرأة العزيز
سوف أمنحك جسدى وقلبى
ياشقيق روحى
وياذهب أيامى
لا تركن إلى إمرأةٍ أخرى يايوسف
فيكرهك قلبى
أنا التى جعلتك على خزائن الأرض
ومنذ أن رأيتك
من أجلك انفتح قلبى على العالم
أصبحت أنت الآب
والإبن
والروح المقدس يايوسف
مقدس أنت أينما سرت أو رحلت
فى كل الطرق يتبعك قلبى
وعلى النواصى
أترقب وصولك
أصبحت لا أشعل مصابيحى فى الليلِ
لأنك بدّدت الظلام
عن نفسى
ولم أعد أنتظر الشمس فى الصباح أن تشرق
أو القمر بالليل
لأنك الضوء كله والنور كله يا يوسف
صوتك يسمع من بعيدٍ
فينجرح قلبى
وهنا
اعتدل يوسف فى جلستهِ
وأمسك بكنّارة يعقوبَ
وراح يعزف أناشيد السلام
والمحبة !
ويغنى لامرأة العزيز أغنياته المفضلة
عن الربّ ذاتهِ
حتى راحت الأشجار تصطف فى الشوارع وتتمايل على الطرقات
لتسمع غناء يوسف
وأخذت العصافير تعيد توزيع جغرافياتها
فيما راح الفلاحون
يجمعون الحنطة والزيت
من على ضفات الأنهار
ويكتبون تواريخ الرغبةِ
وبلا أدنى خوف
لا من آلهة منف
ولا من كهنة آمون
وسارت سفينة الرب العامرة
فى كل الجهات
وأشرق النور على كل شىءٍ
فيما راحت امرأةُ العزيز ترقص عاريةً
أمام كنّارات يعقوب
حتى سالت أنهار اللذةِ فى الشوارعِ
وأخذ فوطيفا رع كل ذكرياتهِ عن الربّ
إلى منفاهُ الإختيارى
ومازالت الصلوات تتردد حتى الآن
على جدران المعابد
وكل أحجار مصر
وحتى مواويل الفلّاحات.
رجل ذو مزايا مزدوجة
أنا رجل ذو مزايا مزدوجة
تقول لى امرأة ما أحبك
فأذهب إلى البنك لأسال عن سعر الفائدةِ
يقول لى رجل ما أين هو الطريق إلى Down Town
فأقوده فوق دراجةٍ هوائيةٍ
إلى عتبات المقابرِ
وتقول لى فتاة صغيرة كيف تُكتب الألف
إلى جنب الياءِ
فأغنى لها أغنية ماركس عن الطفولةِ المفقودةِ
وأقعد تحت تكعيبة عنبٍ
وأجز رقبة خنفساءٍ
جاحدةٍ
فى الصباح
أذهب إلى حلّاق الصحة العمومية
فأكتشف أن أمى قد عادت من القبر
فى زيها الجديد
وهى تحدثنى عن بنات الحور
وعن القمر المسحورِ
وعن الجنيه الذهبى الذى كانت قد خبأته لى
هناك فى حفرةِ عميقة تحت بئر السلمِ
لكى يظل كنزاً مخفياً إلى الأبدِ
أحاول أن اكتب قصيدةً عن المرأةِ التى أحبها
فإذا بالشارع الذى أسير فيهِ
يتشقق وبضراوةٍ
ويأخذ فى الإبتعادِ عنى
وينفجر الرصيف كله بالضحك
وتتطاير النوافذ من الشبابيكِ
أرجوكم
قولوا لى
ما هو الفصل الأخير فى هذه المسرحيةِ القذرة
وقبل أن أصل إلى بوابة
العدم !!
من يبحر معى إلى الشاطىء الآخر
من يبجرُ معى إلى الشاطىء الآخر
وقبل أن يعود الفجر من رحلتهِ
النهارية
هناك على الشاطىء الآخر
من يبحرُ معى إلى الشاطىء الآخرِ
وهو يعرف أى شىءٍ
عن صانع التوابيتِ الأمهرِ
ومغنى الأوبرا الضريرِ
وعازف الجيتار الأخير
فى مملكة النمل هذه
من يبحر معى إلى الشاطىء الآخر
- وقبل أن يصيح الديك ثلاث مراتٍ –
لنجلبَ معاً ومن هناك
ثمرةً واحدةً
كان قد نسيها الربّ قبل ألف سنةٍ
وفوق إحدى الطرق
ولاتزال هناك
لتؤرخ لرجلٍ وامرأةٍ كانا قد تركها هناك
لتجف وحتى لايأكلها الدود
وإذ يعودان فى يوم البعث يجلسان تحت تلك الشجرة ويتناولانها كطعام إفطارٍ
أو كراسة ذكريات.
جغرافية اللازمان
أنا شاعر كلاسيكى بامتياز
أحياناً ما أذهب إلى البحرِ
لأبحث عن فراشةٍ ضالةٍ
أو صنارةٍ مكسورةٍ وخاليةٍ من الوهمِ والتخيلاتِ
لأصطاد بها السماء وهى تنكمش من البردِ الخالصِ
أحياناً ما أقول لنفسى
فى الربيع تخضرُّهذه الشجرةُ
وفى الشتاء تنكمش على نفسها
ولا تفكر فى الزمن
أو الساعاتِ
سوى حسراتها المتعددةِ
عن غيبة الشمس
آه
أنا شاعر أحمق بامتياز
دائماً ما أفكر فى كتابة القصائد
التى لاتعرف أى شىءٍ
عن الآب
والإبن
والروح القدس
أو عودة الروح
لا تعرف أى شىءٍ
عن لوحات بيكاسو
أو النشيد العام لبابلو نيرودا
أو كسارة البندق
أو العشاء الأخير للسيد المسيح
إن كان حقيقياً
أو غير حقيقى
ما إذا كان جيفارا قد مات مقتولاً بالسمِّ
أم بفعل المخابرات الأمريكية بالفعل
أو بواسطة راعى الأغنامَ الأحمق
وهو الذى كان يدافع دائماً عن الفقراءِ
ستون عاماً من كتابة القصائدِ
ولاشىء
سوى كومةٍ من الأنقاض الراسخةِ والخسارات
تحت أرصفة التاريخ اللاإنسانىّ
وأزمة الإقتصاد الكونى
وحشرجات رأس المال
فى الزكائب الكوكبية للخراءِ
كل هذه القصائد !!
ومازال المعرى يسكن فى معرّةِ النعمان
التى يقصفها الأمريكان بالقنابل العنقوديةِ فى كل ليلةٍ
والروس يدهسون فوق أحشائها
بالدباباتِ
ورجال داعش يبحثون عن مقبرته
لكى يمثلوا بجثتهِ
ومازال ابن عربى يتوضأ تحت جبل
قاسيون فى الصالحية
ويعيد ترتيب أوراق فتوحاتهِ
المكية
وغير المكية
وينتظر أن يرى الله جهرةً
أو من وراء حجاب !!
تعالوا إذن أيها الشعراء
لنضع كل هذه القصائد الملوثةِ
وغير الملوثةِ
تحت عجلات القطار الدولى السريعِ
للإنسانية الرثةِ
أو الإنسانية المعطلة لافرق
أو نرصها هناك فى الرّبع الخالى
لعلها تبيض وتفقس فى العراء الطلق
تماماً
وكما كان يفعل أنبياء العهد القديم
على حدودِ جغرافيةِ اللازمان
واللامكان.
رحلة المجوس الثلاثة
حينما رأى المجوس الثلاثة علامات السيد
- الذى يمشى على الماءِ
ويطعم خبزه للفقراءِ
ويتخلى عن آنية الجسد
وكافة مباخره
كما يتخلى تماماً عن الذهب
والفضة –
إلا وقال الأولُ
أنا سأتبع السيد إلى حدودِ مملكة الربّ العاليةِ الرنّانة هذه
أنا لم أعد أطيق كل هذا العالم بكل ما فيه
من جناتٍ
وعيونٍ
وخمرةٍ لذهٍ للشاربين
ونساءٍ مغوياتٍ لا يتوقفن عن صنعِ اللذةِ
وإغواءِ الجسد
أنا لم أعد أفكر فى الموت
ولا حتى فى زوجتى العاقر العقيم
خذوا كل شىء من على مائدتىْ
فلم يعد يعنينى العالم فى شىء
إذ ذاك قال الثانى وهو يترنحُ
وأنا رأيت السيد فى الحلم
وهو يطوف حول السموات السبعِ
بأرجوحةٍ من نارٍ
وتحيط به كافة النجوم
وتصطف الملائكة فى انتظاره
وهو يطعم خبزه للفقراءِ
ويلملم جراح المعوزين
ويضع حول وسطه حزاماً من النار
ويمشى على الشوك
ويبرىء الأكمه
والأبرصَ
ويحي الموتى
وهناك
وفوق بحيرة طبرية
أما الثالث فأخذ يمسح العرق عن جبينهِ
وقال وهو يدعك عينيهِ وكأنه فى حلمٍ
وهو يريد أن – يتأكد من يقظته أو يبحث عن الحقيقةِ
فقال
يوماً ما قالت لى أمى
ذات مرةٍ ما سوف تصادف فى هذا العالمِ
رجلاً ليس من هذا العالم فى شىءٍ
له عينانِ
وويدانِ
وقلب
يضحك فتضحك السماءْ
يبكى فيبتل عرق الأرض
يضع يده على الأعمى فيبصر
ويطبطب على المجذومين ليصبحوا أصحاء
وأنا أيضاً
لم أعد أطيق هذا العالم
ما معنى أن نأتى لتموت
أن نولد ولا نعرف أى شىء عن المحبةِ
نبحث عن المحبة فلا نجدها
وكأننا نبحث عن سرابٍ ببقيعةٍ يحسبه الظمآن
ماءً
سرقنا خبز الفقراء من سلة الغلال
واسترحنا إلى الظلمةِ
ومشينا فى الطرق الموحلةِ والملآنة بالظلم والقسوةِ
كنا خدماً للجبابرةِ
واللصوص
هللنا للظلم طيلة الليل والنهارْ
صفقنا للدم الذى يسيل فى السكك
ويسيل على الأرضِ للركب
والمحصلة دائما لاشىء
والعالم بلا هدف أكيد
أنا سوف ........
سأتخلى عن جسدى الذى سوف يأكله الدود
سأستغنى عن كل آنيتى
عن اللذةِ
وكل شهوة الجسد
لأبحث عن الروح فى الطين
سأترك جسد امرأتىْ
ذهب أرضى سوف يكون
لنعليه الصقيلتين
أنا
شمس أيامى مجرد سراب فى غاباته الشاسعة
ماذا أفعل أنا بكل جواميسى
وحصاد أرضىْ
بكل أغنامى
وأبقارى
بكل كيزان الذرةِ
وآلاف الأطنان من القمحِ
والشعير
فى قلب كل تلك الغيطانِ
إذ ذاك
كان السيد واقفاً على الجلجثةِ وهو يضحك
ويطبطب بعينيه المجلجلتينِ
والممتلئتين بالمحبةِ
والسلام
على المجوسيين الثلاثةِ
وهو يقول لهمْ
طوبى لكم أيها العارفون بالقلب
طوبى لكل من قال من القلب
أنا لك أيها الجالس هناك على العرشِ
بمفردك
عامرة هى الأرض بالربّ
وكما هى السماء بالضوء
أنتم ملح الأرض
اتركوا العالم وراءكمْ
حتى أنا
انزلوا إلى أغوار العالم حيث يسكن الربّ
فوق الشوك
كما يمشى على الماء
كونوا مثل عصافير الغاب تقطع السماءِ
من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق
وهى ترفرف بجناحيها الزاهيتينِ
وتحت كافة اللغات.
سدوم
ألأجل كل ذلك ذهب الرب إلى سدوم
فى تلك الليلة
وأخذ يطرق على الأبوابِ والبيوت الواحدة تلو الأخرى
ولما لم يجد – هناك – أحداً يردّ عليه
أو يطل من النافذةِ
أخذ ينفخ فى البوق
وراح ينفث رماد أيامه ودخان لياليهِ
على الطرقاتِ والسكك
لماذا لاتردون علىّ يا أهل سدوم
أنا العاصفة التى تمشى على الطرقات
أنا البحر
وأنا اليابسة
أنا نافخ البوق الأبدى حتى على المقابرْ
أنا الذى أجعل الشمس تشرق عليكم
حتى من الغرب
إذ أنفخ فى الصخر يتشقق
وتخرج منه الأنهار
ويتفجر منه الماءْ
أنا زارع الشوك
والوردْ
وأنتم هناك تعجنون أجسادكم
بأجسادكم
وترتكبون كافة المعاصى والآثام
كم من مرةٍ ناديت عليكم ياأهل سدوم
بأعلى صوتىْ
ولا أحد هناك ليردّ
بنيت لكم مدينتكمْ المترامية الأطراف هذه
- فى قلب الصحراوات -
بيدين قويتين
وقلب كله رحمةْ
فماذا فعلتم أنتم أيها الجبابرة الطغاة
أيتها الوحوش البرية
التى لا تعرف غير نقانق الجسد
وشراشيب الجنس
وخرائط المثلية
وأنا الذى عجنت أجسادكم بيدى هاتين
وجعلتكمْ مثل عصافير البر الملونة
فى قمصانكمْ
نساءكم حرث لكمْ
فأتوا حرثكم أنىّ شئتم
فإذا بكم مثليون
وسفلةْ
نساؤكم أكثر شهوة من الرجال
أكثر رغبةً من الحيوانات ذاتها
تحولتم إلى وحوش البرّ
وحيوانات الغاب
أنا
سوف أحرق مدينتكمْ هذه
وبنفخةٍ واحدةٍ من البوق
وسوف أحولكم إلى ذرّاتٍ
وغبار على السكك
وهنا
نفخ الربّ فى البوق نفخةً واحدةً
فتحولت كل سدوم
إلى أنقاض
وجزازات
وامتلأت الأنهار بالجثث
إلى أن اكتظت بحيرة طبرية
بالدم
والصراصير.
ليتنى
ليتنى كنت حجراً فى الغسق
إذاً
لم أكن لأتوقف طويلاً أمام جدول الضرب
وعمليات الطرح والقسمة
أو حساب المثلثاتِ
ولم أكن لأعبأ حتى بقانون الجاذبية الأرضيةِ
ولا بقانون النسبية
وحركة الكواكب
والنجومْ
ولم يكن ليعنينى ماركس فى شىءٍ
ولا ماورائيات السيد هيجل
ولم أكن لأعبأ لا بحكايات قنصوة الغورى
ولا بصلاح الدين الأيوبى
والحروب الصليبية
ولم أكن لأنظر إلى التواريخ الإليكترونية المكتوبة
على جلد الأغنام
وعظام الديناصورات
وعلى رقائق الألواح السومرية
تحت أسوارِ بابل
وآشور
فقط
كنت سأكتفى بالمراقبةِ
وأنا أضع الزمن تحت رأسى كالمخداتِ
أو مثل نملةٍ مقلوبةٍ
وأنام هناك للأبد
وبلاصلاحياتٍ
أو حتى أحلام
تأتى
وتذهب
وأنا غارق هنا فى الوحل.
فنتازيا
يوماً ما
سألنى أحد أصدقائى المهملين
وبعد ان دحنا سوياً عدة أحجار من الشيشةِ
على الرصيف
ماذا تفعل بعد الموت؟
الحق أقول لكمْ !!
أنا تركت حقائبى الملآنة بالأساطير
والخرافات
هناك على الأرض
وكذلك سلة خبزى وضعتها
تحت طاولة الأغنام
وتركت كافة أشعارى ترعى فى السكك
مثل الماشية
ولا تجد من يسأل عنها
أنا المكتوب فى دفاتر الغيبة
والمسجل الخطر دائماً فى دفاتر الربّ
والحاضر الأبدى فى دفاتر التراجيديا الإنسانية
دراجتى البخارية سوف أتركها لكم هناك لتجفّ
على الرصيف
مركونةً
ومعطلةً
ربما يطعمها أحدكم رغيف خبزٍ ناشفٍ
أو يمسك بمقودها
ويسوقها إلى سوق الخردةِ
وتجار الروبابيكيا
أو ربما يعلمها أحدكم كيف تصعد
وتهبط وتسير لوحدها على المنحدراتِ
والمطباتِ
وكيف تبحث لنفسها عن مأوى
لتطرق بنفسها بوابة السماء
العليمة
تركت لكمْ أوردة روحى فوق حبل غسيل
وكذلك كافة ذكرياتى الميتة
عن الأنطولوجيات البلهارسية
وكتاب المحو
والصحو
وكتاب المواقف والمخاطبات
وكل دواوين الحلاج
وكافة أسئلة ابن رشد
تحت شجرة سنطى الوحيدة
وتركت لكم
كافة خيالاتى المرعبة عن الحرب العالمية الأولى
وأكداس الجثث والجماجم
تحت سقالة الخوف المرنَّةِ
أنا
تركت لكم كذلك كل شىء
من أجل أن أسند رأسى إلى حائط الأبدية
الضخم
وأتناول طعام إفطارى
مع سلفادور دالى
وأمام عربة كانط المحملة بالأخطاء
دائماً
وربما يأتى السيد هيجل – وهو مكفهرُ الوجه
ومنزعج الخاطر تماماً –
ليقص علينا بعض حكاياتهِ
عن الذاتِ
والآخر
عن المرئى واللامرئى فى هذا العالمِ
إلى أن تطلع الشمس من مغربها
- على درب التبانة -
ويكون لنا طريق آخر لنسير فيهِ
وبعيداً
عن كل حرائق العدم الراسخة هذه
ألم أقل لكم – وأنا خالى الوفاض تماماً من كل شئ–
أنا تركت لكم بما يكفى على الأرض
كل ذلك
من أجل أن تدور الدورة الدموية
من الأزل
إلى الأبد
مرة واحدةً وفى أقل من ثانية واحدة
وها أنذا أرتق بنطالى المملوء بالدماملِ
والخيبات
بإحدى الدبابيس التى كانت قد تركتها
لنا المقتولة هيباتيا
فى ركنٍ خربٍ
تحت منارة الإسكندرية
وفوق جزيرة قاروس هذه
آهِ
فليفتحوا لى الطريق إلى واقع آخر
إلى واقع أقل قسوة من هذا
الواقعِ
حتى أعود إلى كامل إنسانيتى
وبلا تكلفةٍ.
فقط حاول
فقط حاول
حاول أن لاتتكلم إلى الليل وبصوتٍ عالٍ
فيسمعك الجيران و تراقبك الجدران
والحرس الثورى
وتضحك منك النوافذ
والأبنية المجاورة
ويخرج لك سمك الماء الأعرج لسانَه
وصناراتهِ
حاول أن لا تنظر إلى ساعة الحائط هذه
وفى وقت متأخرٍ من الليلِ
فماذا يفيدك الوقت
إذا كان هذا الزمن قد مرّ من قبل
وعلى نفس الدكك التى تقعد عليها
ونفس الأرصفة التى تتآكل
من المشى
هى هى نفس تكتكة الساعات
فى نفس الأمس
ونفس اليوم
وغداً
أو بعد غدٍ
سوف نكون فى لاشىء
لاشىء
هنا
أو هناك
فلماذا نحلم بالغد وهو أقل انسانيةً
من اليوم
العالم قنبلة موقوتة
وسوف تنفجر فى أية لحظة
هنا فى الدماغِ
أو تحت السرير الذى ترقد عليه
وبعدها لاشىء
الخبز والكلام
النبيذ والغسق
الحرية
والحق
والعدالة
كلها كلمات
السلام اللامجدى
للإنسانية المعطلة على الرف كتذكار
أخير
لضحكة الأصابع
ثمة أرانب وتصرخ بضراوة تحت الشمس
ولازالت حدقة الصخر
تنقِّبُ عن الجذر
وهاهى الحياة رحلة مكوكية
وتمتلىء بالضجر
من لحظة الميلاد وحتى لحظة الموت
كل شىء يسكن هناك فى القاع
باستثناء ذكرياتنا المملحة
عن الأمل
وعنابرِ الموتى.
ترتيلة
السلام لكِ يامريمُ
فى كل لحظةٍ من لحظات ضجرك المقدسة
تركتِ ابنك الوحيد هناك على الصليب
ورحتِ تنشدين لأيائل الرخام
والفحمْ
عن قسوةِ العالم
وظلمِ الرعاةِ
وهاهوذا
يقف وحيداً على الجلجثةِ
ولايعير سمعه لليل
ولابصره لحقيقة النهارْ
فقط فى حقيبتهِ التى تغصُّ بالجماجم
والدمْ
وقف يرتلُ عن الآب والإلهِ
عن العالم الذى يمتلىء بالشرِ
ويترك جسدهُ ذبيحةً
لسكاكين الغزاة.
ترى كم مرة نمت على الأرصفة
ترى
كم مرةً نمت على الأرصفةِ
وأنا أمدّ ذراعىّ للفراغ الضخم
وسكاكين الوحدَة
وأشرب من حليب اللامعنى الساخنِ
كم مرةً قلت أسافرُ بمفردى إلى هذا المكانِ
أو ذاك
ولم تأت أبداً
لاقطارات الضواحى
ولا أتوبيسات الجنة الموعودة
او حتى عربة إسعاف واحدة
فقط
ظللت أنتظر النهارَ فى الليل
وأحدق إلى الليل بعيونه الفولاذية
من تحت عقارب الساعات
ولما أصابنى اليأس من كثرة النعاس
أخذت الماندولين العتيق
لامرأةِ يوحنا المعمدانِ
ورحت أعزف اللحن الأخير
لجسد سالومى النفاذ
كل ذلك
فوق وحل الطرقات
وعشش الصفيح
والطين
ولم أفكر ولا فى لحظة واحدةٍ
لا فى هيرويا الشرموطة
ولا فى دير الرّاعى الصالحِ
ولا فى ماذا قال بارامنيدس
فى اللحظات الأخيرة وهو يطل من شرفتهِ العتيدة
على الرباعيات الأربع لـ . ت .إس إليوت
والنشيد الأخير
لباراباس
فى شوارع القدس العتيقة
والتى تنتظر الرب بأسىٍ بالغٍ
ومنذ أن صاح الديك ثلاث مراتٍ
على الأقل !!
أغنية البومة العمياء
نعرف أننا سنموت
وسوف نواجه ذلك الخفاش الأكبر
هنا
أو هناك
فوق هذه الطاولةِ
أو خلف تلك البنايةِ المهجورة
ولكن لن نعبأ بأى شىءٍ
وكل شىء
كل منا سوف يجرّ عربته المعطوبة خلف ظهره
والمكدسة بالزمن
دائماً
دائماً
مايأتى العدم – وفى جوفهِ الأزرق
حوت بحجم العالم –
ولكن بلا عينين
وبلا يدين
أو حتى قلب
فقط
هى المكنسة الكهربائية
التى تزيل كل هذه البقع الشمسية
اللا إنسانية
من هنا أو هناك
من هذا العالمِ
ولن يتبقى هنالك تحت هذه القبةِ أو على الطاولة
سوى صوت الغربان
والأغنية الوحيده للبومةِ
العمياءْ.
مثل جزيرة مهجورة
لماذا لم يعد قلبى مكدساً
بالأحلام
والصور
وكما كان ماقبل؟!
كنت ألمّ الوسائد أقصد وسائد القش والتبن
من قاعة الفرن
فأرى أن الله يحيط بكل شئ
بدءاً من حبة الذرة فى الحقل
وأنتهاءً برغيف الخبر الجاف
الآن
صار قلبى يابسا
وكأنما أنا مركب مقطوع الأنفاس
وملقى به على ظهر السكك
ولا يعشش فيه سوى الغربان
والصراصير
ونعيق البوم
والشكل الكامل لمحلات الجزارة
الإنسانية
ما الذى جعل قبلى فارغاً
وإلى هذا الحد
هل هو الوعى الكونى باللاشئ
وماذا عن اللاوعى الغارق فى مؤحرة الرأس
مثل جزيرةٍ مهجورةٍ
والذى يكتظُ بالخيالات
والصور
وبقية القصائد اللامرئية
فوق غرف الزمن الأطلس
لقد صار قلبى قابلاً كل صورة
فقط
أتذكر حصار الحوائط الغائبة عن الوعى
وكل تلك الغرفِ المقبضةِ
فوق تلال اللامعنى
وغناء أمى العنيد
تحت بئر السلم
فأنام على الرصيف المناوئ
وأنتظر الشمس أن تبكىْ.
هو لدرلن
في طفولته
أخذ يجرجر القمرمن رقبتةِ إلى المستنقعات الجافةِ
وحدائق الزيتون
ويذهب به بعيداً إلى كافة الأودية والمنافى
وكل تلك المستنقعات
لدرجة أنه فصّلَ له حذاءً على مقاسه
وبضع كوكيبات لينزل عليها
وعندما يريد أن يستريح من وعثاءِ
الطريق وقلة الزاد
وقميصاً من اللازورد المخدوش بالحناء
لكى يضعه تحت مخداته فى الليل
إذا أراد أن ينعسَ أو يشعل غليونه
أو يدخن الماريجوانا
أو يجلس قليلاً فوق سطح الكرة الأرضيةِ أوإذا أراد أن يلتقط صورة تذكارية
للشك
واليقين
فى شبابه أغرته أمرأة وحيدة
كانت تسكن في قصرها المينف
وهى تكشف له عن عجينة السُرةِ
وغرائبية ما بين الفخدين اللدنين
إلى أن انهار تماماً
فوق عتبة غرفتهِ الضيقةِ المظلمةِ
وماعاد يدرك الفرق مابين الشرق أو الغرب
ولاأين يسكن الشمال
أو أين يقيمُ الجنوب فى هذه المعمورة الشاسعةِ
ولا
ماإذا كان ما يراه هو الحقيقة بعينها
أم هو الوهم فى حد ذاتهِ
فى شيخوختهِ
ركن كل شئ خلف الحوائط
المعلقة بالقش
والذكريات
وراحَ يصعد إلى قمة الجبل
جبل أثوس المقدس
ومثل ناسك بوذى
راحَ يغنى بضراوةٍ
فوق حرائق فرانكفوت
عن الله الواحد والمتعدَّد
الذى يحيط بالكون من كل اتجاه
وحتى هذه اللحظة لم يتوقف عن الغناء قطّ
والتوبة عن كتابةِ الشعر.
الحياة التى تنأى عن الوعى
هل هو إحساس بالتعب
أم هو مجرد إحساس بالحياة فقط
الحياة التى تولد فى الرأس
وتنتهى فى المؤخرةِ
الحياة التى تنأى عن الوعى
وتتركز فى المخيلةِ
والإستراتيجيات
وكل ماله علاقة بهذا الكون المريع
الحياة التى لا تعرف معنى السؤال
ولاماهى حقيقة الشك
وماذا عن اليقين ذى التفرعات
الذى يتخبأ تحت شجرة بازلاء أو بين ثديىْ امرأةٍ شرموطةٍ
لماذا أشعر أننى لا أعيش فى هذا العالم فقط
وأنه ثمة عوالم أخرى ولا مرئية
وتتنطط حوالىّ
من كل اتجاهٍ
وأننى مجرد جوال من خراء فقط
ويمشى على قدمين
حافيتين
ويدحرج الريح بقدميهِ
ولا يقرر النظر لا إلى أعلى
أو إلى أسفل !
هل هو إحساس بالتعب فقط
أم مجرد إحساس بالحياة لاغير
مجرد التفكير فى الحياة
يصيبنى باليأس
مما يعنى أن الحياة غير موجودةٍ بالفعل
وأننا مجموعة من قطع الشطرنج
يحركها لاعب ضرير
فوق دكة خشبية مخلّعة
أو قطع من الكلاب الضالة
فوق حصيرة الكرة الأرضية
وبامتياز
إلى أن نسقط فى هوةٍ مرعبةٍ
وبلا قاعٍ
نعم
هو إحساس بالحياة فقط
وليست الحياة فى ذاتها
وفى كامل هيكلها الضخم
الذى يولد فى الرأس
وينتهى عند المؤخرة
فقط
لأننا نلبس قمصاناً مزورة
وأحذية جديرةً بالمساميرِ
ومظلات تثقب جلد الهواءِ
وتخبىء عين الشمس
أم لأننا نبحث عن الزمن فى صفيحة
زبالةٍ
يحرسها رجال القانون الدولى
ويقف لها رجال الشرطة بالمِرصاد
لالشىء
إلا لنذهب إلى الربّ
وفى نهاية المطاف
ونحن محملون بالخطايا
والآثام
الحياة الخطأ فى ذاتها
والحياة الضرورة
الحياة البلامعنى خالص
والحياة الوسخة
هل هو إحساس بالحياة فقط
أم بالموت وفى نفس اللحظة.
دارنا فى الليل
دخلت إلى دارنا فى الليل
تلك الدار التى ولدت فيها فوق كومة من القش
وفى قاعة التبن تماماً
وكما ولد السيد المسيح من قبلُ
بلا إشارات
أو حتى تنبيهاتٍ
وقبل أن يصيح الديك ثلاث مرات على الأقل
وفى نفس الساعة
الآن
تغيرت العوالم
وتغير كل شىء
الجدران ابتكرت حكاياتها
وطلمبة الماء تعطلت
وشاخت
ولم يعد لها من صلة بالأرض
والسلالم تكومت على بعضها
حتى مخزن الغلال أصبح خاوياً
على عروشهِ
ولم يعد فيهِ أى شىء سوى فاتورة ملقاة
على الأرض
لجامع الضرائب
الملتحم الجثة وصاحب العوينات
ومثل سيمفونية منسية على النوارج
كانت طفولتى فى تلك الدار
وأنا كنت أطارد الأحلام فى السكك
وأرعى الجواميس
وأجلس الشمس فى حظيرة جانبية
ريثما تجف سراويلى
وفى الليل
أجلب إلى القمر قليلاً من الماء
وأنا أسمع حكايات الجدّاتِ
والعجائز
ولم أكن لأعبأ لا بالقبر
ولا بالخطابات الموتورة ِ عن الملكين الموكلين
بى كالعادة
وفى الصباح
كنت أذهب إلى الحقل
وأنا أجرّ البقر والجواميس خلف ظهرى
المتسخ بالطين
وبقايا الأشجار
وأحمل فوق ظهرى صنارة السمك
الوحيدة فى القرية
وأبى ماكان يسمع لى
ماكان يستمع سوى لغناء عصافيرهِ فى المخيلة
وبذور أرضهِ
وهو يغنى أغنيته الوحيدةَ خلف محراثهِ القديم
بقرتان تعلكان القش
وامرأة تراوده عن نفسها فى الحقلِ
تحت شمس تتأهب للزوال فجأةِّ
الآن
وأنا أركن قلبى إلى غرف الدار
وأبص من النافذةِ المفتوحة على الشارعِ
وأتذكر أمى
وهى تحلب الجاموس و تغنى لطفلها الرضيعِ
تحت عتبة الدار
والذى سوف يصبح يوماً ما
أضحوكة العالم
وهو يكتب القصائد المبعثرة فوق أوراقه القديمة
وبلا حوارى واحدٍ
أو حتى باراباسٍ أجير
الآن إذن
علىّ أن أُنزلَ القطار اللا إرادى
للذاكرة إلى مزبلة التاريخ .
أنا لامأوى لى
آه
يا ويحى
وأنا أق عجلاتى المتوقفة هناك
على ساحل الذاكرةِ
وأضح يدىّ فى جيبى
لأعيد تصاميم كل هذه الخرائط الخربة
لهذا العالم
وكافة الكوابيس
وكل تلك الأبنية الخربة والمسكونة بالوطاويط
هناك – وفوق كل هذه الكرةِ الأرضية -
لامأوى لىْ
سوى حديقة السائل المنوى
ومراياى الزائفة
على جدران الأساطير.
حلم بغيض
أنا لا أعرف بالضبط من الذى ألقى بى إلى هذا العالم
وفى قلب سلة المهملات الوسخةِ هذه
ياله من حلم بغيضٍ
ومزعج
فجأةً
وجدتنى أذهب إلى المدرسة الإبتدائية
وأجلس فى الفصل – مثل تلميذٍ بليدٍ -
وقبل الذهاب إلى المدرسة كنتُ أمصّ ثدىّ أمى
وكانت الشمس تتسلل إلىّ من غرفةٍ جانبيةٍ
رأيت أشباحاً ونجوماً
عفاريتَ يتشحون باللونٍ الأبيضِ
وهم يخرجون من المقابرِ الجماعية
رأيت أشجاراً اصطناعية
ووطاويطَ
ولم أعرف يومها هل كنت أحلمُ
هل كنت أحلم بالعودة إلى المحيط
الباسيفيكى أم إلى صدر أمى الغارقِ فى التهيؤاتِ
وجدتنى فجأةً أذهب إلى الحقل لألتقط فراشات الحميض
أو لأجمع الكثير الكثير من الحطب الجاف
كان كل ظهرى ينحنى على خرائبى
والسماء
تتكوم فى الترعة مثل أرجوحةٍ تحت رجلىّ
الترعة التى تمتلىء بالدودِ والمش
وأنا عارياً
كنت أنزل إلى النهرْ
مؤخرتى مكشوفة للشمسِ والغيومْ
وأنا أضع مؤخرة جلبابى المتسخ
بالجلة والروث الجاف فى فمى
كعلامةٍ أكيدةٍ على الخلاص
وكما فعل السيد المسيح بالزيت
لالشىء إلا لأصطاد السمكة بالشصِّ
أو لأبحث عن باذنجانة عفا عليها الزمن
تحت أرجل القطط والخنافس
قالوا لى لابد أن تتعلم
نعم لابد أن تتعلم القراءة والكتابة
لماذا القراءة والكتابة بالذات
سألت أبى وأمى
أبى ضربنى بالجزم حتى طرطش الدم من فمى
وأمى جرجرتنى من رأسى
مثل كلب هاربٍ
وفى الغيطان
فى المدرسة وجدت الأشجار مقلوبةً
وهى تطلّ على الحوش والعيالِ
وجدت مدرس الفصل ذى العوينات
و يجلب معه عدة أكباشٍ
وهو يمص القصب
ويقزقز اللب
قال لى ماذا تريد أن تكون
هلى تريد أن تكون جامع محارات
أو حارس مقابر
قلت أريد أن أكون صاحب موسيقى
وأذهب إلى غيطان الذرة فى الصباحِ
وبالليل أحمل فوق ظهرى
أجولة الطين
والقمح
وربما أذهب إلى طاحونة القرية
لأخبز رغيفاً لهذه الجميزة
أو لأصنع ساقاً اصطناعية لهذه الوردةِ
قال لى مدرس الفصل
لا ، لا أريدك أن تكون طباخاً
كلا أريدك أن تكون صاحب مقهى
تنظف الإنسكلو بيديات
من خراء داود النبى
وامرأة أوريا الحتى
أما الآن
وبعد مرور أربعين سنه
صار الليل يشبه النهارْ
بلا بنطالٍ
أو حتى أوعية دمويةٍ
والنجوم لامعنى لها سوى فوق كراسة
الإنشاءِ
وجدول الطرح والضرب
أما المحبة فهى موضة قديمة
لكل محاولات بارامنيدس
لتحليل التاريخ النفسى لحضارة الأمم والمعتقلاتِ
أما عن فرويد
فمازال هو الإبن العاق للإله.
أوراق مبعثرة
فى زكيبة الخنازير الوسخة هذه
وضعت أوراقى المبعثرةِ
وكتبى المقدسةِ
وكافة أنبيائى
وقواريرى الفارغةِ
وأسئلتى اللبلاإجابات خالص
ومشيت فى الطرق التى تبدأ من الصفر
وتنتهى بى تحت علامة الإستفهام
أنا
لم أنتظر أبداً كل هذه الأحلام
الأحلام التى تطرق الباب فى ساعة متأخرة
من الليل
وتقف مطرقة الرأس
على عتبة البابْ
فلاهى تريد أن تدخل إلى الفرن لتغتسل أو تتطهر من السّلِ
ولا هى تريد أن تتركنى لأنام
فقط
تدخل إلى دورة المياة
من أجل أن تفرغ كل مافى جعبتها
من خطايا
أو أخطاء
أوربما لتستمع إلى نشرة الأخبار كاملةً
لتعرف حالة الطقس
أو لتتفرجَ على مباراةٍ وديةٍ
بين الله
والشيطان !!
وتتخلص من كافة مابها من وساوس
وتعود لتجلس على الشرفةِ
ربما
لتبدأ فى عزف سيمفونيةٍ غرائيبيةٍ
عن ملائكة الرب
أوجناته الملآنة بالحليب
والولدانِ المخلدين
وغرف الجنس المزودةِ
بكافة المناطيد
والمفارش
وكؤوس الخمر
أوربما
لتبلل بنطالها الكشميرى الناصعِ
برقائق الردةِ
إلى أن يأتى الصباح المبقع بالمؤامرات
الدولية
والقنابل النووية
والكيماوية
فإذا بها – أقصد كل تلك الأحلام –
تترك كلماتها المبقعة بالدم
على الحائط المكسورِ
على أمل أن تجد جرّة مثقوبةً
لكى تلملم فيها بقايا ذكرياتها المملحة
عن الزمن
ذى الأنياب والأظافر
والحرب الدائرة منذ الأبد إلى الأزل
بين الله من ناحية
والشيطان من ناحية أخرى .
أريد أن أرثى كل شئ
من يقول لهذا الشارع الذى يغص بالجثث
والأفواة اللامجدية
أو كل تلك النملة التى تتنطط على الحيطان توقفى عند هذه الناصية
أو تلك
أنا لم أذهب قطّ إلى المدرسة
ولم أحمل فوق ظهرى سوى كتيبة من الأنبياء
الذين خانوا الربّ عند أول وهلةٍ
لماذا لا يغادرنى صوتك أيتها الآلام الفنطاسية
وأنا هنا غارق فوق هذه الأرض – فى الوحلِ -
أفلى رأسى من كل تلك الكتابات المؤودةِ
عن الفردوس المفقود
وجحيم دانتى
والإخوة كارامازوف
وشجرةِ العائلةِ المقدسةِ
حيث الظلام كتاب مقدس
والغربان تحلّ ضيوفاً بالليل
والنهار
على المكتباتٍ
وصنادل الأطفال
أريد أن أرثى حذائى المخروم وهو يسير فى الشوارع
أريد أن أرثى هذه الوردة وهى تقف حائرةٍ
على بوابات المستشفياتِ
ومرضى الجذام
والسلِ
ولقطاء الشوارع
إلى أن يُلقى بها فى زريبة وسخة
تحت أرجل رجال المباحث الكونفدرالية
أريد أن أرثى كل شىء
بدءاً من مدرسة تلبت أبشيش المشتركة
وحتى كومة السباخ
فى وسط الدار
أنا لا أعرف لحد الآن لماذا نزلت إلى هذا الحقل
من الأشباحِ والخنافسِ الغريرةِ
ولا لماذا تركنى أبى فى عز الليل
وذهب ليتبول وبمفرده بين مقابر القريةِ
ولا لماذا صاحت أمى على الديك ثلاث مراتٍ
- وقبل أن ينزل يسوع المسيح إلى الأرض –
أن توقف أيها الكلب
وقبل أن يصطادك الله بالشص
أو يلقى بك الربّ فى الجُبّ
ولن تجد هناك امرأة العزيز!!
حدث هذا وأنا أنظر إلى السماء
فى ذاكرتى يسكن كل شىء إلى جوار كل شىء
القرش الأسود فى الزمن الأبيض
إلى جوار القرش الأبيض فى الزمن الأسود
الزمن بآلتهِ الضخمةِ
وميكانيكياتهِ
إلى جوار كلبةٍ عجوزْ
لم تكن لتغادر الشارع أبداً
إلا لتلد عند بئر جافةٍ
عدة قطط سوداءْ
وهى تبحث فى كمثرى التوابيت عن فراشة ملونة
لتسكن إلى جوارها فى آخر الليل
أنا
سافرت كثيراً فى السكك
ووحيداً جلست فوق الأنقاض
وعلب الدساتير
ورحت أنظر إلى السماء وأنا فى غاية الدهشة
وأقول لنفسى
علامَ كل هذه المسرحية الفجة
أن ترقد أمك إلى جوارك وعلى نفس الأرض
وأنت لاتعرف أى شىءٍ عن الليل الذى يتنطط فى الخارج
ولا عن النجوم التى تغسل بيوضها فوق حبل غسيل
تُرى
ماذا يفعل الربّ فى هذه الساعة
وأنا أتنشف بالخراء الوسخ لكل هذا العالمِ
قلبى يتحول إلى طبق طائرٍ
وذراعاى لا تتكيفان إلا على منجم العدم
وخرز الديانات
تُرى
لماذا ذهب المسيح وبمفرده إلى أريحا
ولماذا أبيضت عيناه من الحزن
وماذا كان يفعل يعقوب بترسانة المسودات
وسلة الغلال
ولماذا أتى كل هؤلاء اللصوصِ إلى مصر بالذات؟!
سأصنع بمفردى حصاناً خشبياً
وكما كان يفعل دونكيشوت لأعبر المدن والبلدان
بلا غيمة سانشو بانزا
أو قمر سوفوكليس الأخير
دعونى أدلق كل هذه المواعين التى تمتلىء بالخراء
فوق جبل الربّ
هناك فوق طور سيناء
وبالمناسبة
لماذا نزل الربّ فوق طور سيناء بالذات
ولم ينزل فى حديقة من حدائق الأوروجواى
أو دبلن
أو هناك فوق الباسيفيك
هل كان يخاف من البردِ الخالصِ
أم كان يخشى أن يقبض عليه اللصوص
وهو متلبس بممارسة الجنس مع مريم المجدلية
بالمناسبة
أنا صعدت فوق جبل موسى
ورأيت الشمس وهى تتدحرجُ عريانةً
وتخرج من تحت اللحاف
وبعد أن قضت ليلةً هانئة هادئةً
بين أربعة من الرجال
وكانوا يتداولونها مثل كرة قدمٍ
أو مبولةٍ عموميةٍ
لماذا أسير وأنا أصرخ فى السكك والعمارات
أين أنت ياالله
وأنا هنا فوق هذه الأرض
أموت من البرد الخالصِ والخوفِ الخالصِ
ولا أعرف أى شىء عن حقيقة العالم ولاماهو مصيرى
ولماذا جئت بنا إلى هذه الأرض
يايهوه
من أنت
ومن الذى سماك يهوه بالذات
أأنت بهذا الإسم فعلاً
ومنذ أن خلقت العالم
أم أن العالم هو من أعطاك
هذا الإسم
فى السكك تسير الأشباح كالعمارات
وهى تطلق صفارات الإنذار
لتبث نعيبها المرعب ليوم القيامةِ هناك
وعلى الضفة الأخرى من هذا العالمِ
حيث العدالة المنسية
والقانون فى شنط الأمهات والعجائز
وفى قلب دورات المياه العمومية
وهنا
لاتزال السكك الحديدية تضج بالموتى
البعض يأتى من الشرق
والبعض يأتى من الغرب
وعجله الرب الراسخة مازالت تدور
ولاتزال تعمل بكفاءة عشرة عمال
مراحيض
تُرى
من سوف يشعل النار فى كل هذه العجلة
أو يوقف عمل تلك الآلة الميكانيكية
عن العمل
هل هو الرب نفسه
أمُ الشيطان فى الخفاءْ .
الهواء المنسى
لماذا تمرّ كل هذه السنوات من أمامى
مثل ورقةٍ مكرمشةٍ عبر الهواء المنسى
على أسلاك اللاسلكى للعالم
ألأننى ركنتُ ذاكرتى إلى ظهر إمرأةٍ شرموطةٍ
وتركت ثيابى الداخلية – هناك – فى قسم شرطة
الدقى
بينما أوراقى الشخصية تتطاير هنا أو هناك
وفوق كوبرى قصر النيل
وأنا أصرخ خلف امرأة من حدائق القبة
ويقال لها زنوبيا أو هناء المصرى
أن تأتينى بفاكهةٍ
ولحم طير
وأنا أكشف عن سرتها للهواءِ الطلق
وأتأمل برقوق صدرها
وكمثرى جسدها
وأنام فوق فخذها الشهوانى مثل ريشةٍ
وأتطلع إلى عينيها
الأسطوريتين
وأنا أعبث بضراوةِ حمارٍ وحشى
بحلمتىْ الصدر
والتقط ألف صورة وصورة للمؤخرةِ
التى تشبه خزانة الملائكة
وفوق ظهرها المايونيزى
أتوقف
لأستصلح قليلاً من الأرض
التى تعج باللذة.
على سلم الباخرة
فى النهاية
سوف نقف على سلم الباخرة
ليودع كل منا الآخر
وفوق شفتيه ضحكة غامقةْ
ونودع الزمن – هو الآخر –
فوق حقيبةٍ منسيةٍ
أو نتركه هناك
داخل أنبوبة غازٍ مجاورةٍ
والباخرة بنفسها سوف ترحل هى الأخرى
إلى جهةٍ ما
غير معلومةٍ
ربما ينتظرها هناك
قبطان آخر
ليودع الأرصفة
والموانىء
والبر والبحرَ
وتكعيبة العنب
ودوّار العمدة
وكتائب الرخام
والفحم
إلى أن يحل الليل ضيفاً
على سور الأزبكية !!
ماذا تريدين منى أيتها الحياة القذرة بجد
أنا أتيت اليكِ مثل فأر جائع
أوورقةٍ ساقطةٍ
فى خريف مكلومْ
ووقفت هناك على ساحل الذاكرةِ
أراقب طيور النوارس
وهى تعبر من قارةٍ
إلى قارةٍ
ومن سماء مليئة بالطائرات الورقية
والصواريخ عابرة القاراتِ
ومناطيد القتل
والقنص
إلى سماء تتشح بالهواجس
وها أنذا أضع يدى فى جيبى المكلوم
مثل مسافر فى قلب الصحراءِ العمومية للعالم
وليس فى جيبه سوى
سوى الإحساس بالعدمِ
ونشارة الخشبِ
والتبن
ويلقى بأوراقه المتناثرة إلى الريح.
هكذا كانت تقول لى دائماً
إلى وفاء المصرى
إلى وفاء المصرى بالذات!!
هكذا كانت تقول لى دائماً: أحبك
وذات مرة أمسكت بقلم الفحمْ
وكتبت على ساعدى
أحبك أيها المجنون الحالم
بالنبوءات
والخلاص
كلماتك هى الروح
وشمسك تطل علىّ من شرفةٍ عالية
فى الجحيمْ
هل كانت المجدلية أكثر إيماناً منى
وهى تحوط المسيح بجسدها الملآن
بالخمرِ
والشهوةِ
أنا أنتظرك فى كل ليلة تحت القصف المدفعى
لجيوش المخيلةِ
ونوبات الصحوِ
والندم
أنت مصلوب فى هذا العالم مثل المسيح تماماً ياحبيبى
ولكن المسيح قد وجد الرب هنالك ينتظره
وفوق بحيرة طبرية
أما أنت فواسفاه!!
أنا مجدليتك المجنونة
إجلس
إجلس معى على الأرصفةِ
وحدق جيداً إلى البحر الكبير الواسعِ
ليس فى هذا العالم ما يستحق كل هذا العناء
آهِ
نأتى لنموت
وكأننا لم نلبث إلا ساعة من نهارْ
الحياة أكذوبة كبرى ياحبيبى
بقدر ما هى حلم
سوف يأتى غيرنا ليموت
هل هذه هى الحياة يا حبيبى
لا دائم إلا الألم
عندما تخضّرُ هذه الشجرة
عندما تنبت الزهرة ويأخذ الثلج فى الرحيل
والغيوم تبدأ فى الغناء فجأة
عندما تنضج هذه الثمرة
ويحمرّ خلخالى على ساعديك
عندما ينتفض جسمى ويخرج من خلاخيلهِ
سوف تنمحى – من الذاكرة – سعفة البرد هذه
ياحبيبى
وسوف يرقص جسدى الجميل الحلو
مثل فراشة مغسولة
على رمال جسمك الحارّة
أيها البحر اللامنتمى إلا لطبوغرافياتِ جسدى
أضمم يدك على ساعدى
وجسدى
كل جسدى
كل واشرب على أرض روحى الشاسعة
وساعدنى
ساعدنى
على أن لا ألتصق إلابك
دعنى لا أعرف سوى أرضك
وسماواتك
التى تسحرُ اللبْ
كم أنا جائعة إلى رغيف خبزك الحاف
كم أنا ملآنة من نهر مائك المعِينْ
كم هو الليل طويل بدونك ياحبيبى
وكم هى الحياة مؤلمة بدون سماع صوتك
لا تتركنى أمام بابٍ بصنافير
وأمام حبل بمشنقة.
كالعادة
ها أنذا
أجلس بلا عملٍ خالصٍ
ممدداً رجلىّ فى الفراغ الغويطِ
حولى تنقّ الصراصير
وفى الرأس
تسكن جميع الأحلام
والسكك
وأتطلع إلى اللاشىء
وأرنو ببصرى إلى شجرة جلجامش الناشفة
ويرقد عليها غراب حامض
يهلل لسماءٍ لاتتسعُ لصقيع جناحيه
ويرقد على أرضٍ
لايسكنها سوى الموتى
غير أن النوم لايأتى إلا متأخراً كالعادةِ.
فرعون مصر
حين أتى فرعون إلى قومهِ
وقال لهم: أنا ربكم الأعلى
إمتلأت كافة الأودية بالدم
وانطفأت شمس ذلك اليوم
فى زاوية منسية من زوايا الزمن الكئيبْ
وأخذت الأغنام
والماعز
وبنات آوى
والراهبات الجميلات
ورجال الحاشية والدرك
وكافة الوصيفات الفاتنات
ورجال الحرس الثورى
يرددون معاً
نعم
نعم ياسيدناومولانا
أنت ربنا الأعلى !
أنت رب السموات
والأرض
أنت الواحد الأحد
لاتشرق الشمس إلا عندما تشير إليها بأصابعك
ولاينزل المطر إلا بإذنك
أنت ربّ السموات
والأرض
أنت الواحدُ الأحد
لاتشرق الشمس إلا عندما تشير إليها بأصابعك
ولاينزل المطر من السماء إلا حينما تقول للسماء
ياسماءُ أنزلى ماءكِ على الأرض
ولاتحمل النساء إلا عندما تكون أنت
أول من يضاجعهن
أو يفضُّ بكارتهن ليخضرّ الزرع وتنبتُ الحدائق
حتى كيزان الذرة
وسنابل القمح
ماكان يمكن لها أن تزهر فى الحقل
إلا من أجلك أنت
بك أزهر الحقل
ونوّر الرّمانْ
الكل يرقد فى سلام وأمن
لم يعد هناك لص واحد فى الشوارع
حتى الإبل
والأغنام
تذهب فى الصباح إلى مراعيها البعيدة
وعند العشية تعود إلى بيوتها بآمانٍ
وطيبةٍ
إذ ذاك
اعتدل فرعون فى جلستهِ وقال
أيها المصريون التعساء
يا أصحاب الحظ السىء
والأرض الطيبة
الغنية
التى تمتلىء بالذهب والفضة
والأنهار التى تفيض على الشواطىء
والصحراوات
ياتُرى
كم فرعونٍ سوف تعرفون من بعدى
كلهم
كلهم
سوف يقولون لكم نفس الكلمات
بنفس العبارات ونفس اللغةِ
وأنتم أيضاً سوف تقدمون لهم نفس القرابين
والأضاحى
يأتى الزمن ويعود
وأنتم
مثل ماء النيل يأتى ماءُه من السماء
ليصب هناك فى البحر
وأنتم راقدون هناك على الجسورْ
مثل ذباب السكك
وحيوانات الحظائر
وأنتم دبان الأرض
والسماء.
عمل الموسيقى
لم يعد هناك من أحد يسير فى هذه الشوارع
أو تلك
لم تعد تلك النجمة تقف على الشرفة فى آخر الليل
لكى تقول لكل عابر السبيل
لانهرَ هناك فى السماء
ولا جنة هنا علىالأرض
جثث تطفو فوق الماء
وأخرى
تصنعُ مسلاتها
من ورق الخرنفش
تعالوا إذن يارواة الأحاديث والحكايات
لكى نقول لتلك السحلية
التى تعبر من رصيفٍ
إلى رصيف
لماذا توقفتِ عن عمل الموسيقى
ولماذا انبعثت كل تلك الأصوات
الكهرومغناطيسية
من بين كل هذا الجسد المركون
على ساحل التاريخ
الذى يكتظ بالجثث
والتوابيت.
حينما أجلس إلى هذه المنضدة
حينما أجلس إلى هذه المنضدة بالذات
وأرتب أوراقى المتناثرةَ
فى فضاء اللاشىء
لماذا أتذكر عينيك وهما تنزفانِ دما
ويرقص قلبك وحيداً
على الرمل
دعينا إذن أيتها الجميلة الغاوية بالذات
أن نتذوق طعم الموت
بلاخوف من الزمن
أو البحث عن مأوى آخر للروح
ولا نقول لهذا البحر
أو ذاك
أنت مجرد سفينة شراعية مقلوبة
تحت مجرة ٍمحبوسة
بين السماءِ
والأرض
بأى شىء سوف تستقبلنا السماء
وحين نموت
ربما لايكون الربّ جالساً هناك
وعلى نفس مائدتهِ الوثيرةِ
وحوله الحرس الخاص
من حاملى الفئوس
والبلطِ
والمناشير
التى تجز عنق الزمن
وتقطّع الجسد إلى أشلاءِ
وجزازات
ولا حتى ملائكته الشداد الغلاظ
كذلك
ربما يرسل لنا أحدهم كوب ماءٍ لكى نشربَ
أو إحدى بنات الحور
لكى تجتمع بنا على طاولة المفاوضات
والتى لا تخلو عادة من
بعض أرغفة الخبز المحروق
ونباتات الصبير
لكى تقودنا وفى نهاية المطاف
إلى ركن ناءٍ
من أركان الهرمنيوطيقا
إذ ذاك نبدأ فى تدوين بعض المخطوطات
عن حياتنا السالفة الذكر
عن كل تلك الحياة التى تركناها هناك على الأرضِ
ومن غير اكتراثٍ
كى نأخذ فى ترتيل المزامير
التى نسيها الفراعنة هناك
على جدران المعابد
وفوق توابيت الدفن
وعندما نفرغ من كل هذه الطقوس الجنائزية
أو الكهرومغناطيسية
نأخذ فى تدوين سجلاتنا
وأسمائنا
فى صحائف الأمس المنسية
فوق غابة الفخار هذه
ونرتكن إلى حائطٍ ضخمٍ
يقال له الأبدية
مثل أحافير فسفورية
تلك التى تركها لنا الرعاةُ
على قاع صخرةٍ مندلقةٍ
فى عمق البحرْ.
South Gate Alberta
Canada
لم يقل لى أحد ما هى الحياة بصدقٍ
ولا ماذا أفعل عندما أقابل الربّ هناك وبمفردى
على ضفة نهر خائب
أو فوق زكيبةٍ من الجماجم الملونة
عبر خليج البوسفور
أو فوق أريكة من العدم المحض
تُرى
ما الذى ستفعله الفراشات بى
وعندما أموت
أنا
سمعت هذه المرأة تقول لا
وسمعت هذه الوردة تقول لا
سمعت هذه الشجرة تقول لا
وسمعت هذه الشمس تقول لا
سمعت هذه الطفل يقول لا
وسمعت هذه النملة تقول لا
سمعت حتى حارس المقابر يقول لا
وسمعت المقاعد تقول لا
سمعت الجماهير فى الطرقات تقول لا
وسمعت حتى الله نفسه يقول لا
فلم كانت هذه الـ "لا" هى الأساس الفعلى
فى كل هذا العالم
الذى يمتلىء بنواقيس الحظ الأعمى
ألم تكن طنجرة الله واسعةً بما يكفى
لكى تُجمع كل هذه اللاءات فى حظيرة واحدةٍ
أو حتى قفص وحيدٍ
ويلقى بها – كعلف زائدٍ عن الحاجة –
فى زريبة الخنازير
حتى لا تغرق كل الطرقات فى الوحل
ويتحول البحر إلى بحيرةٍ من النيران.
الموت العاهر
يجلس على الرصيف – مثل العاهرة –
ويراقب المارة
قد يركب الأتوبيسات العامة
أو يسافر فى عربات المترو
وفى داخل الطائرات
وقد ينام تحت سقف بيت مهدومٍ
وقد يتخلل عريشة امرأة عمياء
لا تعرف هل طلعت الشمس
أم غاب النهارْ بالفعل
الموت العاهر
لاشكل له
أولون
ولكنه دائماً مايمسك فى يديه بلطةً
وفى فمه غليونَه الضخَم
وهو يدخن سجائرة المحشوة بالزمن
فوق زريبة حيواناتٍ
أو بين عشش الصفيح
فى فمه صفارة صغيرة
مثل لعب الأطفال
أحيانا ما ينام فى الخرائب العامة
وكما ينام فى المستشفيات الحكوميةِ
على كتفه بندقيته المجهزة
بالطلقاتِ
والمسدسات
مرةً
تراه سائراً فى الطريق العام
ومرةً أخرى
يضحك فى الليل مع حراس المقابر
وهو يلعب معهم لعبة الثلاث
ورقات
فهو لايعبأ بالشمسِ
ولابالقمر
لا بالصيف
ولا بالشتاء
هو فقط حيوان الله الأخرق
يزرر سترتَه – المزركشةَ بالمواعين –
على نفسه
ويتلفع بالجماجمِ
ويسير مقهقهاً فى الشوارعِ
من كل تلك الكائنات
التى تسير على قدمين
حافيتين
أو من كل تلك الزواحف
التى تتخبأ بين الشقوق
وعلى الحيطان
إنه الموت الكتانى الأحمر.
الأمل 2
نعم
نعم
سوف أكتب عن الأمل
بيدين لاتعرفان شيئاً عن اليأس
نعم
سوف أكتب عن الأمل بضراوة فراشةٍ
وتعبر المحيطات
بأغنية متراكبة على سقالةِ حديقةٍ
مهجورةٍ
وبنغمة سيمفونية أخيرة
لم يصل إليها أريستو فان
أو سان جون بيرس
فى أغنياته التى تركها هناك على الحوائطِ
فوق جزيرة الشيطان
ولم يفكر فيها أصلاً يوسف
وهو فى حضن امرأةِ
العزيز
وهو يدخن أرجيلته المحشوة
بالأساطير والخرافاتِ
وهو جالس على كل خزائن
الأرض
نعم
نعم
سأكتب عن الأمل بضحكة طفل مناوئ
فى مدرسةٍ إبتدائية
وهو يمسح الحبر من على مريلتهِ
أو يكتب على سبورة الفصل
الأمل هو الربّ ذاته
لا
لاتفتشوا فى خرائب الذاكرة
عن أجولة الملح
ونفوش النشارةِ
فقط
كونوا مثل هذه السماء
ومثل كل تلك الأرض
السماء تمتلىء بالنجوم
والأرض تمتلىء بالحرائق
أيتها الحديقة ما الذى يجعلك تبكين الآن؟!
هل سقطت أوراق الشجر فى النهر
قومى أيتها الطفلة من نومك
فمازال على الفجر بعيد
وانشدى
انشدى لتُخَتِ الفصلِ
ومعلم الحساب
لعنب الأصابع
وتضاريس الميتافيزيقا
خلاص
لم يعد أحد فى هذا العالم يعرف
إن كانت الحقيقة مرمية هنا على الأرض
أم ترقد هناك تحت سُرّة السماءْ
فى قلب هذا الكائن
أو فى قلب تلك الحشرة
الرابضة هناك تحت سفحِ هذا الجبل
لا أمل فى العدل الخالصِ
ولا أمل حتى فى الخلاص أبداً
كويكبات تأتى وتروح
والساعة تتكتك فى ركن خربة من أركان
الذاكرةِ
لا علة
ولا معلول
ولكنه الأمل !!
من يصنع أسطورة تلك الخنفساء فى الليل
ومن يضع إناء الماءِ
إلى جوار مقبرةٍ
جافة
لمَ كل هذه الصلوات إذن
والموتى يذهبون إلى عالم الغيوم
والقمر يفلّى رأسه من الميكروبات
ومازالت سفينة آمون رع
تعبرُ المحيطات
بأشرعةٍ من حمض الأدرينالين
نعم
سأكتب عن الأمل حتى وأنا فى آخر الليل
وأرقب كل تلك السفن العابرة للقارات
وكل تلك القطارات العابرة للفنتازيا
آه
من يوقف ضجيج كل تلك القطارات
التى تقطع المخيلة من أقصى الشرق
إلى أقصى الغرب
ولا تقف لتقول لكم
الوداع
الوداع أيها الموتى!
فراشة الليل
آه
يافراشة الليل
إرقدى إلى جوارى
وعلى نفس الأريكة
التى تمتلىء بالضحكات الميتة
لامرأةٍ ظلت وحيدةً
وتركتنى هناك فى العاصفة
وأنا
أبص إلى الحوائط والجداريات
وأحدق إلى اللاشىء
أنتظرها أن تأتى
فقط أن تفتح الباب
فقط أن تقول لى ولمرةٍ أخيرةٍ
صباح الخير
أيها النائم الأبدى فى مقبرة
التاريخ
أنا تركت لك
ثوبى
وفردتىْ حذائى
وأغنيةً أخيرةً
قد استعرتها من القمر
فى لحظة الأفول
أصابعى هناك فى المطبخ
طعم شفتىّ على الأكوابْ
إبتسامتى خبأتها لك فى حفرةٍ تحت الأرض
عمقها سبعون ذراعاً
يداىَ ممدوتانِ فى عمق السماء
قلبى صار أغنيةً فى فم العصافير
والليل ملاح أهوج
لم أعد أريد أن أشرب من هذه الكأس
أنا فقط
أنام فوق طاولةٍ منسية
لا أحد يزورنى فى الليل
ولا أسمع ولو طرقة واحدة على الباب
ما الذى صنعناه فى عالمنا الزائفِ هذا
لم تكن حياتنا غير حلم طويل
أبى إلا أن يخرج من الذاكرةِ
أو يرقص هناك على الطرقاتِ
سوف أنتظرك
هناك ياحبيبى
إلى أن تأتى
لاتقل شيئاً
عن الغسيل الذى تركته لك فوق الحبال
ولا عن حذائى المثقوب الذى ذهب بمفرده إلى السوق
يسأل بائعة الخضروات عن ثمن رغيف الخبز
ولا عن مرايا الروح التى جفت تحت سقيفة الزمن
سوف أنتظرك إلى أن تأتى
أيها الرفيق
يا شجرة الجميز العتيقة
ملاءاتى هناك
حاول أن تجد لها مكاناً فى صناديق
القمامة
هل يمكن لأحدٍ أن يحنط حياة
الكائنات معلقه فقط فى ماضيها
ولكنها ليست نفسها
على الاطلاق
الأمل
الأمل!!
فى يوم ما
فى يوم ما
وفوق هذه الشجرة بالذات
اجتمعت نملة وعصفورة وفراشة
النملة قالت
أريد أن أذهب إلى البيت بمفردى لكى آكل
وأشرب
وأتغطى كثيراً بالأحلام
وحتى أتخبّأ من كل هذه الرياح
وتكويمات الظلمة
والعصفورة قالت
أريد أن أتنقل من غصن إلى غصن
ومن شجرةٍ إلى شجرةٍ
أنا لست ورقه ساقطة
الحركة أساس الحبْ
والمعرفة أصل هذه الشجرة والفراشة قالت
أنا
سوف أغير ملابسى
وأغنى لكل تلك الأرض
لن يعرف فمى السكوت أبداً
ولن يتوقف أبداً جناحاى
عن الطيران
والسفر
أنا مثل هذه النجومْ
أعبر الزمن والأمكنة
من الشرق إلى الغرب
ومن الغرب إلى الشرق
العالم كله مطوى تحت جناحىّ
أنا ماخلقت للموت
سأظل طائرةً إلى الأبد
خطوى هو الغناء
وشفتاى لم تنضحا سوى بالمحبةِ
يأ أختى النملة
قد كان عمرى قصيراً جداً
ربما
ثانيةً واحدةً
أو عدة أسابيع
ماذا نملك غير ذلك
شاءت الأقدار أن تكونى أنت النملة
وأكون أنا الفراشة
شاءت الأقدار أن تكون هناك
نجمة ما
فى سماءٍ ما
وأن تكون هناك غيمة ما
فوق بحيرةٍ ماٍ
نحن لا نملك أقدارنا يا أختى النملة
من الذى صنع هذه الشجرة وعلى تلك
الشاكلة
ومن الذى اخترع الوردة
وبهذا الشكل بالذات
ولماذا كان لى جناحان
وأنت تسيرين على الأرض
وتفعصك الأقدام
ولماذا أحلق عالياً فى السماء
وأنت تختبئين هناك
تحت الأرض
ألم يحاول موسى النبى فى يوم ما من الأيام
أن يسحق قافلة النملِ
فلماذا إدّاريتِ فى الحفر
وهربتِ من الموت مثل لصٍ خائفٍ
ولماذا كانت أختى العصفورة عصفورةً
ولم تكن جملاً مثلاً
أو حتى أرنباً
أو كوكباً جميلا
حتى مصائرنا تختلف
فالقوة الدافعة للنظر
هى هى نفس القوة الدافعة للفعل الخلّاق
ولا شىء فى هذا العالم
بلا معنى
أليست تصوراتنا عن أنفسنا
هى هى نفس تصورات االله عنا
حين جلس إلى منضدتهِ العتيدة
وراح يخطط
أو يفكر فى صياغة هذا العالم؟!
لا أنا أنت
ولا أنتِ انا
ستظل العصفورة عصفورةً
والنملة نملةً
والفراشة فراشةً
ولماذا كان الذئب ووحش الغاب
ولماذا كانت هناك الحملان والبقر والجاموس
العالم ترتيب غريب يا أختى العصفورة
ولكل قدره
تموت نملة لتولد أخرى
تولد فراشة لتموت أخرى
وهكذا سوف تظل كرّاكه الله تعمل
وبلا نهاية
والعالم كله يدور.
محمد آدم
كندا- إدمنتون
2018
إنتظرينى هناك عند الفجر
إنتظرينى هناك عند الفجر
أو تحت تلك الغيمةِ
وأنا سوف آتى إليك وأنا أحمل فوق رأسى خبزى
وكيس ملحى
وشجرتىْ حِنَّاءٍ
وسوف أقرأ للقمرِ الضريرِ بعض أغنياتكِ
التى تركتها لى فوق المقبرة
وربما، أُجلسُ النجوم على ركبتيكِ
وأنا أحدّق طويلاً طويلاً إلى عينيكِ السيدتينِ
اللتين تمتلآن بالدموعِ وغرفِ الذكريات وتماثيلِ الصور
وتغرغران على ساحلِ الأفقِ
إنتظرينى
فأنا – الآخرُ – قد تخففتُ من الزمن المالح
ولم يعد يشغلنى الموت فى شىء
الموت – ذلك الوحش القابع هناك خلف الساعة الإلكترونية للربّ–
بمنجله الضخم
وعينيه الحافيتين اللتين تبكّانِ بالدم والمنجنيز
ذلك الحارس الأبدى لمملكة الربّ
والقابض على أحشاءِ السمواتِ
والأرضِ
إنتظرينى هناك
ياحبيبتى
ياكاملتىْ!!
فأنا قد تخلصت تماماً ونهائياً من فلسفة الوجود والعدم
من البحث عن الزمن الضائع تحت محراثِ الأفلاك
من البحث عن سقراط
وأفلاطون
وفسيفساء إبن رشد
و تخريفاتِ هيجل ذلك القابع الأبدى تحت منجل الجدل العقيم
وهو يفتش فى أوراقهِ
وكراريسهِ
عن حلٍ آخر لمعضلة الوجود والموت
والعالم الآخر
أو
إن كان الله موجوداً أو غير موجودٍ ؟!
إنتظرينى هناك يا حبيبتى ياكاملتىْ
فأنا فعلاً قد تخلصت من كل شىءٍ
- سواكِ أنتِ -
وبقيت أدور فى السكك والشوارع المعتمة كالضالين
وأنا أبحث عن آثار نعليك الكوكبيتينِ
أو عن نسخةٍ أخيرةٍ
من كتابِ أغنياتكِ
وصلواتك
التى تتردَّدُ عبر الجبالِ
والأوديةِ
ومثل سفينةٍ تبحرُ فى أعماق البحار والمحيطات
أفتش عن أثار أنفاسك التى تتنططُ ُعبر الأوديةِ والجبالِ
لماذا تنامين الآن ياحبيبتى ياكاملتىْ
وها قد هاجر الأصدقاء
وآثرت بعض العصافير أن تعيش فى المنفى
واختفت كافة الفراشات
فى الأفقْ
وماتت أمى وحيدةً فى السجن
وها أنذا قد أتيت أخيراً بسلةِ الغلالِ
والخبزِ
وهاهى ذى قنينة الخمر
لم يجف ريقها بعدُ
فلماذا تنامين الآن خلف هذه المقبرةْ؟
ومازال طعم ضحكتك الخضراء يرن فى أوردة روحى
وداخل شرايينى
وهناك فى صحنك الذى يستمر طويلاً على هذه الطاولة وهو يحدق إلى السقف
ولاتزال لغة جسدك هناك تحت مخداتىْ
- وبين أروقة المستشفيات العمومية والكاتدرائيات -
وهى تتسلل إلىّ فى الليل
كما كانت تتسلل إلىّ فى النهار
وهى تتفرع إلى شوارع
ومنحنياتٍ
إلى أشجارِ شاهقةٍ
وبناياتٍ
إلى عناقيد عنبٍ
وعصافير
أنت
أيها الطائر الباذخ تحت السموات
والذى لا ينام إلا على مخدةِ النجومْ
ولايعرف أى شىءٍ عن تصاريف القدر اللعينة
سوى أنه قاتلٌ
ولص !!
الجسد الحقيقى للعالم
تحت عريشةٍ باذخةٍ من القشِ
وخشب السنطِ
والآجّرِ
كان هنالك صيادانِ ماهرانِ وينظران طويلاً إلى البحر وهو بكامل ثيابهِ المنحطةِ
وجميع هيئاتهِ
وبطاطينهِ اللانهائيةِ
ويشيران إلى المراكب الغارقة
والأمواجِ المتلاطمةِ والقاسية هناك تحت القبةِ
وإذ هما يجلسان معاً
ويدخنان الحشيش والماريجوانا
حتى قال أحدهما للآخرِ
كان البحر صاخباً فى هذه الليلة ياصديقى
والأمواج غير مواتيةٍ
وما إن جدّفت عدة أمتار وبعيداً عن الشاطىء
إلا وكان هناك حوت ضخم يريد أن يبتلعنى
أنا والقاربُ
هل تصدق ذلك ياصديقى
لقد هربت من البحر
ومن الحوت
وكررت راجعاً وأنا خالى الوفاض
ولم أصطد ولو حتى صدفة واحدة
هل تصدق ذلك ياصديقى
يدى فارغة
وليس فى جيبى سوى خنفساءِ جاحظةٍ
ماذا سأقول لزوجتى إن هى سألتنى عن رغيف خبز واحد
وكيف أطعم أولادى ؟!
إذ ذاك قال الآخرُ
فى كل يوم نذهب إلى البحرِ ونصطاد السمك والقواقع
وفى كل يوم نذهب إلى الأسواق لنبيعه
فى كل يوم تتكرر هذه الرحلة اللعينة
والتى تبدأ من لحظة الشروقِ
وحتى لحظة الأفولِ
ألاترى – ياصديقى – أننا مثل هذه الأسماك
ثمة صياد ويقف هو الآخر على الشطِّ
وما نحن إلا أسماك وتسبح فى البحر
وفى لحظة ما
سوف نكون أنا وانت مثل هذه السمكة فى الشص
يوماً ما
سوف نبتلع الطعم
ونذهب أنا وأنت فى غياهبِ الجّبِ
بلا ثمنٍ
أو حتى لحظة إشفاق
فى شبكة صيادٍ واحدٍ
أنا
وأنت
تصور !!
هناك تحت هذه القبة السوداء
إنه الجسد الحقيقى للعالم !!
دعى فمك على فمى
دعى فمك على فمى وحتى فى هذه الليلة فى تُربِ الغفير
إتركى روحك أن تتسلل إلى عظم روحىْ
إتركى شمسك الخريفيةَ أن تقف متصالبةً
وعلى شباك بيتىْ
لمدة دقيقة واحدةٍ على الأقل
إتركى صنادلك
وخلاخيلك
فساتينك التى اشتريتها لك فى لحظة الزفافِ
أمشاط شعرك
فلَّاياتك
ساعاتك اللكسمبورجية
جواربك
كراساتك
وحكايات أغانيك القديمة على الرمل
صلواتك التى كنت تقد مينها فى كل ليلة إلى الربّ
ويحملها ملاكانِ أبيضانِ
حتى غضاريف السماء السابعة
وهما يقفان على البوابات الخلفية للزمن
إتركى كل شىءٍ
كل شىء
ياحبيبتى ياكاملتى حتى لحظة الوصلِ هذه
وأنا
فى كل ليلةٍ سوف أذهب إلى نفس المقبرة
وبنفس كل تلك الدموع
وهناك فى ترب الغفير
لأقف أمام شمسك البيضاء
وأبخرة فجرك
وسوف أخلع ما علىّ من سراويل
وحججٍ أثيمةٍ
ومناشفَ
سوف أفرغُ كل ذكرياتى المالحةِ عن الرحلةِ العنكبوتية
والتى قطعتها من شوارع القرية الظالمة
بحثاً عن شالك الأبيض
وحرير نعليك الأرجوانيتين
وجسدك الكشميرى
عن كلمةٍ أخيرةٍ كنت قد تركتها لى هناك على المائدةِ
وبقّعتها الوحدةُ الشرسةُ
ومثل أحد الجنرالات القدامى الذى فرّ من الحرب
بساقٍ مقطوعةٍ
وعينٍ ضريرةٍ
ويد واحدةٍ
سوف أقف أنا الآخرو طوال الليل فى نوبة حراسةٍ
مشدّدةٍ
أمام شمسك التى تشرق على الجبَّاناتِ
فى عز الليل
آه
ماذا لو كانت الوحدة امرأة ؟!
مغارة هرقل
كنت أبحث عنكِ فى شوارع اللكسمبورج
وفى متاهة باريس
وعلى ساحل الأطلسى الأمهرِ
فى كازابلانكا
أو داخل مغارة هرقل فى طنجة
الواطئة
الحارّة !!
هناك
ألقيت صنارتى فى البحر
وأنتظرت ألف سنة إلى أن ترحل كل هذه الغيوم
ونظرت إلى رزقةِ النجومِ
وهى تنعكس على حُلّةِ الأفقِ
ومشيت فى الطرق المكللةِ بالشوكِ
والدمْ
وسألت طائر البطريق الأخرق
ترى ,أين ذهب حبيبى
وما هو ميعاده
قرأت كافة الكتب بما فيها كتب التنجيم والسحر
وذهبت إلى كافة الأنبياء فى دورهم المشيدّةِ – هناك – تحت قبة النجومْ
البعض قال لى:
إنها مرّت من هنا
والبعض قال لى
إنها مرت من هناك وكانت تمسك فى يدها مبخرةً
من زجاجٍ
وترتل بعض الأناشيد فى الليل
وهى تحكى بعض الحكايات للأطفال المشردين فى الشوارعِ
والبعض الآخر قال لى
أناقد رأيتها بعينىّ هاتين فى عصر ذلك اليوم
لقد كانت على هيئة فراشةٍ
أو عصفورةٍ
لا أتذكر
وهى تتحلى بأساورَ من ذهبٍ
وتقدم خبزها للفقراءِ
البعض الآخر قال لى
لقد كانت مثل غيمةٍ صنعها الربّ
على مقاس السموات ِ
والأرضِ
وفى كل يوم كانت تعزف موسيقى السلام
والحب
هنا
أو هناك على هذه الأرض
وها أنذا ومنذ تلك اللحظة
أسند رأسى إلى حائط مبكى
وأحدّق إلى عجل موسى وهارون
الذهبى.
البحث عن طائر إسطورى
هأ .. هأ .. هأ
تمزقين ثوبى
وتشعلين النار فى روحى
وتقفين هناك خلف المرآةِ لتقولى لى:
أنا حبيبتك
غانيتك
أتسلل إليك عبر النافذة فى الليل
وأقرأ عن أساطير الجسد
وكراسات الشهوةِ
أين ذهب هيراقليطس
وبارامنيدس
وما هى حكاية أوريّا الحِتّى والنبى داوود فوق السطوحِ
وماذا كان يفعل رامبو فى جنةِ عَدَنٍ الصغرى
وكيف كانت كليوباتر ا تفتش فى دفاتر الأمس القريبة
عن قلبها الأرجوانىِّ
الشائك
فوق حشائش الرغوة
وهى تقف على شاطىء الإسكندرية الضّحلِ
وتلقى بصنارتها العابثةِ إلى الماء
ربما
تأتى سفينة عابرة
ربما
يذهب القمر وحيداً
فى غياهب الجُبّ
ليبحث عن طائر أسطورى
يقال عنه الزمن
وهو يختبىء فى المغارة.
ماذا فعلت لكل هؤلاء
ترى
أنا
ماذا فعلت لكل هؤلاء
سائق العربة المعطوبة
الذى يسير فى عرض الشارع ولا يعبأ حتى بإشارة المرور
أو جوازاتِ السفر
بائع الخبز الأعمى
الذى يعطينى رغيب خبز جافٍ
ولا يصلح سوى للصراصيرِ
والنمل
عازف الأورج الضرير
الذى لايعزف إلا موسيقى الجنائز
فوق قبور المارةِ
وغرف الممياواتِ
رجل الدولة الأخرق
الذى يأخذ شعبه إلى ناصية الجحيم
ويقول له
إيها الشعب الأخرقُ
أنا الممثل الشخصىّ للربِّ
أنا الجالس هنا على عرش العالم
كما هو الجالس هناك على عرش السموات
أنا أحُيى
وأمُيت
مثلما هو يحى و يميت
أيها الشعب الأخرق امتثل لأوامرى
ولا تفتح فمك قط ولو بكلمةٍ واحدةٍ
ترى
ماذا فعلت أنا لمدرس الفصل الذى يمسك فى يدهِ
قطعة طبشور
ملعثمةٍ
ويكتب فوق السبورةِ بيدٍ مقطوعةٍ
أنا اليوم سوف أعلمكم الفرقَ الحقيقى
بين المجاز
والجنازة الرسمية لملكات مصر
القديمة
لأمى التى تركتنى هناك فوق مذاود التبن
أغطّ فى النوم
وانا أنظرُ إلى السقفِ القشى للعالمِ
بعينين لاتريانِ أى شىء
سوى البومة العمياء لخريطة اللاشىء التى تمتد من الشرقِ إلى الغرب
وعلى نفس الحائطِ
وقبل أن يذهب أبى إلى صلاة الفجر
لساقية القرية المعطلة وأنا أدور خلفها
كالقردةِ المعلقة أو النسانيس وفى عز الشتاء والبرد
وأرى الأشباح وهى تتنطط فى الماء
وصراخ الجنيات
يقرقع فى أذنى من كل ناحيةٍ
من أنا
تحت كل هذه الغيمة من الأشباحِ والأساطير
ترى ماذا فعلت كى أجد نفسى فوق كل هذه الأرض
التى تمتلىء ببراز الأحصنة الخشبية
وعَرَق الجنيات ؟!
تصورات
سلاحفُ
وتنانيرْ
أمشطةُ
وفلّايات
غرابيبُ سودٍ
وحياةُ حيوانيةْ
تلك هى نغمة الحياة الخالصة
والتى تمتد من الأزلِ
إلى الأبدِ
والبحر غارق فى اليمّ
ولا أمل هناك
حتى فى سفينة تخرجنا وبعيداً عن هذا المدار
تلك إذن هى ثلاجة الموتى
وهذه هى كل غرف الدفن !!
ماذا تفعل هذه البنغالية العتيقة
هنا
وفوق هذه القارة الغريقة
فى إدمنتون
الأرض تلتصق بالسماءْ
والثلوج تملأ الحواف
ومثل صفائح الماريجوانا
ثدياها بارزانْ
كقطعتى فضةٍ
وكفلها يشبه مستعمرةً نائيةً للعراةِ
تقف وحيدةً فى عرض الشارعِ
وتحت أشجار الصنوبر المتلاصقة
تترك قبعاتها للريحِ
فيما تضع جسدها تحت إمرةِ رجل ٍ من الهنود الحمر
ليذهب بها وفى آخر الليلِ
إلى غرفة يملؤها
الجليد
فى الليلْ
بينما هى تبحث عن رغيف خبزٍ واحدٍ
لتدارى به عطشها
إلى الرب
فى ساعة القيلولة هذه
حيث الطرق خالية إلا من ذئب أعور
وخنزير برى
يتمرغ وحيداً
على الإسفلت !!
كل القصائد
كل القصائد المدهشة والتى حاولت أن اكتبها
على قميص الزمنِ
وفى غرف الدفنِ
ذهبت بمفردها
إلى أدراجِ الرياح
ودون أن تستنِد على عكازين
لتقف – وبمفردها كذلك – على جرف صخرةٍ
توشك أن تنهار
وهى تمسك بأعواد القصب الجافِ
ومزامير النبى داوود
لكى تلقى بنفسها تحت عجلات قطار الضواحى
الذى أخذ يتسكع بين أزاميل الحدادينِ
وحى النحاسين
فى نوبة من نوبات الصحيان الأسودِ
تحت سماءٍ ثلاثية الأبعاد
وفى كراسةٍ
من كراسات النحوِ
والصرفِ الصحىّ
وحديقة الفقه الجاف.
أنا مجرد خيال رجل تائه
أنا مجرد خيالِ رجلٍ تائه
أصحو من النوم
وأنا أحدق إلى النافذة المفتوحة عن آخرها
وألعب فى بيوضى
وليس فى فمى سوى ضحكةٍ
ميتةٍ
لرجل خرج إلى المعاش المبكّرِ
أو لموجموعة من الراحلين
الذين آثروا أن يغنوا تحت التراب الجماعى
لفرق الإنقاذ أغنيةً جماعية ًعن الحرب والسلام
وأن يخلعوا عنهم قمصانهم الصوف
وقبعاتهم القشية
وكافة ذكرياتهم الخرائبية
عن كل هذا العالم
أنا مجرد خيال رجلٍ تائه
ليس فى فمى سوى ضحكةٍ
ميتةٍ .. !!
لم تعد تعنينى كلمة الحرية فى شىء
وأنا
أحدق إلى كتاب كانط الملىء بالأخطاءِ
والمفتوح عن آخره حتى حدود المجازر
الإنسانية
بينما يجلس إلى جانبى
فرناندو بيسوا وهو يشخر شخرةً مدويةً
من جنياته اللواتى يلازمنه
من لشبونة
وحتى كتابِ اللاطمأنينةِ
ولا أجد ما أفعله سوى أن أفتح كتاب الرسم والخطط
وأقول لنفسى
ماذا تقول عن كل هذه الحياة التى تشبه روث الخيلِ
وزبل الأغنامْ
وهى تجثو على عتبة ليوناردو دافنشى
وخرائب سلفا دور دالى.
سأم
بجد.....
أنا سئمت من الحياة
أنا سئمت من كل هذا العالم
فوق صارية ضخمةٍ يضع العالم مؤخرته
ويترك بيوضه
للذباب المنقرض
والسفن العابرة للقارات
من يقول إن هذا النهار يشبه فى مجملهِ
كل تلك النهارات
ومنذ أن كان الرب يبحث
عن بديل له
وفوق هذه الأرض
إلى أن كان ثمة قابيل وهابيل
آه
هناك
امرأة وتقف على الباب
وفى يدها عربة روبابيكيا
ترصّ عليها الزمن بكل أخطائه
وطلسماتهِ
وتطلب من المارةِ
أن يعلقوا صورتها على الماءِ
وأن يعلنوا شارة الحدادِ
على جنة عدنٍ الزائفة
و وعود الرب المنقرضهْ !!
جزيرة العميان
لا
لاترحلى أيتها السفينة إلى بحرٍ آخر
ففى كل البحار ثمة سفن غرقى
وملاحون كثيرون
مازالوا ينتظرون
أن يفتح لهم البوغاز
بواباته
لكى تعبر كل تلك السفن الغرقى
من خرم ابرةٍ
إلى جزيرة الموتى
وعلى الشجرة يقف طائر "أبوقردان"
وحيداً
ممحونا
وشبه أعرجٍ
هرماً
وعاجزاً
حتى عن تذكر كل تلك الأوقات
التى قطع فيها كل تلك المسافاتِ
الشاسعة بين القاراتِ
والتى بدأت من جزيرة
النسيان
وحتى جزيرة العميان هذه.
سلة مهملات
أحياناً
ما أرصّ حروف اللغةِ فى سلةِ مهملات
وأقعد معها أنا و الذاكرة الخربة
على الأرصفة المهجورة
لكى أهش بهاعلى النمل والصراصير
وبقية الخنافس
أو أكومها أمام التنور الأبلهِ
لألقى بها إلى المحرقة
غير أن الحروف اللعينة تجلس معى على المصطبة
وهى ترقبُ المارة
بعينين ضالتين
وقلبها الملآن بالإرادةِ
والتصاميم
فتأخذ بيد بعضها البعض
لتعيد تفكيك خريطة العالم
فى كلمة
أو كلمتين
ومثل جزيرة استوائية
تشير الكلمة الأولى إلى عجل الربّ المقدس
أما الثانية
فتقف حائرة أمام كل هذه الأصنام
التى خلفها وراءه الرب
من عبدة الشمس
إلى بقرة الهند المقدسةِ
وهى تشخر وتنخرُ
كل هذه الاصنام تريد أن تدخل الى جنة عدن المقدسةِ
وحديقة الرب
وسيلته المثلى للهوِ والتسلية
غير أن ملائكة الرب إعترضت طريقها
وأخذت تفلّى رأسها من القمل
ومؤخرتها من التجاعيد
والسفلسِ.
أنهكنى النوم
أنا
أنهكنى النوم
أنهكتنى الأحلام التى لا تتوقف عن جنة الخلدِ
وحرّاس الجحيمْ
وملائكة الله الشداد الغلاظ
أنهكنى البرد الخالص فى الليل
والحر الخالص بالنهارْ
لمَ لا أحدّق إلى هذا الجبل – وكما فعل موسى من قبلُ–
وأسند رأسى إلى شمسِ متاخمةٍ لى
وأتوسدُ حريرة الموت
الناشفة
لا
لا تغمزى لى يا صنارة الجوعى
فها قد نفذ الزاد من بين جلاليبى الوسخة
ولم يعد فى قدمى سوى فردةِ حذاءٍ راسخةٍ
فى علم الناسخِ والمنسوخِ والمعقول واللا معقول فى هذا العالمِ
وأنا أبحث عن خريطة أخرى
ليس عليها علامات استفهام
أو أية أسئلة عن الشكّ
أو الموت
ولا يكون فيها كل هذه الغيوم
ولا يكون الرب جالساً بمفردهِ فوق صخرةٍ مبللةٍ
ويصدر أوامره إلى كل هذه المناشير
لكى يمنحونى صَك غفرانٍ
مغلفٍ بالجماجم والعظم
وأنا أشخّ على كل ما فى هذا العالم
من تعليماتٍ
وتشبه براز الأغنام والإبل
فوق جبل الزيتون
لمن ترقص هذه البومة العمياء
على جبل الزيتون ؟!
ربما
رأت الربّ فى منامها الراسخِ وهو يحاول أن
يعيد تفكيك العالمِ
وهو يجمع حوله الكثير من المؤلفةِ قلوبهم
والكثير الكثير من الكلاب الضالة
والقطط المتوحشة
ومئات الآلاف من الدساتير الخرسانيةِ
والدياناتِ المتردية
والنطيحة
والتى تحاول أن تعيد رسم الخريطة الدولية
للإنسانيةِ الغارقة فى الوحلِ
أو ربما أرادت كل تلك البومة العمياء أن تأخذ لنفسها
صورة تذكارية مع الرب وعلى هذا الشكل
الشمس تنام تحت مؤخرتها
والقمر يفرك بيوضه الترسانية
فوق سهلٍ جافٍ
وهى وحدها – أى كل تلك البومة – تتفرس
فى صورها اللامرئية
هناك وبجوار الربّ
فوق شجرة سنط عريانةٍ
ربما تظهر ومن خلال مرآة الحِبر الأعظم
نملةً
أرادت أن تتبوأ لنفسها مكانةً عليّةً
فوق بحيرة العدم
ومرايا الرب المتعاكسة.
النفخ فى المزمار
أنفخ فى هذا المزمار
وأقول للشمس...
وأنت أيتها الأخت العاشقة
أيتها الأخت الفاسقة
تعالى معاً لنتفرج سوياً
على كل أسارير العالم الذى يمتلىء
بالبعوض
والقُمَّلِ
ومحاكم التفتيش
ومحكمة اللاعدل الدولية
والهلال الأحمر والصليب الأحمر
والكاتدرائيات المزينة بالسيد المسيح
وهو جالس إلى كافة حواريه
وبجواره المجدلية الرؤوم
فى العشاء الأخير
وبيلاطس البنطى فوق حماره العقيم
والرحلة المكوكية للبراق الخرّاقِ
والطائر الأسطورى الذى يخترق الحجب
والسموات السبع
فى أقل من ثانيةٍ واحدةٍ
ولننظر معاً إلى كل هؤلاء الأنبياء الكذبة
وهم يجتمعون هناك على طاولةِ الربّ الرنانةِ
وكل له قانونه
وكل له تصاميمه
وتصوراته التى تعيد رسم خارطة العالم
طبقاً لمراياهُ المتعددة
وميكروسكوباته
كل يحاول أن يستحوذ على الرب ذاته
طبقاً لمرسومه الخاص
ويربطه من عنقه فى سلسة طويلةٍ
من الحكايات
والأساطير
لكى يعيد تنظيم العالم
حسب مراياه المكسورةِ
وهيولاه المتعجرفةِ
اللا تعدّ
وخراءاتهِ المدوية.
قبر الجندى المجهول
ياللخراء
لقد اصابنى الكبر
واشتعل الرأس شيبا
وما عدت أنظر إلى العالم من خلال بؤرته الإسطرلابية
والتى لاتطلع عليها الشمس
أو يمرّ عليها النهارُ المبقع بجلاليبه السودِ
وأغنياته
التى تشبه روث حظيرة أغنام
وبضع فقاقيع
فوق جزيرة سيبيريا
وها أنذا
أضرب على الحائط الإسمنتى للعالمِ
بكلتا يدى
أحياناً
ما أنطح هذا الجدار الراسخ بأم رأسى
عسى أن يسمعنى أحد فى هذا العالم
وأنا أرقص أو أبكى وأغنى ..
أو ربما يطلق أحدهم صفارة إنذارٍ
لشرطة المرافىء
ليخلصنى من هذه المسرحية الوسخة
لكاتبٍ مسرحى قد أصابه الجنون والخرفُ تماماً
وهو قاعد على دكته الخشبية
والتى ظل عليها لألف عامٍ
وهو يفتش بين دفاتره القديمة
وأوراقه المبعثرة
على أشرطة السكك الحديدية
ومترو الأنفاق
عن نهاية أخرى
وتليق بجنرالٍ إسطورى
ظل واقفاً فى الصفوف الأمامية
لحركة التاريخ
والجغرافيا
إلى أن فقد إيمانه الرّاسخ بحركة التاريخ أصلاً
ووضع كافة الجغرافيات المزورةِ
تحت قدميه
وأخذ يبول بضجرٍ
وحميمية
على كافة التصورات التى تجتاح العالم
من الشرق
إلى الغرب
ولم تقدم أى شىء للإنسانية الرثة
سوى هذه اللافتةِ
على قبر الجندى المجهول
هنا يرقد العالم بكامل تصوراتهِ !
أم النور
وأخيراً
- ها أنت ذى ياأمّ النور
واقفة فى المرحاض العمومى للعالمِ
فى انتظار أن يأتى أحدهم
ليفتح عليكِ بوابة هذه المغارةِ
المقدسةِ
أو يقدم لك الخلاص على طبق من النوستالجيا
وهو يمسك فى يده
غليونه الضخم
تماماً وكما كان يفعل هتلر فى الحرب العالمية الثانية
أو راسكو لينكوفِ
فوق طاولة ديستويفسكى
وهو يدخن الماريجوانا
ويحتسى البيرة المثلجة
وزجاجات الفودكا
تحت أعلام الرايخ الثالثِ
وهى ترقرف
فوق أسرةٍ من بلاستيك
وحكايات من أنقاض.
كثيراً مايقول لنفسه
كثيراً ما يقول لنفسه
لمَ لا تبدأ حياة جديدة يامحمد ياآدم
لمَ لا تحدق إلى الجزء الممتلئ من هذا العالم
وتنظر إلى الجزء الفارغ فقط
إكتب
إكتب يامحمد يا آدم
إكتب عن أى شىءٍ
وكل شىءٍ
عن هذه المرأة التى تنام بلا أحلام خالص
أو حتىشمس آخذةٍ فى النمو
عن رغيف الخبز الجاف والذى أكلته الفئران
تحت سماءٍ صافيةٍ
وهى تحلم بالنجوم
وتبحث عن القمر فى سلة المهملات
إكتب
عن نغمة البيانوالأخيرة والتى نسيها المارة
فى حديقة الحيوانات اللا إنسانية هذه
أو تحت أرجل القطط والكلابْ
فى شوارع العتمة
وهى تبحث لنفسها عن مأوى
أو ملجأ أخير فى كراسات العدم
واللاجدوى
إكتب
إكتب عن تلك المرأة
والتى عشقتها ذات يوم
وقررت أن تنتحر إذا تزوجت من رجل
فى المخابرات العامة
وفضلت عليه بائع سجائر سرّيح
ورغم ذلك تركها فى حقل واسعٍ
وراح يتناوب عليها رجال الدرك
وشرطة الأمن العام
وهى تفتش لنفسها عن حبة بطاطس
أو بصلة مشوية
وحتى لاتموت من الجوعِ والعطش
إكتب
عن الأغنيات التى تقف فى الحلق
كالرغرغات الأخيرة لمحتضرٍ
أو كالشوكة تماماً
فلاهى تخرج إلى الشارع لتتغوط
ولا هى تعود إلى حديقة الموسيقى
لتفقس
فوق أعواد القش
وكيزان الذرة العويجة
وصرخاتِ رجل المقهى الذى يغالط الزبائن
وإلى جواره خمسة من الشحاذين العميان
يسألون الناسَ إلحافا !!
إكتب
إكتب عن الأمل الذى يموت على طرف منجلٍ
وهو مغمض العينين
ويشهق شهقاته الأخيرةِ
فيما يرسم بيديه الإثنتين
شارة الخلاص
باسم الآب
والإبن
والروح المقدس
ولا يفعل أى شىءٍ غير ذلك إلى أن يموت
وفى فمه بضع كلماتجافة عن الحبّ !!
تفكيك
فكّك حياتك يامحمد ياآدم
إلى ألف قطعةٍ
وقطعةٍ
ألقها فى اليم
أو ألقها على الساحلِ
من يعيدها إلى سيرتها الأولى
الخالية من الشك
والخالية من اليقين
أيضاً
ثم ارقد على فراشك فى الليل
وادعو كافة النجوم إلى طاولاتك
أو قل لقلمك الجاف والذى تعب من الصراخ
فى الليل والبكاء فى النهار أن يتوقف عن
الفرجة على العالم وأن ينسى بقية الحروف
وشكل الكلمات و خطئها الزائد فى المحاججةِ
والتصانيف
قل للشمس أن تتريض قليلاً
على ساحلِ الجسد الحار رغم حصارها الدائم
لتآويلاتك
نم هادئاً يامحمد يا آدم
وأنت تسند رأسك إلى جذع نخلةٍ ضريرةٍ
لايقف عليها غير طائرٍ أخرسٍ
ولايعرف أى شىءٍ عن المخيلة
أو مربع فيثاغورث
أو الطبق الطائر
والمحيط الباسيفيكى
وثلوج كندا فى درجة حرارة
30 تحت الصفر
ولا ينتظر أى شىء هو الآخر من هذا
العالم
سوى أن يأتيه أحد ما
بفاكهةٍ
ولحم طيرٍ
والتين
والزيتونِ
نم هادئاً يامحمد يا آدم
وفى الصباح
إذهب إذهب إلى البحر
وقل لأمواجه الصخابة
ترى
أين ذهب حبيبى
وما هو ميعاده
وأين بقية السفن الغرقى؟!
بمفردى
فى الليلْ
ذهبت إلى سوق الخردة
ولم أشتر سوى طافيةٍ قديمةٍ
لبحارٍ
أخذ يجمع حاجياتهِ
وطاولاتهِ
من على كافة الشواطىء الهرمة ِللقاراتِ
وها آنذا
- وأخيراً -
أضع الطاقية أمامى
وعلى الطاولة
وأحدق إلى سوق الخردة
الذى يغصّ باللصوص
والباعةِ الجائلين
وكافة البحارة الذين نسوا حيواتهم
وصلواتهمْ
هناك على الرصيفِ
وراحوا يبحثون تحت الثلج
والعواصف الرملية
عن قارات جديدة
فيها عشبة جلجامش
وحانة سيدورى !!
لاأحد
دقيقة واحدة وتتغير إشارة المرور
البعض يذهب إلى الشمال
والبعض يذهب إلى الجنوب
البعض يذهب إلى الشرق
والبعض يذهب إلى الغرب
وأنا أرقد الآن بمفردى
على العشب
قرب حديقة الأشجار الملونة
وأشجار الماريجوانا
ونباتات الصبير
وأحدق ملياً إلى السماء العتيدة
والتى ليس بها
إشارة مرورٍ
واحدة !!
ترى
من سيكتب تاريخ تلك الشجرة ؟
من سيقف – هنا – على عريشة الريح هذه
ليقول لعصفور ضل طريقه إلى صدر أمهِ
هنا ترقد العاصفة
خذ حذرك أيها العصفور
ودّع تاريخك المبلول بالخطاباتِ
والتصاوير أيها العصفور الصغير
وانتظرنى
انتظرنى هناك فوق جذع نخلةٍ عجوز
وهناك فى الأعالى
عسى أن تشرق الشمسُ الافلةُ
على غيمةٍ طريدةٍ
كانت ترقد تحت جبل الزيتون
إلى أن يأتى تاريخ العهد الجديد !!
والآن أيها العصفورُ الصغيرُ
إترك محاريثك
وأدوات صيدك
وقنصك
ومزاميرك التى كنت تعزف عليها
الحانك المجردة من كل شىءٍ
غير طفولتك المعهودةِ
الجافة
الباردة
وفى جرف القرية الحار
عن صبيةٍ كان قد خطفها اللصوص ذات يومٍ
وظل أهلها يبحثون عليها بين المقابر
وسنابل القمحِ
وأعواد الذرةِ
وعشش الصفيح
إلى أن وجدوها وحبيبها القس
مقتولةً
وداخل كاتدرائية نائية
وفيما يقال كانت السيدة مريم المجدلية
ذات يوم
تمسح بجسدها
على جسد السيد يسوع المسيح
وذلك
قبل عملية الصَّلْبِ
بعشرةِ أيام كاملةً
تحت تلك الشجرةِ!!
لا تجعلنى أضيع منك فى السكك
إكتبنى على الورق ياحبيبى
إجعلنى كخاتم بين أصابعك
كلما أردت أن تنظر إلى الشمال
وجدتنى فيه
وإذا نظرت إلى الجنوب
كنت أنا ناحيتك
لا تجعلنى أضيع منك فى السككِ
مثل ذرةٍ من الغبار
ياحبيبى
جسدى يقول لك ياملاكى
وروحى حقل أشواكٍ لسواك أنت
أنا
انتظرتك ألف عام وعلى كافةِ الطرقِ
وبحثت عنك بين الجنودِ
وقطّاع الطرق
عساك أن تمرّ
ذات يوم تلفعت باليشمك وحذائى الصوفِ
وقلت للشمس
أين ذهب حبيبى وما هو ميعاده
وذات يوم تسلقت الجبال الوعرة
ومشيت فى الطرق
والأودية البعيدةِ
وعلى المنحدراتِ
وأخذت أنظر إلى الأفقِ
بعين منظورة
قلت: ربما تكون طائراً وتعبرُ
ربما تكون سفينةً وتمرُّ
ربما تكون قطعةً موسيقيةً ويعزفها أحد الرعاة
ربما تكون فراشةً وتبحث لها عن مستقرٍ
ربما تأتى إلىّ متخفياً
فى حشدٍ من الملائكةِ لترانىْ
ولكن النهار يمرّ
والليل يمضى
وأنا على هذه الحال
فلا أنت تأتى حيث أجد نفسى
ولا أنا أعثر عليك فيستقر قلبى
روحى تعبت من السير خلفك فى السكك
وأنا أتطلع إلى النوافذِ
والعمارات
كلماتى ماعادت تخرج من فمى قطّ
من فرط ما أصابنى من الوهن
من يطبطب على كفلِ روحى سواك أنت يا حبيبى
ألم يكن القدر سواك أنت ياشقيق نفسى
كل الطرق التى مشيت فيها بالاستقامةِ والعدل
كانت تأخذنى صوب بحارك
وأنهارك
شواطئك الملونة بالزمردِ
وكلمة السر
وها هو الليل قد أدبر ولم يبق أمامى فى الجُبّ
إلا أن أذهب وأعود
خشية أن يأكلنى الذئب
أو يعلقنى أهلى على مدخل القريةِ
كى تتعرّف علىّ
أو أكون عبرةً لكل عاشقةٍ.
المحنط الذى يركب سفينة الموتى
أنا المحنط الذى يركب سفينة الموتى
لمَ تهزأ بى البحارُ البعيدةُ
ولماذا ينظر المسافرون شزراً إلى حقائبى
الملآنة بالخراءِ
والديانات
فى حقائبى
ليس سوى الجلد على العظم
وزرقة البحار
والأنهارْ
والموانىء القديمة التى عفا عليها الزمن
وأصبحت مزاراتٍ
وأضرحةً
ولكنها – وبرغم كل ذلك – لاتزال بحالةٍ جيدةٍ
مثل بحار قديم
ويعبر كافة المحيطات
فى فمهِ غليونه الضخم
وهو يقبض على الدفة بكلتا يديهِ
بينما ينظر إلى السماءِ التى تغصّ بالنجوم
وتمتلىء بالسحاب
والبقع الرملية
وهو يضحك بملء فمهِ من السفر فى الليلِ
وحواليه يجلس البحارة
والنواتيون
وأصحاب الإختراعات البرمائية
فيما – هو – يضع على صدرهِ أوسمة الملكة كليوباترا
وحقائب الإسكندر الأكبر
وتوت عنخ آمون
وكل خطط المغول
واستراتيجيات جانكيز خانْ عند الظهيرةِ
وقطط التتار
ويحمل على ظهرهِ
حفنة من بنات فارسِ الأسطورياتِ
وهن يستحممن فى النبع
وفوق شرائع بابل المقدسةِ
لماذا أتعجب طويلاً من الشمس
وهى تحدق إلى الترسانة البحريةِ
لطالوطَ
وجنودهِ
وخوذة جلجا مش
ومؤخرةِ سوفوكليس؟!
سفن الذاكرة
آه ياحبيبى
لماذا أتعجب من الشمسِ
وهى تحدق طويلاً إلى كل تلك الممالك البائدةِ
والسفن المركونة
على الرصيف الضحل للإنسانية
المزورةِ
وفيما أنظر – أنا – إلى السيد وهو يصعد إلى الجلجثةِ ؟!
أقول لنفسى لماذا تسكن كل هذه السفن فى الذاكرةِ
ولا يتبقى على الشاطىء سوى الرملِ
والمحار الفارغ
وزعيق النوارس فى الليل
ولماذا لا يستقر فى ذاكرتى سوى
أغنياتٍ
لبحارةٍ
- وبملابسهم الرسمية -
ماتوا غرقى على شواطىء الهيمالايا ؟!
أريد أن أحتسى قليلاً من الشاى
وأنا أحدق طويلاً إلى صدر أمىْ
وأنتظر طفولتى
الهرمةِ
على مذاود الغسيل
وطشوت الذاكرة
آه
من يعيدنى إلى كل هذا الليل
إلى ذاكرتى المفقودةِ
لاعيد زوارقى الغرقانة
من البحر الصخّاب
وأجلس أنا وبقية الصيادين
على ساحرِ الأعرافِ
وكافة الخلجانِ
التى تضجُّ بالحجاج
والمسافرين
من ذوى النيات الحسنة
أو السيئة
لافرقْ
آه
أريد أن أحتسى قليلاً من الشاى
وأنا أعيد ترميم بيتى القديمِ
بقليل من الأجرِّ
والقش
وجلد الأغنام
وأنا أحدق إلى صدر أمى
وأنتظر طفولتى
الهرمة
على مذاود الغسيل
وتحت أعواد الكافور
والسنطِ
والخروع
وأشجار الجميز
لكى لا تكون لمحبوبتى علىّ من حجةٍ
بعد تعبِ كل هذا النهار ؟!
خبز الآلهة
كثيراً ما أحدق إلى السماءِ
وبعمقٍ
وأقول لها: أيتها السماء الراسخةُ
فوق كل هذه النجومْ
كيف يمكن الولوج إليك فى يوم كان مقداره
ألف سنة
وكيف لى أن أعود إلى نفس الأرضِ
وأنا محمل بخبز الآلهةِ
وضحكات الفجر البردانةِ
والتعرف على كافة التفاصيلْ
بدءاً من ولوج الليل فى النهار
وولوج النهار فى الليلِ
وانتهاءً
بالإنفجار الكبير
الذى سيحيل الأرضَ
كل الأرض
وكافة العوالم المرئية
واللامرئية
إلى مقلب زبالةٍ شاسعٍ
لكل هذه الإنسانيةِ
المزورةِ
والمؤودةِ على مناشير الجلادينِ
وصناع التاريخ الكذبة.
البحث عن الزمن المفقود
أنام ولاأحلم بشىءٍ
وأقوم ولا أحلم بشىءٍ
فقط
أسيرفى نفس الطرق التى أسير فيها كل يومْ
وكأننى ساعة ميكانيكية
معطلة
- فى يد الله -
لا تتوقف عن التكتكة
ولا تكف أبداً عن البحث عن الزمن المفقود
تحت قدمى فراشةٍ ضالةٍ
أو نملةٍ مقلوبةٍ
ولا تعمل إلا فى نفس الإتجاهات
للبحارة التائهينِ
أو لغواصين يعملون فى البحرِ
حيث الطحالب المسننة
وأسماك القرش
والحيتان العملاقة
فلماذا تنظرون إلىّ شزراً
يا أبناء الكلاب
والزمنُ الذى نعرفهُ ليس أكثر من محراثٍ
قديمٍ
لفلاحٍ
أخذ يزرع الكرة الأرضية عدة مراتٍ
بحثاً عن سنبلةٍ واحدةٍ
أو حبة قمحٍ أخيرةٍ
ولم يحصد فى حياته الوعرة التعسةِ هذه
سوى على ذبابةٍ ميتةٍ
فى كوب ماءٍ
وتحت خرم إبرة.
حسناً
حسناً
دعنا نعبرُ هذا النهر إلى نهرٍ آخر
دعنا نترك كل هذه الجبال
إلى جبالٍ أخرىْ
ربما نصل إلى طور سيناء
أو عيون موسى
لنرى الرب جهراً
أو من وراء حجابٍ لافرق
فماذا يمكن أن نرى هناك
غير الليل بكافةِ طرائفهِ
والنهار بكل توحشاتهِ
آهِ
أكل هذا الزمن الرث بآلته المعطوبة
فى ذاكرةٍ
تمتلىء بالأساطير والخزعبلات
وهى تقف على الرصيف الخالى من المارةِ
بجيوب مثقوبةٍ
وأيدٍ خاوية !!
الآن عرفت
آه
الموت !!
لماذا نخاف من الموت إلى هذه الدرجة
ألأننا وفى يوم ما سوف نغادر هذا العالم
ونترك وراءنا كل تلك الأرض المحروسةِ
التى تمتلىء بالتشوهاتِ
والديانات المعطوبةِ والمعصوبةِ العينينِ
والتى لم تقدم أى شىءٍ للإنسانية المظفرةِ
سوى عذاب القبرِ
والرحلة إلى الجحيمْ
ألأننا لا نثق فى أنه ليس ثمة حياة أخرى
غير هذه الحياة
ولماذا نبحث عن حياة أخرى وهى تهددنا
بالثعبانِ الأقرعِ
والحيات الصهباوات
والجنيات السود
آه الآن
الآن عرفت
أن كل هذه الحياة المعطوبة لا تساوى بصلة
أو دودةً ميتةً
فى زلعة المش
الحياة
الحياة المحروسة بالكلاب المدججة
وبالخونة المسعورةِ
بالظلم
والقهرْ
آهِ
الحياة التى نسيها الله عن ظهر قلب
وأخذ يقشر البطاطس واللفت
على طرف منجلٍ
وهو يتفنن فى جنته المؤودةِ
الموعودةِ
والتى ما خطرت على قلب بشرٍ قطُّ
ما معنى هذه الإقامةِ الجبرية هنا
أو هناك
وإلى يوم الحشر
فليقل لى أحدكم
أين ذهب كل أولئك الذين سبقونا إلى شاطىء
النسيان هذا ؟!
هل عاد أحد منهم خالص
هل رجع أحد منهم قط
فليقل لى أحدكم أيها المراءون الكلابْ
من ذهب إلى السماء ونزل ؟!
من صَرّ الماء فى صُرّةٍ ؟!
من دخل إلى القبر وعاد ؟!
أيها المجدفون الخونة
أنا
وكلما أحدق فى هذه الغلّاية المنسية
على بوابةِ الربّ
أو تلك السلخانة الأرضية
والتى تسمى العالم
أخرج عضوى التناسلى الأبله
وأضعه فى فرج العالم
وفى مؤخرةِ كل أولئك الأنبياء الكذبة
الذين ضرطواضرطةً
كونيةً
مازال صداها يتردّد حتى الآن
ومنذ بدء الخليقة وحتى اللحظة
وهى ليست على الأرجح
إلا ضحكات لطفلٍ أخرقٍ
ينظرُ إلى العالم من مؤخرة سروالهِ
إذن
تهيأوا جميعكم
للركض
والشخاخ
على جسد الأبدية الخالدْ
والذى نسيهُ الرب وأخذ ينظرُ الى شريط
السينما الملونةِ
من الفئران
والقطط
والطحالبْ
وهى تتناسلُ
وتتزاوج
وليهنأ الرب إذن بجنةِ عرضها السموات
والأرض.
بيان هام
أيها السادة
إليكم البيان التالى
ما نحن إلا براز آلهةٍ سكرانةٍ
أخذوا يتصارعون فيما بينهمْ
- كل يعمل على شاكلته -
فما كانت النتيجة غير هذا العالم
الذى يبدأ
من اللاشىء
وينتهى عند مجرة
اللاشىء
أما الصورة أو المعنى
فليست إلا مخلفات طفلٍ بائدٍ
أو ذاكرةٍ معطوبة
فليذهب إلى الخراء كل هذا العالم
إلى الخراء لكل هذه الأرض
إلى الخراء لكافة النجومْ
إلى الخراء لكل هذه الشمس
إلى متى أكون بينكم وأصمتُ
إلى متى أكون فيكم ولا أتكلمُ
اللعنة
ثم اللعنة
ثم اللعنة
على كل هذا العالم من قبل و من بعدُ
نحن الوجود المنقرض
أما ماكنّاهُ
أو سوف نكونه
فلا شىء أكثر من صورةٍ زائفةٍ
وحياة على الورق !!
مرايا تذكارية
أحياناً
ما أقول لنفسى
لمَ تهتم بالحياة إلى هذا الحدّ
لمَ لا تفكر فى الحياة ومثل بعوضةٍ
لزجةٍ
أو محراث مركونٍ
إلى جدارٍ قديمٍ
وساقية معطلةٍ
لمَ لاتفكر فى الحياة مثل فردةِ حذاءٍ
أو قلم ناشفٍ قد فرغ لتوهِ من الحبر
أو فيلم سينمائى ماسخٍ !!
الحياة أبسط مما تتصور
أيها الناسك
أن تأكل
وتشرب
وتنام
وفى نهاية الأمر تترك كل شىءٍ
وتذهب وحيداً إلى الموت
بلا نياشين
أو مرايا تذكارية
ولا حتى فخذ امرأة قد تتذكرك
هل تذكر
كم من الأصدقاء ماتوا وتركوا ضحكاتهم السوداءَ
فوق المقاهى
- حتى كنستها الريح الشرهة
الشرسةِ -
لتستقر أخيراً
فى حديقة اللامرئيات
وبقع الحبر الجافّ ؟!
إيزادورا
إيزادورا
لماذا ترقدين الآن فى هذه الملعقة
أقصد تلك الحفرة المليئة بالعناكبِ المخوخةِ
وخيوط الدود
تُرى أين ذهب حبيبك الذى كنت تبحثين عنه
فى البرّ الشرقى
وبعيداً عن مدينة مَلَّوى ؟!
ألا تزال غرفتك هناك مبنية تحت الأرضِ
خشية أن يسرقها اللصوص
أو يطلعوا على خطاباتك الهيروغليفية
التى كنت تكتبين عليها كلماتك المضخمةَ
بعبير جسدك الحلو
وفوق أوراق البردى ؟!
ألا تزال نفس الضحكة الرنّانة بين شفتيك
وأنا قد رأيتك فى العام 1983
أى بعد مرور مايقرب من أربعة آلاف عام
على ميتتكِ المفضلةِ فى النيل
وكم من السنوات سوف تبقين هنا أو هناك
ساكنة هكذا
وعلى هذه الأريكة بالذاتِ
وداخل خيوط ِهذه المقبرة
ألازال قلبك الرحيم ينبض باسم عاشقك الرجيم
والذى تركك فى ليلةٍ شبه عاصفةٍ
وهرب إلى البر الشرقى من النيل
باحثاً
عن رب آمون
وإخناتون
وإله الشمسِ
فى ضاحية بعيدة وعلى أطراف طيبةَ الغنّاءِ
وأنت كما أنتِ
تنسجين حرير خيالاتك
وتلفين الزمن حول رقبتك
مثل حريرةٍ
مدورةٍ
أو بقايا أنشودةٍ كان قد تركها الرعاة
فى بئر ماء ؟!
محاورة
فى حديقة الأمس المجاورة
وقف شيخانِ أبكمُ وأصم
أحدهما يقول للآخر
أنا أريد هذه الحياة
أنا لا أعرف أى شىءٍ عن العالم الآخرِ
وقيامةِ الموتى
وتجفيف الأعضاءِ
وخيانات الحريةِ
بينما يقول الآخر صاحب العمامة المدورةِ
كأحد الهندوسيين القدامى
من أتباع بوذا
وأنا أريد هذه المرأة بالذاتِ
المرأةُ التى تشبه فرسةً بريةً
عيناها تملآن الأفقَ بالبهجةِ
ورنةُ خلخالها يتفوق على المزامير بالدفّ
وموخرتها تعيدُ تشكيل خارطة اللذة
وفيما هما يتناوبان الضحك
ويرتشفان كأس الخمرةِ المثلجة
إذا بفراشةٍ تحطُّ على كتفى أحد الرجلين
وتقول لهما بصوت صارخ فى البرية
أيها العارفانِ المحبانِ
العالم ليس على حقيقةٍ واحدةٍ
والدلاء ملّانة خمرا
ما الذى بقى منى حتى الآن
سوى جرّةٍ معطوبةٍ
تحت سفح جبلٍ
ولايقف عليها سوى الغربان السود
وبقايا الخنافس
الضريرة
وكلما مرت عليها الريح
سألتها
عن كل أولئك الذين شربوا منها
أين هم الآن
وإلى أى مكان ياتُرى ذهبوا
ولكن الجرة المعطوبة
لا تفتأ أن تنفجر بالضحكِ
وتقول لنفسها
يالكل أولئك الموتى !!
بدون حقائب
بدون حقائب سوف أبحرُ
صوب كل الجهات
سأبحر بمفردى
وليس على كتفىّ سوى مجموعة من الذكريات الميتة
وبعض الصور السريالية عن الأحلام والتصوراتِ
اللامجدية عن هذا العالم
فى الصباح سوف أتذكر المساء
وفى المساء سوف أتذكر الصباح
وليس فى جعبتى
سوى قارورة فارغةٍ
عن حياة تأتى
وتروح
ثم لاشىء
لاشىء
الموجود هو هو اللاموجود
واللاموجود
هو هو حقيقة الوجود
فعلام تنزفُ كلُ هذه الشجرة إذا جُنّ الليل
وأخذ الصياد شبكته الوحيدة
فوق ظهره
وأبحر صوب كافة المحيطاتْ
والسمك هناك غارق فى اليمّ
على أية حالٍ
أنا
لم يعد يعنينى العالم فى شىء
غير أن أخذ أوراقى
وكراساتىْ
محبرتى
وكافة أشعارى
وألقى بها إلى النهرِ
لعلها تأكل و تشرب
وتنام على الأرصفة
وتبحث عن أى شىء آخر
غير الاستغراق فى النوم
إلى أن يأخذها أى عابر سبيل
- وبمحض الصدفة -
ويلقى بها فى مقابر الصدقة
آه
يالتلك الجّرة ؟!
عامل التذاكر
هاهو قد صَفّرَ القطار
ولم يبق على رصيف المحطة الشاغرِ
سوى عامل التذاكرِ
الوحيد
والذى جلس بمفردهِ على كرسى - من الخيرزان -
وهو يحدق إلى كل تلك العصافير
التى تأتى وتروح
فيما راح يتذكر أمه الوحيدةَ
التى تخبُّ فى النوم
فى دار العجزةِ
والمسنين
إطوِ
قال لنفسهِ
إطوِ هذه الصفحة
وأنس
إنس كل مافيها من حروفٍ
وكلمات
بدءاً من كلمة الحرية
والديمقراطية
وحقوق العمال
والإشتراكية
ودورة رأس المال
والعدالة الاجتماعية
وحقوق الانسان
ونزاهة الحكم فى العالم الثالثِ
وتداول السلطة
فلم يعد ثمة هناك من أملٍ خالصٍ
غير الرأسمالية المتوحشة
والتى تبدأ نهارها بالدمْ
وتنتهى على عتبة الماريجوانا
وأنهار الدم.
مسرح العبث
يالها من مسرحيةٍ فجةٍ
أنا نأتى لنموتْ
وليس فى مخيلتنا سوى بضع كلمات
عن الجنةِ
والجحيمِ
وبناتِ الحورِ
وعينِ الكوثرِ
فلمَ – إذن – كل هذه الإقامة الجبرية
هنا على الأرض
إذا كانت كل هذه الخزعبلات التى تنتظرنا هناك
ونحن هنا جثث
لايحرسها سوى الديدان
ولايمشى على رقبتها سوى السحالى الصخابة
والشجاعِ الأقرعِ
ومنكرٍ
ونكيرٍ
أين ذهبت كل أعواد الذرة
والتى كنا نجلس تحت ظلها فى الحقل
أين أختفت كل تلك الشموس
التى كنا نطاردها أثناء الليلِ
وفى غرف النومِ
وتنتظرنا هناك على حافة الترع
وشواطىء النخيلِ
أين راحت أشجار التوت البرى
ونباتات الحلفاءِ
وعصير الجميزِ
وأرغفة الأمهات فوق فرن الخبيز
وضحكات الجدّات قبل النوم
وحكايات الشيوخ عن مرضى الطاعون
والكوليرا
والسمكة التى ابتلعت الشص من يد الصياد
وحمار جارنا الأعرج
وهو يتنقلُ من قريةٍ إلى قريةٍ
فوق بقجته المسننة
وجمل جدى الهزيل
الذى يرفض أن يسير فى الليل
ومهما كانت النجوم
آه
يالها من ذكرياتٍ
فجةٍ
فى حانة الموتى هذه
وتحت أضرحة الممياوات.
فراشة بيكاسو
آه ِ
إسكبى عسلك أيتها الفراشة
على تكعيبة العنب
فها هو ذا الليلُ قد أقبل
ولم يعد ثمة أحد غيرى
وغيرك
من ينتظر صهللة النجوم
على الترعِ
وأنا بدورى سوف أترك لكِ بضع كلمات
كنت قد استعرتها من قواميس اللغةِ الدارجة ذات يومِ
لعلك ترفرفين عليها أيتها الفراشة
بكلماتك التامة ومنحنياتك
بأحلامك ومخاوفك
وربما أتخفف أنا الآخر من كل أفكارى
سالفة الذكر
عن المنظور
واللامنطور وحدّ الكفاف
حول جدل التاريخ
ووحدة الوجود عند محى الدين بن عربى
ورعونة السقالات التى تحمل طوابير القش والتبن
ونحن نحلمُ معاً أنا وأنت أيتها الفراشة أن نبنى هذه السقيفة
أو تلك الدار الطينية
إلى جوارِ ترعةٍ مهجورةٍ
حيث لا أمل فيها هناك سوى
إغفاءةٍ قليلةٍ
وقبل أن نسافر – معاً –
إلى مكانٍ
مجهول
آهِ
يافراشه !!
لعبة الحوائط
سوف نمرّ من هذا الشارعِ
وكما مرّ به الآلاف من قبلُ
وسوف نترك على الرصيف المقابل شكل خطواتنا
التى أنهكها التعب
والنسيان
وفى كل خطوةٍ
سوف نترك الكثير من الأحلام المشرئبة
وضحكات الطفولةِ المنسية
على عتبة التاريخ
من يقول لى إن هذا الرصيف
سوف يعبأ بى
أو بك
من يقول لى أو لك إن هذا الرصيف هو الآخر
غير مبال
بكل تلك الخطوات التى يتركها المارة
على أمعائهِ
وبين أحشائهِ
كعلامةٍ خالدةٍ
على الذكرى
كتلك التى يدون عليها المارة
أسماءهم
وعناوينهم
وأسماء حبيباتهم
وذكرياتهم المملحة
هناك وفوق جدرانِ دورات المياة العمومية
وهم يجففون سراويلهم
من كل وسخ التاريخ
وتقلبات الجغرافيا.
ما شأنى أنا
ماشأنى أنا
إن كانت هذه السنة بسيطة
أو كبيسة
أنا أجلس الآن على المقهى
وأضع رجلاً على رجلٍ
وأحدّق ملياً إلى الشارع الطويل
الذى يمتلىء بالضباب
وبعض عربات الكارو
والذى لا يمرّ به سوى الأشباح الديناصورية
لعالم غير منظور
فى شبكة المجارى
الكونية
ماشأنى أنا
إن كانت كل هذه الأحلام التى تبيضُ
وتفقس فى الرأس
سوف تتطلع هى الآخرى
إلى النافذةِ
المفتوحةِ
لأمرأةٍ
لاتكف عن الدوران حول جسدها
الذى لايهدأ وشهواتها المتناثرة فى الغرف
ولا ينام
إلا على صوت الموسيقى
وصفارات قطارات الضواحى
وهى تعطى مؤخرتها لكل مايأتى من الشبكة العنكبوتية
أو صرخات المجانين
فى شارع سليمان باشا ؟!
أوحى النحاسين
ماشأنى أنا
إن كان هذا العالم يصلح للسكنى
أم أننى أحد المرضى النفسانيين الكبار
فى مستشفى العباسية العام
والذى يلعق حذاءه فى الصباح
وفى آخر الليل
يسند رأسه إلى جذع نخلةٍ
لعله يشعل النار
فى كافة التصورات
عن ميكانيكا الكوانتم
وعربة فان جوخ
أو حتى رسائلة الأخيرة إلى محبوبتهِ الوحيدة
آهِ
ماشأنى أنا
إن كانت هذه السنة بسيطة
أم كبيسة
أى شىء سوف يتغير فى هذا العالم
وأنا أجلس الآن على المقهى المجاور
لحنفية التاريخ المفتوحة عن آخرها
وأضع ساقاً على ساقٍ
وأحدق إلى الشارع الطويل
الذى لايمرّ به سوى الأشباح الديناصورية
لعالم غير منظور
فى شبكة المجارى
الكونية ؟!
أحمد فؤاد نجم
آه
ياأحمد فؤاد نجم
لماذا تركت كل هذه الأشعار
التى تضحك
وتبكى
وذهبت بمفردكَ إلى سوق المغربلين لتشترى صينية بطاطس
بالعجوة
أو تبحث عن سيجارة حشيش فى حى الخرنفش
وأين ذهب الشيخ أمام – ذلك المغنى الضرير –
فى رحلتهِ المكوكية التى بدأت من حى الحسين
وانتهت مثل كومةِ ترابٍ باذخةٍ
فى بيت مشَّققٍ من بيوتِ
الدرب الأحمر
أو مساكن الغورية
وهو يحدق طويلاً إلى جامع قايتباى
من نافذة غرفتهِ الوحيدةِ
فيما المماليك المخنثون يصطفون صفوفاً
صفوفاً
فى شارع المعز لدين الله الفاطمى
وهم يحملون الرايات الحمر
ويصطادون النسوة كالسبايا
ويجمعون الرجال من كل فجٍ باعتبارهم
من الأرقاء
والعبيد
ويحيطون بالقاهرة العتيقة
من كل اتجاهٍ
بعد منتصف الليل
لا
لا
ياأحمد فؤاد نجم
أشعارك التى تركتها هناك
فى مقهى الحرافيش
وعلى مقربة من باب زويلة
مازال المارة يتداولونها بالبلطِ
والمناجل
وأحياناً بالضحكات الساخرةِ
عسى أن تخرج الحرية – فى يوم ما – مرفوعة الرأسِ
فى شارع المعز لدين الله الفاطمى
بدلاً من سنابك المغول
وسلخانة العسكر الدولية
فى يوم كان مقداره ألف سنة !!
ضحكات القمر الجافة
كان يعرف أنه لن يستقر طويلاً فى هذه البلدة
أو تلك
وأنه سوف يمرّ وعبر أزقة باب الشعرية المعتمة
على كافة حدائق الموتى
الذين راحت أعينهم تفيض من الدمعِ
لفرط ما عرفوا من الحق
وهم يحملون بين أصابعهم السنابل المخفيةَ
وأغنياتهمْ
التى تركوها هناك
فوق جدارٍ يريد أن ينقضّ
وكلماتهم التى تحملها الريح
إلى الجهات الأربع
ودون أن يلتفتَ إليها من أحدٍ
وأنه
وفى آخر الليلِ سوف يعود إلى نفس السككِ
والخيزرانات
التى تمتلىء بالقططِ والفئرانِ
والبعوض
والقُمَّل
وضحكاتِ القمر الجافةِ
ودون أن يعرف أين ذهب كل أولئك الموتى
- بحذرٍ -
بدءاً من سوفوكليس
وحتى أدولف هتلر
والإسكندر الأكبر
ولا أين كانت أمه كذلك تخبىء ذكرياتها الميتة
عن خالاتها الأربع العجائز
اللواتى تركنها وذهبن إلى أرض بعيدةٍ
لكى يجمعن الفِطْرَ
وحبات التوت البرى
والبطاطس
وفى اخر النهار يعدن ملفوفاتٍ
فى أكفانهن السوداءً
بجوار قمرٍ يتيمً.
مراياكِ
مراياكِ
تعكس تنوع الطبيعة
فلماذا إذن تتركين لحليب نهديك الساخن
أن يتوقف تحت الجسور الهرمة
وإلى جوار كافة البنايات
المنكوبة
ولا تأتين إلىّ فى عز الليل
أو تحت شمس الظهيرةِ الجافةِ
لنشربَ معاً ومن هذه الكأس الأخيرة
وقبل أن نصعدَ على الجُلجثة
أنا
وأنتِ
تماماً وكما فعل السيد فى لحظة الصلبْ
ودون أن يعبأ
لا بمريم المجدليةِ
ولاحتى بالسيدة العذراء
وأخذ ينظر إلى الحوار يين بشفقة
وسعة أفقٍ وضحكات شاحبة
أما كانت تكفى رأس يوحنا المعمدان – مثلاً –
وهى ترقص مذبوحةً على جسد سالومى
لكى يتوقف الرّبُ ولو لمرةٍ أخيرةٍ
عن ملء كل تلك الآبار والدواليب بالدمْ
ولا ينظر – إلى العالم – إلا من خلال عدستةِ
المقعرةِ
والمحدبةِ
والتى لا ترى سوى الخفافيش
والنملْ
وهى تضع كل هذا العالم فى الكفةِ المخرومةِ
لعزازيلَ
ودون أن يلتفت إلى كل هذه السنابل
المفرومةِ على الأرضِ
وتحت أرجل الأحصنة الصاهلة
على جثث التاريخ
وبكل منجنيقاته التى تعمل ليل نهار
ولا تتوقف عن الدورانِ أبداً؟
أين أنتِ ياسفينة نوح
ليركبَ فوقكِ كل أولئك الغرقى
الذين فقدوا بوصلة الوقوف
فى الموانىء
والمحطات
وعلى شواطىء الأنهار والمحيطات
أيها الرب!!
ألا تنام ولو لليلةٍ واحدةِ فقط
ليلةٍ واحدةٍ على الأقل
حتى يتوقف كل هذا الألمِ عن الدوران
أم أنها مزولة الأزل
والأبد
التى تعمل وبلا توقف خالصٍ
وفق قانون اللاجدوى الحار
ألم يقل نيتشة ذات يوم
أن الله مات
فمن ذا الذى نفخ فى روحك هكذا
وجعلك تقبض على مقود السفينة الغارقة هذه
وها أنت ذا
تعبر البحار
والمحيطات
وبلا إشارة واحدة
لتعلن عن أنتهاء تلك الرحلة
أو حتى انبلاح الفجر
فى نهاية المطاف ؟!
حرّاس الهيكل
أخوة الربّ
وحرّاس الزمن الممتلىء
بالأدعية
والتراتيلِ
والصلواتِ الفاسقةِ
فوق جدرانِ الهيكلِ
المملتىءِ
بالذهبِ
والفضةِ
والثراءِ الفاحشِ
أولئك الذين عاشوا حياةً باذخةً
وثريةً
فى حضن الربّ
ولم يعرفوا فى حياتهم الواسعة الشرهة
سوى أجساد النساء الباهظة
والمحلاةِ بالمشمشِ والياقوتِ
والرقصات الدائرية حول
فقه اللذةِ أو مؤخرات الموامسِ
والذين عاشوا حياة وسخة بجد
ترى أين هم الآن
وماذا حدث لهم
من رأى منكم ليقولَ
من كان هناك ليحدّث !!
من يقول للربّ
إننى هنا
وإننى هناك
أنا الجالس الآن على منضدةٍ مصنوعة من خشب الماهوجنى
وعظم الأغنام
ورقائق الخردة
من يقول للربّ
إننى مشيت فى كل هذه الطرق المفخخة
بالأمل
ولم أعثر على أى شىء
حتى ولو على حبلِ غسيلٍ واحدٍ
يربط الشرق
والغرب
فى سلسة
من يقول للربّ
إنه ثمة مئات الآلاف
من المسحاء
ويقفون الآن
صفوفاً
صفوفاً
فى انتظار طابور الذبح المقدس
أو القتل الجماعى
و القنص
من أجل مملكتك الغرّاء
تلك التى لا يسكنها سوى القتلة
والإنتهازيينِ
وبائعى صكوك الغفرانِ
من يقول للربّ
كم مرةً خرجت كل هذه الشمس
من غياهب الظلمة
لتشرق هنا وعلى الأرض
ولم يكن ثمة عدل قطُّ
فقط
الآلاف من الصراصير الجافة
وحرّاس الهيكل
وفرسان المعبد
من كل شكلٍ
ولونٍ
ولا أحد يعرف الحقيقة أبداً
لا أحد جاء ليقول لنا
ماذا تريد بالضبط
فى مملكتك
الواسعة
الغرّاءِ هذه
من يقول للرب
إنه ومنذ أن صعد موسى إلى الجبلِ
ورأى العليقةَ
لم يتغير أى شىء
فى هذا الكونِ
وماذا بعد العليقة
وجبل الطور
نفسُ الليل بخطواته الوئيدة
ونفس النهار بعزلتهِ اللا نهائية
ماذا فعل موسى بالعالم
ولماذا موسى بالذات
ولم يكن هذا أو ذاك
هل تغير العالم
هل تحولت البشرية إلى الإستقامة بالعدل
والحرية
هل توقفت الحروبٌ
وانتهت الديكتاتوريات
وتجارة الأعضاء البشرية
هل حدثت المساواة بين الناس
البعض قد نظر إليك أيها الربّ
باعتبارك المحارب الأعظم
والبعض سخر منك وبضراوةٍ
وأخذ فى تفكيك العالم
البعض قد راح يتبول بعمق
وأستاذيةٍ
على كتبك المقدسة
فلماذا كانت التوراة
ولماذا كتبت الأناجيل
وأين هى بقية الألواح
ألست أنت الربّ القادر الذى لا يهزمك شئ
ألم تكن تقدر – حتى – أن تحافظ على كل تلك الألواح
من الأيدى العابثة
من الأبدِ
إلى الأزل
وكيف كتبتها على مربعاتٍ
ومثلثات
ومستطيلات
من الطين
وماذا كتبت فى الألواح بالضبط
إنك انت الله
ولا إله إلا أنت
أعرف أعرف
لكن قل لى
ماذا يعنيك من العالم بالأساس
إذا كنت أنت خالق كل شىء
كل شىء
ولماذا هذا الشعور بالنقص
إذا كانت مخلوقاتك لا تعرفك
طالما أنت القابض
والباسط
بيديك الإثنين
على هذا العالم
قل لى
من سيأخذه منك
أو من سيقف فى مواجهتك
أين ذهب موسى إذن
ولماذا أخذ السيد هارون العصا من يد موسى
وأخذ يهش بها على العجل المقدسِ وهو غير عابئ لا بموسى ولا بكل ألواح الشريعة
وهو يسرق كل ذهب المصريات
ويشعل النار
فى كتاباتهم المقدسة
وكل تواريخهم
ودياناتهم القديمة
طرقك مليئة بالوحل أيها الربّ
ومن هو ذلك المسيح ليكون أنت
هل كنت فى حاجةٍ فعلاً لتخرج من رحم امرأةٍ
ويقال لها مريم العذراء
أليست سخرية
واستخفافاً بالعقول
أم إنها إحدى أساطيرك القوية
وطرقك الوعرة
التى تفاجىء بها الملاين من سكان
كل هذه الأرض
المعمورة
أو المطمورة ِ لافرق !!
ألم يقترب أحد منها قطُّ
ألم تكشف سرها للبشر من قبل
ألم يتحسس أحد عجيزتها
أو يملأ جرتها بالماء
ألم ترقص عاريةً – فى ليلةٍ عاصفةٍ –
وأمام يوسف النجار
ألم يأخذها يوسف النجار إلى عريشةٍ
قريبةٍ
وهو يجرجرها من شعر رأسها
حتى أصبحت عاريةً تماماً
وأخذ يضاجعها عشر مراتٍ على الأقل
ومثل بقرةٍ حلوبٍ
أمتلأت باللبن
والشهوةِ
وأخذت تشخر وتنخر
فى انتظار
أن يركبها عجل مقدسُ
أو حتى بغل
ليطفئ نيران كل تلك الشهوةِ العارمةِ
ألم تسمع شخراتها أنت أيها الرب المقدس
وعلى بعد آلاف من السنوات الضوئية
وأنت تتربع وبمفردك
على ساحل السماء البرتقالى
وتنظر إلى فخذيها اللدنين
وتكويرات المؤخرةِ المترجرجة
وعفوية الفخذين الأبيضين
اللدنين
الراسخين فى الشهوةِ
وطرائق اللذةِ
والمكتظين بالحليب
وعسل النحلِ
فلماذا إذن جعلت منها أسطورةً
للأولين
والآخرين
وهى هى التى أعطت نفسها لرجالِ كفر ناحوم
قاطبةً
وأخذت تصرخُ فى البرية
أنا أنا الرب ذاته
ومن رحمى يولد الربّ
أنا الربّ ذاته
بين فخذى يسكنُ العالم
وتقوم مدائن المعرفة
وعلى سرة بطنى تقوم مالك شتى
وتنهزم إمبراطوريات بتواريخ
باسمى سوف يلهث ملائكة العرش
وبين ثديى سوف يهتز العالم بالشهوة
من أين جاءنى يسوعكم إذن
هل نفخ الربّ بين فخذى بالفعل
من رأى منكم ليحدث
ومن كان هناك ليقولَ أنا بمفردى أعرف الحقيقة
تلك من أكاذيب الرواةِ
وصنّاع الأساطير
الحواةِ
العراةِ
والمخنثين
أنا
وفى ليلةٍ ما تغطيت بالنرجسِ
ووضعت نبات الخشخاش تحت رأسى كالقناديلِ
وقلت للشمسِ
إرقصى ياعشبة تحت رجلىّ
وأخذت أجرجر القمر من رأسهِ
وأقول له
أنت أيها الأبيض الأبيض
جسدى هو أشد بياضاً منك
دوائر فخذى مثل الحلى
سرتى كأس مدورة
ولايعوزها شرابُ ممزوج
من بين شفتىّ هاتين
تخرج اللآلىء بانتظامٍ إلى البحرِ
وعلى قميصِ نومى يأتى الرجال من ذوى القوةِ
والبأسِ
ويركعون تحت نعلىّ
أنا
أسمع صرخاتهمْ وهم يبكون
وهم يتلون صلواتهم المبرقشة إلى الربّ
أن أمنحهم هذا الجسدَ
ولو مرةً واحدةً على الأقل
كنت أنا الكأس والخمر فى نفس الوقت
كنت أنا الساقيةَ التى تفيض بالماء
والأرضَ التى يبذرون فيها بذورهم
لم يكن هناك أحد ليرانى
إلى أن امتلأت بطنى بالحليب
وتركتُ جسدى لكل عابرِ سبيل
قلت لنفسى ذات ليلة
والآن يامريم
ماذا تريدين من جسدك سوى أن يتشبع
ويمتلىء بالخمر
أن يمتلىء الإناءُ باللبن
لم يكن يوسف النجار سوى أحد هؤلاء البررة
وأنا لا أعرف حتى الآن من هو الذى غرس حربته القوية
فى بطنى
ووصلت إلى حد العنق
والصدر
من ذا الذى احتطبنى حتى امتلأتُ بالشهوةِ
إلى حد الفتنة
والغيبوبة
ربما كان موسى نفسه وقد أتى إلىّ فى الحلمْ
وربما يكون أخوه هارون
وبعد أن حطم الألواح
وراح يسجد لعجله الذهبى
على كلٍ الإسم لايهمْ
كان لابد أن يكون هو
وقلت له
لتكن مباركاً فى الأرضِ
كما فى السماء ِ
واصطنعت هذه الفضيحة لنفسى
وأمام كل رجالِ كفرِ ناحومِ
البعض كان يضحكُ
والبعض الآخر كان يشخر
والبعض قد خرّ راكعاً
الكل يبحث عن الربّ
فلمَ لا يكون الرب خلف هذه العشبة
ولمَ لا يكون الربّ هنا
أو هناك
وتحت هذه العريشة بالذات
أو خلف أوراق هذه الزهرة المكتسية بنفسها
الربّ دائماً موجود
الربّ دائماً موجود
ولاأحد يعرف شكله
أو لونه
كل يوم هو فى شأنٍ
فلمَ لا أخترع أنا الربّ ذاته
من فلذة كبدى
يسوع بن يوسف النجار
هللوا يا
هللوا يا
الآن
قد نزل الربّ بينكمْ
وأخذ يَكْرز فيكمْ
أنا أم الرب ذاته
وتحمل بالربّ
أنا هذه المرأة
الربّ منى
وأنا من الربّ
ومن يومها والعالم يحلم بالربّ ذاته
على سلم البشريةِ
المعوجِ
قد يقيم الربّ فى القدس
وقد يقيم فى أورشليم
قد يقيم فى فارس وعلى صورة ما
وأحيانا يذهب إلى أهل صيدا
فى صوره ما
أحياناً يقيم فى شوارع مصر القديمة وداخل كهوف الأهرامات
وأحياناً يمشى فى شوارع الناصرة
أنا الرب ذاته
لا مكان لى
ولا شكل
أقيم فى كل أحدٍ كيفما شاء
وأسكن فى كافة الأبنية
وفى الطرقاتِ
وعلى سواحل البر
وداخل أعماق المحيطات
مملكتى ليست من هذا العالم
أحياناً ما يكون إسمى إخناتون
أصنع مراكب الشمس
وأجرى عرشى على الماء
أتجول بحريةٍ بين
الشرق
والغرب
ولا أحد يعرفنى
أنا لا أنام أبداً
وأسير فى كافة المدن
وأخترع كافة الشوارع
بالليل
مثلما بالنهار
فى بلاد فارس أشعلوالى النيران
لأنهم رأوا أننى نار الكون
وفى بلاد الهند صورونى على شكل بقرةٍ
مقدسة
وفى بلاد طيبة قدموا إلىّ القرابين
من الماعز
والأغنام
وأحياناً
بالجميلات النائمات
على مذبح الربّ
وكانوا ياتون إلىّ فرادى
وجماعات
هم يبحثون عنى
وأنا
أملأ مخيلتهم
وأشكالهم
انا لست بعيداً عن هذا العالم
لا أحتاج إلى قرابين من أحدٍ
ولا أعبأ بكافة صكوك الغفران هذه
صنعت كل شىء بيدىّ هاتين
وقلت لنفسى
فلتدع كافة البشر يتخيلك كيفما يشاء وحيثما يشاء
أنا هو الوهم
والحقيقة فى نفس الوقت
أنا هو الخيال المارق
والواقع الأسطورى
أنا هو المعقول
واللامعقول فى نفس الصورة
أنا هو العالم والعالم هو أنا
انتبهوا
انتبهوا
لاتبحثوا عنى خارج ذواتكمْ
أيها النائمون تحت الثرى
أنا أنتم
وأنتم أنا
بدءاً من الذرة المنقوشة على الأرض
وانتهاءً بنقطة على المحيط
مركز الدائرة أنا
فى دائرة ٍعرضها السموات والأرضِ
هذه الدائرة لاتنتهى
ولاتبدأ
وأنا
أنا هو مركز الدائرة
سلاما
سلاما
سلاما
سلاه
لك يا اخناتون
سلاماً
سلاماً
سلاماً
سلاه
لك ياآمون
سلاماً
سلاماً
سلاماً
سلاه
لكل ساكنى الأرض
وأبناء العالم
ألم أقل لكِ ياأخت هارونْ
إن العالم لغز
يحوله جنوننا الأخرق
إلى شىءٍ
بشع
وغير معقولٍ
لاشىء
إلا لأنه يحاول أن يفسره
طبقاً لتصوراتهِ
ووقائعية مخيلته ؟!
يوسف الرامى
هل كان هذا الشرموط حقاً
ينقل دماء المسيح
من قرية ٍ
إلى قريةٍ
على أمل أن يعثر على الربّ
فى بئر ماءٍ
أو فى حديقةٍ مترامية الأطراف؟
أم أن يوسف الرامى قد أخذ
دماء قطةٍ عجوزٍ
وأخذ يصرخ فى شوارع القدس العتيقة
أنا الوحيد الذى أحمل
دماء السيد المسيح
أنا
من يجمع الحقيقة والحق
فى كأس واحدةٍ
ولا أحد سواى يعرف إن كانت مريم العذراء
هى عذراء بالفعل
أم أن ذلك كان من اختراع
كبير الكهنة؟!
وبعد أن نكحها ثلاث مراتٍ على الأقل
وقبل صياح الديك
أنا يوسف
يوسف الرامى الذى أحمل الدم المقدس
على ظهرى
وداخل كأس من النحاسِ الأصفرِ
والذى تركته الملكة كليوباترا
فى داخل قرية
أريحا
أنا يوسف الرامى الذى سوف يرش الأرض
بماء السيد
وأجعل الدم بمثابة الكأس المقدسة للعالم
وسوف أدفن هذه الكأس
فى مغارةٍ ما وعلى بحيرة طبرية
أو مغارةٍ ما من أحدى مغارات
باريس
حتى يظل كل من فى الأرض جميعاً
يبحث عن هذه الكأس
وإلى أن تقوم الساعة !
شكرى عبد الصادق
يرقد الآن فوق حشيشته الناعمة
بجوار الأم
والأب
فيما راح – أى شكرى عبد الصادق – يفتش عن
الروح المقدسةِ
بين تل الجماجم المجاورِة
وعظام الموتى
وسلة الدود
وتذاكر اللاعودة
وها هو ذا يتذكر شجرة الليمون
والنخل
وغصن الزيتون
وأعواد الجعضيض
والساقية المعطوبة على رأس الحقل
أكثر من مئة عام على الأقل
بينما الفاشية زوجته
راحت تتسلق على صدر رجل آخر
وهو يعبث بفخذيها اللدنين
ويشربُ من حليب السّرةِ الساحلى
ويدلك لها كفلها الناعم
بأصابعه الخشنة
ربما
يصيح الديك ثلاث مراتٍ على الأقل
وقبل أن يجرجرها إلى حقل الذرة
المجاور
لزريبته المكتظة بالتبن
والملاطِ
لكى تسقى بقية العيدانِ الناشفَة
الآن
ورغم أنه نائم إلى جوار أمهِ وأبيه
وفى مقبرة تحت شجرة الزنزلخت
يتذكر
أن العالم ما هو إلا مجرد مجموعة من الذكريات
الهرمةِ
أو ربما عملية تنفسٍ صناعية
وكأنها نقوش موقوفة
على جدران الزمن !!
دواليب الرأسمالية
وأنا
لا أزال لا أعرف نفسى
كيف لى ان أشعل الضوء فوق فتيلةٍ مقتولةٍ
وأستخدم السفن العابرة للقاراتِ
لأصلَ إلى سمواتٍ أخرى
وإلى أرضٍ غير هذه الأرض
تحت قدمىّ تتكسّرُ الأحلام فى السككِ
وينام ملك الموت الدامى
بأصابهِ المبقعةِ بالميتافيزيقا
لا أكتب شاهدةً على قبر
ولا أقرأ الإعلانات الأمريكية
فقط
أوقظ الظلام فى الليل
وأطبطب على رأسهِ
وأرتب أوراق المجدفين على الساحل الشمالى
لقارةٍ غارقةٍ
من يعرف حقيقةٍ إن كان المسيح قد مرّ من هنا أم لا؟
هل كانت الناصرة بالفعل
أم كفر ناحوم ؟!
وها هى الطيور نفسها قد هاجرت إلى قارةٍ بعيدةٍ
وطيور النوارس البردانة قد أخذت تقأقىء
تحت أرجل الخنازيرْ
فى البلاد البعيدة دائماً ما يسكن غراب أجير
عن أى شىء تبحثون أيتها الكلاب الضالةُ
عن الخلاص بالزيت
وماذا يفعل الربّ فوق سمواتهِ العامرة بالقتلى
وأنا هنا أهبكم حرية الحب
الحب الذى لا تعرفون
أهبكم الإنسانية المبخّرةَ
الإنسانية المحلولةَ الشعر
البردانة
الشعثاء
الإنسانية الجافّة الحافة الحاقةُ
والتى لا تشيخ أبداً
رغم كتيبة القوانين
ودواليب الرأسمالية المتوحشة
صفقوا للعدالة المقتولة على مشاجب القضاة
من هنا
ومن فوق هذه الأرض بالذات
قد مرت هذه السفينة من قبل
وهى تحمل جثث الموتى
وحناجر الغيوم المذبوحة
فى ثلاجات الجرانيومْ
لماذا تفتشون فى صناديق الزبالة
عن أغنية أخيرةٍ لىْ
أو صرخة أجيرة كان قد تركها الحلاج
تحت سقف منجلٍ
أو سياط الجلادين
وها أنتم ذا تبنون مساكنكم فوق تلِّ العمارنةِ
أو تبحثون بين أكداس القمامةِ
وأكوام القش عن التاريخ الحقيقى
لباراباس
وفيماذا كان يفكر السيد وهو يصعد على الجُلجثةِ
وقبل أن تنام أمه فى قلب مزود الطحين
والتبن
وحولها الجوقة الفارهة من المغنين العراة
والمغنيات المثليات !
فى بدروم الفانتازيا الكونية هذه
ثمة عنكبوتات وتقف شاخصةً على أوراقِ الحلفاءِ
أنا
تخلصت من جسدى تماماً
وتركت لكمْ أوردةَ روحى على ورق كربون ناشفٍ
وتحت عجلات عربة إسعاف مركونةٍ
لتصنعوا منها طائراتٍ ورقيةً
أو حقلاً من الموسيقى الشرهة
إلى النسيان
أنا
كثيراً ماقابلتنى مثل هذه الزهور
فى علب الصفيح
وهى تمشى مكسورة الأذرعِ
ومفقوءة العينين
بينما عربات الرّش
تكتسح الضحكات العابرة لأطفالِ الحضاناتِ.
خلاص إصطناعى
أنا....
ومنذ أن صاح الديك ثلاث مراتٍ
والعالم يغطُّ فى النوم
هل من خلاصٍ لهذه العشبةِ؟
وماذا يفعل كل هذا النهر إلى جوار قارب مكسور
فى قارورةٍ من نحاسٍ
ودخانٍ
وعلام كان السيد يبول على صياح الديك؟
ألم تكن هناك من نملةٍ
خالصةٍ
لكى تقوم بهذه المهمةِ الشاقةِ
بدلاً من ذلك الديك الملعون ؟!
لابد أن آلاف المجنزرات قد وقفت فى الحلق
وأن أمنا الشمس الرؤوم
قد رقدت هى الأخرى فى كهف أفلاطون
والذى ظل ذلك المنادىء
يفتش عنه لمدة ثلاث ليالٍ سوياً
منذ أن صاح الديك ثلاث مراتٍ
والعالم يغطّ فى النوم
ولا يعرف إن كان هذاالذى يحدث هنا أو هناك
تحت الشمس
أحلام شيطانٍ
أم خلاص اصطناعى
على ترع الفانتازيا الجهنمية.
الزمن يتقدم إلى الوراء
لابد أن الزمن يتقدم إلى الوراء ببطءٍ
وأنا أهتف
أيتها الشوارع
أيتها المكانس الكهربائية
والقطارات
ياصفارات الإنذار
وياعربات دفن الموتى
أيتها الموتوسيكلات التى تقطع الهواء
وبعيداً عن الجاذبية الأرضية
أيتها الأرامل
والمطلقات
أيتها العجائز والمسنات اللواتى يختبئن
فى دور العجزة والمسنين
وينتظرنَ الموت الشارد فى أية لحظة
أيها الأمل المخبوء – بحذافيرهِ – فى دورة مياهٍ عموميةٍ
أيتها الساعات التى لا تعمل إلا وفق قانونِ الرأسماليةِ
المتوحشةِ
أيها العمال المسحوقونَ تحت أرجل الدولار الامريكى
واليورو
وكافة العملات الأجنبية
لا خلاص لكم فى كل هذا العالم
سوى التمثيل بجثة العدم
على أنهار اللاشىء
وتحت شمسٍ قليلة الخبرة.
إدمنتون
هنا فى إدمنتون
الثلج يتساقط بضراوةٍ
ولا وجود للشمس أصلاً
والحياه داخل البيوت موت مبكر
ولا أحد فى الشوارع
غير الغربانِ
وطيور النوارسِ
من ذا الذى ابتكر هذا العالم فى كراسة المجازات
والشوارع التى لا تعملُ
والساعات طريق إلى المقابر الجماعية
كل هذه الحياة الجنائزية من أجل لا شىء
قل لى أنت يايسوع
هل جربت الثلج فى إدمنتون فى درجة
حرارة 40 تحت الصفر
وهل وقفت أمام ضفدعةٍ ميتةٍ على رصيفٍ خالٍ من المارةِ تماماً
أم اصطدت فراشةً
وتأكلها الذئاب
فى هناجر الديانات؟ !
متحف العاديات القديمة
مع حلول الليل أكتب عن الجسد
ومع حلول النهار أكتب عن المرأةِ التى تحلم باللذةِ وتمارس الجنس فوق طبقٍ طائرٍ
المرأة والجسد
كتاب واحد
فى عدة فصول
المرأة والجسد إنجيل واحدٍ
لكافة الديانات
أخترعنا الأساطير لكى نعرف حقيقة الله
واخترعنا الله
لكى نتخفف من وطأةِ كل هذه الأساطير
مع حلول الليل
أجلس الشمس عن يمينى
وأقرأ فى كتاب اللغةِ عن خبز
المرأة الجاف
وعجين السرة المسحوقِ
فى محلات الأحذيةِ
والبطاطس
إجلسنى أيها النهار عن يمينك
حتى أقرأ ما تيسرَ لى
من سورة العدم
على أرائكِ اللامعنى
وأبحث عن المنظور أو اللامنظور
فى متحفِ العاديّات القديمة.
أين شوكتك ياموت
أجلس فى الأزقة المعتمة وأحدق إلى السقف المُعَلَّقِ
فى السقف ثمة فراشة
وعلى أرضية الغرفةِ
إنجيل ليسوع المسيح
وهكذا تحدث زارادشت
والوصايا العشر
للنبى موسى فوق جبل الطور
ومزامير النبى داوود
وعناكب يوحنا المعمدان
ورأس سالومى
وفردة حذاء للغناجة المهتاجة هيروديا
وأنا أذرع الغرفة جيئة
وذهابا
وأقول لنفسى
أنا نقطة فى المحيط اللانهائى
فوق مجرةٍ ضائعة
فى عالم لا نهائى
أين شوكتك يا موت
أين غلبتك ياجحيم ْ؟
عن أيامى المقطوعة الرأس
أنا رجل ماتت زوجته
ذاتَ نهارٍ أثيم
فوق فراشى تتربع أربع كلماتٍ
سود
أنت رجلى الوحيد ياحبيبى
أتركك فى رعاية الجحيم حقاً
وقوس قزح
وها آنذا
أتمرمغ على سريرى الجافّ بضراوةِ كلب أعمى
وأبصُّ على الحوائط المكتظة بالعفاريت
وأستصرخ النوافذ
والبيوت
والعمارات
لاشىء
لاشىء
غير أيامى المقطوعة الرأسِ
والمشجوجة الأنفس
بيد ضاريةٍ
ودمامل سوداءْ !!
أيها القارئ العزيز
سأبوح لك بشىءٍ أيها القارىء العزيز
ياقارئى الحبيب
أنا هزمتنى الحياة فى مثل هذه الأيام
فى كل طريق أسير فيه أجد كارثةً
فى كل ليلةٍ أقطعها بمفردى
تتنطط ألف قطةٍ عمياء
وألف مصباحٍ أسود
فى مخيلتىْ
وتنام على أوردة روحى ثعابين جافة
بحجم الكرة الأرضية
وبالمناسبة
أصبحت الكرة الأرضية مجرد خيال
مغناطيسى
لصرصار أخرقْ
أصبحت أكره أفلاطون حتى النخاع
وأبول بضجرِ وحميميةٍ على كل ما قاله سقراط بقدر ما فى جعبتى
من خراءٍ
وأشعل النار فى كل جدلياتِ هيجل
وماركس
ومثلثات برمودا
وأشخر من كل رؤساء هذا العالم الكلاب الخونةِ
بدءاً برؤساء جمهوريات الموز
واللفت
وانتهاءً بجمهورية أفلاطون اللعينة
فماذا فى العالم بعدُ
سوى مجموعة من المسرحيات الهزلية
لمجموعةٍ من المؤلفين العميان
وعلى رأس القائمةِ
يأتى الشعراء
وهم ينزحون المجاريرْ
ويتركون قصائدهم تتعفن
تحت بئر السلم
البعض قد يتوقف بإزاء إناءٍ فارغٍ
والبعض قد يركب السفن الغارقة
لينجو من الليلِ
فى الليل
البعض قد يدق على طبول الفراغ الهرمةِ
بصناجتين طينيتينِ
والبعض الآخرقد يجلس على النواصى العتيقةِ
ليصلّح أحذية القوارير
وأدمغة السحالى
ولا أجد أمامى سوى شاشةٍ بيضاء
باتساع الكرة الأرضية
ليس فيها سوى مجموعةٍ من الفئران الضالةِ
التى تلعق أحذية الصراصير !!
أطباق الفقراء
أنا
لم أعد أنظر إلى الحياة بجديةٍ
إكتشفت أننى أحمق بما يكفى
أضعت حياتى فى جدول الضرب والقسمة
وبحثت فى حساب المثلثاتِ
والمربعاتِ
لمدة ربع قرنٍ على الأقل
وركبت عدة موجاتٍ فى وقت واحد
وتسلقت أشجار الجميز والسنط
لأف عام على الأقل
وأكلت من توت القرية الأحمر و الأبيض حتى تورمت قدماى
وجفّ حلقى
وطاردت العصافير إلى أن سقطت فى شبكتى الوحيدة
خنفساء جاحظة
بحثت عن العدل وفى أكوام القمامة
وتساءلت عن معنى الإنسانية الحارّة
تحت جنازير الدباباتِ
والصواريخ العابرة للقاراتِ
وها أنذا أشخر من كل أساطير العالم
عن الحرية
والديمقراطية
وبقية التوابل التى تمتلىء بها
أطباق الفقراء
المحمصة !!
إختراع الأمل
يجب أن نخترع الأمل
حتى ولو كان على شكل طبقٍ طائرٍ
يجب أن نخترع الأمل
حتى ولو كان على شكل جاموسةٍ
وتدور فى الشوارع
لكى نقول للموت
وبصوتٍ صارخٍ فى البريةِ
أنت لاشىء
لاشىء أيها الموت الجبان
يجب أن نخترع الأمل
لكى نسير فى الشوارع المغطاةِ
باليأس
ونحن ننظر إلى الشمس بعينين ضاحكتين
يجب أن نخترع الأمل
حتى ولو كان على شكل خرم إبرة !!
غداً أو بعد غد
غداً أو بعد غدٍ
ستسمعون نحيب هذه الشمس
أو بكاء تلك الشجرة
غداً أو بعد غدٍ
سوف يأتى الليل على ظهر نملةٍ عرجاء
غداً أو بعد غدٍ سوف نتعرف على النهار
من خلال تجاعيد الساعات الميكانيكية
لهذه الورةِ
أو تلك النجمة
غداً
أو بعد غدٍ
سوف تروى العصافيرُ فى الليل – عن حكاياتها -
لكل تلك الكتائب السوداء
لمملكة الربّ
غداً
أو بعد غدٍ
سوف يأتى الطوفان بعد الموت
لكى يقف تحت ظل تلك الصخرةِ
ويقول للريح
تخففى من ملابسك الداخلية
أيتها الغاشية
فالعالم لاشىء
العالم لاشىء
العالم لاشىء !!
عندما سار الربّ فى الشوارع والسكك
عندما سار الربّ وحيداً فى الشوارع والسكك
ووجد أن الشوارع خربةً
وخاوية
نظر إلى وجه الغُمْرِ ومن خلال نظاراته الضخمةِ
وتلسكوباتهِ المحدبة
والمقعرة
وأخذ يرش الملح على كل شىء بدءاً من الصخرة المجوفة لهرقل
على شواطىء طنجةَ
المتلفعة بأرديتها الصوفِ
وخلاخيلها النحاسية الخلابةِ
وانتهاءً بالدورة الدموية للأمل
أو تلك الوردة الهاربة تحت سفحِ جبل
موسى
وكان أن امتلأت الشوارع بالدم
والمستشفيات بالقتلى
وعلى الأسرة البيضاء صارت النسوة
لا يرضعن أولادهن سوى الخنافس
والبيلاجرا
والأطفال لا يذهبون إلا إلى دورِ العجزة
والمسنين
ولم يعد فى جعبة الفانتازيا السماوية
وعلم اللاهوت
والسياسة
سوى ملك الموت بكل أحصنتهِ الخشبية
وأصبحت التراجيديا الإنسانية
أنشودةً فى فم المغنين
إذ ذاك
نظر الرب إلى الشوارع النهمة
وأخذ يضحك ُ إلى الشمس
ويرش النجوم فى الأفق
وقال لنفسهِ
نعم أنا أخطأت فى صنع هذا العالم
فلماذا لا أضع تحت كل نافذةٍ
شمساً
وأمام كل باب جيشاً كاملاً
من المحبةِ
لمَ لا أمحو ما يسمى بالخير المحض
وما يعرف بالشر الخالص
لمَ لا يكون العالم كله عبارة عن فكرة
طرأت فى ذهنى
وأنا فى لحظة من الضجر
أو الشعور بالوحدة
أرجوكم
أرجوكم
إمهلونى قليلاً من الوقت
لأعيد ترتيب أوراقْىِ
وأجعل الحقيقة على شكل قوس قزح
ياأهل الأرض كلكم
أبنائى وشركائى فى الموت والحياة
الأسودُ إلى جوار الأبيض
والأحمر إلى جوار الأصفر
بلا موسى
أو عيسى
أو حتى زرادشت
أو هيجل!
رُفعت الأقلام
وجفت الصحف
لا وجود لى إلا من خلالكمْ
ولا معنى للزمنِ إلا بكمْ
أنتم مراياى
وكافة كلماتىْ
أنتم أنا فى الحقيقة
وأنا أنتم فى الواقع
أنتم ياأهل الأرض كلكم جميعاً
أبنائى وشركائى فى الموت
والحياة
انظروا إلى الليل
فبدون هذه الظلمة
لم يكن للنهار معنى
وبدون كل هذا النهار
لامعنى للنجوم
الليل أخ ناصع للنهار
الحقيقة متعددة أيها الناسْ
انظروا إلى كافة المرايا
لا إلى مرآةٍ
واحدةٍ
فقط.
ثلاثية يوسف
(1)
عندما وضعوا يوسف فى السجن
حارت امرأة العزيز
ماذا تفعل بجسدها الليلكى
وبكل تلك المؤخرة اللينةِ المرحةِ
وبصدرها النفاذ الأشقرِ
مثل سفينةٍ شراعيةٍ تحت هبوب الرياحِ
وماذا ستفعل بأنبوب الشهوةِ
الحارقةِ
وصرخات الروحِ الصّخّابة
وماذا ستفعل بتمثال المحبة الرازح
تحت عتبة الغرفةِ
الذى أخذ يعلو ويعلو
حتى تفوق على البنايات
والعربات المطهمة
وتلال الحُلى والزينة
وقالت لنفسها
ماذا سأفعل أنا بكل تلك الأناشيد الفرعونية
وأهرمات خوفو
وتراتيل إخناتونْ
ومزامير نفرتارى
وفى كل يوم
كانت تذهب بمفردها إلى السجن
لتقف أمام حارس البوابة العتيق
وتخلع ملابسها المزينة بالذهب
والفضة
لكى تقف أمام يوسف
كتمثالٍ من الذهب الخالص
واليواقيت
أو على شكل مشكاةٍ فى زجاجةٍ
إذ ذاك
أخذ يوسف العزيز يصرخ إلى الجدران
والنوافذِ
لا أريد أن آكل
ولاأريد أن أشرب
أريد أن أموت
على عتبات هذه المرأةِ
هذه المرأه إلهى
هى حقل حنطتى
وأشجار ظلى
هذه المرأة هى حروف كلماتى
ولغتى
ديانتى المستترة وطقوس صلواتى
إنها المرأة الوحيدة التى أرى
فيها الله جهرةً
لا تحرمونى من هذا الجسد أيها الناس
على سلم جسدها أنا
صعدت إلى ما هو أبعد من السماءِ
وأعمق من أعماق الأرض
نظرة عينيها تخترقانِ قلبى
أصابعها تشعل جدران روحى
وتشعل الحرائق فى كل جسمىْ
بين عينيها تسكن التواريخ
ومن خلال جسدها تقوم الحضاراتِ
وتنبنى الديانات
هى اللغة والقواميس
إنها المعنى الذى أبحث عنه
فى هذا العالمِ
أنا لم أعد أريد أى شىء من هذا العالم
سوى هذه المرأة بالذات
رائحة أنفها أعجوبةٌ
وبطنها سهولٌ بصحراواتٍ وأنهارٍ
ومنها يتدفق العسل
وأباريق الخمر
هذه المرأة أهرامات من ماس
وبوّابات من يواقيت مدفون
أقعدونى على فخذها إلى أن أموت
ولا توقظونى حتى تقوم من نومها
أو يعلن الزمن
عن نهاية الساعات !!
(2)
عندما وضعوا يوسف فى الجُبِّ
أخذ أخوة يوسف يتنططون فى الحقلِ
وراحوا يمسكون بالدفِّ
ويعزفون بالمزامير
وهم يرتلون صلواتهم وأدعيتهم الخارقة إلى الربّ
ربّ إبراهيم
وإسحاق
ويعقوب
وبعد ان أنجاهم من الذئب فى الفلاةِ
واسترحوا – الآن – من الداهية الأكبرِ
يوسف
الذى فضله أبواه عنهم جميعاً
لالشىء
إلا لأن أمه كانت تعرف
كيف ترقص بجسدها الأرجوانى
على أنامل يعقوب
واستطاعت – كذلك – بشهوانيتها المرعبةِ القدرةِ
أن تسلب يعقوب اللبّ
فأصبح لا يرى العالم إلا من خلالِ جسد هذه المرأةِ
ولا يرى الله ناصعاً
إلا من بين فخذيها المعشوشبتين
ومؤخرتها التى تكتظ بالهلاوسِ
واللوغاريتمات
عندما وضعوا يوسف فى الجبّ
راح أخوة يوسف يخططون
كيف يشعلون النار وبضراوةٍ
فى كل هذا كل العالم
وفى القدس بالذاتِ
وسوف ينتظرون كذلك ماذا سوف يفعل الربّ
فى سيمفونية الخراء هذه
-كل أنهار مصر تحت قدميك
ماصنعها الربّ إلا من أجلك أنت
أنت واهب الفرح
والمحبة
أنت الذى يصعد القمر كل ليلةٍ
إلى نافذة قصرك
ليطل عليك
ويستمد نورة من بهاء وجهك
وانعكاس شمسك
شكل عينيك طيبتانِ
مثل طيبة
أو مدينة الربّ منف
كم ألف سنة انتظرناك أنت
أيها اليوسفى فى الحسن
قبلك ظلمنا الملوك
وسخرَّنا الجبابرة
وجعلونا ننحت الصخر
بأسناننا
لمَ كل هذ ؟! هكذا قالت امرأة العزيز
(3)
عندما وضعوا يوسف على عرش مصر
جاءت امرأه العزيز
وجاءت جوقة المغنيين
والمغنيات
جاء رجال الدرك الأحمر
وكل رجال اللاهوت
من عبده آمون
وإخناتون
وهم يغنون بأصواتهم المخنثةِ
وخشخشات جلابياتهمْ
المزخرفةِ بالذهب
والفضةِ
أنت سيدنا
أميرنا
قمح مصر فى خزائنك
كل ذهب المصربين أصابعك
هاهم الفقراء
يقفون الآن صفوفاً
صفوفاً
فى انتظار أن تعطف عليهم
وأمام بوابات قصرك
نساؤنا يتضورنّ جوعاً فى الشوارع
ويمارسن الرزيلة تحت سقف كل بيت
من أجل لقمة العيش
أو رغيف خبز واحدٍ
أنت مشرّع الدياناتِ الأكبر
وصانع القوانين
أنت الذى سترد العدالة المسلوبة
إلى شوارعها
طالما كنت على عرش مصر
سوف نأمن على أولادنا فى الحقول
وعلى غنماتنا تحت أشجار
النخلِ
والكافورِ
مرة أخرى أيها اليوسفى
سوف نعود إلى الغناء بالدفّ
والرقص بالمزامير
بعد أن نسينا الفرحُ والسرورُ
قبلك
كنا نتمنى الموت ولو تحت سفح جبلٍ
أو تحت محراث حقلْ
قبلك ظلمنا الملوكْ
وأهلكنا الطغاة
فى برّ مصر لم نعد نعرف سوى أكل
الترابِ والخنافس
وأوراق الشجرْ
والسمك الميت
بيوتنا خربةٌ
وخاويةْ
أهلكنا الجوع
ودمرّنا اليأس فى السكك
إذ ذاك جاءت امرأة العزيز
وجلست تحت ساقى يوسف المعشوشبتينِ
وأخذت تغنى هى الأخرى
بصوتها الرخيم
وجسدها الملفوف الأخاذِ
من أين أتيت إلينا ياحبيبى
كم ألف سنة وأنا أنتظرك أن تأتى
جسدى لم يزهر إلا تحت أصابعك
وبين فخذيك
وجدت كنزى
أنتَ
عندما ألقيت بذورك بداخلى أزهر الحقل
ونوّر الرّمان
أورقت كل أشجار مصر
وفاضَ النيل على السكك
وأغرق كافة الصحارى
حليب جسدك يتفوق حتى على عسلِ النحلِ
وشرابِ الفراعنةِ
طعم شفتيك مثل طعم شفتى الربّ
حنانتين
ومغريتين
حتى للطير العابر
فما بالك بامرأة العزيز
يايوسف !!
دعنى أرقد بين فخذيك ياحبيبى وحتى أموت
دعنى أنسى العالم بكل مافيه يايوسف
حتى أرتوى من حليبك الساخنِ
وشهد أيامك الحلوة
خذ كل شىء
خذ كل شىء
ذهب الأسرة العاشرة
وحتى الأسرة العشرين
خذ ذهب منفِ
وخزائن طيبهْ
أنا – بنفسى – سوف أجمع لك
كل ذهب نساء مصر
من أين أتيت ياحبيبى
وما هو ميعادك
مصر درة الدنيا
وسيدة العالمِ
تجلس تحت قدميك
شهية
وباكية !!
نحن الذين أخترعنا الآلهة
وحتى فكرة التوحيد قد خرجت من هنا
من أرض مصر يا يوسف
نحن الذين توضأنا بالشمس
وأسقينا القمر حتى من حليب النجوم الفضفاض
وصلوات الكهنة فى داخل المعابد
على ضفات الأنهار غنت العصافير للربّ
آمون
وإخناتون
وحتى للجميلة نفرتيتى
كانت الشمس تشرق على الأرضِ
فلا يوجد على الوادى أحد
لايسبح باسم الربّ
ولا يسجدُ إلا للإله الواحد الأحدْ
حتى الصلوات الخمس نحن الذين أخترعناها – هنا- وفى بر مصر – يا يوسف
وأخذها منا كل أبناء الأرض
كان القمر يطلع فى الليلِ
فلا نرى سوى وجه الربّ – هادئاً ولا معاً -
فوق حدائق القبة
وكل أراضى الدلتا الواسعة
ياسيد الأرضين يايوسف
قل لى
من يضارعك فى الحسن يايوسف
مصر كلها كلها لك
بكل ما فيها
من ماشيةٍ
وأغنام
من ذهبٍ وكنوزٍ
فقط
احكم بالعدل يايوسف
أقم القانون فى الظُلْمة
حتى يأخذ الطفل حقه
وتُرَدّ للشيخِ سكينته
واجعل المحبة تسير فوق الأرض مثل امرأةٍ تكشف عن ساقيها
حتى يراها الناس
ويعشقها الخلق كلهم جميعاً
إجعلها مثل كتلة الهواءِ الراسخة
ويتنفسها الجميع
ويراها الناس وهى تسير على الأرض
بقدمين فارهتينِ
قبلك ظلم الملوك كل أبناء هذا الشعب يا يوسف
وأنا
أنا امرأة العزيز
سوف أمنحك جسدى وقلبى
ياشقيق روحى
وياذهب أيامى
لا تركن إلى إمرأةٍ أخرى يايوسف
فيكرهك قلبى
أنا التى جعلتك على خزائن الأرض
ومنذ أن رأيتك
من أجلك انفتح قلبى على العالم
أصبحت أنت الآب
والإبن
والروح المقدس يايوسف
مقدس أنت أينما سرت أو رحلت
فى كل الطرق يتبعك قلبى
وعلى النواصى
أترقب وصولك
أصبحت لا أشعل مصابيحى فى الليلِ
لأنك بدّدت الظلام
عن نفسى
ولم أعد أنتظر الشمس فى الصباح أن تشرق
أو القمر بالليل
لأنك الضوء كله والنور كله يا يوسف
صوتك يسمع من بعيدٍ
فينجرح قلبى
وهنا
اعتدل يوسف فى جلستهِ
وأمسك بكنّارة يعقوبَ
وراح يعزف أناشيد السلام
والمحبة !
ويغنى لامرأة العزيز أغنياته المفضلة
عن الربّ ذاتهِ
حتى راحت الأشجار تصطف فى الشوارع وتتمايل على الطرقات
لتسمع غناء يوسف
وأخذت العصافير تعيد توزيع جغرافياتها
فيما راح الفلاحون
يجمعون الحنطة والزيت
من على ضفات الأنهار
ويكتبون تواريخ الرغبةِ
وبلا أدنى خوف
لا من آلهة منف
ولا من كهنة آمون
وسارت سفينة الرب العامرة
فى كل الجهات
وأشرق النور على كل شىءٍ
فيما راحت امرأةُ العزيز ترقص عاريةً
أمام كنّارات يعقوب
حتى سالت أنهار اللذةِ فى الشوارعِ
وأخذ فوطيفا رع كل ذكرياتهِ عن الربّ
إلى منفاهُ الإختيارى
ومازالت الصلوات تتردد حتى الآن
على جدران المعابد
وكل أحجار مصر
وحتى مواويل الفلّاحات.
رجل ذو مزايا مزدوجة
أنا رجل ذو مزايا مزدوجة
تقول لى امرأة ما أحبك
فأذهب إلى البنك لأسال عن سعر الفائدةِ
يقول لى رجل ما أين هو الطريق إلى Down Town
فأقوده فوق دراجةٍ هوائيةٍ
إلى عتبات المقابرِ
وتقول لى فتاة صغيرة كيف تُكتب الألف
إلى جنب الياءِ
فأغنى لها أغنية ماركس عن الطفولةِ المفقودةِ
وأقعد تحت تكعيبة عنبٍ
وأجز رقبة خنفساءٍ
جاحدةٍ
فى الصباح
أذهب إلى حلّاق الصحة العمومية
فأكتشف أن أمى قد عادت من القبر
فى زيها الجديد
وهى تحدثنى عن بنات الحور
وعن القمر المسحورِ
وعن الجنيه الذهبى الذى كانت قد خبأته لى
هناك فى حفرةِ عميقة تحت بئر السلمِ
لكى يظل كنزاً مخفياً إلى الأبدِ
أحاول أن اكتب قصيدةً عن المرأةِ التى أحبها
فإذا بالشارع الذى أسير فيهِ
يتشقق وبضراوةٍ
ويأخذ فى الإبتعادِ عنى
وينفجر الرصيف كله بالضحك
وتتطاير النوافذ من الشبابيكِ
أرجوكم
قولوا لى
ما هو الفصل الأخير فى هذه المسرحيةِ القذرة
وقبل أن أصل إلى بوابة
العدم !!
من يبحر معى إلى الشاطىء الآخر
من يبجرُ معى إلى الشاطىء الآخر
وقبل أن يعود الفجر من رحلتهِ
النهارية
هناك على الشاطىء الآخر
من يبحرُ معى إلى الشاطىء الآخرِ
وهو يعرف أى شىءٍ
عن صانع التوابيتِ الأمهرِ
ومغنى الأوبرا الضريرِ
وعازف الجيتار الأخير
فى مملكة النمل هذه
من يبحر معى إلى الشاطىء الآخر
- وقبل أن يصيح الديك ثلاث مراتٍ –
لنجلبَ معاً ومن هناك
ثمرةً واحدةً
كان قد نسيها الربّ قبل ألف سنةٍ
وفوق إحدى الطرق
ولاتزال هناك
لتؤرخ لرجلٍ وامرأةٍ كانا قد تركها هناك
لتجف وحتى لايأكلها الدود
وإذ يعودان فى يوم البعث يجلسان تحت تلك الشجرة ويتناولانها كطعام إفطارٍ
أو كراسة ذكريات.
جغرافية اللازمان
أنا شاعر كلاسيكى بامتياز
أحياناً ما أذهب إلى البحرِ
لأبحث عن فراشةٍ ضالةٍ
أو صنارةٍ مكسورةٍ وخاليةٍ من الوهمِ والتخيلاتِ
لأصطاد بها السماء وهى تنكمش من البردِ الخالصِ
أحياناً ما أقول لنفسى
فى الربيع تخضرُّهذه الشجرةُ
وفى الشتاء تنكمش على نفسها
ولا تفكر فى الزمن
أو الساعاتِ
سوى حسراتها المتعددةِ
عن غيبة الشمس
آه
أنا شاعر أحمق بامتياز
دائماً ما أفكر فى كتابة القصائد
التى لاتعرف أى شىءٍ
عن الآب
والإبن
والروح القدس
أو عودة الروح
لا تعرف أى شىءٍ
عن لوحات بيكاسو
أو النشيد العام لبابلو نيرودا
أو كسارة البندق
أو العشاء الأخير للسيد المسيح
إن كان حقيقياً
أو غير حقيقى
ما إذا كان جيفارا قد مات مقتولاً بالسمِّ
أم بفعل المخابرات الأمريكية بالفعل
أو بواسطة راعى الأغنامَ الأحمق
وهو الذى كان يدافع دائماً عن الفقراءِ
ستون عاماً من كتابة القصائدِ
ولاشىء
سوى كومةٍ من الأنقاض الراسخةِ والخسارات
تحت أرصفة التاريخ اللاإنسانىّ
وأزمة الإقتصاد الكونى
وحشرجات رأس المال
فى الزكائب الكوكبية للخراءِ
كل هذه القصائد !!
ومازال المعرى يسكن فى معرّةِ النعمان
التى يقصفها الأمريكان بالقنابل العنقوديةِ فى كل ليلةٍ
والروس يدهسون فوق أحشائها
بالدباباتِ
ورجال داعش يبحثون عن مقبرته
لكى يمثلوا بجثتهِ
ومازال ابن عربى يتوضأ تحت جبل
قاسيون فى الصالحية
ويعيد ترتيب أوراق فتوحاتهِ
المكية
وغير المكية
وينتظر أن يرى الله جهرةً
أو من وراء حجاب !!
تعالوا إذن أيها الشعراء
لنضع كل هذه القصائد الملوثةِ
وغير الملوثةِ
تحت عجلات القطار الدولى السريعِ
للإنسانية الرثةِ
أو الإنسانية المعطلة لافرق
أو نرصها هناك فى الرّبع الخالى
لعلها تبيض وتفقس فى العراء الطلق
تماماً
وكما كان يفعل أنبياء العهد القديم
على حدودِ جغرافيةِ اللازمان
واللامكان.
رحلة المجوس الثلاثة
حينما رأى المجوس الثلاثة علامات السيد
- الذى يمشى على الماءِ
ويطعم خبزه للفقراءِ
ويتخلى عن آنية الجسد
وكافة مباخره
كما يتخلى تماماً عن الذهب
والفضة –
إلا وقال الأولُ
أنا سأتبع السيد إلى حدودِ مملكة الربّ العاليةِ الرنّانة هذه
أنا لم أعد أطيق كل هذا العالم بكل ما فيه
من جناتٍ
وعيونٍ
وخمرةٍ لذهٍ للشاربين
ونساءٍ مغوياتٍ لا يتوقفن عن صنعِ اللذةِ
وإغواءِ الجسد
أنا لم أعد أفكر فى الموت
ولا حتى فى زوجتى العاقر العقيم
خذوا كل شىء من على مائدتىْ
فلم يعد يعنينى العالم فى شىء
إذ ذاك قال الثانى وهو يترنحُ
وأنا رأيت السيد فى الحلم
وهو يطوف حول السموات السبعِ
بأرجوحةٍ من نارٍ
وتحيط به كافة النجوم
وتصطف الملائكة فى انتظاره
وهو يطعم خبزه للفقراءِ
ويلملم جراح المعوزين
ويضع حول وسطه حزاماً من النار
ويمشى على الشوك
ويبرىء الأكمه
والأبرصَ
ويحي الموتى
وهناك
وفوق بحيرة طبرية
أما الثالث فأخذ يمسح العرق عن جبينهِ
وقال وهو يدعك عينيهِ وكأنه فى حلمٍ
وهو يريد أن – يتأكد من يقظته أو يبحث عن الحقيقةِ
فقال
يوماً ما قالت لى أمى
ذات مرةٍ ما سوف تصادف فى هذا العالمِ
رجلاً ليس من هذا العالم فى شىءٍ
له عينانِ
وويدانِ
وقلب
يضحك فتضحك السماءْ
يبكى فيبتل عرق الأرض
يضع يده على الأعمى فيبصر
ويطبطب على المجذومين ليصبحوا أصحاء
وأنا أيضاً
لم أعد أطيق هذا العالم
ما معنى أن نأتى لتموت
أن نولد ولا نعرف أى شىء عن المحبةِ
نبحث عن المحبة فلا نجدها
وكأننا نبحث عن سرابٍ ببقيعةٍ يحسبه الظمآن
ماءً
سرقنا خبز الفقراء من سلة الغلال
واسترحنا إلى الظلمةِ
ومشينا فى الطرق الموحلةِ والملآنة بالظلم والقسوةِ
كنا خدماً للجبابرةِ
واللصوص
هللنا للظلم طيلة الليل والنهارْ
صفقنا للدم الذى يسيل فى السكك
ويسيل على الأرضِ للركب
والمحصلة دائما لاشىء
والعالم بلا هدف أكيد
أنا سوف ........
سأتخلى عن جسدى الذى سوف يأكله الدود
سأستغنى عن كل آنيتى
عن اللذةِ
وكل شهوة الجسد
لأبحث عن الروح فى الطين
سأترك جسد امرأتىْ
ذهب أرضى سوف يكون
لنعليه الصقيلتين
أنا
شمس أيامى مجرد سراب فى غاباته الشاسعة
ماذا أفعل أنا بكل جواميسى
وحصاد أرضىْ
بكل أغنامى
وأبقارى
بكل كيزان الذرةِ
وآلاف الأطنان من القمحِ
والشعير
فى قلب كل تلك الغيطانِ
إذ ذاك
كان السيد واقفاً على الجلجثةِ وهو يضحك
ويطبطب بعينيه المجلجلتينِ
والممتلئتين بالمحبةِ
والسلام
على المجوسيين الثلاثةِ
وهو يقول لهمْ
طوبى لكم أيها العارفون بالقلب
طوبى لكل من قال من القلب
أنا لك أيها الجالس هناك على العرشِ
بمفردك
عامرة هى الأرض بالربّ
وكما هى السماء بالضوء
أنتم ملح الأرض
اتركوا العالم وراءكمْ
حتى أنا
انزلوا إلى أغوار العالم حيث يسكن الربّ
فوق الشوك
كما يمشى على الماء
كونوا مثل عصافير الغاب تقطع السماءِ
من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق
وهى ترفرف بجناحيها الزاهيتينِ
وتحت كافة اللغات.
سدوم
ألأجل كل ذلك ذهب الرب إلى سدوم
فى تلك الليلة
وأخذ يطرق على الأبوابِ والبيوت الواحدة تلو الأخرى
ولما لم يجد – هناك – أحداً يردّ عليه
أو يطل من النافذةِ
أخذ ينفخ فى البوق
وراح ينفث رماد أيامه ودخان لياليهِ
على الطرقاتِ والسكك
لماذا لاتردون علىّ يا أهل سدوم
أنا العاصفة التى تمشى على الطرقات
أنا البحر
وأنا اليابسة
أنا نافخ البوق الأبدى حتى على المقابرْ
أنا الذى أجعل الشمس تشرق عليكم
حتى من الغرب
إذ أنفخ فى الصخر يتشقق
وتخرج منه الأنهار
ويتفجر منه الماءْ
أنا زارع الشوك
والوردْ
وأنتم هناك تعجنون أجسادكم
بأجسادكم
وترتكبون كافة المعاصى والآثام
كم من مرةٍ ناديت عليكم ياأهل سدوم
بأعلى صوتىْ
ولا أحد هناك ليردّ
بنيت لكم مدينتكمْ المترامية الأطراف هذه
- فى قلب الصحراوات -
بيدين قويتين
وقلب كله رحمةْ
فماذا فعلتم أنتم أيها الجبابرة الطغاة
أيتها الوحوش البرية
التى لا تعرف غير نقانق الجسد
وشراشيب الجنس
وخرائط المثلية
وأنا الذى عجنت أجسادكم بيدى هاتين
وجعلتكمْ مثل عصافير البر الملونة
فى قمصانكمْ
نساءكم حرث لكمْ
فأتوا حرثكم أنىّ شئتم
فإذا بكم مثليون
وسفلةْ
نساؤكم أكثر شهوة من الرجال
أكثر رغبةً من الحيوانات ذاتها
تحولتم إلى وحوش البرّ
وحيوانات الغاب
أنا
سوف أحرق مدينتكمْ هذه
وبنفخةٍ واحدةٍ من البوق
وسوف أحولكم إلى ذرّاتٍ
وغبار على السكك
وهنا
نفخ الربّ فى البوق نفخةً واحدةً
فتحولت كل سدوم
إلى أنقاض
وجزازات
وامتلأت الأنهار بالجثث
إلى أن اكتظت بحيرة طبرية
بالدم
والصراصير.
ليتنى
ليتنى كنت حجراً فى الغسق
إذاً
لم أكن لأتوقف طويلاً أمام جدول الضرب
وعمليات الطرح والقسمة
أو حساب المثلثاتِ
ولم أكن لأعبأ حتى بقانون الجاذبية الأرضيةِ
ولا بقانون النسبية
وحركة الكواكب
والنجومْ
ولم يكن ليعنينى ماركس فى شىءٍ
ولا ماورائيات السيد هيجل
ولم أكن لأعبأ لا بحكايات قنصوة الغورى
ولا بصلاح الدين الأيوبى
والحروب الصليبية
ولم أكن لأنظر إلى التواريخ الإليكترونية المكتوبة
على جلد الأغنام
وعظام الديناصورات
وعلى رقائق الألواح السومرية
تحت أسوارِ بابل
وآشور
فقط
كنت سأكتفى بالمراقبةِ
وأنا أضع الزمن تحت رأسى كالمخداتِ
أو مثل نملةٍ مقلوبةٍ
وأنام هناك للأبد
وبلاصلاحياتٍ
أو حتى أحلام
تأتى
وتذهب
وأنا غارق هنا فى الوحل.
فنتازيا
يوماً ما
سألنى أحد أصدقائى المهملين
وبعد ان دحنا سوياً عدة أحجار من الشيشةِ
على الرصيف
ماذا تفعل بعد الموت؟
الحق أقول لكمْ !!
أنا تركت حقائبى الملآنة بالأساطير
والخرافات
هناك على الأرض
وكذلك سلة خبزى وضعتها
تحت طاولة الأغنام
وتركت كافة أشعارى ترعى فى السكك
مثل الماشية
ولا تجد من يسأل عنها
أنا المكتوب فى دفاتر الغيبة
والمسجل الخطر دائماً فى دفاتر الربّ
والحاضر الأبدى فى دفاتر التراجيديا الإنسانية
دراجتى البخارية سوف أتركها لكم هناك لتجفّ
على الرصيف
مركونةً
ومعطلةً
ربما يطعمها أحدكم رغيف خبزٍ ناشفٍ
أو يمسك بمقودها
ويسوقها إلى سوق الخردةِ
وتجار الروبابيكيا
أو ربما يعلمها أحدكم كيف تصعد
وتهبط وتسير لوحدها على المنحدراتِ
والمطباتِ
وكيف تبحث لنفسها عن مأوى
لتطرق بنفسها بوابة السماء
العليمة
تركت لكمْ أوردة روحى فوق حبل غسيل
وكذلك كافة ذكرياتى الميتة
عن الأنطولوجيات البلهارسية
وكتاب المحو
والصحو
وكتاب المواقف والمخاطبات
وكل دواوين الحلاج
وكافة أسئلة ابن رشد
تحت شجرة سنطى الوحيدة
وتركت لكم
كافة خيالاتى المرعبة عن الحرب العالمية الأولى
وأكداس الجثث والجماجم
تحت سقالة الخوف المرنَّةِ
أنا
تركت لكم كذلك كل شىء
من أجل أن أسند رأسى إلى حائط الأبدية
الضخم
وأتناول طعام إفطارى
مع سلفادور دالى
وأمام عربة كانط المحملة بالأخطاء
دائماً
وربما يأتى السيد هيجل – وهو مكفهرُ الوجه
ومنزعج الخاطر تماماً –
ليقص علينا بعض حكاياتهِ
عن الذاتِ
والآخر
عن المرئى واللامرئى فى هذا العالمِ
إلى أن تطلع الشمس من مغربها
- على درب التبانة -
ويكون لنا طريق آخر لنسير فيهِ
وبعيداً
عن كل حرائق العدم الراسخة هذه
ألم أقل لكم – وأنا خالى الوفاض تماماً من كل شئ–
أنا تركت لكم بما يكفى على الأرض
كل ذلك
من أجل أن تدور الدورة الدموية
من الأزل
إلى الأبد
مرة واحدةً وفى أقل من ثانية واحدة
وها أنذا أرتق بنطالى المملوء بالدماملِ
والخيبات
بإحدى الدبابيس التى كانت قد تركتها
لنا المقتولة هيباتيا
فى ركنٍ خربٍ
تحت منارة الإسكندرية
وفوق جزيرة قاروس هذه
آهِ
فليفتحوا لى الطريق إلى واقع آخر
إلى واقع أقل قسوة من هذا
الواقعِ
حتى أعود إلى كامل إنسانيتى
وبلا تكلفةٍ.
فقط حاول
فقط حاول
حاول أن لاتتكلم إلى الليل وبصوتٍ عالٍ
فيسمعك الجيران و تراقبك الجدران
والحرس الثورى
وتضحك منك النوافذ
والأبنية المجاورة
ويخرج لك سمك الماء الأعرج لسانَه
وصناراتهِ
حاول أن لا تنظر إلى ساعة الحائط هذه
وفى وقت متأخرٍ من الليلِ
فماذا يفيدك الوقت
إذا كان هذا الزمن قد مرّ من قبل
وعلى نفس الدكك التى تقعد عليها
ونفس الأرصفة التى تتآكل
من المشى
هى هى نفس تكتكة الساعات
فى نفس الأمس
ونفس اليوم
وغداً
أو بعد غدٍ
سوف نكون فى لاشىء
لاشىء
هنا
أو هناك
فلماذا نحلم بالغد وهو أقل انسانيةً
من اليوم
العالم قنبلة موقوتة
وسوف تنفجر فى أية لحظة
هنا فى الدماغِ
أو تحت السرير الذى ترقد عليه
وبعدها لاشىء
الخبز والكلام
النبيذ والغسق
الحرية
والحق
والعدالة
كلها كلمات
السلام اللامجدى
للإنسانية المعطلة على الرف كتذكار
أخير
لضحكة الأصابع
ثمة أرانب وتصرخ بضراوة تحت الشمس
ولازالت حدقة الصخر
تنقِّبُ عن الجذر
وهاهى الحياة رحلة مكوكية
وتمتلىء بالضجر
من لحظة الميلاد وحتى لحظة الموت
كل شىء يسكن هناك فى القاع
باستثناء ذكرياتنا المملحة
عن الأمل
وعنابرِ الموتى.
ترتيلة
السلام لكِ يامريمُ
فى كل لحظةٍ من لحظات ضجرك المقدسة
تركتِ ابنك الوحيد هناك على الصليب
ورحتِ تنشدين لأيائل الرخام
والفحمْ
عن قسوةِ العالم
وظلمِ الرعاةِ
وهاهوذا
يقف وحيداً على الجلجثةِ
ولايعير سمعه لليل
ولابصره لحقيقة النهارْ
فقط فى حقيبتهِ التى تغصُّ بالجماجم
والدمْ
وقف يرتلُ عن الآب والإلهِ
عن العالم الذى يمتلىء بالشرِ
ويترك جسدهُ ذبيحةً
لسكاكين الغزاة.
ترى كم مرة نمت على الأرصفة
ترى
كم مرةً نمت على الأرصفةِ
وأنا أمدّ ذراعىّ للفراغ الضخم
وسكاكين الوحدَة
وأشرب من حليب اللامعنى الساخنِ
كم مرةً قلت أسافرُ بمفردى إلى هذا المكانِ
أو ذاك
ولم تأت أبداً
لاقطارات الضواحى
ولا أتوبيسات الجنة الموعودة
او حتى عربة إسعاف واحدة
فقط
ظللت أنتظر النهارَ فى الليل
وأحدق إلى الليل بعيونه الفولاذية
من تحت عقارب الساعات
ولما أصابنى اليأس من كثرة النعاس
أخذت الماندولين العتيق
لامرأةِ يوحنا المعمدانِ
ورحت أعزف اللحن الأخير
لجسد سالومى النفاذ
كل ذلك
فوق وحل الطرقات
وعشش الصفيح
والطين
ولم أفكر ولا فى لحظة واحدةٍ
لا فى هيرويا الشرموطة
ولا فى دير الرّاعى الصالحِ
ولا فى ماذا قال بارامنيدس
فى اللحظات الأخيرة وهو يطل من شرفتهِ العتيدة
على الرباعيات الأربع لـ . ت .إس إليوت
والنشيد الأخير
لباراباس
فى شوارع القدس العتيقة
والتى تنتظر الرب بأسىٍ بالغٍ
ومنذ أن صاح الديك ثلاث مراتٍ
على الأقل !!
أغنية البومة العمياء
نعرف أننا سنموت
وسوف نواجه ذلك الخفاش الأكبر
هنا
أو هناك
فوق هذه الطاولةِ
أو خلف تلك البنايةِ المهجورة
ولكن لن نعبأ بأى شىءٍ
وكل شىء
كل منا سوف يجرّ عربته المعطوبة خلف ظهره
والمكدسة بالزمن
دائماً
دائماً
مايأتى العدم – وفى جوفهِ الأزرق
حوت بحجم العالم –
ولكن بلا عينين
وبلا يدين
أو حتى قلب
فقط
هى المكنسة الكهربائية
التى تزيل كل هذه البقع الشمسية
اللا إنسانية
من هنا أو هناك
من هذا العالمِ
ولن يتبقى هنالك تحت هذه القبةِ أو على الطاولة
سوى صوت الغربان
والأغنية الوحيده للبومةِ
العمياءْ.
مثل جزيرة مهجورة
لماذا لم يعد قلبى مكدساً
بالأحلام
والصور
وكما كان ماقبل؟!
كنت ألمّ الوسائد أقصد وسائد القش والتبن
من قاعة الفرن
فأرى أن الله يحيط بكل شئ
بدءاً من حبة الذرة فى الحقل
وأنتهاءً برغيف الخبر الجاف
الآن
صار قلبى يابسا
وكأنما أنا مركب مقطوع الأنفاس
وملقى به على ظهر السكك
ولا يعشش فيه سوى الغربان
والصراصير
ونعيق البوم
والشكل الكامل لمحلات الجزارة
الإنسانية
ما الذى جعل قبلى فارغاً
وإلى هذا الحد
هل هو الوعى الكونى باللاشئ
وماذا عن اللاوعى الغارق فى مؤحرة الرأس
مثل جزيرةٍ مهجورةٍ
والذى يكتظُ بالخيالات
والصور
وبقية القصائد اللامرئية
فوق غرف الزمن الأطلس
لقد صار قلبى قابلاً كل صورة
فقط
أتذكر حصار الحوائط الغائبة عن الوعى
وكل تلك الغرفِ المقبضةِ
فوق تلال اللامعنى
وغناء أمى العنيد
تحت بئر السلم
فأنام على الرصيف المناوئ
وأنتظر الشمس أن تبكىْ.
هو لدرلن
في طفولته
أخذ يجرجر القمرمن رقبتةِ إلى المستنقعات الجافةِ
وحدائق الزيتون
ويذهب به بعيداً إلى كافة الأودية والمنافى
وكل تلك المستنقعات
لدرجة أنه فصّلَ له حذاءً على مقاسه
وبضع كوكيبات لينزل عليها
وعندما يريد أن يستريح من وعثاءِ
الطريق وقلة الزاد
وقميصاً من اللازورد المخدوش بالحناء
لكى يضعه تحت مخداته فى الليل
إذا أراد أن ينعسَ أو يشعل غليونه
أو يدخن الماريجوانا
أو يجلس قليلاً فوق سطح الكرة الأرضيةِ أوإذا أراد أن يلتقط صورة تذكارية
للشك
واليقين
فى شبابه أغرته أمرأة وحيدة
كانت تسكن في قصرها المينف
وهى تكشف له عن عجينة السُرةِ
وغرائبية ما بين الفخدين اللدنين
إلى أن انهار تماماً
فوق عتبة غرفتهِ الضيقةِ المظلمةِ
وماعاد يدرك الفرق مابين الشرق أو الغرب
ولاأين يسكن الشمال
أو أين يقيمُ الجنوب فى هذه المعمورة الشاسعةِ
ولا
ماإذا كان ما يراه هو الحقيقة بعينها
أم هو الوهم فى حد ذاتهِ
فى شيخوختهِ
ركن كل شئ خلف الحوائط
المعلقة بالقش
والذكريات
وراحَ يصعد إلى قمة الجبل
جبل أثوس المقدس
ومثل ناسك بوذى
راحَ يغنى بضراوةٍ
فوق حرائق فرانكفوت
عن الله الواحد والمتعدَّد
الذى يحيط بالكون من كل اتجاه
وحتى هذه اللحظة لم يتوقف عن الغناء قطّ
والتوبة عن كتابةِ الشعر.
الحياة التى تنأى عن الوعى
هل هو إحساس بالتعب
أم هو مجرد إحساس بالحياة فقط
الحياة التى تولد فى الرأس
وتنتهى فى المؤخرةِ
الحياة التى تنأى عن الوعى
وتتركز فى المخيلةِ
والإستراتيجيات
وكل ماله علاقة بهذا الكون المريع
الحياة التى لا تعرف معنى السؤال
ولاماهى حقيقة الشك
وماذا عن اليقين ذى التفرعات
الذى يتخبأ تحت شجرة بازلاء أو بين ثديىْ امرأةٍ شرموطةٍ
لماذا أشعر أننى لا أعيش فى هذا العالم فقط
وأنه ثمة عوالم أخرى ولا مرئية
وتتنطط حوالىّ
من كل اتجاهٍ
وأننى مجرد جوال من خراء فقط
ويمشى على قدمين
حافيتين
ويدحرج الريح بقدميهِ
ولا يقرر النظر لا إلى أعلى
أو إلى أسفل !
هل هو إحساس بالتعب فقط
أم مجرد إحساس بالحياة لاغير
مجرد التفكير فى الحياة
يصيبنى باليأس
مما يعنى أن الحياة غير موجودةٍ بالفعل
وأننا مجموعة من قطع الشطرنج
يحركها لاعب ضرير
فوق دكة خشبية مخلّعة
أو قطع من الكلاب الضالة
فوق حصيرة الكرة الأرضية
وبامتياز
إلى أن نسقط فى هوةٍ مرعبةٍ
وبلا قاعٍ
نعم
هو إحساس بالحياة فقط
وليست الحياة فى ذاتها
وفى كامل هيكلها الضخم
الذى يولد فى الرأس
وينتهى عند المؤخرة
فقط
لأننا نلبس قمصاناً مزورة
وأحذية جديرةً بالمساميرِ
ومظلات تثقب جلد الهواءِ
وتخبىء عين الشمس
أم لأننا نبحث عن الزمن فى صفيحة
زبالةٍ
يحرسها رجال القانون الدولى
ويقف لها رجال الشرطة بالمِرصاد
لالشىء
إلا لنذهب إلى الربّ
وفى نهاية المطاف
ونحن محملون بالخطايا
والآثام
الحياة الخطأ فى ذاتها
والحياة الضرورة
الحياة البلامعنى خالص
والحياة الوسخة
هل هو إحساس بالحياة فقط
أم بالموت وفى نفس اللحظة.
دارنا فى الليل
دخلت إلى دارنا فى الليل
تلك الدار التى ولدت فيها فوق كومة من القش
وفى قاعة التبن تماماً
وكما ولد السيد المسيح من قبلُ
بلا إشارات
أو حتى تنبيهاتٍ
وقبل أن يصيح الديك ثلاث مرات على الأقل
وفى نفس الساعة
الآن
تغيرت العوالم
وتغير كل شىء
الجدران ابتكرت حكاياتها
وطلمبة الماء تعطلت
وشاخت
ولم يعد لها من صلة بالأرض
والسلالم تكومت على بعضها
حتى مخزن الغلال أصبح خاوياً
على عروشهِ
ولم يعد فيهِ أى شىء سوى فاتورة ملقاة
على الأرض
لجامع الضرائب
الملتحم الجثة وصاحب العوينات
ومثل سيمفونية منسية على النوارج
كانت طفولتى فى تلك الدار
وأنا كنت أطارد الأحلام فى السكك
وأرعى الجواميس
وأجلس الشمس فى حظيرة جانبية
ريثما تجف سراويلى
وفى الليل
أجلب إلى القمر قليلاً من الماء
وأنا أسمع حكايات الجدّاتِ
والعجائز
ولم أكن لأعبأ لا بالقبر
ولا بالخطابات الموتورة ِ عن الملكين الموكلين
بى كالعادة
وفى الصباح
كنت أذهب إلى الحقل
وأنا أجرّ البقر والجواميس خلف ظهرى
المتسخ بالطين
وبقايا الأشجار
وأحمل فوق ظهرى صنارة السمك
الوحيدة فى القرية
وأبى ماكان يسمع لى
ماكان يستمع سوى لغناء عصافيرهِ فى المخيلة
وبذور أرضهِ
وهو يغنى أغنيته الوحيدةَ خلف محراثهِ القديم
بقرتان تعلكان القش
وامرأة تراوده عن نفسها فى الحقلِ
تحت شمس تتأهب للزوال فجأةِّ
الآن
وأنا أركن قلبى إلى غرف الدار
وأبص من النافذةِ المفتوحة على الشارعِ
وأتذكر أمى
وهى تحلب الجاموس و تغنى لطفلها الرضيعِ
تحت عتبة الدار
والذى سوف يصبح يوماً ما
أضحوكة العالم
وهو يكتب القصائد المبعثرة فوق أوراقه القديمة
وبلا حوارى واحدٍ
أو حتى باراباسٍ أجير
الآن إذن
علىّ أن أُنزلَ القطار اللا إرادى
للذاكرة إلى مزبلة التاريخ .
أنا لامأوى لى
آه
يا ويحى
وأنا أق عجلاتى المتوقفة هناك
على ساحل الذاكرةِ
وأضح يدىّ فى جيبى
لأعيد تصاميم كل هذه الخرائط الخربة
لهذا العالم
وكافة الكوابيس
وكل تلك الأبنية الخربة والمسكونة بالوطاويط
هناك – وفوق كل هذه الكرةِ الأرضية -
لامأوى لىْ
سوى حديقة السائل المنوى
ومراياى الزائفة
على جدران الأساطير.
حلم بغيض
أنا لا أعرف بالضبط من الذى ألقى بى إلى هذا العالم
وفى قلب سلة المهملات الوسخةِ هذه
ياله من حلم بغيضٍ
ومزعج
فجأةً
وجدتنى أذهب إلى المدرسة الإبتدائية
وأجلس فى الفصل – مثل تلميذٍ بليدٍ -
وقبل الذهاب إلى المدرسة كنتُ أمصّ ثدىّ أمى
وكانت الشمس تتسلل إلىّ من غرفةٍ جانبيةٍ
رأيت أشباحاً ونجوماً
عفاريتَ يتشحون باللونٍ الأبيضِ
وهم يخرجون من المقابرِ الجماعية
رأيت أشجاراً اصطناعية
ووطاويطَ
ولم أعرف يومها هل كنت أحلمُ
هل كنت أحلم بالعودة إلى المحيط
الباسيفيكى أم إلى صدر أمى الغارقِ فى التهيؤاتِ
وجدتنى فجأةً أذهب إلى الحقل لألتقط فراشات الحميض
أو لأجمع الكثير الكثير من الحطب الجاف
كان كل ظهرى ينحنى على خرائبى
والسماء
تتكوم فى الترعة مثل أرجوحةٍ تحت رجلىّ
الترعة التى تمتلىء بالدودِ والمش
وأنا عارياً
كنت أنزل إلى النهرْ
مؤخرتى مكشوفة للشمسِ والغيومْ
وأنا أضع مؤخرة جلبابى المتسخ
بالجلة والروث الجاف فى فمى
كعلامةٍ أكيدةٍ على الخلاص
وكما فعل السيد المسيح بالزيت
لالشىء إلا لأصطاد السمكة بالشصِّ
أو لأبحث عن باذنجانة عفا عليها الزمن
تحت أرجل القطط والخنافس
قالوا لى لابد أن تتعلم
نعم لابد أن تتعلم القراءة والكتابة
لماذا القراءة والكتابة بالذات
سألت أبى وأمى
أبى ضربنى بالجزم حتى طرطش الدم من فمى
وأمى جرجرتنى من رأسى
مثل كلب هاربٍ
وفى الغيطان
فى المدرسة وجدت الأشجار مقلوبةً
وهى تطلّ على الحوش والعيالِ
وجدت مدرس الفصل ذى العوينات
و يجلب معه عدة أكباشٍ
وهو يمص القصب
ويقزقز اللب
قال لى ماذا تريد أن تكون
هلى تريد أن تكون جامع محارات
أو حارس مقابر
قلت أريد أن أكون صاحب موسيقى
وأذهب إلى غيطان الذرة فى الصباحِ
وبالليل أحمل فوق ظهرى
أجولة الطين
والقمح
وربما أذهب إلى طاحونة القرية
لأخبز رغيفاً لهذه الجميزة
أو لأصنع ساقاً اصطناعية لهذه الوردةِ
قال لى مدرس الفصل
لا ، لا أريدك أن تكون طباخاً
كلا أريدك أن تكون صاحب مقهى
تنظف الإنسكلو بيديات
من خراء داود النبى
وامرأة أوريا الحتى
أما الآن
وبعد مرور أربعين سنه
صار الليل يشبه النهارْ
بلا بنطالٍ
أو حتى أوعية دمويةٍ
والنجوم لامعنى لها سوى فوق كراسة
الإنشاءِ
وجدول الطرح والضرب
أما المحبة فهى موضة قديمة
لكل محاولات بارامنيدس
لتحليل التاريخ النفسى لحضارة الأمم والمعتقلاتِ
أما عن فرويد
فمازال هو الإبن العاق للإله.
أوراق مبعثرة
فى زكيبة الخنازير الوسخة هذه
وضعت أوراقى المبعثرةِ
وكتبى المقدسةِ
وكافة أنبيائى
وقواريرى الفارغةِ
وأسئلتى اللبلاإجابات خالص
ومشيت فى الطرق التى تبدأ من الصفر
وتنتهى بى تحت علامة الإستفهام
أنا
لم أنتظر أبداً كل هذه الأحلام
الأحلام التى تطرق الباب فى ساعة متأخرة
من الليل
وتقف مطرقة الرأس
على عتبة البابْ
فلاهى تريد أن تدخل إلى الفرن لتغتسل أو تتطهر من السّلِ
ولا هى تريد أن تتركنى لأنام
فقط
تدخل إلى دورة المياة
من أجل أن تفرغ كل مافى جعبتها
من خطايا
أو أخطاء
أوربما لتستمع إلى نشرة الأخبار كاملةً
لتعرف حالة الطقس
أو لتتفرجَ على مباراةٍ وديةٍ
بين الله
والشيطان !!
وتتخلص من كافة مابها من وساوس
وتعود لتجلس على الشرفةِ
ربما
لتبدأ فى عزف سيمفونيةٍ غرائيبيةٍ
عن ملائكة الرب
أوجناته الملآنة بالحليب
والولدانِ المخلدين
وغرف الجنس المزودةِ
بكافة المناطيد
والمفارش
وكؤوس الخمر
أوربما
لتبلل بنطالها الكشميرى الناصعِ
برقائق الردةِ
إلى أن يأتى الصباح المبقع بالمؤامرات
الدولية
والقنابل النووية
والكيماوية
فإذا بها – أقصد كل تلك الأحلام –
تترك كلماتها المبقعة بالدم
على الحائط المكسورِ
على أمل أن تجد جرّة مثقوبةً
لكى تلملم فيها بقايا ذكرياتها المملحة
عن الزمن
ذى الأنياب والأظافر
والحرب الدائرة منذ الأبد إلى الأزل
بين الله من ناحية
والشيطان من ناحية أخرى .
أريد أن أرثى كل شئ
من يقول لهذا الشارع الذى يغص بالجثث
والأفواة اللامجدية
أو كل تلك النملة التى تتنطط على الحيطان توقفى عند هذه الناصية
أو تلك
أنا لم أذهب قطّ إلى المدرسة
ولم أحمل فوق ظهرى سوى كتيبة من الأنبياء
الذين خانوا الربّ عند أول وهلةٍ
لماذا لا يغادرنى صوتك أيتها الآلام الفنطاسية
وأنا هنا غارق فوق هذه الأرض – فى الوحلِ -
أفلى رأسى من كل تلك الكتابات المؤودةِ
عن الفردوس المفقود
وجحيم دانتى
والإخوة كارامازوف
وشجرةِ العائلةِ المقدسةِ
حيث الظلام كتاب مقدس
والغربان تحلّ ضيوفاً بالليل
والنهار
على المكتباتٍ
وصنادل الأطفال
أريد أن أرثى حذائى المخروم وهو يسير فى الشوارع
أريد أن أرثى هذه الوردة وهى تقف حائرةٍ
على بوابات المستشفياتِ
ومرضى الجذام
والسلِ
ولقطاء الشوارع
إلى أن يُلقى بها فى زريبة وسخة
تحت أرجل رجال المباحث الكونفدرالية
أريد أن أرثى كل شىء
بدءاً من مدرسة تلبت أبشيش المشتركة
وحتى كومة السباخ
فى وسط الدار
أنا لا أعرف لحد الآن لماذا نزلت إلى هذا الحقل
من الأشباحِ والخنافسِ الغريرةِ
ولا لماذا تركنى أبى فى عز الليل
وذهب ليتبول وبمفرده بين مقابر القريةِ
ولا لماذا صاحت أمى على الديك ثلاث مراتٍ
- وقبل أن ينزل يسوع المسيح إلى الأرض –
أن توقف أيها الكلب
وقبل أن يصطادك الله بالشص
أو يلقى بك الربّ فى الجُبّ
ولن تجد هناك امرأة العزيز!!
حدث هذا وأنا أنظر إلى السماء
فى ذاكرتى يسكن كل شىء إلى جوار كل شىء
القرش الأسود فى الزمن الأبيض
إلى جوار القرش الأبيض فى الزمن الأسود
الزمن بآلتهِ الضخمةِ
وميكانيكياتهِ
إلى جوار كلبةٍ عجوزْ
لم تكن لتغادر الشارع أبداً
إلا لتلد عند بئر جافةٍ
عدة قطط سوداءْ
وهى تبحث فى كمثرى التوابيت عن فراشة ملونة
لتسكن إلى جوارها فى آخر الليل
أنا
سافرت كثيراً فى السكك
ووحيداً جلست فوق الأنقاض
وعلب الدساتير
ورحت أنظر إلى السماء وأنا فى غاية الدهشة
وأقول لنفسى
علامَ كل هذه المسرحية الفجة
أن ترقد أمك إلى جوارك وعلى نفس الأرض
وأنت لاتعرف أى شىءٍ عن الليل الذى يتنطط فى الخارج
ولا عن النجوم التى تغسل بيوضها فوق حبل غسيل
تُرى
ماذا يفعل الربّ فى هذه الساعة
وأنا أتنشف بالخراء الوسخ لكل هذا العالمِ
قلبى يتحول إلى طبق طائرٍ
وذراعاى لا تتكيفان إلا على منجم العدم
وخرز الديانات
تُرى
لماذا ذهب المسيح وبمفرده إلى أريحا
ولماذا أبيضت عيناه من الحزن
وماذا كان يفعل يعقوب بترسانة المسودات
وسلة الغلال
ولماذا أتى كل هؤلاء اللصوصِ إلى مصر بالذات؟!
سأصنع بمفردى حصاناً خشبياً
وكما كان يفعل دونكيشوت لأعبر المدن والبلدان
بلا غيمة سانشو بانزا
أو قمر سوفوكليس الأخير
دعونى أدلق كل هذه المواعين التى تمتلىء بالخراء
فوق جبل الربّ
هناك فوق طور سيناء
وبالمناسبة
لماذا نزل الربّ فوق طور سيناء بالذات
ولم ينزل فى حديقة من حدائق الأوروجواى
أو دبلن
أو هناك فوق الباسيفيك
هل كان يخاف من البردِ الخالصِ
أم كان يخشى أن يقبض عليه اللصوص
وهو متلبس بممارسة الجنس مع مريم المجدلية
بالمناسبة
أنا صعدت فوق جبل موسى
ورأيت الشمس وهى تتدحرجُ عريانةً
وتخرج من تحت اللحاف
وبعد أن قضت ليلةً هانئة هادئةً
بين أربعة من الرجال
وكانوا يتداولونها مثل كرة قدمٍ
أو مبولةٍ عموميةٍ
لماذا أسير وأنا أصرخ فى السكك والعمارات
أين أنت ياالله
وأنا هنا فوق هذه الأرض
أموت من البرد الخالصِ والخوفِ الخالصِ
ولا أعرف أى شىء عن حقيقة العالم ولاماهو مصيرى
ولماذا جئت بنا إلى هذه الأرض
يايهوه
من أنت
ومن الذى سماك يهوه بالذات
أأنت بهذا الإسم فعلاً
ومنذ أن خلقت العالم
أم أن العالم هو من أعطاك
هذا الإسم
فى السكك تسير الأشباح كالعمارات
وهى تطلق صفارات الإنذار
لتبث نعيبها المرعب ليوم القيامةِ هناك
وعلى الضفة الأخرى من هذا العالمِ
حيث العدالة المنسية
والقانون فى شنط الأمهات والعجائز
وفى قلب دورات المياه العمومية
وهنا
لاتزال السكك الحديدية تضج بالموتى
البعض يأتى من الشرق
والبعض يأتى من الغرب
وعجله الرب الراسخة مازالت تدور
ولاتزال تعمل بكفاءة عشرة عمال
مراحيض
تُرى
من سوف يشعل النار فى كل هذه العجلة
أو يوقف عمل تلك الآلة الميكانيكية
عن العمل
هل هو الرب نفسه
أمُ الشيطان فى الخفاءْ .
الهواء المنسى
لماذا تمرّ كل هذه السنوات من أمامى
مثل ورقةٍ مكرمشةٍ عبر الهواء المنسى
على أسلاك اللاسلكى للعالم
ألأننى ركنتُ ذاكرتى إلى ظهر إمرأةٍ شرموطةٍ
وتركت ثيابى الداخلية – هناك – فى قسم شرطة
الدقى
بينما أوراقى الشخصية تتطاير هنا أو هناك
وفوق كوبرى قصر النيل
وأنا أصرخ خلف امرأة من حدائق القبة
ويقال لها زنوبيا أو هناء المصرى
أن تأتينى بفاكهةٍ
ولحم طير
وأنا أكشف عن سرتها للهواءِ الطلق
وأتأمل برقوق صدرها
وكمثرى جسدها
وأنام فوق فخذها الشهوانى مثل ريشةٍ
وأتطلع إلى عينيها
الأسطوريتين
وأنا أعبث بضراوةِ حمارٍ وحشى
بحلمتىْ الصدر
والتقط ألف صورة وصورة للمؤخرةِ
التى تشبه خزانة الملائكة
وفوق ظهرها المايونيزى
أتوقف
لأستصلح قليلاً من الأرض
التى تعج باللذة.
على سلم الباخرة
فى النهاية
سوف نقف على سلم الباخرة
ليودع كل منا الآخر
وفوق شفتيه ضحكة غامقةْ
ونودع الزمن – هو الآخر –
فوق حقيبةٍ منسيةٍ
أو نتركه هناك
داخل أنبوبة غازٍ مجاورةٍ
والباخرة بنفسها سوف ترحل هى الأخرى
إلى جهةٍ ما
غير معلومةٍ
ربما ينتظرها هناك
قبطان آخر
ليودع الأرصفة
والموانىء
والبر والبحرَ
وتكعيبة العنب
ودوّار العمدة
وكتائب الرخام
والفحم
إلى أن يحل الليل ضيفاً
على سور الأزبكية !!
ماذا تريدين منى أيتها الحياة القذرة بجد
أنا أتيت اليكِ مثل فأر جائع
أوورقةٍ ساقطةٍ
فى خريف مكلومْ
ووقفت هناك على ساحل الذاكرةِ
أراقب طيور النوارس
وهى تعبر من قارةٍ
إلى قارةٍ
ومن سماء مليئة بالطائرات الورقية
والصواريخ عابرة القاراتِ
ومناطيد القتل
والقنص
إلى سماء تتشح بالهواجس
وها أنذا أضع يدى فى جيبى المكلوم
مثل مسافر فى قلب الصحراءِ العمومية للعالم
وليس فى جيبه سوى
سوى الإحساس بالعدمِ
ونشارة الخشبِ
والتبن
ويلقى بأوراقه المتناثرة إلى الريح.
هكذا كانت تقول لى دائماً
إلى وفاء المصرى
إلى وفاء المصرى بالذات!!
هكذا كانت تقول لى دائماً: أحبك
وذات مرة أمسكت بقلم الفحمْ
وكتبت على ساعدى
أحبك أيها المجنون الحالم
بالنبوءات
والخلاص
كلماتك هى الروح
وشمسك تطل علىّ من شرفةٍ عالية
فى الجحيمْ
هل كانت المجدلية أكثر إيماناً منى
وهى تحوط المسيح بجسدها الملآن
بالخمرِ
والشهوةِ
أنا أنتظرك فى كل ليلة تحت القصف المدفعى
لجيوش المخيلةِ
ونوبات الصحوِ
والندم
أنت مصلوب فى هذا العالم مثل المسيح تماماً ياحبيبى
ولكن المسيح قد وجد الرب هنالك ينتظره
وفوق بحيرة طبرية
أما أنت فواسفاه!!
أنا مجدليتك المجنونة
إجلس
إجلس معى على الأرصفةِ
وحدق جيداً إلى البحر الكبير الواسعِ
ليس فى هذا العالم ما يستحق كل هذا العناء
آهِ
نأتى لنموت
وكأننا لم نلبث إلا ساعة من نهارْ
الحياة أكذوبة كبرى ياحبيبى
بقدر ما هى حلم
سوف يأتى غيرنا ليموت
هل هذه هى الحياة يا حبيبى
لا دائم إلا الألم
عندما تخضّرُ هذه الشجرة
عندما تنبت الزهرة ويأخذ الثلج فى الرحيل
والغيوم تبدأ فى الغناء فجأة
عندما تنضج هذه الثمرة
ويحمرّ خلخالى على ساعديك
عندما ينتفض جسمى ويخرج من خلاخيلهِ
سوف تنمحى – من الذاكرة – سعفة البرد هذه
ياحبيبى
وسوف يرقص جسدى الجميل الحلو
مثل فراشة مغسولة
على رمال جسمك الحارّة
أيها البحر اللامنتمى إلا لطبوغرافياتِ جسدى
أضمم يدك على ساعدى
وجسدى
كل جسدى
كل واشرب على أرض روحى الشاسعة
وساعدنى
ساعدنى
على أن لا ألتصق إلابك
دعنى لا أعرف سوى أرضك
وسماواتك
التى تسحرُ اللبْ
كم أنا جائعة إلى رغيف خبزك الحاف
كم أنا ملآنة من نهر مائك المعِينْ
كم هو الليل طويل بدونك ياحبيبى
وكم هى الحياة مؤلمة بدون سماع صوتك
لا تتركنى أمام بابٍ بصنافير
وأمام حبل بمشنقة.
كالعادة
ها أنذا
أجلس بلا عملٍ خالصٍ
ممدداً رجلىّ فى الفراغ الغويطِ
حولى تنقّ الصراصير
وفى الرأس
تسكن جميع الأحلام
والسكك
وأتطلع إلى اللاشىء
وأرنو ببصرى إلى شجرة جلجامش الناشفة
ويرقد عليها غراب حامض
يهلل لسماءٍ لاتتسعُ لصقيع جناحيه
ويرقد على أرضٍ
لايسكنها سوى الموتى
غير أن النوم لايأتى إلا متأخراً كالعادةِ.
فرعون مصر
حين أتى فرعون إلى قومهِ
وقال لهم: أنا ربكم الأعلى
إمتلأت كافة الأودية بالدم
وانطفأت شمس ذلك اليوم
فى زاوية منسية من زوايا الزمن الكئيبْ
وأخذت الأغنام
والماعز
وبنات آوى
والراهبات الجميلات
ورجال الحاشية والدرك
وكافة الوصيفات الفاتنات
ورجال الحرس الثورى
يرددون معاً
نعم
نعم ياسيدناومولانا
أنت ربنا الأعلى !
أنت رب السموات
والأرض
أنت الواحد الأحد
لاتشرق الشمس إلا عندما تشير إليها بأصابعك
ولاينزل المطر إلا بإذنك
أنت ربّ السموات
والأرض
أنت الواحدُ الأحد
لاتشرق الشمس إلا عندما تشير إليها بأصابعك
ولاينزل المطر من السماء إلا حينما تقول للسماء
ياسماءُ أنزلى ماءكِ على الأرض
ولاتحمل النساء إلا عندما تكون أنت
أول من يضاجعهن
أو يفضُّ بكارتهن ليخضرّ الزرع وتنبتُ الحدائق
حتى كيزان الذرة
وسنابل القمح
ماكان يمكن لها أن تزهر فى الحقل
إلا من أجلك أنت
بك أزهر الحقل
ونوّر الرّمانْ
الكل يرقد فى سلام وأمن
لم يعد هناك لص واحد فى الشوارع
حتى الإبل
والأغنام
تذهب فى الصباح إلى مراعيها البعيدة
وعند العشية تعود إلى بيوتها بآمانٍ
وطيبةٍ
إذ ذاك
اعتدل فرعون فى جلستهِ وقال
أيها المصريون التعساء
يا أصحاب الحظ السىء
والأرض الطيبة
الغنية
التى تمتلىء بالذهب والفضة
والأنهار التى تفيض على الشواطىء
والصحراوات
ياتُرى
كم فرعونٍ سوف تعرفون من بعدى
كلهم
كلهم
سوف يقولون لكم نفس الكلمات
بنفس العبارات ونفس اللغةِ
وأنتم أيضاً سوف تقدمون لهم نفس القرابين
والأضاحى
يأتى الزمن ويعود
وأنتم
مثل ماء النيل يأتى ماءُه من السماء
ليصب هناك فى البحر
وأنتم راقدون هناك على الجسورْ
مثل ذباب السكك
وحيوانات الحظائر
وأنتم دبان الأرض
والسماء.
عمل الموسيقى
لم يعد هناك من أحد يسير فى هذه الشوارع
أو تلك
لم تعد تلك النجمة تقف على الشرفة فى آخر الليل
لكى تقول لكل عابر السبيل
لانهرَ هناك فى السماء
ولا جنة هنا علىالأرض
جثث تطفو فوق الماء
وأخرى
تصنعُ مسلاتها
من ورق الخرنفش
تعالوا إذن يارواة الأحاديث والحكايات
لكى نقول لتلك السحلية
التى تعبر من رصيفٍ
إلى رصيف
لماذا توقفتِ عن عمل الموسيقى
ولماذا انبعثت كل تلك الأصوات
الكهرومغناطيسية
من بين كل هذا الجسد المركون
على ساحل التاريخ
الذى يكتظ بالجثث
والتوابيت.
حينما أجلس إلى هذه المنضدة
حينما أجلس إلى هذه المنضدة بالذات
وأرتب أوراقى المتناثرةَ
فى فضاء اللاشىء
لماذا أتذكر عينيك وهما تنزفانِ دما
ويرقص قلبك وحيداً
على الرمل
دعينا إذن أيتها الجميلة الغاوية بالذات
أن نتذوق طعم الموت
بلاخوف من الزمن
أو البحث عن مأوى آخر للروح
ولا نقول لهذا البحر
أو ذاك
أنت مجرد سفينة شراعية مقلوبة
تحت مجرة ٍمحبوسة
بين السماءِ
والأرض
بأى شىء سوف تستقبلنا السماء
وحين نموت
ربما لايكون الربّ جالساً هناك
وعلى نفس مائدتهِ الوثيرةِ
وحوله الحرس الخاص
من حاملى الفئوس
والبلطِ
والمناشير
التى تجز عنق الزمن
وتقطّع الجسد إلى أشلاءِ
وجزازات
ولا حتى ملائكته الشداد الغلاظ
كذلك
ربما يرسل لنا أحدهم كوب ماءٍ لكى نشربَ
أو إحدى بنات الحور
لكى تجتمع بنا على طاولة المفاوضات
والتى لا تخلو عادة من
بعض أرغفة الخبز المحروق
ونباتات الصبير
لكى تقودنا وفى نهاية المطاف
إلى ركن ناءٍ
من أركان الهرمنيوطيقا
إذ ذاك نبدأ فى تدوين بعض المخطوطات
عن حياتنا السالفة الذكر
عن كل تلك الحياة التى تركناها هناك على الأرضِ
ومن غير اكتراثٍ
كى نأخذ فى ترتيل المزامير
التى نسيها الفراعنة هناك
على جدران المعابد
وفوق توابيت الدفن
وعندما نفرغ من كل هذه الطقوس الجنائزية
أو الكهرومغناطيسية
نأخذ فى تدوين سجلاتنا
وأسمائنا
فى صحائف الأمس المنسية
فوق غابة الفخار هذه
ونرتكن إلى حائطٍ ضخمٍ
يقال له الأبدية
مثل أحافير فسفورية
تلك التى تركها لنا الرعاةُ
على قاع صخرةٍ مندلقةٍ
فى عمق البحرْ.
South Gate Alberta
Canada
لم يقل لى أحد ما هى الحياة بصدقٍ
ولا ماذا أفعل عندما أقابل الربّ هناك وبمفردى
على ضفة نهر خائب
أو فوق زكيبةٍ من الجماجم الملونة
عبر خليج البوسفور
أو فوق أريكة من العدم المحض
تُرى
ما الذى ستفعله الفراشات بى
وعندما أموت
أنا
سمعت هذه المرأة تقول لا
وسمعت هذه الوردة تقول لا
سمعت هذه الشجرة تقول لا
وسمعت هذه الشمس تقول لا
سمعت هذه الطفل يقول لا
وسمعت هذه النملة تقول لا
سمعت حتى حارس المقابر يقول لا
وسمعت المقاعد تقول لا
سمعت الجماهير فى الطرقات تقول لا
وسمعت حتى الله نفسه يقول لا
فلم كانت هذه الـ "لا" هى الأساس الفعلى
فى كل هذا العالم
الذى يمتلىء بنواقيس الحظ الأعمى
ألم تكن طنجرة الله واسعةً بما يكفى
لكى تُجمع كل هذه اللاءات فى حظيرة واحدةٍ
أو حتى قفص وحيدٍ
ويلقى بها – كعلف زائدٍ عن الحاجة –
فى زريبة الخنازير
حتى لا تغرق كل الطرقات فى الوحل
ويتحول البحر إلى بحيرةٍ من النيران.
الموت العاهر
يجلس على الرصيف – مثل العاهرة –
ويراقب المارة
قد يركب الأتوبيسات العامة
أو يسافر فى عربات المترو
وفى داخل الطائرات
وقد ينام تحت سقف بيت مهدومٍ
وقد يتخلل عريشة امرأة عمياء
لا تعرف هل طلعت الشمس
أم غاب النهارْ بالفعل
الموت العاهر
لاشكل له
أولون
ولكنه دائماً مايمسك فى يديه بلطةً
وفى فمه غليونَه الضخَم
وهو يدخن سجائرة المحشوة بالزمن
فوق زريبة حيواناتٍ
أو بين عشش الصفيح
فى فمه صفارة صغيرة
مثل لعب الأطفال
أحيانا ما ينام فى الخرائب العامة
وكما ينام فى المستشفيات الحكوميةِ
على كتفه بندقيته المجهزة
بالطلقاتِ
والمسدسات
مرةً
تراه سائراً فى الطريق العام
ومرةً أخرى
يضحك فى الليل مع حراس المقابر
وهو يلعب معهم لعبة الثلاث
ورقات
فهو لايعبأ بالشمسِ
ولابالقمر
لا بالصيف
ولا بالشتاء
هو فقط حيوان الله الأخرق
يزرر سترتَه – المزركشةَ بالمواعين –
على نفسه
ويتلفع بالجماجمِ
ويسير مقهقهاً فى الشوارعِ
من كل تلك الكائنات
التى تسير على قدمين
حافيتين
أو من كل تلك الزواحف
التى تتخبأ بين الشقوق
وعلى الحيطان
إنه الموت الكتانى الأحمر.
الأمل 2
نعم
نعم
سوف أكتب عن الأمل
بيدين لاتعرفان شيئاً عن اليأس
نعم
سوف أكتب عن الأمل بضراوة فراشةٍ
وتعبر المحيطات
بأغنية متراكبة على سقالةِ حديقةٍ
مهجورةٍ
وبنغمة سيمفونية أخيرة
لم يصل إليها أريستو فان
أو سان جون بيرس
فى أغنياته التى تركها هناك على الحوائطِ
فوق جزيرة الشيطان
ولم يفكر فيها أصلاً يوسف
وهو فى حضن امرأةِ
العزيز
وهو يدخن أرجيلته المحشوة
بالأساطير والخرافاتِ
وهو جالس على كل خزائن
الأرض
نعم
نعم
سأكتب عن الأمل بضحكة طفل مناوئ
فى مدرسةٍ إبتدائية
وهو يمسح الحبر من على مريلتهِ
أو يكتب على سبورة الفصل
الأمل هو الربّ ذاته
لا
لاتفتشوا فى خرائب الذاكرة
عن أجولة الملح
ونفوش النشارةِ
فقط
كونوا مثل هذه السماء
ومثل كل تلك الأرض
السماء تمتلىء بالنجوم
والأرض تمتلىء بالحرائق
أيتها الحديقة ما الذى يجعلك تبكين الآن؟!
هل سقطت أوراق الشجر فى النهر
قومى أيتها الطفلة من نومك
فمازال على الفجر بعيد
وانشدى
انشدى لتُخَتِ الفصلِ
ومعلم الحساب
لعنب الأصابع
وتضاريس الميتافيزيقا
خلاص
لم يعد أحد فى هذا العالم يعرف
إن كانت الحقيقة مرمية هنا على الأرض
أم ترقد هناك تحت سُرّة السماءْ
فى قلب هذا الكائن
أو فى قلب تلك الحشرة
الرابضة هناك تحت سفحِ هذا الجبل
لا أمل فى العدل الخالصِ
ولا أمل حتى فى الخلاص أبداً
كويكبات تأتى وتروح
والساعة تتكتك فى ركن خربة من أركان
الذاكرةِ
لا علة
ولا معلول
ولكنه الأمل !!
من يصنع أسطورة تلك الخنفساء فى الليل
ومن يضع إناء الماءِ
إلى جوار مقبرةٍ
جافة
لمَ كل هذه الصلوات إذن
والموتى يذهبون إلى عالم الغيوم
والقمر يفلّى رأسه من الميكروبات
ومازالت سفينة آمون رع
تعبرُ المحيطات
بأشرعةٍ من حمض الأدرينالين
نعم
سأكتب عن الأمل حتى وأنا فى آخر الليل
وأرقب كل تلك السفن العابرة للقارات
وكل تلك القطارات العابرة للفنتازيا
آه
من يوقف ضجيج كل تلك القطارات
التى تقطع المخيلة من أقصى الشرق
إلى أقصى الغرب
ولا تقف لتقول لكم
الوداع
الوداع أيها الموتى!
فراشة الليل
آه
يافراشة الليل
إرقدى إلى جوارى
وعلى نفس الأريكة
التى تمتلىء بالضحكات الميتة
لامرأةٍ ظلت وحيدةً
وتركتنى هناك فى العاصفة
وأنا
أبص إلى الحوائط والجداريات
وأحدق إلى اللاشىء
أنتظرها أن تأتى
فقط أن تفتح الباب
فقط أن تقول لى ولمرةٍ أخيرةٍ
صباح الخير
أيها النائم الأبدى فى مقبرة
التاريخ
أنا تركت لك
ثوبى
وفردتىْ حذائى
وأغنيةً أخيرةً
قد استعرتها من القمر
فى لحظة الأفول
أصابعى هناك فى المطبخ
طعم شفتىّ على الأكوابْ
إبتسامتى خبأتها لك فى حفرةٍ تحت الأرض
عمقها سبعون ذراعاً
يداىَ ممدوتانِ فى عمق السماء
قلبى صار أغنيةً فى فم العصافير
والليل ملاح أهوج
لم أعد أريد أن أشرب من هذه الكأس
أنا فقط
أنام فوق طاولةٍ منسية
لا أحد يزورنى فى الليل
ولا أسمع ولو طرقة واحدة على الباب
ما الذى صنعناه فى عالمنا الزائفِ هذا
لم تكن حياتنا غير حلم طويل
أبى إلا أن يخرج من الذاكرةِ
أو يرقص هناك على الطرقاتِ
سوف أنتظرك
هناك ياحبيبى
إلى أن تأتى
لاتقل شيئاً
عن الغسيل الذى تركته لك فوق الحبال
ولا عن حذائى المثقوب الذى ذهب بمفرده إلى السوق
يسأل بائعة الخضروات عن ثمن رغيف الخبز
ولا عن مرايا الروح التى جفت تحت سقيفة الزمن
سوف أنتظرك إلى أن تأتى
أيها الرفيق
يا شجرة الجميز العتيقة
ملاءاتى هناك
حاول أن تجد لها مكاناً فى صناديق
القمامة
هل يمكن لأحدٍ أن يحنط حياة
الكائنات معلقه فقط فى ماضيها
ولكنها ليست نفسها
على الاطلاق
الأمل
الأمل!!
فى يوم ما
فى يوم ما
وفوق هذه الشجرة بالذات
اجتمعت نملة وعصفورة وفراشة
النملة قالت
أريد أن أذهب إلى البيت بمفردى لكى آكل
وأشرب
وأتغطى كثيراً بالأحلام
وحتى أتخبّأ من كل هذه الرياح
وتكويمات الظلمة
والعصفورة قالت
أريد أن أتنقل من غصن إلى غصن
ومن شجرةٍ إلى شجرةٍ
أنا لست ورقه ساقطة
الحركة أساس الحبْ
والمعرفة أصل هذه الشجرة والفراشة قالت
أنا
سوف أغير ملابسى
وأغنى لكل تلك الأرض
لن يعرف فمى السكوت أبداً
ولن يتوقف أبداً جناحاى
عن الطيران
والسفر
أنا مثل هذه النجومْ
أعبر الزمن والأمكنة
من الشرق إلى الغرب
ومن الغرب إلى الشرق
العالم كله مطوى تحت جناحىّ
أنا ماخلقت للموت
سأظل طائرةً إلى الأبد
خطوى هو الغناء
وشفتاى لم تنضحا سوى بالمحبةِ
يأ أختى النملة
قد كان عمرى قصيراً جداً
ربما
ثانيةً واحدةً
أو عدة أسابيع
ماذا نملك غير ذلك
شاءت الأقدار أن تكونى أنت النملة
وأكون أنا الفراشة
شاءت الأقدار أن تكون هناك
نجمة ما
فى سماءٍ ما
وأن تكون هناك غيمة ما
فوق بحيرةٍ ماٍ
نحن لا نملك أقدارنا يا أختى النملة
من الذى صنع هذه الشجرة وعلى تلك
الشاكلة
ومن الذى اخترع الوردة
وبهذا الشكل بالذات
ولماذا كان لى جناحان
وأنت تسيرين على الأرض
وتفعصك الأقدام
ولماذا أحلق عالياً فى السماء
وأنت تختبئين هناك
تحت الأرض
ألم يحاول موسى النبى فى يوم ما من الأيام
أن يسحق قافلة النملِ
فلماذا إدّاريتِ فى الحفر
وهربتِ من الموت مثل لصٍ خائفٍ
ولماذا كانت أختى العصفورة عصفورةً
ولم تكن جملاً مثلاً
أو حتى أرنباً
أو كوكباً جميلا
حتى مصائرنا تختلف
فالقوة الدافعة للنظر
هى هى نفس القوة الدافعة للفعل الخلّاق
ولا شىء فى هذا العالم
بلا معنى
أليست تصوراتنا عن أنفسنا
هى هى نفس تصورات االله عنا
حين جلس إلى منضدتهِ العتيدة
وراح يخطط
أو يفكر فى صياغة هذا العالم؟!
لا أنا أنت
ولا أنتِ انا
ستظل العصفورة عصفورةً
والنملة نملةً
والفراشة فراشةً
ولماذا كان الذئب ووحش الغاب
ولماذا كانت هناك الحملان والبقر والجاموس
العالم ترتيب غريب يا أختى العصفورة
ولكل قدره
تموت نملة لتولد أخرى
تولد فراشة لتموت أخرى
وهكذا سوف تظل كرّاكه الله تعمل
وبلا نهاية
والعالم كله يدور.
محمد آدم
كندا- إدمنتون
2018