تمرّ ثلاثة وعشرون سنة على غياب الكاتبة والصحفية صافية كتو، هذا الغياب الذي نزل صاعقا على عائلتها بمدينتها الصغيرة المحافظة ، لحظتها كتبت الشرطة بالعاصمة أن الموت كان انتحارا، قال رفاقها صافية تنتحر…. وقالت المدينة بعيون الصمت أن هذا الفعل لايجب أن يعاد الحديث فيه.
وصلت في حدود الرابعة مساء سيارة اسعاف قادمة من الجزائر العاصمة تحمل رفات الكاتبة والصحفية صافية كتو ، توقفت للحظات أمام بيت العائلة ثم تابعت مع جمع من رفاقها وعائلتها طريقها إلى مقبرة سيدي بوجمعة ، كانت الشمس تتهيـّأ لحجب وجهها بسواد الحداد ، وكان الصمت فضاء يقهر الوجوه التي رافقت جثمان صافية ، تمت صلاة الجنازة ووريت صافية كتو التراب الذي غادرته ذات مساء من سنة 1969 صوب العاصمة وبقي صوتها وحده يسائل وجوه الصمت مرددا صدى نبوءتها عن الموت حينما كتبت تقول :
” إذا مت بينكم يوما
ـ ولكن أتراني سأموت حقا ؟ ـ
لاتتلوا من أجلي آيات من القرآن
دعوه لمن يتاجرون به
لاتجزوا لي فدّانين من
فردوسكم
فدان واحد على هذه الارض يكفي
لسعادتي
لاتنثروا على قبري بذور التين
المجففة
كي تأتي طيور السماء
وتأكلها
لاتمنعوا القطط من التبوّل على
ضريحي
لأن القطط كانت كلّ يوم خميس
تبول على عتبة بابي
ولم ترتعد الأرض قط جراء ذلك.
لاتزوروني مرة في السنة
لأن ليس عندي شيء أقدّمه لكم.
لاتقسموا بخلاص روحي، لا
صدقا
ولا حتى زوراُ
ترى هل تنبأت صافية كتو بهذا الموت أم تنبأت بأن شيئا ما كان سيحدث لها وهي تعيش زمن إنهارت فيه القيم على كل مستويات الحياة . صافية كل الذين عرفوها أطلقوا عليها زهرة اللوتس أو فراشة الكوكب البنفسجي، لأنها كانت حالمة ومقبلة على حياة ، لكن الحياة لم تكن في وجهها سوى كما صورة الموت الذي كان سيجىء ساحبا الدمار معه لكل وطنها، قال وسيني الاعرج في رواية سيدة المقام على لسان بطله الذي كان يعبرجسر تيليملي وهو يبصر صافية كتو من عمق الهاوية
” كانت تلك المرأة كما الكائنات التي تتحسس الزلزال ” .
وقفت على الجسر وأنا أعيد رواية وسيني الاعرج إلى جراب محفظتي خوفا من أن يتسلل بطلها من بين يدي ويرمي بنفسه في الهاوية. مشيت يومها وأنا صامت وإذا بسيارة أجرة تتوقف في أخر الجسر.
لا أعرف كيف وجدت نفسي داخلها وأنا أحدث ذاك السائق عنها وعن موتها الترجيديي ، فجأة أدار بأصابعه مرآته العاكسة وراح يبصر فيّ بعمق، بعدها زفر وهو يسألني إن كنت أعرف صافية حقا، هاته التي سمعني أردد اسمها وأنا أركب سيارته، قلت له أنا ابن مدينتها ومهتم بكتاباتها لهذا تجدني في كل ذكرى وفاتها أجىء إلى هذا الجسر لأعيد حكاية الارتطام.ثم أردفت له “شجاعة كبيرة أن يرمي الانسان بنفسها من ذاك العلو “ تبسم بصمت ثم رد
” ومن قال لك أنها رمت بنفسها من هناك ؟”
كدت اقول له وأنت ماذا يعنيك إن كانوا قالوا لي ذلك أو استنتجته بنفسي ، لكنني تراجعت لأنني كنت أدرك أن الكل كان يعرف أنها انتحرت أو على الأقل أن هذا ما كتبته شرطة العاصمة في تقريرها حينما عاينت حادثة الموت يومها.
هز رأسه وبدأ يردف في كلام لا أعرف كيف شعرت بأنه كما السهام الحادة يخترق توازني حتى أحسست بارتعاد كما الحمى الباردة في جسدي.
تذكرت حينها أخت صافية الصغيرة التي قالت لي يوما أنها لا تصدق أن صافية أقدمت على ذاك الفعل وهي التي كانت تصاب بالغثيان لمجرد رؤية قطرة دم على أحد اصابعها . لحظتها تابع السائق كلامه. تلك فترة انعطاف في حياة هذه البلاد ،أتعرف الرئيس الذي كان في تلك الفترة كان يريد أن يقدم بعض الاسرار عن تلك التحولات المتسارعة والانهيارت التي بدأت تمس البلاد ، وقد جىء بصافية لتكون هي مسجلة تلك الاسرار باعتبارها صحفية متميزة. سجلت كل تلك الاسرار التي كانت محفوفة بسرية كاملة، وحينما خرجت صافية في ذاك اليوم بعد ذاك اللقاء ، غابت وبعدها كان خبر موتها ياصديقي.
هزني هذا الكلام قلت ربما هذا مخبر يريد أن يجرجرني بالكلام عن السياسة حتى أصدق فرضيته. لهذا لم اعرف بماذا أرد عليه. اكتفيت بالصمت ودون أن ادري وجدتني أشير له كيما يتوقف عند المحطة البرية كنا نمر بجدانبها، نزلت مسرعا حتى لا يفوتني موعد الحافلة وأسئلة الحيرة تتآكل في رأسي
ترى هل اصدق قصة انتحار صافية كتو أم قصة اغتيالها ؟
وصلت في حدود الرابعة مساء سيارة اسعاف قادمة من الجزائر العاصمة تحمل رفات الكاتبة والصحفية صافية كتو ، توقفت للحظات أمام بيت العائلة ثم تابعت مع جمع من رفاقها وعائلتها طريقها إلى مقبرة سيدي بوجمعة ، كانت الشمس تتهيـّأ لحجب وجهها بسواد الحداد ، وكان الصمت فضاء يقهر الوجوه التي رافقت جثمان صافية ، تمت صلاة الجنازة ووريت صافية كتو التراب الذي غادرته ذات مساء من سنة 1969 صوب العاصمة وبقي صوتها وحده يسائل وجوه الصمت مرددا صدى نبوءتها عن الموت حينما كتبت تقول :
” إذا مت بينكم يوما
ـ ولكن أتراني سأموت حقا ؟ ـ
لاتتلوا من أجلي آيات من القرآن
دعوه لمن يتاجرون به
لاتجزوا لي فدّانين من
فردوسكم
فدان واحد على هذه الارض يكفي
لسعادتي
لاتنثروا على قبري بذور التين
المجففة
كي تأتي طيور السماء
وتأكلها
لاتمنعوا القطط من التبوّل على
ضريحي
لأن القطط كانت كلّ يوم خميس
تبول على عتبة بابي
ولم ترتعد الأرض قط جراء ذلك.
لاتزوروني مرة في السنة
لأن ليس عندي شيء أقدّمه لكم.
لاتقسموا بخلاص روحي، لا
صدقا
ولا حتى زوراُ
ترى هل تنبأت صافية كتو بهذا الموت أم تنبأت بأن شيئا ما كان سيحدث لها وهي تعيش زمن إنهارت فيه القيم على كل مستويات الحياة . صافية كل الذين عرفوها أطلقوا عليها زهرة اللوتس أو فراشة الكوكب البنفسجي، لأنها كانت حالمة ومقبلة على حياة ، لكن الحياة لم تكن في وجهها سوى كما صورة الموت الذي كان سيجىء ساحبا الدمار معه لكل وطنها، قال وسيني الاعرج في رواية سيدة المقام على لسان بطله الذي كان يعبرجسر تيليملي وهو يبصر صافية كتو من عمق الهاوية
” كانت تلك المرأة كما الكائنات التي تتحسس الزلزال ” .
وقفت على الجسر وأنا أعيد رواية وسيني الاعرج إلى جراب محفظتي خوفا من أن يتسلل بطلها من بين يدي ويرمي بنفسه في الهاوية. مشيت يومها وأنا صامت وإذا بسيارة أجرة تتوقف في أخر الجسر.
لا أعرف كيف وجدت نفسي داخلها وأنا أحدث ذاك السائق عنها وعن موتها الترجيديي ، فجأة أدار بأصابعه مرآته العاكسة وراح يبصر فيّ بعمق، بعدها زفر وهو يسألني إن كنت أعرف صافية حقا، هاته التي سمعني أردد اسمها وأنا أركب سيارته، قلت له أنا ابن مدينتها ومهتم بكتاباتها لهذا تجدني في كل ذكرى وفاتها أجىء إلى هذا الجسر لأعيد حكاية الارتطام.ثم أردفت له “شجاعة كبيرة أن يرمي الانسان بنفسها من ذاك العلو “ تبسم بصمت ثم رد
” ومن قال لك أنها رمت بنفسها من هناك ؟”
كدت اقول له وأنت ماذا يعنيك إن كانوا قالوا لي ذلك أو استنتجته بنفسي ، لكنني تراجعت لأنني كنت أدرك أن الكل كان يعرف أنها انتحرت أو على الأقل أن هذا ما كتبته شرطة العاصمة في تقريرها حينما عاينت حادثة الموت يومها.
هز رأسه وبدأ يردف في كلام لا أعرف كيف شعرت بأنه كما السهام الحادة يخترق توازني حتى أحسست بارتعاد كما الحمى الباردة في جسدي.
تذكرت حينها أخت صافية الصغيرة التي قالت لي يوما أنها لا تصدق أن صافية أقدمت على ذاك الفعل وهي التي كانت تصاب بالغثيان لمجرد رؤية قطرة دم على أحد اصابعها . لحظتها تابع السائق كلامه. تلك فترة انعطاف في حياة هذه البلاد ،أتعرف الرئيس الذي كان في تلك الفترة كان يريد أن يقدم بعض الاسرار عن تلك التحولات المتسارعة والانهيارت التي بدأت تمس البلاد ، وقد جىء بصافية لتكون هي مسجلة تلك الاسرار باعتبارها صحفية متميزة. سجلت كل تلك الاسرار التي كانت محفوفة بسرية كاملة، وحينما خرجت صافية في ذاك اليوم بعد ذاك اللقاء ، غابت وبعدها كان خبر موتها ياصديقي.
هزني هذا الكلام قلت ربما هذا مخبر يريد أن يجرجرني بالكلام عن السياسة حتى أصدق فرضيته. لهذا لم اعرف بماذا أرد عليه. اكتفيت بالصمت ودون أن ادري وجدتني أشير له كيما يتوقف عند المحطة البرية كنا نمر بجدانبها، نزلت مسرعا حتى لا يفوتني موعد الحافلة وأسئلة الحيرة تتآكل في رأسي
ترى هل اصدق قصة انتحار صافية كتو أم قصة اغتيالها ؟