د. محمد الشرقاوي - وفاة أحمد جواد: شجرة تخفي خلفها الغابة

"يا معالي الوزير.. إنّي أتسوّل"! واقعُ حالٍ يتحدث عن عمق المفارقة، عن شظف العيش واندثار المعنويات لدى فنان مسرحي آمن بفنه ووظيفته. لكن الحصاد كان مجرد معاناة ويأس وتراكم إحباطات متتالية منذ أكثر من عقد من الزمن.
أين هي مسؤولية وزارة ووزير الثقافة في إسعاف من لم يعد راتب 1800 درهما والسلم الخامس في تراتبية الوظيفة العامة يسعفه بحياة كريمة؟ أليس بين أصحاب المكاتب العلوية في الوزارة من لديه حس إنساني وقناعات قيمية ليشعر بمحنة هذا الموظف الفنان المهمّش؟ لكن، المسؤولية العامة والأخلاقية لا تقف عند أبواب وزارة الثقافة، بقدر ما تنطوي على أسئلة أخرى بنفس الكشف عن النقيصة المعنوية والإخفاقات الوطنية. ماذا فعل بقية الفنانين والمثقفين الذي آثروا أسلوب غرس النعامة رأسها في الرمل؟ من فكّر بالإقدام على مبادرة ولو رمزية للدفاع عن زميلهم المكلوم عندما كان يجول هائما على وجهه ويحكي تفاصيل نكبته؟
أين كانت الجمعيات والهيئات والمنتديات التي ترفع شعار خدمة الثقافة والفكر والفنون؟ هذا الحبر المتدفق اليوم بعد هلاك أحمد جواد لا يعني فلسين من عملة الإنسانية بعد أن كانوا صامتين متجاهلين لمأساة فنان صدح بنكبته "أنا أتسول!". لم يكن يتسول من أجل دراهم يضمن بها وجبة لأولاده فحسب، بل وأيضا يتسول من أجل لحظة اعتراف وتقدير لقدراته الفنية ورؤيته الفكرية النقدية.
من يُفحمني اليوم بأن يؤكّد أن هيئة ثقافية أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني أو المنصات الحزبية، (حتى لا نغالط أنفسنا أنها أحزاب بالمعنى المتعارف عليه دوليا)، قدمت الدعم أو تبنّت قضية هذا الفنان المثقل بصدّات الإقصاء، والتجاهل، والغبن المادي والمعنوي.
تستمر الحگرة في بلد تريد الثقافة والفنون، لكنها لا تنصف المخلصين لهما نبضا ووجدانا وأحلاما مؤجّلة. لا يزال جل المثقفين والفنانين يمشون على برية صلبة تجرح أقدامهم دون تأمين صحي أو أمن وظيفي أو رعاية مشاريع إبداعية.
ارحموا الأحياء قبل موتهم، ولا ترثوا الموتى في حياوات محسوبة عليهم ظلمًا وبهتان!
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...