بشرى أبو شرار - رحيل...

هي حجرتي , خزانتي , أدخلها , وأرنو إلى زواياها ولحظات أجدني الهاربة منها , كل ما فيها مبعثر في الأركان , رفوف الخزانة صرت لا أعرف ما الذي صار عليها , وكأن حاجياتي ليست لي , لا أعرفها , لا تعرفني , أنتشل منها قطعة بعد قطعة , وتساؤلات تلاحقني من أين أتيت بها , هل اشتريتها ؟... أم جاءت لي هدية !!…., أسحب الأدراج وقد تكومت في داخلها جوارب , حقائب صغيرة , أدوات زينة , مرايا صغيرة , أفرغت الأدراج , ورغبة في إعادة ترتيبها , وهاجس يحوطني , متى سأغادر حاجياتي ؟!.... أو متى ستغادرني , بعضها لا زالت تسكنه ورقة الشراء , كل حاجياتي هي أنا , وأعوام مضت كانت رفيقة لي , لا أحب أن أتركها وأرحل , لكن لمن أسربها , لمن أعطيها ؟!...درج أسحبه , يستسلم لراحة يدي , درج أسكنت فيه علب مخملية تسكنها ساعات يدي , وأنا العاشقة لساعة الوقت , كل ساعة منهن سكنت يدي وتنفست من مسامات جلدي , كل ساعة عانقت وقتي الذي كان يزدحم بالأحداث , لمن أعطي ساعاتي , أقراطي , أساوري التي تنتظر رحيلي لتغادر ولكن لا أعرف إلى أين , إلى من ؟!...
يطل من العلبه المخملية قرط أمي يوم انتزعته من أذنها , تهمس من روح دمعة غارقة بملحها
: " حين أموت ستكوني بعيدة , بيدي أنا أعطيك إياه قبل أن يأخذونه الغرباء لحظة رحيلي ... "
واليوم لمن أترك قرط أمي بعد أن سكن أذني عقودا طويلة , وتهشمت أحجاره , وكم من المرات أذهب لبائع الذهب كي يصلح من حاله , ما أن ينظر إليه حتى يعيده لي على ذات وقفتي قائلا :
- سيظل على حاله سيدتي ....
قرط أمي بأحجاره المتعبة لمن أعطيه قبل رحيلي ؟!!!!....
براحة يدي أستمد دفئا غاب من شالات الحرير من على الرف الأخير , لمن أتركها ؟!... وهي الهدية من أمي و صيف جمعنا كان الأخير , قالت لي :
_ هي لك , أنا أحبها , أحب خيوط الحرير فيها , أحب ورودها وألوانها , هي لك , قد تزهر دفئا من قلب شمس لن يطالها أفول .
واليوم اقتربت شمسي إلى حافة المغيب , لمن أترك شالات الحرير يا أمي لمن ؟!!! ....
هذا هو حالي في كل مرة أدخل حجرة ملابسي , أعود هاربة منها لوقت لا أعرف من سيودع من ....

بشرى أبو شرار



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...