ثقافة شعبية ليلى تبّاني - حيزية... هل سينصف واسيني حيزية مثلما أنصف مي؟ بين صلابة مبدع وسيولة انتاجه تتسلّل ميوعة الحاقدين

كثر اللّغط هاته الفترة التي تلت الزيارة الأخيرة للروائي المفكر الكبير " واسيني لعرج " لمدينة قسنطينة ، والتي قدّم من خلالها ندوة قيّمة حول مسيرة الناقد الرّاحل " حسين خمري" ، لتأتي ندوته المقامة بالمكتبة الرئيسية للمطالعة " مصطفى نطّور" ، والتي كشفت عن نوايا مخبوءة ،لم نجد لها مبرّرات سوى أنّها ستبقى حبيسة وصفها ، تضمّنت الجلسة الثقافية ندوة قدّمها الدكتور الروائي : واسيني الاعرج بعنوان : " حكاية حيزية روائيا" ـــ المخيال الشعبي و دوره في تحرير السرد ــــ كما تمّ تقديم كتاب للدكتور : الطيب ولد العروسي بعنوان " محند تازروت " ، مفكر جزائري بين التهميش و النسيان ، وتتعزّت الندوة بحضور الباحث في التاريخ المعاصر الدكتور " رياض شروانة " ، كلِّل اللّقاء بتكريم للضيوف من طرف مديرة المكتبة السّيدة الراقية " وافية درواز ، كان لقاء ناجحا مثمرا بكل تفاصيله وأبعاده ، لولا بعض الامتدادات المغرضة لاستغلال موقف الدّكتور واسيني لعرج وتحويره و تأويل ما صرّح به حول قصّة حيزية ، كان قد تناول ذات الموضوع شهر أكتوبر 2022 في محاضرة بقصر الثقافة بالعاصمة بعنوان "الرواية باعتبارها بحثا تاريخيا" ، لم يكن الجدل قائما بنفس حدّته هاته المرة ، فقد بدا بطريقة مختلفة عمّا كان سائدا، جدل يختلط فيه الواقعي التاريخي بالوهمي الروائي، ذلك ما يجعلنا نتساءل : لم كثرت الكتابات حول الموضوع في هذا التوقيت بالضبط ؟

ادّعي بعض من المتهجمّين أعداء النّجاح أنّهم نقّادا ، و أن العزّة بالنفس أخذتهم حيال شرف القبيلة وشرف حيزية كامرأة تمثل شرف الجزائريات ، فأحاججهم بذات حجّتهم وأقول : حري بكم لو تقاضون " بن قيطون " كاتب القصيدة الأصلي وليس من اقتبس منها الرواية ، فمهاجمة واسيني لعرج تكون بذلك تحصيل حاصل ، ثمّ أن أصول النقد ـــــ إن كان ما كتبوه يراد به نقدا ـــ تقتضي شروطا ترتقي بالعمل الإبداعي لا تحبطه قبل بدئه ، وفقا لذلك نمتن أيّما امتنان للغة الضّاد ، إذ أهدتنا الرّشد بعد غيّ المشكّكين ، فكانت التاء المزيدة كفيلة بأن تبيّن الفرق الذي لا يدركه البعض دلالة و يتجاهله لفظا .فيصبح النّقد والانتقاد لديه سيّان دون أن يدرك أنّ النّقد فعل غير منحاز يلي العمل المنجز ويوضّح إيجابياته وسلبياته دون اعتداء أو اتّهام ، بينما الانتقاد يهتمّ بتصيّد الاخطاء ، و تلفيق مواضع الخلل دون تصويب مؤسّس على حجج منطقة معرفية مادية . فأن تقول الحق هذا مطلوب ولكن لمن تقوله ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وأين؟ هل أنت متطوع ؟ أم أنّك من أصحاب الإختصاص ورأيك مبني على أسس مدروسة وموضوعية وحيادية ؟ الغريب أن الإنتقاد يأتي غالبا من أشخاص غير مختصين وعلى الأغلب يفتقدون العلم والمعرفة والثقافة والأسلوب ، بالاضافة إلى عدم الدّراية والوعي الكافيين بالحلول والبدائل المثلى لما ينتقدون،وهو ما لحظناه اليوم بعد إثارة رواية حيزية المولود الذي لم يولد بعد .
للنقد أصول أهمها أن تنتقد المشكلة و الفكرة و الرأي وليس الشخص ، فالخلاف لا يفسد للودّ قضية ، عليك أيّها المدّعي أن تثني وتمتدح الأمور الايجابية وتجعلها مدخلا للنقد ، اقترح وصوّب بطريقة مهذّبة وابتعد عن أسلوب الأمر و لا تلجأ للإهانة و التجريح والتّهديد و التلميحات التي من شأنها أن تنقص من شأنك كناقد لا من شأن المُنتَقَد ، هذا إن كنت ناقدا فعلا ، عليك أن تدرك لمن ستقدم نقدك وكيف ومتى وأين ، أيها المدّعي وما همّك نقدا ، كيف تمضي وإن مضيت جهولا ، على الناّقد أن يحترم الشخص الذي هو بصدد نقده ، وأن يدرك قيمته الاجتماعية مع حفظ المقامات ، وأن يحسن أسلوب إيصال التوجيهات والنصح ، ولا يكون النقد إلا بعد صدور العمل مكتملا ناضجا ، وإنّه من دواعي الانضباط والاحترافية أن لا يتسرب الكلام في الموضوع اعتباطا عبر المنصات و المواقع والعالم الأزرق ، أين اللاّرقابة ودنو المستوى ، الأمر الذي يسيء للناقد المدّعي لا للكاتب المدّعى عليه . أم أن الغرض تطرّف وتشظى إلى غايات أقل ما يقال عنها خبيثة تنمّ عن حقد دفين آن له أن يبرز ، أو عن سعي لإحباط وهج قد يطفىء مرضى الوهم ، فوجدوا أن لا مناص من بروزهم وظهورهم إلا إلى جوار من هم يُشِعّون في سماء مجد الإبداع . أقول لهم : بإمكانكم ذلك ، كان عليكم فقط اختيار الوقت والمكان المناسبين .

نشير في ذات السياق إلى أنّ بعض الدراسات التاريخيةأثارت التشكيك في وجود شخصيّة "سعيد " ، حيث يراه بعض الدارسين قناعا استعمله "ابن قيطون " الشاعر المؤلّف للقصيدة ، والتي تعتبر مرثية ومصدرا وحيدا للوقوف على حقائق قصة " حيزية " ، مبرّر التّشكيك بُني على أساس اخلاقي ديني عرفي ، فمن غير المنطق أن يكتب " بن قيطون " في هذا النوع من الغزل وهو رجل البيئة المحافظة دارس القرآن ، لتأتي دراسة الروائي " واسيني لعرج " وتبني على قصيدة بن قيطون وتضيف افتراضات مفادها أنّ حيزية ماتت مسمومة بسمّ العقرب ، دسّ لها من طرف نساء قبيلة بن قانة بسبب الغيرة ، وكان قد استند في فرضيته إلى لقاء عجوز من قبيلة "سيدي خالد " نانا شامة كما وصفها ، أكّد انها أسرت له تلك الحقائق التي دفنت مع دفن حيزية . و الجديد الذي يفضي إلى ضرورة إعمال العقل هو النبش حول حقيقة ان تكون حيزية رضيعة سعيد وبحكم أخته من الرضاعة .



في الحقيقة مذ أن عرفت بالموضوع واطّلعت على حيثيات الهجومات غير المبرّرة شدّني الفضول للبّحث فيه ، متوخّية الحذر في تقصّي الحقائق على مستوى بسيط من المعرفة والاشخاص الذين زوّدوني ببعض التفاصيل من قصة حيزية ، كما عمدت إلى التّحليل المنطقي العقلاني الحجاجي ، داحضة التحامل والانصياع خلف العاطفة والنوايا السّيئة منذ أن عرفت تفاصيل قصة " حيزية" ، أدركت أنها كانت امرأة غير عادية تملك من القوّة والجمال والذكاء ما يميّزها عن نظيراتها من نساء القبيلة ، رغم صغر سنّها ، ما يجعلنا نسلّم مسبقا وبالمنطق احتمال أن تتمرّد على تقاليد مجتمعها البدوي المحافظ في زمنها ، فمن بين ما يروى من شيوخ منطقة "فج مزالة "ــــ وهم قبائل من أصل سكان كتامة ــــ أن القوافل التي كانت تقلّ حيزية مع أهلها ضمن رحلات البدو ، تمرّ بمنطقة "بازر سكرة" وتغادر عبر طريق مؤدية لحمّامات موجودة بمنطقة فجّ مزالة ، أكّد أحد الشيوخ من العلمة وهو يروي قصّتها ، أنّ القرى والقبائل التي كانت تمرّ بها قافلة حيزية تعلن حالة من الاستنفار والقلق ، مبرّره حسب الرّاوي ، أن حيزية ستؤلّب نساء القبائل ــــ التي تحلّ بها ــــ عن رجالهنّ وتجعلهن يتمرّدن على الرجال ، توحي الرواية بأن حيزية كانت ذات شخصية قوية مؤثرة وليس بالهيّن استدراجها أو استغفالها . يجرّنا الحديث وفقا لما روي إلى إعمال العقل والاستنتاج الذي قد يغيّر من مجريات ما روي عنها سابقا وكان مصدره مرثية شعرية . هذا من جهة ومن أخرى فإنّ ما طرح من فرضيات حول سعيد وابن قيطون تبقى واردة إلى أن يثبت العكس ، ولا أظن أن العكس سيثبت لعدم توفّر مصادر مادية عن حقيقة القصّة ، نميل وفقا لذلك إلى أن حيزية فعلا ماتت مسمومة ، لأن لا سبيل للتخلّص منها من طرف النسوة اللائي يؤرّقهن وجودها ، سوى تسميمها بسبب قوة شخصيتها و ذكائها الواضح ، لقد أرادوا إزاحتها وبأسلوب بائس كي تُنسى ، لكن لله عدالته وللقدر أحكامه ، فهاهي حيزية بعد أكثر من نصف قرن من وفاتها تنافس قصص العشاق في العالم وتسيل حبر الكُتّاب والنّقاد لتحظى باهتمام الكاتب الروائي الكبير واسيني لعرج ، فهل سينصفها مثلما أنصف مي زيادة قبلها ....؟

ليلى تبّاني .....من الجزائر .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...