كان جحشة بائع السجائر نشيطا جدا في عمله، فيذهب كل يوم إلى محطة الزقازيق قبل ميعاد القطار، ولو سئل عن مهنته للعنها شر لعنة؛ لأنه كغالبية الناس برم بحياته، ساخطا على حظه، ولعله لو ملك اختيارا لآثر أن يكون سائق سيارة أحد الأغنياء فيرتدي لباس الأفندي ويأكل طعام البك، ويرافقه في الأماكن المختارة في الصيف والشتاء.
وسبب تمنيه لهذا العمل بعينه، أن غريمه في حب نبوية يعمل هذا العمل، ويغازلها بكل ثقة، بل سمعه مرة يقول لها: “سآتي قريبا ومعي الخاتم”، فابتسمت له في دلال، فاغتاظ جحشة، وهو يتابعها ـ كعادته ـ أعاد على مسامعها نفس الجملة التي قالها غره، فقالت له باحتقار: “هات لك قبقاب أحسن”، فنظر إلى جلبابه وقدميه قائلا: “هذا سبب شقائي وأفول نجمي”، غير أن ألمه لم يمنعه عن الكد في عمله.
ذهب جحشة لمكان عمله بمحطة الزقازيق، وعندما وصل القطار، ظن أنه يوم فاسد لا بيع فيه ولا شراء، فتبين له بعد سؤاله أن من بالقطار أسرى إيطاليين ذاهبون إلى الاعتقال، فمن منهم يشتري سجائره! نظر لهم باحتقار وهمّ بالذهاب، وهنا سمع صوتا ينطق بالعربية بلهجة إفرنجية قائلا: سجائر، فاندهش جحشة ثم فرك سبابته بإبهامه، أي نقود، ففهم الجندي وأومأ برأسه، ثم بدأ يخلع جاكتته ومدها له كبديل عن النقود، فأُعجب جحشة بالفكرة، لكنه لم يظهر ذلك، ومد يده يأخذ الجاكته ويعطيه علبة سجائر عوضا عنها، فصاح به الإيطالي: واحدة فقط؟؟ هات عشرة.
ذعر جحشة وأوشك أن يذهب، فصاح به أعطني عددا مناسبا تسعا، ثمانية، وجحشة يهز رأسه بعناد، وواصل الإيطالي تنازله حتى رضي بعلبتين، ارتدى جحشة الجاكت ونظر لنفسه نظرة غرور ورضا، ثم ذكر حبيبته نبوية قائلا: لو تراني الآن، نعم لن تتجافاني بعد اليوم ولن تلوي وجهها عني احتقارا، ولن يجد الغر ما يفخر به عليَّ، لكنه ذكر أن الغر يرتدي بذلة كاملة، من هنا بدأ يجول في العربات مناديا بكل جرأة، سجائر.. سجائر، العلبة بمنطلون لمن ليس معه نقود، أعاد كلامه مرات، غير أنه كان يومئ إلى الجاكته التي يرتديها ويلوح بالسجائر، ففهم بعض الأسرى وهمّ بخلع جاكتته، لكن جحشة أشار إلى البنطلون، فوافق الجندي وأخذ جحشة البنطلون وسارع في ارتدائه، فأصبح وكأنه جنديا إيطاليا.
إذًا، لم ينقص جحشة سوى الحذاء حتى يتساوى مع غره، حمل صندوقه وذهب للعربات مناديا العلبة بحذاء، العلبة بحذاء، ثم استعان بالإشارة كما فعل أولا، وقبل الحصول على الحذاء، أذنت صفارة القطار بالرحيل، فاغتاظ جحشة، وذهب في حسرة على ما لم يحصل عليه، هنا لمحه الحارس فظنه إيطاليا، فصاح به بالإنجليزية ثم بالإيطالية قائلا: أصعد بسرعة أصعد أيها الأسير.
فلم يفهم جحشة، وبدأ يقلده ويسخر منه، فصاح به الجندي: اصعد إني أحذرك اصعد، فلم يأبه به جحشة إلا احتقارا وسخرية، ثم ولاه ظهره وهم بالمسير، فأطلق عليه الحارس رصاصة أسقطت الصندوق من يده، فتناثرت علب السجائر والكبريت، ثم انقلب على وجه جثة هامدة.
وسبب تمنيه لهذا العمل بعينه، أن غريمه في حب نبوية يعمل هذا العمل، ويغازلها بكل ثقة، بل سمعه مرة يقول لها: “سآتي قريبا ومعي الخاتم”، فابتسمت له في دلال، فاغتاظ جحشة، وهو يتابعها ـ كعادته ـ أعاد على مسامعها نفس الجملة التي قالها غره، فقالت له باحتقار: “هات لك قبقاب أحسن”، فنظر إلى جلبابه وقدميه قائلا: “هذا سبب شقائي وأفول نجمي”، غير أن ألمه لم يمنعه عن الكد في عمله.
ذهب جحشة لمكان عمله بمحطة الزقازيق، وعندما وصل القطار، ظن أنه يوم فاسد لا بيع فيه ولا شراء، فتبين له بعد سؤاله أن من بالقطار أسرى إيطاليين ذاهبون إلى الاعتقال، فمن منهم يشتري سجائره! نظر لهم باحتقار وهمّ بالذهاب، وهنا سمع صوتا ينطق بالعربية بلهجة إفرنجية قائلا: سجائر، فاندهش جحشة ثم فرك سبابته بإبهامه، أي نقود، ففهم الجندي وأومأ برأسه، ثم بدأ يخلع جاكتته ومدها له كبديل عن النقود، فأُعجب جحشة بالفكرة، لكنه لم يظهر ذلك، ومد يده يأخذ الجاكته ويعطيه علبة سجائر عوضا عنها، فصاح به الإيطالي: واحدة فقط؟؟ هات عشرة.
ذعر جحشة وأوشك أن يذهب، فصاح به أعطني عددا مناسبا تسعا، ثمانية، وجحشة يهز رأسه بعناد، وواصل الإيطالي تنازله حتى رضي بعلبتين، ارتدى جحشة الجاكت ونظر لنفسه نظرة غرور ورضا، ثم ذكر حبيبته نبوية قائلا: لو تراني الآن، نعم لن تتجافاني بعد اليوم ولن تلوي وجهها عني احتقارا، ولن يجد الغر ما يفخر به عليَّ، لكنه ذكر أن الغر يرتدي بذلة كاملة، من هنا بدأ يجول في العربات مناديا بكل جرأة، سجائر.. سجائر، العلبة بمنطلون لمن ليس معه نقود، أعاد كلامه مرات، غير أنه كان يومئ إلى الجاكته التي يرتديها ويلوح بالسجائر، ففهم بعض الأسرى وهمّ بخلع جاكتته، لكن جحشة أشار إلى البنطلون، فوافق الجندي وأخذ جحشة البنطلون وسارع في ارتدائه، فأصبح وكأنه جنديا إيطاليا.
إذًا، لم ينقص جحشة سوى الحذاء حتى يتساوى مع غره، حمل صندوقه وذهب للعربات مناديا العلبة بحذاء، العلبة بحذاء، ثم استعان بالإشارة كما فعل أولا، وقبل الحصول على الحذاء، أذنت صفارة القطار بالرحيل، فاغتاظ جحشة، وذهب في حسرة على ما لم يحصل عليه، هنا لمحه الحارس فظنه إيطاليا، فصاح به بالإنجليزية ثم بالإيطالية قائلا: أصعد بسرعة أصعد أيها الأسير.
فلم يفهم جحشة، وبدأ يقلده ويسخر منه، فصاح به الجندي: اصعد إني أحذرك اصعد، فلم يأبه به جحشة إلا احتقارا وسخرية، ثم ولاه ظهره وهم بالمسير، فأطلق عليه الحارس رصاصة أسقطت الصندوق من يده، فتناثرت علب السجائر والكبريت، ثم انقلب على وجه جثة هامدة.