محمد اسعاف النشاشيبي - نقل الأديب

27 - جنة في نار

دخل بدوي حماماً فاستطابه فقال لصاحبه:

إن حمامك هذا ... غير مذموم الجوار

ما رأينا قبل هذا ... جنة في وسط نار

28 - على أنه أقبل في الوقت

في (أغاني) أبي الفرج:

قال أبو المستهل: دخلت يوماً على سلم الخاسر وإذا بين يديه قراطيس، فيها أشعار يرثي ببعضها أم جعفر وببعضها جارية غير مسماة وببعضها أقواماً لم يموتوا. وأم جعفر يومئذ باقية. فقلت له: ويحك ما هذا؟!

فقال: تحدث الحوادث فيطالبوننا بأن نقول فيها. ويستعجلوننا ولا يجمل بنا أن نقول غير الجيد. فنعد لهم هذا قبل كونه، فمتى حدث حادث أظهرنا ما قلناه فيه قديماً على أنه قيل في الوقت.

29 - الأذن الشرعي والقياس اللغوي

في (طبقات) السبكي.

دخل رجل على الجبائي يوماً فقال: هل يجوز أن يسمى الله (تعالى) عاقلا؟

فقال الجبائي: لا، لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع، والمنع في حق الله محال فامتنع الإطلاق. قال الشيخ أبو الحسن فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله (سبحانه) حكيما لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت

فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء

وقول الآخر (جرير):

أبني حنيفة. أحكموا سفهائكم ... أني أخاف عليكم أن أغض أي نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهائكم. فإذا كان اللفظ مشتقاً من المنع، والمنع على الله محال، لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه (سبحانه وتعالى). فلم يجد جواباً إلا أنه قال لي: فلم منعت أنت أن يسمى الله (سبحانه) عاقلا، وأجزت يسمى حكيما؟ فقلت له: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته

30 - ما قتل المحب حرام

قال القاضي المقري: سألني ابن حكم عن نسب المجيب في هذا البيت:

ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب ... فأجاب: ما قتل المحب حرام

ففكرت ثم قلت: أراه تميمياً لإلغائه (ما) النافية فاستحسنته مني لصغر سني يومئذ

31 - أجد بيانها في قلبي

في (وساطة) الجرجاني:

قال يونس ابن عبد الأعلى: سألت الشافعي عن مسألة. فقال: إني لأجد بيانها في قلبي، وليس ينطلق لساني

32 - بارت قريتك

في (مفيد النعم) للسبكي:

ذكر الزبير ابن عمار أن بعض المتقعرين كتب إلى وكيل له بناحية البصرة: احمل إلينا من الخوزج والكنعد الممقورين، والإوز الممهوج، ولحم مها البيد، ما يصلح للتشرير والقديد

فكتب إليه وكيله: إن لم تكف عن هذا الكلام بارت قريتك، فإن الفلاحين ينسبون من ينطق بهذه الألفاظ إلى الجنون

33 - عبودية الطاعة وأخوة العبد

كتب أبو حيان التوحيدي إلى صاحب له: كنت أعلمتني أنك استحسنت مني هذين البيتين وهما:

إن كنت تطلب فضلاً ... إذا ذكرت ومجداً

فكن لعبدك خلا ... وكن لخلك عبدا وكان سببهما أن صديق لي ضرب عبداً له، فحضره صديق له، فمنعه الصديق فلم يمتنع، فكتبت إليه بهذين البيتين أذكره بحق الصديق في عبودية الطاعة، وأخوة العبد في حق الإيمان قال (تعالى): (إنما المؤمنون أخوة) هذا مع ما في التسلط على المماليك من الدناءة.

34 - يخاف أن أعلم عليه

في (زهر الآداب) للقيرواني:

قال الفتح بن خاقان: ما رأيت أظرف من ابن أبي دؤاد، كنت يوماً ألاعب المتوكل بالنرد. فاستؤذن له عليه، فلما قرب منا هممت برفعها، فمنعني المتوكل وقال: أجاهر الله بشيء وأستره عن عباده؟ فقال المتوكل لما دخل: أراد الفتح أن يرفع النرد، قال: يخاف (يا أمير المؤمنين) أن أعلم عليه. فاستحليناه وقد كنا تجهمناه

35 - الوجه الحسن والشعر المطبوع

قال أبو عمر بن سالم المالقي: كنت جالساً بمنزلي بمالقة فهاجت نفسي أن أخرج إلى الجبانة، وكان يوماً شديد الحر فراودتها على القعود، فلم تمكنني من القعود، فمشيت حتى انتهيت إلى مسجد يعرف برابطة الغبار، وعنده الخطيب أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي، فقال لي: إن كنت أدعو الله أن يأتيني بك وقد فعل فالحمد لله، فأخبرته بما كان مني ثم جلست عنده فقال: أنشدني، فأنشدته:

غصبوا الصباح فقسموه خدوداً ... واستوعبوا قضب الأراك قدوداً

ورأوا حصا الياقوت دون نحورهم ... فتقلدوا شهب النجوم عقودا

وتضافروا بضفائر أبدوا لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا

صاغوا الثغور من الأقاحي، بينها ... ماء الحياة، لو اغتدى موروداً

لم يكفهم حد الأسنة والظبا ... حتى استعاروا أعينا وخدودا

فصاح الشيخ وأغمي عليه، وتصبب عرقاً، ثم أفاق بعد ساعة وقال: يا بني، أعذرني فشيئان يقهرانني ولا أملك نفسي عندهما: النظر إلى الوجه الحسن، وسماع الشعر المطبوع

36 - أنا لا أسمع لوما في حبيب

في خزانة ابن حجة: كان صلاح الدين الصفدي، مذهبه تقديم أبي الطيب المتنبي على أبي تمام حبيب الطائي. فأتفق أن صلاح الدين اجتمع بابن نباتة بالديار المصرية، وذاكره في أبي الطيب وأبي تمام، فوجده على مذهبه. واجتمعا بعد ذلك بالشيخ أثير الدين بن حيان وذاكراه في ذلك، فقدم أبا تمام، فلاماه على ذلك فقال:

أنا لا أسمع لوماً في حبيب

37 - كالحسن شيب لمغرم بدلال

(في المثل السائر) لابن الأثير:

قال أبو تمام:

خلط الشجاعة بالحياء فاصبحا ... كالحسن شيب لمغرم بدلال

وهذا من غريب ما يأتي في هذا الباب. وقد تغالت شيعة أبي تمام في وصف هذا البيت، وهو لعمري كذلك



مجلة الرسالة - العدد 199
بتاريخ: 26 - 04 - 1937

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...