ارتفعت في الآونة الأخيرة عبر الندوات و الملتقيات الفكرية أصوات ينادي أصحابها بضرورة أسلمة الفكر و المعرفة و أسلمة الحوار، و أسلمة الإنسان، و هذه الأسلمة كمفهوم دخيل على اللغة العربية كباقي المفاهيم التي اصبحت تستعمل في كل خطاب ديني أو سياسي كالإسلاموفوبيا، حيث استغلت بشكل واسع للغاية، يراد بها مسائل كثيرة ذات معنى و دلالة فكرية لا تتوقف عند حدود اللغة فقط، لا أتكلم هنا عن العقل الملحد بل عن الجمود العقلي و بعض الأفراد ذوي النظر القصير و ذوي الغلو في الفكر ، الأمر الذي يؤدي بهم إلى أن يؤولوا كل ما يقرأون عنه أو صورة يرونها ، إن النهوض بـأمّة ليس بالعمل السهل و لا يأتي بين عشية أو ضحاها، و التغيير لا يعني تغيير النظام و الحكام اي تغيير الوجوه و السماء، أو تغيير نظام اقتصادي ، اجتماعي، فأهل الحق أينما كان الحق وُجِدوا ، لا يحملون قبعةً حزبية أو فكر ًا متطرفا
إن الأسباب هي كثرة التفلسف في القضايا التي تهدم و لا تبني، و تفرق و لا تجمع، خاصة مع ظهور خطابات جديدة استعملت ألفاظا لم نكن نقرأ عنها من قبل، كمفهوم "الأسلمة" و ما اعتراه من تناقضات و جدل عقيم، و بات من الضروري معرفة في أي خانة نضع هذا المفهوم؟ فعالم الفكر شاسع و متشعب، منذ قليل فقط تلقيت رسالة عبر المسانجر، و إذا بها صورة للشيخ محمد الطاهر آيت علجت، و هو يجلس أمام قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) و بجانبه العالم الداعية الشيخ أحمد سحنون رحمهما الله، و لا شك أن كل من يرى الصورة أو رآها من قبل أخضعها للتأويل ، و قد يكون البعض قد ميّع الفكرة التي أخذها عن هذه الصورة، الحديث هنا عن العلماء و الدعاة الذين يجمعون بين علوم الدين و علوم الحياة و التي لا يمكن الفصل بينهما ، لأن كل علمٍ مكمل للآخر، و صناعة الأفكار لا تقتصر على مجال دون آخر، كما لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
لقد دمرت السياسة كل ما يدعو إلى الانسجام بين البشر و تحقيق الوئام، لدرجة أننا اصبحنا نؤول الكلام و الصور و نلصق تهما للناس.
بعيدا عن السياسة التي دمرت العقول و الأفكار، فأن يكون علماء أو دعاة يجلسون بين قادة حزب ما في ملتقى أو مؤتمر علمي، فهذا لا يعني أنهم محسوبون على تيار ما و أن حضورهم لتأييد جماعة دون أخرى ، لأنه دورهم قبل كل شيئ تحقيق التوافق بين جميع الأطراف، لتوحيد الأمّة و جمع صفوفها ، فلا ينبغي إذن تأويل ما لا ينبغي تأويله ، لقد نادى ابن سينا بحرية الفكر و نادى بإباحة كل الوسائل لالتماس الحقيقة و كان هذا نفس النهج الذي سلكه ابن خلدون، إن غياب ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر عمق الهُوّة بين الجزائريين و ربما بين العرب و المسلمين جميعا، مما أدى إلى تغير الخطاب الديني الإسلامي في ظل التجذر العميق المستمر للعولمة، لأن المؤثر غائب أو مغيّبٌ، هذا الغياب المفروض ، كان سببا كافيا في تدهور أوضاع الأمة، لأن الذين نرى فيهم القدوة و المثل العليا رحلوا عن الحياة و منهم من هم على الهامش، فهم وحدهم الذين يصنعون الألفة و الإخاء و الائتلاف، إذن ، التغيير لا يكون إلا بالحوار العقلاني، حوار لا يقف بجانبه حراسٌ، لأن العقل وحده الذي يحرس الأقوال و الأفعال يضعها في ميزان معتدل، و الثقافة تكسب صاحبها أبجديات الحوار و فلسفاته حيث تكون للحواريين نظرة شاملة، لقد خاض الفكر البشري في مناقشة القضايا ، كلٌّ من زاويته و تخصصه و درجة معارفه التي اكتسبها عن طريق التجربة و هناك من يقحم نفسه في كل شيئ فيطالب بإعادة النظر و إعادة القراءة و إعادة البناء ، لدرجة أنه قد يقود الآخر الى مسارات محكوم عليها بالفشل، فيكفر بكل شيئ حتى لو كان مقدسا.
رحم الله علماء الأمة الإسلامية و علماء الجزائر و أطال الله في عمر من هم على قيد الحياة من "المعتدلين" ،فهم الشمعة التي تنير هذه ىالبلاد
علجية عيش