منذ مقولة جابر عصفور، إننا نعيش زمن الرواية، والسجال حول مكانة الشعر لم ينته، بينما توارت القصة القصيرة ولا احد يدافع عنها وكأنها بلا وجود، ترى أين القصة القصيرة؟ هل تراجعت أم ان اهتمامنا بها هو الذي تراجع؟ وأين روادها من الستينيين الآن، ابراهيم اصلان ومحمد البساطي وخيري شلبي، مرورا بجمال الغيطاني ويوسف العقيد ومحمد المخزنجي واحمد الشيخ، حتى الكتاب الجدد في الساحة؟
الروائي الكبير خيري شلبي يعترف بأهمية التحقيق ودقة الملاحظة، قائلا ان القصة القصيرة من اهم الفنون دراميا، وهي توازي الشعر في كثافتها وصياغتها، وفي يوم من الايام سئل يوسف ادريس عن معنى القصة القصيرة، فقال: انها لقطة سريعة خاطفة، ذات عمق محفور في الوجدان، يوسف ادريس خلق تيارا في القصة القصيرة يوصف بالمصرية الصميمة على غرار تيار 'تشيكوف' في روسيا وإدجار آلان بو في اميركا، وخلق معه ايضا تيارا من كتاب القصة القصيرة نبغوا في هذا الفن أمثال: يحيى الطاهر عبدالله، بهاء طاهر، وابراهيم اصلان، ومحمد البساطي.. ولا اعرف لماذا اصابهم الإحباط واتجهوا إلى الرواية رغم انهم ابدعوا في القصة القصيرة؟! هناك وهم بأن الرواية ارتقاء بالكاتب، وهذا ليس صحيحا، فالكاتب الكبير حقا هو من مر بمرحلة كتاب القصة القصيرة، لكن أنا أعرف أن دور النشر قد غذت هذا الوهم برفضها نشر المجموعات القصصية قدر اهتمامها بالرواية فتحول كتابها الى روائيين.
ويرى الاديب احمدالشيخ ان صوت القصة القصيرة لم يخفت، لان كم المنشور اقل بكثير جدا من كم الانتاج، وذلك لتقلص المساحات المتاحة للنشر، في مرحلة يوسف ادريس كانت هناك مجلات 'ابداع - الكاتب - المجلة' وكانت هناك مساحات واسعة مفرودة في صحيفتي 'الاهرام' و'المساء' وغيرهما، وكان هذا تحديا لكل قاص لكي يطور ادواته ويقترب مما يريد ويتعمق، لكن تقلص المساحة المتاحة للنشر نتج عنه التفات الى فن آخر.. القصة القصيرة لم تفقد ضروراتها وما زال جيل الستينات يكتب القصة القصيرة، لكن المتاح للنشر مساحة ضئيلة جدا جدا مما أرجعنا إلى الوراء.
ويقول القاص والروائي خيري عبدالجواد: القصة القصيرة شيء مهم جدا وجميل لكنها لا تشبعك، لذا فأنا أفضل الرواية، صحيح انها تحتاج لمجهود اكبر وفترة استعداد اطول وقراءات في أشياء معينة والى استقرار، لذا يبدأ الكاتب بالقصة القصيرة وينتهي بالرواية، في الفترة الاولى لا نكون مستقرين، نبحث عن عمل وزوجة وأسرة..إلخ، وحياة مستقرة، والقصة القصيرة لا تحتاج الى الاستقرار، تكتبها في الشارع او على مقهى، كثيرون بدأوا حياتهم شعراء يكتبون على ورقة في الشارع، أما الرواية فتحتاج إلى تركيز ومكان مغلق تماما وتكون منسحبا ومتوحدا مع نفسك.
أضف إلى ذلك ان الرواية فيها اشباع لان القصة القصيرة تستطيع ان تنظر الى العالم من ثقب الباب، وبالتالي أماكن زاوية ضيقة جدا ولا تستطيع مشاهدة الجوانب الأخرى، انت تشاهد الذي أمامك وما يتاح لك، بينما الرواية تستطيع من خلالها ان تشاهد العالم كله وكل الفنون من مسرح موسيقي..إلخ، كل هذا تستطيع ان تستخدمه في الرواية، كذلك عنصر الزمن، فالقصة القصيرة لحظة مكثفة جدا، وهذه الفوارق تجعلني اميل الى الرواية.
الكاتب ادريس علي يرى ان القصة القصيرة هي فن السهل الممتنع، كما عرفناها عند يوسف ادريس وتشيكوف وغيرهما لان ما ينشر الآن بالصحافة الادبية نوع من العبث والاستسهال، وفي تصوري ان القصة أصعب أنواع الابداع، فهي تحتاج الى التكثيف والتركيز وليس القول او الحكي، انما هي فكرة او ومضة. وهناك قصص قصيرة جدا مازالت محفورة في ذاكرتي تأثرت بها في بداية مشواري مثل 'نظرة' ليوسف ادريس و'ممنوع قطف الزهور' لمسعد قاسم عليوة و'الجاحزون' لمجيد طوبيا، وهذه نماذج للقصة القصيرة المكتملة.
ويضيف: انا بدأت بكتابة القصة كنوع من التدريب وكنت أكتب قصة في شهرين في حين كان ابراهيم فهمي يكتبها وهو يشرب فنجان قهوة.
الآن اختلط الحابل بالنابل وأصبح المناخ العام طاردا للمواهب والكثير مما يكتب لا علاقة له بالكتابة الادبية، والمأساة ان كل الدعميين شعراء وكل الصحافيين كتاب قصة قصيرة وكل النقاد يكتبون ويهتمون بالرواية، فالمجد الآن للرواية ولتذهب القصة القصيرة وكاتبها الى الجحيم.
ويشرح الاديب سليمان فياض ازمته مع القصة القصيرة، فيقول: 'ان من أصعب مشاكل القاص انه لا بد ان يسعى إلى رزقه، والقصة لا يمكن أبدا ان تضمن له الحد الادنى من المعيشة، فأول التحديات عدم تفرغ القاص وتمزقه بين ادوار مختلفة في الحياة، لقد اضطررت للعمل مدرسا لمدة 24 عاما، وهو ما عطلني كثيرا عن الابداع. والمشكلة الثانية التي تواجه المبدع، تتمثل في النشر، حيث لا يجد القاص من ينشر له لأن ذلك لم يعد - حقيقة - مجديا، بل يؤدي لخسارة الناشر خسارة فادحة، والمشكلة الثالثة مسألة القراءة، فهي شيء صعب جدا في هذه الظروف، حيث تتراجع اعداد القراء دوما... إن كتب نجيب محفوظ كان في الستينات يطبع منها سنويا 10 آلاف نسخة، تراجع هذا العدد الآن الى اقل من 1000 نسخة سنويا، وإذا كان هذا هو حال كتابات نجيب محفوظ فما بالك بمن هم دونه شهرة وحرفية وتمكنا وقبولا لدى القراء؟!'.
الروائي الكبير خيري شلبي يعترف بأهمية التحقيق ودقة الملاحظة، قائلا ان القصة القصيرة من اهم الفنون دراميا، وهي توازي الشعر في كثافتها وصياغتها، وفي يوم من الايام سئل يوسف ادريس عن معنى القصة القصيرة، فقال: انها لقطة سريعة خاطفة، ذات عمق محفور في الوجدان، يوسف ادريس خلق تيارا في القصة القصيرة يوصف بالمصرية الصميمة على غرار تيار 'تشيكوف' في روسيا وإدجار آلان بو في اميركا، وخلق معه ايضا تيارا من كتاب القصة القصيرة نبغوا في هذا الفن أمثال: يحيى الطاهر عبدالله، بهاء طاهر، وابراهيم اصلان، ومحمد البساطي.. ولا اعرف لماذا اصابهم الإحباط واتجهوا إلى الرواية رغم انهم ابدعوا في القصة القصيرة؟! هناك وهم بأن الرواية ارتقاء بالكاتب، وهذا ليس صحيحا، فالكاتب الكبير حقا هو من مر بمرحلة كتاب القصة القصيرة، لكن أنا أعرف أن دور النشر قد غذت هذا الوهم برفضها نشر المجموعات القصصية قدر اهتمامها بالرواية فتحول كتابها الى روائيين.
ويرى الاديب احمدالشيخ ان صوت القصة القصيرة لم يخفت، لان كم المنشور اقل بكثير جدا من كم الانتاج، وذلك لتقلص المساحات المتاحة للنشر، في مرحلة يوسف ادريس كانت هناك مجلات 'ابداع - الكاتب - المجلة' وكانت هناك مساحات واسعة مفرودة في صحيفتي 'الاهرام' و'المساء' وغيرهما، وكان هذا تحديا لكل قاص لكي يطور ادواته ويقترب مما يريد ويتعمق، لكن تقلص المساحة المتاحة للنشر نتج عنه التفات الى فن آخر.. القصة القصيرة لم تفقد ضروراتها وما زال جيل الستينات يكتب القصة القصيرة، لكن المتاح للنشر مساحة ضئيلة جدا جدا مما أرجعنا إلى الوراء.
ويقول القاص والروائي خيري عبدالجواد: القصة القصيرة شيء مهم جدا وجميل لكنها لا تشبعك، لذا فأنا أفضل الرواية، صحيح انها تحتاج لمجهود اكبر وفترة استعداد اطول وقراءات في أشياء معينة والى استقرار، لذا يبدأ الكاتب بالقصة القصيرة وينتهي بالرواية، في الفترة الاولى لا نكون مستقرين، نبحث عن عمل وزوجة وأسرة..إلخ، وحياة مستقرة، والقصة القصيرة لا تحتاج الى الاستقرار، تكتبها في الشارع او على مقهى، كثيرون بدأوا حياتهم شعراء يكتبون على ورقة في الشارع، أما الرواية فتحتاج إلى تركيز ومكان مغلق تماما وتكون منسحبا ومتوحدا مع نفسك.
أضف إلى ذلك ان الرواية فيها اشباع لان القصة القصيرة تستطيع ان تنظر الى العالم من ثقب الباب، وبالتالي أماكن زاوية ضيقة جدا ولا تستطيع مشاهدة الجوانب الأخرى، انت تشاهد الذي أمامك وما يتاح لك، بينما الرواية تستطيع من خلالها ان تشاهد العالم كله وكل الفنون من مسرح موسيقي..إلخ، كل هذا تستطيع ان تستخدمه في الرواية، كذلك عنصر الزمن، فالقصة القصيرة لحظة مكثفة جدا، وهذه الفوارق تجعلني اميل الى الرواية.
الكاتب ادريس علي يرى ان القصة القصيرة هي فن السهل الممتنع، كما عرفناها عند يوسف ادريس وتشيكوف وغيرهما لان ما ينشر الآن بالصحافة الادبية نوع من العبث والاستسهال، وفي تصوري ان القصة أصعب أنواع الابداع، فهي تحتاج الى التكثيف والتركيز وليس القول او الحكي، انما هي فكرة او ومضة. وهناك قصص قصيرة جدا مازالت محفورة في ذاكرتي تأثرت بها في بداية مشواري مثل 'نظرة' ليوسف ادريس و'ممنوع قطف الزهور' لمسعد قاسم عليوة و'الجاحزون' لمجيد طوبيا، وهذه نماذج للقصة القصيرة المكتملة.
ويضيف: انا بدأت بكتابة القصة كنوع من التدريب وكنت أكتب قصة في شهرين في حين كان ابراهيم فهمي يكتبها وهو يشرب فنجان قهوة.
الآن اختلط الحابل بالنابل وأصبح المناخ العام طاردا للمواهب والكثير مما يكتب لا علاقة له بالكتابة الادبية، والمأساة ان كل الدعميين شعراء وكل الصحافيين كتاب قصة قصيرة وكل النقاد يكتبون ويهتمون بالرواية، فالمجد الآن للرواية ولتذهب القصة القصيرة وكاتبها الى الجحيم.
ويشرح الاديب سليمان فياض ازمته مع القصة القصيرة، فيقول: 'ان من أصعب مشاكل القاص انه لا بد ان يسعى إلى رزقه، والقصة لا يمكن أبدا ان تضمن له الحد الادنى من المعيشة، فأول التحديات عدم تفرغ القاص وتمزقه بين ادوار مختلفة في الحياة، لقد اضطررت للعمل مدرسا لمدة 24 عاما، وهو ما عطلني كثيرا عن الابداع. والمشكلة الثانية التي تواجه المبدع، تتمثل في النشر، حيث لا يجد القاص من ينشر له لأن ذلك لم يعد - حقيقة - مجديا، بل يؤدي لخسارة الناشر خسارة فادحة، والمشكلة الثالثة مسألة القراءة، فهي شيء صعب جدا في هذه الظروف، حيث تتراجع اعداد القراء دوما... إن كتب نجيب محفوظ كان في الستينات يطبع منها سنويا 10 آلاف نسخة، تراجع هذا العدد الآن الى اقل من 1000 نسخة سنويا، وإذا كان هذا هو حال كتابات نجيب محفوظ فما بالك بمن هم دونه شهرة وحرفية وتمكنا وقبولا لدى القراء؟!'.