بعد غياب طويل عن الوطن، استقدم جارنا "وَلدْ سالمْ" العامل في فرنسا أجنبية معه.
كنا، نحن الصغار، نترقب ظهورها، نتحين الفرصة علّنا نحظى بنظرة إلى هذا الكائن البشري الذي قدم من وراء البحر وتَكَرّم بوضع أقدامه في حينا المنسي المنعزل.
حين نراها، نتسابق اتجاهها وفرح طفولي عارم يتملّكنا.
نحيّي "الرّومِية" بلكنة خشنة يحتويها ضحك جميل:
Bonjour madame !!! –
أما الأمر عند خالتي خديجة وجاراتها فكان مختلفا تماما.
لم يظهرن منذ أول يوم أي اهتمام يذكر اتجاه هذه "النّصرانية".. اتضح ذلك من خلال تصرفاتهن التي تعكس مدى عدم رغبتهن في إقامة أية علاقة ودية مع بنت جنسهن.
استنكرن بشدة أن يقترن ولد الجارة بامرأة غريبة تقارب أمّه في السن...
وتعبيرا عن تضامنهن المطلق مع جارتهن خالتي خديجة التي ما ابتسمت مذ ولجت هذه الغريبة بيتها، كنّ يتهامسن في ما بينهن لإغاظتها وينظرن إليها بطرف عين كلما مرت أمامهن...
نُسجت حول علاقتها ب"ولد سالم" الحكايات عن هذه العلاقة..
بعضهم أكد بأنه تزوج بها خفية عن والديه للحصول على أوراق الإقامة، ومنهم من قال بأنه يعمل عندها في الحقل...
أول الأمر، كانت نساء الحي تخفين وجوههن بمناديلهن حشمة وحياء حين تمر أمامهن وهي تلبس سروال "جينز" باهت اللون وقميصا ذا أزرار شبيها بذاك الذي يرتديه الرجال وتضع على عينيها نظارة شمسية كبيرة الحجم تستر بها تهدّل عينيها. كانت تتصاعد منها رائحة عطر منفرة ربما تخفي بها رائحة العرق الكريهة التي تنبعث منها.
فالفرنسيون حسب المهتمين، كانوا يُعتبَرون حتى وقت قريب من بين أقل الشعوب استحماما واعتناء بنظافة أجسادهم، هذا على الأقل ما يفسره تهافت شركات مستحضرات التجميل الفرنسية الرائدة في هذا المجال على تطوير صناعة العطور...
لم يكن الفرنسيون وحدهم من لا تربطهم أية علاقة ودية مع الاستحمام؛ يروي التاريخ أيضا أن إحدى أميرات إسبانيا وبعد طرد المسلمين من الأندلس، كان أول ما قامت به هو إعطاؤها الأوامر بهدم جميع الحمّامات التي بناها المسلمون...
عندما جلستْ هذه "الڭاوْرِيَّة" ذات مرة في أحد المقاهي رفقة "ولد سالم"، طوّقتها النظرات الفضولية وأحاطت بها من كل جانب خاصة حين أشعلت سيجارة وشرعت تنفث دخانها في الهواء. لمّا بالغ أحد رواد المقهى محملقا في وجهها وهو مسند ذقنه براحة كفيه، رفعت حاجبيها فوق جبينها الضيق وألقت بعقب سيجارتها بعصبية. صاحت وهي تهم بمغادرة المقهى:
Eh ben ne me regarde pas comme ça..? j’suis pas extraterrestre?
نهَره "ولد سالم":
-حَشّمْتوا بِنا.. شوف ڭدّامكْ.. ما عُمْرَكْ شَفْتْ نصرانية؟...
ضحك رواد المقهى كثيرا...
انتهى "الكونْجي"...
رجعت "الفرنسية" إلى بلدها تاركة مواقف هزلية كثيرة وانطباعا سيئا عند نساء القرية بوجه خاص.
عادت الابتسامة تطفو مجددا على وجه خالتي خديجة وهي تقول مشيرة نحو الشمال:
- "الْما والشَّطّابَة حتى قاعْ لَبْحَرْ"...
محمد الدويمي
* من رواية: جرادة بقايا أيام متمردة
كنا، نحن الصغار، نترقب ظهورها، نتحين الفرصة علّنا نحظى بنظرة إلى هذا الكائن البشري الذي قدم من وراء البحر وتَكَرّم بوضع أقدامه في حينا المنسي المنعزل.
حين نراها، نتسابق اتجاهها وفرح طفولي عارم يتملّكنا.
نحيّي "الرّومِية" بلكنة خشنة يحتويها ضحك جميل:
Bonjour madame !!! –
أما الأمر عند خالتي خديجة وجاراتها فكان مختلفا تماما.
لم يظهرن منذ أول يوم أي اهتمام يذكر اتجاه هذه "النّصرانية".. اتضح ذلك من خلال تصرفاتهن التي تعكس مدى عدم رغبتهن في إقامة أية علاقة ودية مع بنت جنسهن.
استنكرن بشدة أن يقترن ولد الجارة بامرأة غريبة تقارب أمّه في السن...
وتعبيرا عن تضامنهن المطلق مع جارتهن خالتي خديجة التي ما ابتسمت مذ ولجت هذه الغريبة بيتها، كنّ يتهامسن في ما بينهن لإغاظتها وينظرن إليها بطرف عين كلما مرت أمامهن...
نُسجت حول علاقتها ب"ولد سالم" الحكايات عن هذه العلاقة..
بعضهم أكد بأنه تزوج بها خفية عن والديه للحصول على أوراق الإقامة، ومنهم من قال بأنه يعمل عندها في الحقل...
أول الأمر، كانت نساء الحي تخفين وجوههن بمناديلهن حشمة وحياء حين تمر أمامهن وهي تلبس سروال "جينز" باهت اللون وقميصا ذا أزرار شبيها بذاك الذي يرتديه الرجال وتضع على عينيها نظارة شمسية كبيرة الحجم تستر بها تهدّل عينيها. كانت تتصاعد منها رائحة عطر منفرة ربما تخفي بها رائحة العرق الكريهة التي تنبعث منها.
فالفرنسيون حسب المهتمين، كانوا يُعتبَرون حتى وقت قريب من بين أقل الشعوب استحماما واعتناء بنظافة أجسادهم، هذا على الأقل ما يفسره تهافت شركات مستحضرات التجميل الفرنسية الرائدة في هذا المجال على تطوير صناعة العطور...
لم يكن الفرنسيون وحدهم من لا تربطهم أية علاقة ودية مع الاستحمام؛ يروي التاريخ أيضا أن إحدى أميرات إسبانيا وبعد طرد المسلمين من الأندلس، كان أول ما قامت به هو إعطاؤها الأوامر بهدم جميع الحمّامات التي بناها المسلمون...
عندما جلستْ هذه "الڭاوْرِيَّة" ذات مرة في أحد المقاهي رفقة "ولد سالم"، طوّقتها النظرات الفضولية وأحاطت بها من كل جانب خاصة حين أشعلت سيجارة وشرعت تنفث دخانها في الهواء. لمّا بالغ أحد رواد المقهى محملقا في وجهها وهو مسند ذقنه براحة كفيه، رفعت حاجبيها فوق جبينها الضيق وألقت بعقب سيجارتها بعصبية. صاحت وهي تهم بمغادرة المقهى:
Eh ben ne me regarde pas comme ça..? j’suis pas extraterrestre?
نهَره "ولد سالم":
-حَشّمْتوا بِنا.. شوف ڭدّامكْ.. ما عُمْرَكْ شَفْتْ نصرانية؟...
ضحك رواد المقهى كثيرا...
انتهى "الكونْجي"...
رجعت "الفرنسية" إلى بلدها تاركة مواقف هزلية كثيرة وانطباعا سيئا عند نساء القرية بوجه خاص.
عادت الابتسامة تطفو مجددا على وجه خالتي خديجة وهي تقول مشيرة نحو الشمال:
- "الْما والشَّطّابَة حتى قاعْ لَبْحَرْ"...
محمد الدويمي
* من رواية: جرادة بقايا أيام متمردة