- يالله ! ..هو ذا يحل في بلدتنا رزء جديد..
- ما الخبر؟!
- إنه ابن "ربيعة".. يرحل و نكهة لبنها لم تغادر ضرسه بعد..لم يمض على عرسه أكثر من ثلاثة أشهر.. اصطحب عروسه و رحل هناك إلى الشمال يدفعه طموح وإثبات للذات؛ لكني أظنه يلتمس لروحه بعض السلام.
- أراكُنّ ممتقعاتِ الوجوه.." الله يسمعنا خير".
- رحل 'ابن ربيعة'..
- أوّاه..كيف؟
- من خلال أحاديث مرتاعة، وصياح نسوة يفتت الأكباد..يقولون: إن صعقة كهربائية أطاحت به..
- لم أكن أعلم أنه متخصص في قطاع الكهرباء..
- لم يكن قط كهربائيا ..بل كان يعتلي إحدى العمارات الشاهقة قيد الإنشاء؛ هناك بأكبر مدينة تطل على البوغاز..كان الله في عون أبيه..!
كذا تداولن الخبر بينهن يشفقن على أخويه؛ و يألمن لحال والده إذ؛ تتلقفه أحضان عائلته تارة ويتهالك بين أذرع أهل القرية تارة أخرى..رجل قصير القامة، صلب العود رغم أنه كهل شارف على الستين، عرفوه عزيز النفس مقداما؛ يعشق الدعابة مبدعا في عالم النكتة.. عيبه الفادح؛ عناد يستبدّ به؛ ويودي به إلى المهالك حين يركب رأسه..
وهذا الوجع الذي تخنقه العبرات وتهدهده المأساة..و كأمثاله من رجال القرية؛ لم يحظ بفرصة لتعلم القراءة و الكتابة؛ تجده الآن لا يلوي على شيء في طريقه إلى فقيده الأثير يجهش منتحبا يسفح العبرات..يتذكر حظه العاثر، وفرحا أبى ألا يطول به المقام، يَصِكُّ على أسنانه كَمَدًا وندما؛ حين يتناهى إلى سمعه صراخ ربيعة؛ و الآلام تطل عليه من جديد..ربيعة؟؟.. هي الصورة التي إن كان يحلو للربيع؛ أن يتبدى فيها..لو قدر له أن يختار..عنوان أفراح العائلة و عماد "الخيمة" الكبيرة ..تجدها لا تني؛ تسعى بين الغرف تعد المجالس أو تكنس الفناء؛ و بين فينة و أخرى تطل هناك من المطبخ؛وقد تجدها كحكيمة توليد جانب الفرن العتيق؛ ينساب على يديها خبز شهي يذهب بالألباب، بهية الطلعة؛ باشة عندما تستقبل الضيوف و الأهل كمالك أصيل للدار ؛ والحقيقة أنها انضمت إلى العائلة منذ سنوات قليلة كأي ضيف جديد.
كيف انطلى علي كل ذلك الغباء؟ كذا يزمجر بزفرة مكتومة يتلقف بكفه دمعة أخرى حرّى؛ تأتي على آخر رمق من كبريائه..كانت تستدر حنانه علّه يسارع إلى أبناء عمومته طلبا للغوث؛ لكنه سرعان ما كان ينهرها و يقول : ..ليست ولادتك الأولى؛ لا أريد أن أفزع أحلامهم ونحن بالكاد على أعتاب السّحر..كفانا عبث وعناد ألأطفال..!
سعدَتْ بجوارهم؛ فلم يكن يفصلها عنهم سوى شِعْبٌ صغير و مئات أمتار؛ وسط الحقول طاب لها العيش حذاء؛ بستان كبير لأشجار الزيتون؛ كانت روحها ترفرف تسبق نداءها؛ إن كان هناك داع للنداء؛ و سرعان ما تختلط الضحكات بالكلمات؛ قبل أن تنصرف كل واحدة إلى أعمال كلما قضينها؛ تنبعث عند كل شروق سيرتها الأولى؛ وكثيرا ما هشّت على ديك أو أكثر؛ أو ألقمته حبَّها؛ يقطع حديثها تارة باعتداد تارة و بصياح تارة أخرى.
- مازلت أذكرها حين حلت بهذا الدوار لأول مرة..!
- كان أكثرهم شبها بها و إنسان العين.. جريمة أخرى تتقمص " قضاء و قدر"..
- وهو كذلك.. سيرقد الليلة في حضن ربيعة.. لِيَنِدَّ صدرُه عن صرخة طوتها بين ضلوعها لبثت حبيسة.
- تذكرون قطيع ديوكها الهندية؛ حين كانت تلتمس رزقها شيئا فشيئا؛ لينتهي بها المطاف إلى حيث ترقد بمثواها الأخير ؟؟
- كانت أيقونة..!
- بل قديسة..!
- حسبكن..! ..ثرثرةٌ ليست جديرة بنا؛ نحن الأموات.
ادريس حنبالي
المغرب
- ما الخبر؟!
- إنه ابن "ربيعة".. يرحل و نكهة لبنها لم تغادر ضرسه بعد..لم يمض على عرسه أكثر من ثلاثة أشهر.. اصطحب عروسه و رحل هناك إلى الشمال يدفعه طموح وإثبات للذات؛ لكني أظنه يلتمس لروحه بعض السلام.
- أراكُنّ ممتقعاتِ الوجوه.." الله يسمعنا خير".
- رحل 'ابن ربيعة'..
- أوّاه..كيف؟
- من خلال أحاديث مرتاعة، وصياح نسوة يفتت الأكباد..يقولون: إن صعقة كهربائية أطاحت به..
- لم أكن أعلم أنه متخصص في قطاع الكهرباء..
- لم يكن قط كهربائيا ..بل كان يعتلي إحدى العمارات الشاهقة قيد الإنشاء؛ هناك بأكبر مدينة تطل على البوغاز..كان الله في عون أبيه..!
كذا تداولن الخبر بينهن يشفقن على أخويه؛ و يألمن لحال والده إذ؛ تتلقفه أحضان عائلته تارة ويتهالك بين أذرع أهل القرية تارة أخرى..رجل قصير القامة، صلب العود رغم أنه كهل شارف على الستين، عرفوه عزيز النفس مقداما؛ يعشق الدعابة مبدعا في عالم النكتة.. عيبه الفادح؛ عناد يستبدّ به؛ ويودي به إلى المهالك حين يركب رأسه..
وهذا الوجع الذي تخنقه العبرات وتهدهده المأساة..و كأمثاله من رجال القرية؛ لم يحظ بفرصة لتعلم القراءة و الكتابة؛ تجده الآن لا يلوي على شيء في طريقه إلى فقيده الأثير يجهش منتحبا يسفح العبرات..يتذكر حظه العاثر، وفرحا أبى ألا يطول به المقام، يَصِكُّ على أسنانه كَمَدًا وندما؛ حين يتناهى إلى سمعه صراخ ربيعة؛ و الآلام تطل عليه من جديد..ربيعة؟؟.. هي الصورة التي إن كان يحلو للربيع؛ أن يتبدى فيها..لو قدر له أن يختار..عنوان أفراح العائلة و عماد "الخيمة" الكبيرة ..تجدها لا تني؛ تسعى بين الغرف تعد المجالس أو تكنس الفناء؛ و بين فينة و أخرى تطل هناك من المطبخ؛وقد تجدها كحكيمة توليد جانب الفرن العتيق؛ ينساب على يديها خبز شهي يذهب بالألباب، بهية الطلعة؛ باشة عندما تستقبل الضيوف و الأهل كمالك أصيل للدار ؛ والحقيقة أنها انضمت إلى العائلة منذ سنوات قليلة كأي ضيف جديد.
كيف انطلى علي كل ذلك الغباء؟ كذا يزمجر بزفرة مكتومة يتلقف بكفه دمعة أخرى حرّى؛ تأتي على آخر رمق من كبريائه..كانت تستدر حنانه علّه يسارع إلى أبناء عمومته طلبا للغوث؛ لكنه سرعان ما كان ينهرها و يقول : ..ليست ولادتك الأولى؛ لا أريد أن أفزع أحلامهم ونحن بالكاد على أعتاب السّحر..كفانا عبث وعناد ألأطفال..!
سعدَتْ بجوارهم؛ فلم يكن يفصلها عنهم سوى شِعْبٌ صغير و مئات أمتار؛ وسط الحقول طاب لها العيش حذاء؛ بستان كبير لأشجار الزيتون؛ كانت روحها ترفرف تسبق نداءها؛ إن كان هناك داع للنداء؛ و سرعان ما تختلط الضحكات بالكلمات؛ قبل أن تنصرف كل واحدة إلى أعمال كلما قضينها؛ تنبعث عند كل شروق سيرتها الأولى؛ وكثيرا ما هشّت على ديك أو أكثر؛ أو ألقمته حبَّها؛ يقطع حديثها تارة باعتداد تارة و بصياح تارة أخرى.
- مازلت أذكرها حين حلت بهذا الدوار لأول مرة..!
- كان أكثرهم شبها بها و إنسان العين.. جريمة أخرى تتقمص " قضاء و قدر"..
- وهو كذلك.. سيرقد الليلة في حضن ربيعة.. لِيَنِدَّ صدرُه عن صرخة طوتها بين ضلوعها لبثت حبيسة.
- تذكرون قطيع ديوكها الهندية؛ حين كانت تلتمس رزقها شيئا فشيئا؛ لينتهي بها المطاف إلى حيث ترقد بمثواها الأخير ؟؟
- كانت أيقونة..!
- بل قديسة..!
- حسبكن..! ..ثرثرةٌ ليست جديرة بنا؛ نحن الأموات.
ادريس حنبالي
المغرب