على امتداد تاريخ الثقافات ، نُظر إلى الجنون على أنه يمثل أرواحا شريرة تلبست أجساد البشر ، وفي أعوام متأخرة -استنادا إلى تاريخ العالم الطويل - نُظر إليه على أنه حالة مرضية يلزم أن تعالج بالأدوية والعقاقير الطبية ، أما الفلسفة ( ديكارت ) فقد نفت عن الجنون أي معرفة ممكنة ، لأن العاقل هو الذي يفكر .
غير أن الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) استطاع وهو يدرس خطاب الجنون أن يقلب هذه التصورات ، فقد نزع عنه هالات الأسطرة والأدلجة ، ورفض أن يعتبر العقل أفضل من الجنون ، أو أن العاقل أفضل من المجنون بشكل مسبق ، وكان السؤال الذي سيطر على ( فوكو ) هو : هل هناك حدود فاصلة ونهائية بين الجنون والعقل ؟ أم أن الجنون من جنس العقل ، والعقل من جنس الجنون ؟ .
فيما هو يحلل خطاب الجنون اكتشف أن للجنون تاريخا ، وأن مؤسسة الطب النفسي متواطئة بشكل أو بآخر مع مؤسسات القمع الأخرى في المجتمع ، والمسألة منذ البداية ليست طبية ، بقدر ماهي فكرية ثقافية وحتى اقتصادية ، فالجنون ظاهرة نسبية اجتماعية متغيرة ، وليس ظاهرة طبيعية أزلية ، بل ظاهرة تاريخية ثقافية ، تخص الظروف والمشاكل الاجتماعية .
بحسب هشام صالح الذي قدم عن فوكو ملفا ممتعا في مجلة الكرمل ( 1984 ) أراد فوكو بدراسة خطاب الجنون أن يعطي لهؤلاء المجانين المهمشين الحق في الكلام وفي الوجود ، وأن يخرجهم من عزلتهم التي سجنوا فيها ، لقد كانوا مضطهدين وقد كرس أغلب كتبه لهؤلاء ولغيرهم من المضطهدين والمقهورين لكي يعطيهم الحق في الكلام .
يقول فوكو عن الاضطهاد في مقاطع بديعة لا تنسى ، " الاضطهاد بشبه الحب إلى حد ما ، إنه كالحب لا يحتاج لأن يكون متبادلا حتى يكون حقيقيا ، الاضطهاد لا يحتاج إلى مضطهدين لكي يكون اضطهادا ، إذ يكفي أن تشعر بالاضطهاد لكي تكون مضطهدا .
تجربة الاضطهاد لا تحتاج في حقيقة الأمر الآخرين ، صحيح أن للآخر وجها مكشرا عابسا ، وأن الآخرين قريبون جدا من المضطهد لا تكاد تفصلهم عنه أي مسافة ، ومع ذلك فالشيء الأساسي في عملية الاضطهاد ليس هذا .
أن تكون مضطهدا ، فهذا يعني أن تكون لك علاقة خاصة باللغة ، يعني ألا تستطيع استخدام ضمير الشخص الأول ، أن تكون مضطهدا يعني ألا تستطيع أن تقول ( أنا ) إلا وتحس بأن هذه ( الأنا ) مشقوقة في منتصفها ، ومكسورة في صميمها من قبل الآخرين ، كل الآخرين .
أن تكون مضطهدا فهذا يعني أن تتكلم في عالم صامت رهيب الصمت ، حيث لا يجيب عن كلامك أحد ، حيث لا يرد عليك أحد قط ، لكن ما إن تصمت عن الكلام ، وتمد أذنا صاغية حتى تسمع كلامك الخاص بالذات وقد ارتد على نفسه ، وصادره عليك الآخرون ، وحوروه حتى أصبح لك عدوا قاتلا " .
غير أن الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) استطاع وهو يدرس خطاب الجنون أن يقلب هذه التصورات ، فقد نزع عنه هالات الأسطرة والأدلجة ، ورفض أن يعتبر العقل أفضل من الجنون ، أو أن العاقل أفضل من المجنون بشكل مسبق ، وكان السؤال الذي سيطر على ( فوكو ) هو : هل هناك حدود فاصلة ونهائية بين الجنون والعقل ؟ أم أن الجنون من جنس العقل ، والعقل من جنس الجنون ؟ .
فيما هو يحلل خطاب الجنون اكتشف أن للجنون تاريخا ، وأن مؤسسة الطب النفسي متواطئة بشكل أو بآخر مع مؤسسات القمع الأخرى في المجتمع ، والمسألة منذ البداية ليست طبية ، بقدر ماهي فكرية ثقافية وحتى اقتصادية ، فالجنون ظاهرة نسبية اجتماعية متغيرة ، وليس ظاهرة طبيعية أزلية ، بل ظاهرة تاريخية ثقافية ، تخص الظروف والمشاكل الاجتماعية .
بحسب هشام صالح الذي قدم عن فوكو ملفا ممتعا في مجلة الكرمل ( 1984 ) أراد فوكو بدراسة خطاب الجنون أن يعطي لهؤلاء المجانين المهمشين الحق في الكلام وفي الوجود ، وأن يخرجهم من عزلتهم التي سجنوا فيها ، لقد كانوا مضطهدين وقد كرس أغلب كتبه لهؤلاء ولغيرهم من المضطهدين والمقهورين لكي يعطيهم الحق في الكلام .
يقول فوكو عن الاضطهاد في مقاطع بديعة لا تنسى ، " الاضطهاد بشبه الحب إلى حد ما ، إنه كالحب لا يحتاج لأن يكون متبادلا حتى يكون حقيقيا ، الاضطهاد لا يحتاج إلى مضطهدين لكي يكون اضطهادا ، إذ يكفي أن تشعر بالاضطهاد لكي تكون مضطهدا .
تجربة الاضطهاد لا تحتاج في حقيقة الأمر الآخرين ، صحيح أن للآخر وجها مكشرا عابسا ، وأن الآخرين قريبون جدا من المضطهد لا تكاد تفصلهم عنه أي مسافة ، ومع ذلك فالشيء الأساسي في عملية الاضطهاد ليس هذا .
أن تكون مضطهدا ، فهذا يعني أن تكون لك علاقة خاصة باللغة ، يعني ألا تستطيع استخدام ضمير الشخص الأول ، أن تكون مضطهدا يعني ألا تستطيع أن تقول ( أنا ) إلا وتحس بأن هذه ( الأنا ) مشقوقة في منتصفها ، ومكسورة في صميمها من قبل الآخرين ، كل الآخرين .
أن تكون مضطهدا فهذا يعني أن تتكلم في عالم صامت رهيب الصمت ، حيث لا يجيب عن كلامك أحد ، حيث لا يرد عليك أحد قط ، لكن ما إن تصمت عن الكلام ، وتمد أذنا صاغية حتى تسمع كلامك الخاص بالذات وقد ارتد على نفسه ، وصادره عليك الآخرون ، وحوروه حتى أصبح لك عدوا قاتلا " .