كيف يتصرف كاتبٌ أمضى سنوات طويلة في الكتابة حين يجد بالصدفة خطأً في كتابٍ كتبهُ منذ زمن؟ الأمر بسيط، يعترف بالخطأ ويقدّم اعتذارًا للقرّاء، أو يتجاهل الخطأ على أمل ألّا يجده أحد. كيف يتصرف الباحث والكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو حين يجد خطأً في أحد كتبه؟ يكتبُ مقالًا عن سيرة الأخطاء في الكتابة، وينتهي بالاعتراف في نهايته: لست أنا من كتب هذا الكتاب. وأخيرًا يضمُّ هذا المقال إلى مقالاتٍ أخرى في كتاب جديد، ويسميّه «في جوّ من الندم الفكري».[1]
ليس ما يحتويه الكتاب الصغير (79 صفحة) الصادر مؤخرًا عن منشورات المتوسط سيرةً للأخطاء، إنما يضمّ كذلك شعور كيليطو بجوٍ من الندم على كتبٍ ألّفها، وأحداث جرت له ككاتب، واللغة التي اختارها لكتابة مؤلفاته، إلى جانب ما لم يقرأه من كتب.
في نهاية المطاف، الندمُ في المعجم لا يتعدّى الأسف، ولا يتطلب القيام بفعلٍ يكفرّ فيه النادم عمّا ندم عليه. فمن هو عبد الفتّاح كيليطو؟ وما الذي كتبه طوال هذه السنوات؟ وما شكل الكتابة التي يعتمدها؟ وما معنى أن يشعر كاتبٌ بجوٍ من الندم الفكريّ؟
كيليطو ليس ناقدًا
عبد الفتاح كيليطو ليس ناقدًا، وكُتبهُ، باستثناءاتٍ قليلةٍ، ليست كُتبًا بالمعنى الضيّق للكلمة؛ أيّ شيئًا مكتملًا، له بداية ونهاية. هو كاتبُ مواضيع في عدّة صفحات في نهاية الأمر، يجمع هذه المواضيع في كتاب.[2] بهذه الطريقة في الكتابة، تخلّى كيليطو عن الأهداف الكبيرة للناقد التقليدي التي يعرفها دارسو الأدب؛ الناقد الذ يناقش كلُّ كتاب من كتبه موضوعًا محددًا. لكنّ كيليطو حصّل بهذه الطريقة في الكتابة موطئ قدمٍ ثابتةٍ في جُزرٍ مترامية. لذا لو أقام رسّامٌ معرضًا لوجوه النقاد العرب في العصر الحديث داخل صالة، وطُلب من مجموعة قرّاء أن يدخلوا للتعرّف على الوجوه، سيكون وجه كيليطو من بين القلائل الذين تجذب صور وجوههم الزوّار.
في هذا الكتاب حاول كيليطو أن يضع نفسه على الشرفة وفي الشارع في آن، للنظر إلى المواضيع التي كتب فيها سابقًا.
لننسَ كل المقابلات[3] التي أُجريت مع كيليطو سابقًا -وما أكثرها-، نحن على باب اعتراف أوّل في الكتاب. في كلّ مقابلة سئل فيها كيليطو عن أول كتابٍ قرأه كان يقدّم جوابًا مختلفًا يعتمد على مزاجه في ذلك اليوم وعلى الشخص الذي يسأل، واللغة التي يسأل بها السؤال. انسوا كل الإجابات السابقة، يقول كيليطو، ليس هناك مرّة أولى.
يُقدّم كيليطو كل المرات، وليست المرة الأولى، التي قرأ فيها أيّام المدرسة روايات أمريكية وبريطانية مترجمة إلى الفرنسية، وفرنسيّة مترجمة إلى العربيّة بتصرف لتلائم صغار السن، روايات لجاك لُندُن ووالتر سكوت ومارك توين وبلزاك. «قد يؤدي الولع بالقراءة إلى رسم مصير الطفل وتحديد مستقبله الدراسيّ والمهني»،[4] هذا ما يعتقده كيليطو، ومن هذا المنظور، فهو يعتقد أنَّ هذه القراءات الأولى دفعته لهذا السبيل؛ دراسة الأدب ثم تدريسه.
درس كيليطو في مدارس المغرب قبل الاستقلال عن فرنسا عام 1956 وبعده بقليل، حيث كان تدريس الفرنسيّة مع العربيّة للطلّاب يتوزّع بواقع خمس ساعات للفرنسية وساعتين للعربية.[5] وكانت دروس الأدب الكلاسيكي العربي والفرنسيّ من بين ما يدرسه الطلاب وقتها. أدى هذا النظام في التعليم إلى تولّد شعور لدي كيليطو أنه أمام ماضيين أدبيين، وأمام كلاسيكيتين أدبيتين كذلك؛ الماضي العربي، وماضي أوروبا.
ثمة مقولة شائعة في الأدب مفادها: الكاتب له عمل واحدٌ أساسيٌّ، وبقيّة أعمالهِ تظلُّ تدور حوله، إما بتفسيره، أو الإضافة عليه، أو الحذف منه، أو التوسع فيه. معظم ما جاء في الكتاب كان كيليطو قد أورده في أعمال أخرى، أو في محاضرات سابقة، أو ملحقًا لترجمة كتاب له، أو في ملاحظات في ختام يوم دراسي حول أحد أعماله. وهي مواضيع تدور حول أسئلة من قبيل «بأيّ لغة كان عليّ أن أكتب؟»، «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟»، وحول وجوده ككاتبٍ بين ماضيين وحاضرين؛ عربي وفرنسيّ.
في هذا الكتاب حاول كيليطو أن يضع نفسه على الشرفة وفي الشارع في آن، للنظر إلى المواضيع التي كتب فيها سابقًا، محاولًا تجاوز مقولة أوغست كونت «لا يمكن أن نعتلي الشرفة، ونرى أنفسنا مارين في الشارع في الوقت ذاته».[6] كيليطو في الكتاب مقسومٌ لاثنين؛ واحدٌ كتبَ كل كتبه الماضية، والآخر يقف الآن بعمر 76 عامًا، ويعلّق في جو من الندم الفكري على ما كتبه أو فعله في الماضي، ويتعلّق بالكتابة أو بوجوده ككاتب.
كيليطو كاتب صفحات
في العشرينيات من عمره، درس كيليطو اللسانيات في فرنسا، بدافعٍ من كونها تمنح دارسها الطريقة المثلى لتحليل النصوص الأدبيّة. «من لا يتقن اللسانيّات لن يفلح أبدًا في مساره الأدبيّ»،[7] هكذا كان يُشاع في وسطه الأكاديمي في فرنسا. بعد مدّة وجيزة، يتوصّل كيليطو أنه ليس مؤهلًا في التنظير اللساني وحسب إنما في التنظير الأدبي كذلك.
«ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكّد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعلّ هذا هو تعريف الأسلوب. أن تظلَّ حبيس طريقة الكتابة».
التحق كيليطو بجامعات فرنسيّة لتدريس الأدب الفرنسيّ، وكتبَ بعض الأبحاث النقديّة باللغتين؛ الفرنسيّة والعربيّة، وظلّ الشعور بالفشل في القدرة على إنجاز بحثٍ بالمواصفات الجامعيّة يلاحقه، ولم يتجاوزه إلّا يوم ظهر له أنَّ ما كان يعتبره عجزًا، يمكن أن يجعل منه الموضوع الرئيس لمؤلفاته. «ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكّد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعلّ هذا هو تعريف الأسلوب. أن تظلَّ حبيس طريقة الكتابة».[8]
حتّى نهاية الثلاثينيّات من عمره لمّا يكن كيليطو قد أصدر كتابًا، وفي حين أن معرفته باللغتين الفرنسيّة والعربيّة -أو تشبّعه بهما منذ الطفولة- كان ليكون مصدر ثراء، إلّا أنه شكّل عائقًا أمامه. عندما سُئل عن سبب تأخره في النشر مقارنةً بزملائه، أجاب بأنهم كانوا يعرفون بأيَّ لغةٍ عليهم أن يكتبوا، العربية أم الفرنسيّة، أما هو فكان مترددًا بين اللغتين، «وهكذا فما كان منتظرًا أن يكون مصدر غنى وثراء تحوّل عندي عائقًا».[9]
ليست المشكلة خاصة بكيليطو، هو يقول إنَّ الكثير من الكتاب العرب والأجانب لا يطرحون سؤال بأي لغة عليهم أن يكتبوا؛ إذ يعلمون غريزيًا بأي لغة سيكتبون، بينما كان هذا السؤال موجودًا على الدوام، عنده وعند العديد من كتاب المغرب العربي.
وجد كيليطو عزاءهُ في شكل ما سيكتبه عند مونتين والجاحظ، بالقفز والوثب، والاستطراد، بعد أن يأس من نفسه ككاتب غير مغرمٍ بكتابة بحثٍ وافٍ على شكل البحوث الجامعية؛ بحث له بداية ونهاية وموضوع محدّد. وهكذا اتخذ شكل الكتابة عند كيليطو كتابة صفحات قليلةٍ في موضوع مختار، يبدأ الموضوع ثم يأخذ يلتفتُ إلى اليمين واليسار، قافزًا من فكرة فرعية لأخرى، وجامعًا بين السرد والنقد اللذين يتداخلان، وهو ما يقول فيه مترجمه ومواطنه الباحث عبد السلام بنعبد العالي إنه يتعذّر الفصل بينهما في حالة كيليطو.[10]
خلال عمليّة المزج هذه تكون عين كيليطو على القارئ العام كي لا يملّ ويبتعد، وهي طريقة الجاحظ الذي قدّمها مرّةً بالقول «إن حملنا جميعَ من يتكلّف قراءة هذا الكتاب على مرّ الحق، وصعوبة الجدّ، وثقل المؤونة، وحِلية الوقار، لم يصبر عليه مع طوله إلّا من تجرّد للعلم»،[11] وهذا ما لا يريده كيليطو كذلك، لا يريد القارئ الذي تجرّد للعلم وحده، هو ينظر إلى القارئ العادي، «أخاطب القارئ العامّ لا القارئ المختصّ»،[12] هكذا صارت معظم أعمال كيليطو -باستثناءات قليلة- صفحات، على رأي دنيس ديدرو حين قال: أنا لا أكتب كتبًا، أكتب صفحات.
بسبب هذه الطريقة في الكتابة، سيظلُّ هناك نقصٌّ في كلِّ قراءة تحاول الكتابة عن هذا الكتاب؛ إذ إنَّ كل مقالٍ يحوي فكرةً رئيسة، ومع الفكرة الرئيسة تتفرّع فقرات لأفكار ثانويّة. لهذا، وفي نفس الوقت، فإنَّ كلّ قراءةٍ لهذا العمل -والكثير من كتب كيليطو- هي قراءة مقبولة، كي لا نقول صحيحة، وهذا مصدر فرادة أسلوبه.
عدسة مكبّرة للقراءة
لا يناقش كيليطو في هذا الكتاب القضايا الكبرى، هو ينظر بمجهرٍ إلى ما لا يلفت الانتباه بالعادة، ثمة عدّة مقالات في هذا الكتاب تحيل إلى ندمٍ خفيفٍ شعر به كيليطو على ما حدث معه، مثل حواره ككاتب عربيّ يعرف تاريخ بلد محاوره الأستاذ الفرنسيّ، أو اختيار عنوان كتابه «بحِبر خفيّ» الذي يمكن أن يحيل إلى أكثر من قراءة.
ما يكتبه كيليطو هو تحقيق انتصارات هامشيّة في معركة كبيرة. ثمة استشهاد على غلاف الكتاب يعبّر عن هذا الأسلوب في إدارة هذه المعارك، وهو مأخوذ عن إدموند هوسرل وكيف تخلّى عن الأهداف الكبرى في العمل الفلسفي، وسلّم أخيرًا بأن يعتبر نفسه سعيدًا إن تمكّن «ببساطة، هنا وهناك، من إيجاد موطئ قدم على قطعة صغيرةٍ جدًا من أرض صلبة».
وفقًا للراحل خيري منصور -الذي يعتمد أسلوب الجاحظ و كيليطو في الاستطراد والاستشهاد-، فالقرّاء لهم نظراء من الكائنات؛ قارئ نحلة يطوف على الأزهار ويجمع من كل زهرة شيئًا، وقارئ سلحفاة يمر على الأسطر ببطء، وقارئ نملة يمر ببطء ويخزّن. كيليطو قارئ يجمع الأشكال الثلاثة، لهذا سيكون اعترافهُ في هذا الكتاب بأنه لم يقرأ الكلاسيكيات الأدبيّة كلها منطقيًا، فمن أين له الوقت مع هذا البطء؟
ثمة مقالٌ في الكتاب بعنوان «فن الخطأ» عن موضوع هامشيّ، استنتاجٌ كتبه كيليطو سابقًا، يفيد بأنّ شخصيات ألف ليلة وليلة والمقامات لا تنام، بعد فترة تتصل فيه مدرّسة لأحد كتبه لتخبره أنها قرأت في نسخة من نسخ ألف ليلة أن الشخصيات كانت تنام بالفعل. كيف سيعالج كيليطو الموضوع؟ أعاد قراءة عدة نسخ من ألف ليلة العربية والمترجمة ليبحث أين ورد أن شخصيّات الليالي لا تنام، النتيجة أن الشخصيات كانت تنام، ما الحل؟ يحيل كيليطو الموضوع إلى حتميّة وجود خطأ في الكتابة بشكل عامٍ، ثم يبحث في ذاكرته من أين تسرّب للاوعيه أن الشخصيات لا تنام، يتذكّر أخيرًا، إنها رواية ماركيز «مائة عام من العزلة» حيث يصاب سكّان ماكوندو بداء الأرق.
ما معنى ألّا تنام شخصيات عمل أدبي كلاسيكيّ؟ ثم ما معنى أن يعيد كيليطو فتح هذا الاستنتاج؟ هكذا تسير الأمور، يقدم كيليطو في المقال معنى وجود خطأ في الكتابة، ثم يناقش لا وعي الكاتب أثناء الكتابة، ويصل لخلاصةٍ مختزلةٍ لكن في مقالٍ آخر من الكتاب: «[الخطأ] ليس شيئًا يحدثُ أو لا يحدث، إنّه على العكس، المكوّن الأساسيّ للكتابة».[13] ثم يقفز باستطرادٍ إلى ما ظلّ رولان بارت يتحدث فيه على شكل سؤال: من هي السكرتيرة المثالية التي لا ترتكب الأخطاء حين تقوم برقن نص من النصوص. ليجيب: إنها السكرتيرة التي ليس لها لا وعي.[14]
في المقال المعنون بـ«جيّد هذا الأمر»، وهو في الأصل ملحق بالترجمة الإنجليزية لكتابه «لسان آدم»، ملخصٌ لما يظلّ كيليطو يكرره على الدوام، وهو وجوده ككاتبٍ عربيّ يقيم في فرنسا ويكتب باللغتين، يروي فيه كيف طُلب منه أن يكتب عن رواية غوستاف فلوبير «التربية العاطفيّة» ضمن مؤلف جماعي، توقع منه المشرف على العمل أن يقدم مقاربةً مختلفةً للرواية، «شيئًا لا يمكن أن يأتي به إلا قادمٌ من ثقافة مختلفة غير أوروبية من لغة الضاد».[15] فهم كيليطو طلب المشرف بأنه لا يريد أن يرى كاتبًا أوروبيًا آخر من أصول غير أوروبية ينظر في رواية من وجهة نظرٍ أوروبية، يرفض كيليطو المشاركة في الكتاب، بعدها يقول «تملكني شيء من الندم»[16] ثم «ها أنذا فخورٌ بدراسةٍ رائعة لم أنجزها، (..) ما أجمل ما لم أقم بكتابته».[17]
طوال 40 سنة، درّس فيها كيليطو الأدب الفرنسيّ، لم ينطق خلالها بكلمة عربية أو اسم مؤلف عربي أمام الطلاب. خارج الدرس واصل الحوارات مع طلابه بالفرنسية، ولم يحتفظ طوال هذه السنوات بأي درس ألقاه، ينتهي الدرس ويمزّق ما كتب.
لم يعن له إلا نادرًا أن يكتب دراسة عن الأدب الفرنسيّ، لاعتقاده أنه لن يضيف شيئًا يذكر لما يكتبه الفرنسيون، بالإضافة «وهذا هو المهم، لا ينتظرون مني أن أكتب عن أدبهم، أدبهم لا يحتاجني».[18]
لهذا توجّه للكتابة عن مواضيع عربيّة مثل المقامات، ثم كتبَ بالفرنسية «الكتابة والتناسخ» 1985، وتلقى ملاحظات من قرّاء أن الكتاب كان يجب أن يكون بالعربية كونه يتناول موضوعًا من الثقافة العربية. فارتد في كتابه الثاني، «الغائب» 1987 وأصدره بالعربيّة[19] «اعتقادًا مني أنني سأصحح الأمر»[20] وبعثه لجامعي من أصل عربي يدرّس في فرنسا، سينصحه قبل أن يقرأ الكتاب أن يكتب بالفرنسية، «افعل ذلك [الكتابة] بالفرنسية لأن الخلاص بها، أمّا العربية فاكتب عنها، لكن إياك أن تكتب بها، وإلا ستظل حبيسها ولن يلتفت إليك أحد خارجها (..) اكتب بالفرنسية ويمكن إذ ذاك أن أقرأك».[21] هكذا كان كيليطو يواجه هذه المعضلة في كل كتابٍ يكتبه، في بعض الأحيان كان يكتب الكتاب بالفرنسيّة ويعيده كتابته بالعربيّة.
قبل سنوات، عندما انتهى كيليطو ذات يوم من تصحيح الأعمال (الكاملة) التقى بأستاذة غير عربية مختصة بالأدب العربي الحديث، خلال الحديث طرحت عليه سؤالًا: ماذا تكتب الآن؟ أجاب بأنه كان يراجع كتاباته بصدد إصدارها. فتهلل وجه الأستاذة غير العربية وابتسمت وتحمّست. ثم أضاف كيليطو الكلمة التي ستقلب هذا الحماس: بالعربية. «اختفت الابتسامة فجأة، انتهى الحماس، تلاشى الاهتمام والتضامن وساد وجوم كريه»،[22] انتاب كيليطو الندم على إضافته كلمة بالعربية، وتبادر لذهن كيليطو بيت شعر جرير تنطق به الأستاذة غير العربية والذي سيكون التعبير الأكثر قسوةً لما ظل يواجهه ككاتبٍ عربيّ يتلقى الازدراء من أصحاب اللغة حين يكتب بالعربيّة:
فغُضَّ الطَّرفَ إنَّكَ من نُمير = فلا كعبًا بلغتَ ولا كِلابا[23]
يُمكن اعتبار حياةَ كيليطو كحياةِ المعرّي. تعثّر المعري الأعمى وهو يدخل أحد المجالس برجلٍ، فشتمه: «من هذا الكلب؟» فرد المعري الذي يعرف أن حياتهُ في نهاية المطاف بما يعرف: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا.
https://www.7iber.com/.../%d9%83%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8.../...
ليس ما يحتويه الكتاب الصغير (79 صفحة) الصادر مؤخرًا عن منشورات المتوسط سيرةً للأخطاء، إنما يضمّ كذلك شعور كيليطو بجوٍ من الندم على كتبٍ ألّفها، وأحداث جرت له ككاتب، واللغة التي اختارها لكتابة مؤلفاته، إلى جانب ما لم يقرأه من كتب.
في نهاية المطاف، الندمُ في المعجم لا يتعدّى الأسف، ولا يتطلب القيام بفعلٍ يكفرّ فيه النادم عمّا ندم عليه. فمن هو عبد الفتّاح كيليطو؟ وما الذي كتبه طوال هذه السنوات؟ وما شكل الكتابة التي يعتمدها؟ وما معنى أن يشعر كاتبٌ بجوٍ من الندم الفكريّ؟
كيليطو ليس ناقدًا
عبد الفتاح كيليطو ليس ناقدًا، وكُتبهُ، باستثناءاتٍ قليلةٍ، ليست كُتبًا بالمعنى الضيّق للكلمة؛ أيّ شيئًا مكتملًا، له بداية ونهاية. هو كاتبُ مواضيع في عدّة صفحات في نهاية الأمر، يجمع هذه المواضيع في كتاب.[2] بهذه الطريقة في الكتابة، تخلّى كيليطو عن الأهداف الكبيرة للناقد التقليدي التي يعرفها دارسو الأدب؛ الناقد الذ يناقش كلُّ كتاب من كتبه موضوعًا محددًا. لكنّ كيليطو حصّل بهذه الطريقة في الكتابة موطئ قدمٍ ثابتةٍ في جُزرٍ مترامية. لذا لو أقام رسّامٌ معرضًا لوجوه النقاد العرب في العصر الحديث داخل صالة، وطُلب من مجموعة قرّاء أن يدخلوا للتعرّف على الوجوه، سيكون وجه كيليطو من بين القلائل الذين تجذب صور وجوههم الزوّار.
في هذا الكتاب حاول كيليطو أن يضع نفسه على الشرفة وفي الشارع في آن، للنظر إلى المواضيع التي كتب فيها سابقًا.
لننسَ كل المقابلات[3] التي أُجريت مع كيليطو سابقًا -وما أكثرها-، نحن على باب اعتراف أوّل في الكتاب. في كلّ مقابلة سئل فيها كيليطو عن أول كتابٍ قرأه كان يقدّم جوابًا مختلفًا يعتمد على مزاجه في ذلك اليوم وعلى الشخص الذي يسأل، واللغة التي يسأل بها السؤال. انسوا كل الإجابات السابقة، يقول كيليطو، ليس هناك مرّة أولى.
يُقدّم كيليطو كل المرات، وليست المرة الأولى، التي قرأ فيها أيّام المدرسة روايات أمريكية وبريطانية مترجمة إلى الفرنسية، وفرنسيّة مترجمة إلى العربيّة بتصرف لتلائم صغار السن، روايات لجاك لُندُن ووالتر سكوت ومارك توين وبلزاك. «قد يؤدي الولع بالقراءة إلى رسم مصير الطفل وتحديد مستقبله الدراسيّ والمهني»،[4] هذا ما يعتقده كيليطو، ومن هذا المنظور، فهو يعتقد أنَّ هذه القراءات الأولى دفعته لهذا السبيل؛ دراسة الأدب ثم تدريسه.
درس كيليطو في مدارس المغرب قبل الاستقلال عن فرنسا عام 1956 وبعده بقليل، حيث كان تدريس الفرنسيّة مع العربيّة للطلّاب يتوزّع بواقع خمس ساعات للفرنسية وساعتين للعربية.[5] وكانت دروس الأدب الكلاسيكي العربي والفرنسيّ من بين ما يدرسه الطلاب وقتها. أدى هذا النظام في التعليم إلى تولّد شعور لدي كيليطو أنه أمام ماضيين أدبيين، وأمام كلاسيكيتين أدبيتين كذلك؛ الماضي العربي، وماضي أوروبا.
ثمة مقولة شائعة في الأدب مفادها: الكاتب له عمل واحدٌ أساسيٌّ، وبقيّة أعمالهِ تظلُّ تدور حوله، إما بتفسيره، أو الإضافة عليه، أو الحذف منه، أو التوسع فيه. معظم ما جاء في الكتاب كان كيليطو قد أورده في أعمال أخرى، أو في محاضرات سابقة، أو ملحقًا لترجمة كتاب له، أو في ملاحظات في ختام يوم دراسي حول أحد أعماله. وهي مواضيع تدور حول أسئلة من قبيل «بأيّ لغة كان عليّ أن أكتب؟»، «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي؟»، وحول وجوده ككاتبٍ بين ماضيين وحاضرين؛ عربي وفرنسيّ.
في هذا الكتاب حاول كيليطو أن يضع نفسه على الشرفة وفي الشارع في آن، للنظر إلى المواضيع التي كتب فيها سابقًا، محاولًا تجاوز مقولة أوغست كونت «لا يمكن أن نعتلي الشرفة، ونرى أنفسنا مارين في الشارع في الوقت ذاته».[6] كيليطو في الكتاب مقسومٌ لاثنين؛ واحدٌ كتبَ كل كتبه الماضية، والآخر يقف الآن بعمر 76 عامًا، ويعلّق في جو من الندم الفكري على ما كتبه أو فعله في الماضي، ويتعلّق بالكتابة أو بوجوده ككاتب.
كيليطو كاتب صفحات
في العشرينيات من عمره، درس كيليطو اللسانيات في فرنسا، بدافعٍ من كونها تمنح دارسها الطريقة المثلى لتحليل النصوص الأدبيّة. «من لا يتقن اللسانيّات لن يفلح أبدًا في مساره الأدبيّ»،[7] هكذا كان يُشاع في وسطه الأكاديمي في فرنسا. بعد مدّة وجيزة، يتوصّل كيليطو أنه ليس مؤهلًا في التنظير اللساني وحسب إنما في التنظير الأدبي كذلك.
«ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكّد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعلّ هذا هو تعريف الأسلوب. أن تظلَّ حبيس طريقة الكتابة».
التحق كيليطو بجامعات فرنسيّة لتدريس الأدب الفرنسيّ، وكتبَ بعض الأبحاث النقديّة باللغتين؛ الفرنسيّة والعربيّة، وظلّ الشعور بالفشل في القدرة على إنجاز بحثٍ بالمواصفات الجامعيّة يلاحقه، ولم يتجاوزه إلّا يوم ظهر له أنَّ ما كان يعتبره عجزًا، يمكن أن يجعل منه الموضوع الرئيس لمؤلفاته. «ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكّد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعلّ هذا هو تعريف الأسلوب. أن تظلَّ حبيس طريقة الكتابة».[8]
حتّى نهاية الثلاثينيّات من عمره لمّا يكن كيليطو قد أصدر كتابًا، وفي حين أن معرفته باللغتين الفرنسيّة والعربيّة -أو تشبّعه بهما منذ الطفولة- كان ليكون مصدر ثراء، إلّا أنه شكّل عائقًا أمامه. عندما سُئل عن سبب تأخره في النشر مقارنةً بزملائه، أجاب بأنهم كانوا يعرفون بأيَّ لغةٍ عليهم أن يكتبوا، العربية أم الفرنسيّة، أما هو فكان مترددًا بين اللغتين، «وهكذا فما كان منتظرًا أن يكون مصدر غنى وثراء تحوّل عندي عائقًا».[9]
ليست المشكلة خاصة بكيليطو، هو يقول إنَّ الكثير من الكتاب العرب والأجانب لا يطرحون سؤال بأي لغة عليهم أن يكتبوا؛ إذ يعلمون غريزيًا بأي لغة سيكتبون، بينما كان هذا السؤال موجودًا على الدوام، عنده وعند العديد من كتاب المغرب العربي.
وجد كيليطو عزاءهُ في شكل ما سيكتبه عند مونتين والجاحظ، بالقفز والوثب، والاستطراد، بعد أن يأس من نفسه ككاتب غير مغرمٍ بكتابة بحثٍ وافٍ على شكل البحوث الجامعية؛ بحث له بداية ونهاية وموضوع محدّد. وهكذا اتخذ شكل الكتابة عند كيليطو كتابة صفحات قليلةٍ في موضوع مختار، يبدأ الموضوع ثم يأخذ يلتفتُ إلى اليمين واليسار، قافزًا من فكرة فرعية لأخرى، وجامعًا بين السرد والنقد اللذين يتداخلان، وهو ما يقول فيه مترجمه ومواطنه الباحث عبد السلام بنعبد العالي إنه يتعذّر الفصل بينهما في حالة كيليطو.[10]
خلال عمليّة المزج هذه تكون عين كيليطو على القارئ العام كي لا يملّ ويبتعد، وهي طريقة الجاحظ الذي قدّمها مرّةً بالقول «إن حملنا جميعَ من يتكلّف قراءة هذا الكتاب على مرّ الحق، وصعوبة الجدّ، وثقل المؤونة، وحِلية الوقار، لم يصبر عليه مع طوله إلّا من تجرّد للعلم»،[11] وهذا ما لا يريده كيليطو كذلك، لا يريد القارئ الذي تجرّد للعلم وحده، هو ينظر إلى القارئ العادي، «أخاطب القارئ العامّ لا القارئ المختصّ»،[12] هكذا صارت معظم أعمال كيليطو -باستثناءات قليلة- صفحات، على رأي دنيس ديدرو حين قال: أنا لا أكتب كتبًا، أكتب صفحات.
بسبب هذه الطريقة في الكتابة، سيظلُّ هناك نقصٌّ في كلِّ قراءة تحاول الكتابة عن هذا الكتاب؛ إذ إنَّ كل مقالٍ يحوي فكرةً رئيسة، ومع الفكرة الرئيسة تتفرّع فقرات لأفكار ثانويّة. لهذا، وفي نفس الوقت، فإنَّ كلّ قراءةٍ لهذا العمل -والكثير من كتب كيليطو- هي قراءة مقبولة، كي لا نقول صحيحة، وهذا مصدر فرادة أسلوبه.
عدسة مكبّرة للقراءة
لا يناقش كيليطو في هذا الكتاب القضايا الكبرى، هو ينظر بمجهرٍ إلى ما لا يلفت الانتباه بالعادة، ثمة عدّة مقالات في هذا الكتاب تحيل إلى ندمٍ خفيفٍ شعر به كيليطو على ما حدث معه، مثل حواره ككاتب عربيّ يعرف تاريخ بلد محاوره الأستاذ الفرنسيّ، أو اختيار عنوان كتابه «بحِبر خفيّ» الذي يمكن أن يحيل إلى أكثر من قراءة.
ما يكتبه كيليطو هو تحقيق انتصارات هامشيّة في معركة كبيرة. ثمة استشهاد على غلاف الكتاب يعبّر عن هذا الأسلوب في إدارة هذه المعارك، وهو مأخوذ عن إدموند هوسرل وكيف تخلّى عن الأهداف الكبرى في العمل الفلسفي، وسلّم أخيرًا بأن يعتبر نفسه سعيدًا إن تمكّن «ببساطة، هنا وهناك، من إيجاد موطئ قدم على قطعة صغيرةٍ جدًا من أرض صلبة».
وفقًا للراحل خيري منصور -الذي يعتمد أسلوب الجاحظ و كيليطو في الاستطراد والاستشهاد-، فالقرّاء لهم نظراء من الكائنات؛ قارئ نحلة يطوف على الأزهار ويجمع من كل زهرة شيئًا، وقارئ سلحفاة يمر على الأسطر ببطء، وقارئ نملة يمر ببطء ويخزّن. كيليطو قارئ يجمع الأشكال الثلاثة، لهذا سيكون اعترافهُ في هذا الكتاب بأنه لم يقرأ الكلاسيكيات الأدبيّة كلها منطقيًا، فمن أين له الوقت مع هذا البطء؟
ثمة مقالٌ في الكتاب بعنوان «فن الخطأ» عن موضوع هامشيّ، استنتاجٌ كتبه كيليطو سابقًا، يفيد بأنّ شخصيات ألف ليلة وليلة والمقامات لا تنام، بعد فترة تتصل فيه مدرّسة لأحد كتبه لتخبره أنها قرأت في نسخة من نسخ ألف ليلة أن الشخصيات كانت تنام بالفعل. كيف سيعالج كيليطو الموضوع؟ أعاد قراءة عدة نسخ من ألف ليلة العربية والمترجمة ليبحث أين ورد أن شخصيّات الليالي لا تنام، النتيجة أن الشخصيات كانت تنام، ما الحل؟ يحيل كيليطو الموضوع إلى حتميّة وجود خطأ في الكتابة بشكل عامٍ، ثم يبحث في ذاكرته من أين تسرّب للاوعيه أن الشخصيات لا تنام، يتذكّر أخيرًا، إنها رواية ماركيز «مائة عام من العزلة» حيث يصاب سكّان ماكوندو بداء الأرق.
ما معنى ألّا تنام شخصيات عمل أدبي كلاسيكيّ؟ ثم ما معنى أن يعيد كيليطو فتح هذا الاستنتاج؟ هكذا تسير الأمور، يقدم كيليطو في المقال معنى وجود خطأ في الكتابة، ثم يناقش لا وعي الكاتب أثناء الكتابة، ويصل لخلاصةٍ مختزلةٍ لكن في مقالٍ آخر من الكتاب: «[الخطأ] ليس شيئًا يحدثُ أو لا يحدث، إنّه على العكس، المكوّن الأساسيّ للكتابة».[13] ثم يقفز باستطرادٍ إلى ما ظلّ رولان بارت يتحدث فيه على شكل سؤال: من هي السكرتيرة المثالية التي لا ترتكب الأخطاء حين تقوم برقن نص من النصوص. ليجيب: إنها السكرتيرة التي ليس لها لا وعي.[14]
في المقال المعنون بـ«جيّد هذا الأمر»، وهو في الأصل ملحق بالترجمة الإنجليزية لكتابه «لسان آدم»، ملخصٌ لما يظلّ كيليطو يكرره على الدوام، وهو وجوده ككاتبٍ عربيّ يقيم في فرنسا ويكتب باللغتين، يروي فيه كيف طُلب منه أن يكتب عن رواية غوستاف فلوبير «التربية العاطفيّة» ضمن مؤلف جماعي، توقع منه المشرف على العمل أن يقدم مقاربةً مختلفةً للرواية، «شيئًا لا يمكن أن يأتي به إلا قادمٌ من ثقافة مختلفة غير أوروبية من لغة الضاد».[15] فهم كيليطو طلب المشرف بأنه لا يريد أن يرى كاتبًا أوروبيًا آخر من أصول غير أوروبية ينظر في رواية من وجهة نظرٍ أوروبية، يرفض كيليطو المشاركة في الكتاب، بعدها يقول «تملكني شيء من الندم»[16] ثم «ها أنذا فخورٌ بدراسةٍ رائعة لم أنجزها، (..) ما أجمل ما لم أقم بكتابته».[17]
طوال 40 سنة، درّس فيها كيليطو الأدب الفرنسيّ، لم ينطق خلالها بكلمة عربية أو اسم مؤلف عربي أمام الطلاب. خارج الدرس واصل الحوارات مع طلابه بالفرنسية، ولم يحتفظ طوال هذه السنوات بأي درس ألقاه، ينتهي الدرس ويمزّق ما كتب.
لم يعن له إلا نادرًا أن يكتب دراسة عن الأدب الفرنسيّ، لاعتقاده أنه لن يضيف شيئًا يذكر لما يكتبه الفرنسيون، بالإضافة «وهذا هو المهم، لا ينتظرون مني أن أكتب عن أدبهم، أدبهم لا يحتاجني».[18]
لهذا توجّه للكتابة عن مواضيع عربيّة مثل المقامات، ثم كتبَ بالفرنسية «الكتابة والتناسخ» 1985، وتلقى ملاحظات من قرّاء أن الكتاب كان يجب أن يكون بالعربية كونه يتناول موضوعًا من الثقافة العربية. فارتد في كتابه الثاني، «الغائب» 1987 وأصدره بالعربيّة[19] «اعتقادًا مني أنني سأصحح الأمر»[20] وبعثه لجامعي من أصل عربي يدرّس في فرنسا، سينصحه قبل أن يقرأ الكتاب أن يكتب بالفرنسية، «افعل ذلك [الكتابة] بالفرنسية لأن الخلاص بها، أمّا العربية فاكتب عنها، لكن إياك أن تكتب بها، وإلا ستظل حبيسها ولن يلتفت إليك أحد خارجها (..) اكتب بالفرنسية ويمكن إذ ذاك أن أقرأك».[21] هكذا كان كيليطو يواجه هذه المعضلة في كل كتابٍ يكتبه، في بعض الأحيان كان يكتب الكتاب بالفرنسيّة ويعيده كتابته بالعربيّة.
قبل سنوات، عندما انتهى كيليطو ذات يوم من تصحيح الأعمال (الكاملة) التقى بأستاذة غير عربية مختصة بالأدب العربي الحديث، خلال الحديث طرحت عليه سؤالًا: ماذا تكتب الآن؟ أجاب بأنه كان يراجع كتاباته بصدد إصدارها. فتهلل وجه الأستاذة غير العربية وابتسمت وتحمّست. ثم أضاف كيليطو الكلمة التي ستقلب هذا الحماس: بالعربية. «اختفت الابتسامة فجأة، انتهى الحماس، تلاشى الاهتمام والتضامن وساد وجوم كريه»،[22] انتاب كيليطو الندم على إضافته كلمة بالعربية، وتبادر لذهن كيليطو بيت شعر جرير تنطق به الأستاذة غير العربية والذي سيكون التعبير الأكثر قسوةً لما ظل يواجهه ككاتبٍ عربيّ يتلقى الازدراء من أصحاب اللغة حين يكتب بالعربيّة:
فغُضَّ الطَّرفَ إنَّكَ من نُمير = فلا كعبًا بلغتَ ولا كِلابا[23]
يُمكن اعتبار حياةَ كيليطو كحياةِ المعرّي. تعثّر المعري الأعمى وهو يدخل أحد المجالس برجلٍ، فشتمه: «من هذا الكلب؟» فرد المعري الذي يعرف أن حياتهُ في نهاية المطاف بما يعرف: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسمًا.
https://www.7iber.com/.../%d9%83%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8.../...