علي السوداني - مكاتيب عراقية.. يا دار هند وفيصل

يحدث هذا بقوة المصادفة أو بطفرة رحيمة في حركة كواكب الحظ ومحاسنه الممكنة . أكلنا من يوم جمعة ظهيرتهُ ، وشربنا متخففين من دسم الضلوع وما حولها ، أول بيبان المساء قبل أن تؤذّن ساعة الفراق ، فيذهب كلُّ واحدٍ تعتعتْهُ الأيام وأشعلتْ رأسهُ أرصفة الوحشة صوب ليلهِ الأخير . حللنا الرواحل وأرحنا الركاب هذه المرة ببيت تكاد تجتمع فيه وعلى هوامشهِ ومتونهِ ، كلُّ أصناف الفنون الجميلة . إنها دار الثنائيّ البديع اللطيف هند كامل وفيصل الياسري ألذي استعمل ميانة الضيافة والحبّ والترقّق وأفتى بعدم الخوض بأواسن السياسة هذه العصرية المبروكة . في البدء ذهبنا مذهب المنسيات فجئنا على ما سمّاهُ جنابنا بأصحاب الواحدة ، وهؤلاء لم نقصد بهم شعراء الواحدة المشهورين ، بل هم ثلة شرّقت وغرّبت وبصمت فوق سنينها القصار ، أغنية فارقة عذبة ظلتْ تلبط فوق ذاكرة الناس وقد تعتّقتْ عليها السنوات مثل نبيذ طيّب ، فكان سامي كمال وكمال محمد وقيس حاضر ومحمد الشامي ، وبهذا الباب سكنتْ العبرات وارتاحت النفوس على ترتيل وتجويد شهيّ من صلاح أبو سيف الذي عتعت الحنجرة بدشتٍ مما تيسّر من صوفيات حسن خيوكة ، واستبدل البستة المنتظرة ، بواحدة من عبقريات اللحنية القرغولية المذهلة حاسبينك مثل رمش عيونّه . في باب الكتب وما ألّفت أيماننا وأمخاخنا ، حدثنا فيصل بصوته المنوّط على سلّم الهادىء ، عن كتاب الذكريات أو المذكّرات خاصته ، وجاء على واقعة ظريفة لطيفة خصَّ بها فاضل عباس صاحب ونجم محكمة المهداوي ، وقد وقعتْ ببرلين وأجزم أنّ قلة قليلة قد سمعت واستمتعتْ بهذا التفصيل اللذيذ الذي سنغطّيه الآن بلحاف الستر ، كي لا نثلم من طعم هذه الذكريات . هنا يلوّن علي جعفر السعدي بصوته القويّ بعضاً من غزليّات لميعة عباس عمارة ، فيصنع من مخيالنا أياماً راحتْ ولن تعود . أمّا اذا ذهبت القوم مذهب حديث الشجن النائم على بعض يباس ، فسوف ينهض الساخر الخلّاق الذي لا يشبه الضحّاكين مهدي الحسينيّ ، فيطشّ على القعدة ألفَ طرفةٍ وطرفة . ما غنّيت أغنية ولا عيطتْ طقطوقة إلّا وقام الفتى المشبوب حسن عبد الحميد على طولهِ الذي أضاعهُ سمنٌ ، وفصّل وأفاض في أصلها وفصلها وزمانها .
تدور كاميرا حارس الذكريات ومؤرشف الأيام المجتهد محمد كاظم ، فتقنص كلَّ شيء من جدران بيت فيصل التي شالت أجمل لوحات العراقيين ، حتى انطفاء سيجارة علّوكي بأربع حسرات . أقسمُ لكم الآن بأنّ حسن حسني كان هو الأقلّ من جهة استهلاك اللغة والضحك ، كما لو أنه نجم كرةٍ عظيم شتلهُ خيال المدرب على مصطبة احتياط ريال مدريد . في الصمت لم يكن لينافس حسن غير جلال النداوي الذي كان يسمع القفشة ويؤولها ويدوزنها ثم يضحك بصوته المميز ، حتى ليظنّ الناظر إليه أنه ليس من رعية بلاد ما بين القهرين .
وردة الجلسة وراعية الكلّ ، كانت الأميرة البابلية الجميلة العطوفة حقاً هند كامل ، التي ما ذكرتها إلا ونغزت الذاكرة ، تمثيلية رائحة القهوة العظيمة . هند أيضاً رشّتْ روحها فوق صينية الطعام ، فكان الطعمُ الربّاني مضواعاً معطاراً بزعفران العوافي .
ثمة شابّان لهلوبان ناشطان ، والفتى ابن علي والثلاثة حظهما سيء لأنّ أسماءهما الليلة قد خرّت من الذاكرة مثل ناقوط حِبٍّ منسيّ ، وعبثاً أحاول استردادهم .
من المنسيّات أيضاً ، إسم الكلب الوفيّ الذي وقعت لي معه قصة قصيرة جداً ، ليس بمستطاعي ذكرها من أجل أن لا تنثلم قليلاً قوة شخصيتي هههههههههههه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...