رجب سعد السيد - الطبيعة وكوارثها.. المؤلف: ديفيد أليكساندر

لم نعد في أي بقعة من وطننا العربي بمنأى من الكوارث الطبيعية، فالزلازل قد تعودت على ضرب مدننا العربية من حين لآخر، وها هي الأخبار في نهاية العام الماضي تقول إن منطقةً واسعةً من وطننا العربي قد تعرضت لهزات أرضية وسيول، ولا أحد يدري ما المخبوء في عالم الغيب. ولا ينبغي لنا أن نأمن مناخ كوكبنا المترنح.. فلننتبه. من هنا تأتي أهمية نشر هذا العرض المهم لكتاب صدر في الولايات المتحدة قبل عامين يتحدث عن الطبيعة وكوارثها.

أحببت أن أقدم هذا الكتاب لقراء العربية لسببين: أولهما، أن الساحة العربية تكاد تخلو من مظاهر الاهتمام بالكوارث الطبيعية، بالرغم من أننا نعيش في منتصف التسعينيات، وهو منتصف الزمن الذي اختاره المجتمع الدولي، ممثلًا في منظمة الأمم المتحدة، وأعلنه عقدًا لتركيز الاهتمام العالمي بالكوارث الطبيعية. ولعل السبب في عدم ظهور الاستجابة العربية المناسبة لهذه الدعوة هو اطمئناننا -والحمد لله- إلى أننا نعيش في منطقة آمنة، نسبيا، من أخطار الطبيعة الحادة وكوارثها الفادحة، فيتزحزح اهتمامنا بهذه الأخطار إلى الهامش، مفسحين دفتر الاهتمام والهموم لأنواع أخرى من الأخطار. من صنع أنفسنا. لا تكاد تنتهي!

أما السبب الثاني، فهو أن مؤلف الكتاب، وهو أستاذٌ بقسم الجيولوجيا والجغرافيا بجامعة ماساشوسيتس الأمريكية، يمتلك إلى جانب الخبرة النظرية خبرةً عمليةً، أو بالأحرى، تجربة معيشة، إذ إنه تعرض بنفسه لأحد أخطار الطبيعة، وأوشك أن يثبت في قائمة الضحايا، فلما أنجاه الله، نشط يجمع مواد هذا الكتاب، وهي في الأصل سلسلة محاضرات ألقاها على طلابه، في محاولة منه لإضفاء الصبغة العلمية على هذا الموضوع الخطير، الذي لا يزيد معظم ما كتب فيه على حشد لحكايات مثيرة. وقد يكون من الصعب، على مستوى العالم، تحديد عدد ضحايا الكوارث الطبيعية وقيمة الدمار الناتج عنها بدقة، وذلك لغياب البيانات المتكاملة، غير أن ثمة مؤشرات إلى تناقص خسائر الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية المعرضة للكوارث الطبيعية، بصفة عامة. ويرجع الفضل في ذلك إلى التطور المستمر في أجهزة ووسائل التنبؤ بمقدم الكارثة والإنذار بها، فضلًا عن تعاظم دور عوامل التخفيف من وطأتها إذا حلت بموقع ما، ومن أهم هذه العوامل، الدعم والتعاون الدوليان.

وعلى أي حال، فإن الاقتصاد العالمي يخسر سنويا بسبب الكوارث الطبيعية ما تزيد قيمته على 50 بليون دولار أمريكي، يذهب ثلثها تكلفة لترتيبات التنبؤ باحتمالات وقوع الكوارث، ومحاولات مواجهتها، وأعمال التلطيف من وقع الكارثة وتخفيف حدة آثارها على المنكوبين. أما الثلثان الباقيان فهمًا القيمة الفعلية للدمار.

ولا تستطيع الأرقام أن تحدد عددًا دقيقًا من الضحايا البشرية، فهناك اختلافاتٌ سنويةٌ، ولكنها تدور حول متوسط عام، يبلغ ربع مليون روح آدمية في السنة، يبلغ نصيب العالم الثالث منه خمسة وتسعين بالمائة ! والفيضانات هي أشد الكوارث الطبيعية تدميرًا، ويرتبط بها حوالي 40 % من مجموع الدمار الذي ينتج عن مختلف أنواع الكوارث الطبيعية مجتمعة. أما أكبر نسبةً من الخسائر في الأرواح البشرية - وتبلغ 20% من مجموع ضحايا الكوارث الطبيعية- فتسببها الأعاصير.

نحن، إذن، أمام قوى باطشة، لا تفرق بين مجتمع متقدم وآخر غير متقدم -وإن كان جورها على الأخير أشد- تقتل البشر وتخرب منشآتهم وتهدم أصول استقرار مجتمعاتهم. من هنا، كانت أهمية نشر الوعي بالكوارث والأخطار الطبيعية بين العامة، ليتمكنوا من إدراك حجم ما يترصدهم من خطر، وليكتسبوا القدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية. ومن الضروري أن تتضمن خطط التوعية -وبخاصة بين شعوب العالم الثالث- تبديد الخرافات السائدة حول بعض الظواهر الطبيعية المسئولة عن الكوارث، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول منشأ وعواقب الكارثة الطبيعية. كما يجب أن يوازي خطط التوعية برامج أخرى لتدريب الأفراد على مبادئ (التهيؤ) للكارثة الطبيعية، كما يحدث في اليابان، ليكتسب الإنسان (مهارة) التفكير السليم واتخاذ القرار الصائب والسريع أمام الخطر المداهم.

وتجدر الإشارة هنا إلى الحماس الذي صاحب زلزال أكتوبر 1992، الذي ضرب مدينة القاهرة وبعض المدن المصرية الأخرى، حيث تبارت وسائل الإعلام في تقديم برامج التوعية، ووزعت وزارة التعليم كتابًا عن الزلازل لم يهتم معظم المدرسين بشرحه للتلاميذ، ثم حل صمتٌ عميقٌ، حتى هاجمت السيول بعض قرى جنوب مصر، فعاد الحديث عن هذا النوع (الجديد) من الكوارث، الذي صاحبه اضطرابات في عمليات الإغاثة والتهوين على المنكوبين، وكشف عن غياب النظرة الشاملة إلى الكارثة الطبيعية، التي تتضمن سياسات لمنع وقوع الكوارث (المتوقعة)، أصلًا، أو لتقليل حجم الخسائر إذا حدث المكروه.

معنى الكارثة

ويعرض المؤلف لأربع محاولات لتحديد معنى الكارثة الطبيعية، ثم يستقر على تعريف يجمع بينها، هو: أن الكارثة الطبيعية عبارة عن صدمة قد تكون سريعةٌ، أو ممتدة الأثر، توقعها البيئة الطبيعية بالأنظمة والمقومات الاجتماعية والاقتصادية المستقرة. ويفرد الكتاب فصلًا كاملًا لنوعين رئيسيين من الكوارث الطبيعية هما الزلازل والنشاط البركاني، يغلب فيه الجانب الفني. ومن أهم الحقائق العلمية عن الزلازل أنها ليست نادرةٌ، إذ تشعر مناطق عديدة من عالمنا بما يزيد على ثلاثة آلاف زلزال أو هزة أرضية في السنة، لا يتميز منها بالشدة المدمرة إلا عدد قليل يتراوح بين 7 و11 تسبب الدمار والخسائر في الأرواح التي يصل متوسطها السنوي إلى عشرة آلاف ضحية.

وتتلخص عواقب الزلازل في خمس مجموعات هي: الوفيات -الإصابات الجسمية والنفسية- الخلل الاقتصادي والخسائر غير المباشرة، مثل فقدان الوظيفة -التغيرات الطبيعية التي تلحق بالأرض، مثل التشقق والانهيارات والانزلاقات الأرضية واضطراب أنظمة الري -الخسائر البيئية، مثل ضياع جوانب من الحياة البرية، وفقدان بعض الأراضي الزراعية نتيجة لتشوه سطح الأرض.

الصين والتنبؤ بالزلازل

ويعرض المؤلف لتجربة الصينيين في التنبؤ بالزلازل اعتمادًا على أجهزة الرصد وعلى الملاحظات الشائعة لبعض الظواهر الطبيعية إلى تسبق الهزات الأرضية، إذ نجحوا في إخلاء مدينة هايشينج، قبل أن يضربها زلزال في م 4 فبراير عام 1976غير أن نفس الأسلوب في التنبؤ فشل في إنقاذ مدينة صينيةً أخرى، هي تانجشان، التي ضربها الزلزال في العام التالي، ودمرها تمامًا، وقضى على ربع سكانها المليون. وقد عاد الصينيون بعدها ليعلنوا أنهم نجحوا في التنبؤ بأكثر من عشرة زلازل، تراوحت شدتها بين 6.7 و7.2 بمقياس ريختر.

ومن القضايا المهمة التي يتناولها هذا الفصل، صلة السدود المائية بالزلازل. ويؤكد المؤلف أن إنشاء السدود والخزانات المائية يمكن أن ينشط الحركات الأرضية إذا وصل التأثير الهيدروليكي للمياه المخزونة إلى طبقة الصخور العميقة تحت موقع الخزان، حيث يضغط الماء المتسرب بشدة على الشقوق المشبعة الموجودة بين الكتل الصخرية. ولا تحدث الهزات الأرضية في موقع الخزان في أعقاب بنائه وفور امتلائه بالماء، بل بعد ذلك بعدة سنوات، كما حدث في حالة خزان كوينا بالهند، في عام 1967حين أحدثت الكتلة المائية المخزونة فيه - ومقدارها 2780 مترًا مكعبًا من المياه، وبعد خمس سنوات من بداية التشغيل - هزة أرضية بلغت شدتها 6.5، قتلت 177 شخصًا، وجرحت 2200 آخرين، وشردت عدة آلاف من سكان المنطقة. وثمة 90 حالة أخرى تؤكد الصلة المباشرة بين السدود والخزانات المائية والنشاط الزلزالي في مواقع عديدة من العالم.

أما البراكين، فإننا -فضلًا من الله ونعمة- لا نعرفها في منطقتنا العربية، بينما يعاني خمسون موقعًا في العالم، على الأقل، من ثورات بركانية سنوية متفاوتة الشدة. ولا تأتي الفورانات البركانية الطوفانية إلا مرة كل ألف عام. وتقع الخسائر البشرية من التعرض المباشر للحمم البركانية، أو من فقدان وسائل ومقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي تجتاحها تلك الحمم. وقد راح ضحية البراكين في الخمسمائة سنةً الماضية أكثر من مائتي ألف فرد، وكان أشد البراكين فتكًا بالبشر في القرن العشرين، بركان مونت بيليه، في جزيرة المارتينيك، الذي أدت ثورته في عام 1902 إلى القضاء على 28 ألف إنسان، هم كل سكان المنطقة المحيطة به.

وبالرغم من أن معظم ما يشغل المؤلف الأمريكي، في الفصل المخصص للكوارث الطبيعية الناجمة عن التحولات المناخية والأنظمة المائية، حالات خاصة بوطنه الذي تختلف ظروفه الطبيعية عن ظروفنا، فإن ثمة ملامح مشتركة يهمنا أن نرى كيف عالجها في كتابه، كما يهمنا أن نتعرف بعض الأخطار الطبيعية التي تطالعنا وسائل الإعلام بأخبار عربدتها في أماكن متفرقة من العالم، مثل العواصف الشديدة والأعاصير.

الفيضانات أربعة

لنبدأ بالفيضان. وثمة أربعة أنواع من الفيضانات، أولها فيضان النهر، نتيجة لسقوط الأمطار أو ذوبان الثلوج، ويحدث تدريجيا.

وقد يفيض النهر فجأةً إذا تعرض حوضه لعواصف رعدية شديدة ذات مطر غزير. وهناك نوعٌ ثان من الفيضانات يحدث عند مصبات الأنهار، حين تتعرض منطقة المصب للفيضانات من جهتين: من جهة البحر، نتيجة لارتفاع الأمواج عند هبوب العواصف، ومن جهة النهر، بعد أن يمتلئ في أوقات العواصف الممطرة. أما النوع الثالث، فهو الساحلي، وفيه تغمر مياه البحر خط الساحل في الأعاصير والعواصف البحرية العاتية، وفي حالات أمواج التسونامي الشهيرة. وأخيرًا، قد يأتي الفيضان مصاحبًا لكارثة طبيعية، مثل انهيار سد مائي، أو تاليًا لزلزال أو لانفجار بركاني.

وفي المناطق ذات المناخ حاد التقلبات، يتبادل الفيضان والجفاف الظهور، على مر فترات زمنية متفاوتة. ويعرف الجفاف أو القحط بأنه حالة من الطقس الشاذ، تتميز بانقطاع المطر، وتتسبب في انهيار

التوازن الهيدرولوجي للمنطقة المنكوبة، وما يتبع ذلك من خسائر في الزراعات ونقص شديد في مياه الشرب الصالحة للإنسان والحيوان. وقد تتحمل المجتمعات المتقدمة كارثة الجفاف، أما البسيطة والفقيرة، فإن الكارثة تؤثر فيها بشدة. وفي المناطق التي تتكرر فيها حوادث القحط، يلجأ أفراد المجتمع إلى حياة البداوة لمواجهة هذه الظاهرة. أما الأعاصير، أو العواصف الدوامية العاتية التي تبدأ في التولد حول خط الاستواء، وتضرب شمال المحيط الأطلنطي والبحر الكاريبي وخليج المكسيك وشمال غرب المحيط الهادي والساحل الغربي للمكسيك، فإن لها اسمًا في كل موقع: فهي (هوريكان Hurrican ) في شمال المحيط الأطلنطي، وهي (تايفون Typhoon ) في غرب المحيط الهادي، وأخيرًا (زوابع استوائية) في المحيط الهندي وأستراليا، وتجمع التسمية العربية (أعاصير) بينها جميعًا. وبالإضافة إلى هذه التسميات العامة، ونظرًا لتكرار هذه الظاهرة الطبيعية المدمرة، بدأ سكان المناطق المنكوبة يطلقون الأسماء الآدمية على الإعصار تلو الإعصار، تمييزًا لها عن بعضها، وكانوا، حتى الثمانينيات، يخصونها بأسماء الإناث، ولكنهم، فيما بعد، أعطوها أسماء الذكور أيضًا. والجدير بالذكر أن موطن الأعاصير يتحدد بين خطي عرض 30 درجة شمالًا وجنوبًا، فيما عدا المنطقة المحيطة بخط الاستواء، خمس درجات للشمال وللجنوب، وفيها يتمتع الغلاف الجوي باستقرار نسبي لا يسمح بتولد الأعاصير المدمرة، فلا يسمى الإعصار إعصارًا إلا إذا تعدت سرعة الرياح عند مولده فوق المحيط 120 كم/ساعة. وتزيد هذه السرعة إلى أكثر من 200 كم/ساعة كلما (نضج) الإعصار وتحرك في اتجاه مركز المنخفض الجوي فوق اليابس. وفي بعض الحالات، تصل السرعة إلى 320 كم/ساعة، وهي كفيلةٌ بإغراق السفن وتدمير التجمعات السكنية الساحلية الواقعة في مسار الإعصار. وفي فصل عن تأثير الكوارث الطبيعية على دول العالم الثالث، تتأكد لنا فداحة هذا التأثير على فقراء العالم، حيث تتضاءل الطاقة الإنتاجية وتتواضع البنى التحتية وتكاد تنعدم الموارد الطبيعية المتاحة للا ستغلال، مما يضعف قدرة المجتمع على مواجهة الكارثة الطبيعية وتحمل عواقبها وإزالة آثارها. وعلى سبيل المثال، أدى زلزال ضرب سان سلفادور في عام 1986 إلى تشرد 53 ألف أسرة، عجز 40 ألفًا منها عن إعادة بناء مساكنها أو إصلاحها.

ومن الإحصاءات التي ترد في هذا الفصل، ولا تحتاج إلى أي إضافة أو تعليق، أن معدل الوفيات في الكوارث الطبيعية، لكل ألف كيلو متر مربع، لا يزيد في الدول الغنية على واحد، ويصل في الدول النامية إلى 8، أما في الدول الفقيرة فيقفز إلى 4857!. ويقترب المؤلف من تجربته الشخصية عند معالجة سيكولوجية الكارثة الطبيعية. ويقول إن القيم والمعايير الشخصية للفرد الخارج من أهوال التعرض للكارثة الطبيعية المفاجئة، تطرأ عليها بعض التبدلات، منها ما هو عابرٌ سريع الزوال، كأن يعود الفرد إلى وضعيات الحياة اليومية، فور انتهاء ملابسات الكارثة، مفتقدًا الحماس والإقبال على العمل والحياة. ولكن الكارثة تبقى علامةٌ ثابتةٌ في وعي الإنسان كتجربة مهولة تؤثر في أفعاله وردود أفعاله طوال حياته.

ولا يزال الكتاب عامرًا بالتفاصيل والمعالجات لمختلف النواحي العلمية والاجتماعية والاقتصادية المتصلة بالكوارث الطبيعية، مما لا يمكن إهماله في هذا العرض. وفي نفس الوقت، فإن المساحة لا تتسع له، كما أن هدف عرض الكتب ليس نقل كل ما يقوله مؤلفوها. ولكني لا أستطيع إنهاء حديثي عن هذا الكتاب دون أن أعرض للقارئ بنود ما يمكن تسميته (سياسة قومية لمواجهة الكوارث الطبيعية)، استخلصتها من قراءته، وبعض الدروس المستفادة التي تعين على مواجهة هذه الكوارث.

أول بنود تلك السياسة يناسب الكوارث ذات الخسائر المحدودة، ويكتفى بتقديم النجدة للمتضررين في صورة إعانات عاجلة. ويهدف البند الثاني إلى إيجاد وسائل تكنولوجية تمكن من تحقيق السيطرة على الحوادث الطبيعية وتحجيم آثارها. ويمثل البند الثالث عمود هذه السياسة، ويتضمن بعض الإجراءات التي تقلل من آثار الدمار الشامل المتخلف عن الكارثة، مثل وضع خرائط شاملة للكوارث، وتجهيز خطط الطوارئ، ووضع تصميمات للأشغال الهندسية لمختلف أغراض السياسة، وتدبير مصادر التمويل ومشروعات التأمين ضد الأخطار، وإعداد مركز وقاعدة معلومات، بالإضافة إلى تجهيز وتشغيل محطات التنبؤ والرصد والإنذار. أما البند الأخير، فيدعو إلى وجود إدارة مركزية واحدة لكل الأخطار، تتحد فيها كل الاستراتيجيات وتتحول إلى سياسة شاملة، وتراعى فيها المساواة بين مختلف الأخطار في البلدان المتقدمة، وتسمح بإعطاء أولويات لبعضها في دول العالم الثالث. ويفضل أن تكون هذه الإدارة المركزية تابعة لأجهزة حماية البيئة في المجتمعات الصناعية الكبرى، أما في العالم الثالث، فيجب ربطها بمؤسسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأخيرًا، يمكن تلخيص الدروس المستفادة، فيما يلي:

1- أن بعض الأخطار الطبيعية ينشأ نتيجة لتوطين تجمعات بشرية في مواقع معرضة لهذه الأخطار، أو نتيجة لتغييرات يحدثها الإنسان نفسه في طبيعة الأرض أو الأنظمة المائية الطبيعية.

2- أن حجم الخسائر الضخم، في الأرواح والممتلكات، المتخلف عن الكوارث الطبيعية، يفوق القدرات المحلية أو الإقليمية على التعامل معه، فلا بد من تضافر القدرات والخبرات العلمية والعملية العالمية في هذا الصدد.

3- ضرورة أن تتسع دائرة الدراسات الخاصة بالكوارث الطبيعية لتشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى المسائل العلمية والتكنولوجية.

4- ثمة اعتقاد بأن حل مشكلة الكوارث الطبيعية موجود في بعض الإجراءات الفنية الخاصة، مثل عمليات الإصلاح، وإقامة السدود على الأنهار لمنع فيضانها، ومراعاة الترتيبات المضادة للهزات الأرضية عند إقامة المنشآت والمباني. وهذا طيب، ولكن النظرة إلى الكارثة يجب أن تكون أشمل، كما سبق أن أوضحنا في بنود سياسة مواجهة الكوارث.

5- هناك هيئات عالمية، مهمتها تقديم المشورة والعون لمواجهة الكوارث الطبيعية، ومنها: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق أعمال إغاثة المناطق المنكوبة، ومنظمة الفاو التي يمكن أن تساعد في حماية المحاصيل الزراعية، ومنظمة اليونسكو التي تقدم المشورة في مجال الإنشاءات المضادة للزلازل، ومكتب الأرصاد الجوية العالمية، ويقدم المعلومات والبيانات الخاصة بالكوارث المناخية.

6- بالرغم من الدمار الشديد الذي تلحقه الكارثة الطبيعية بالنظام الاجتماعي/الاقتصادي للموقع المنكوب، إلا أنها تزيد من قوة الفوارق الطبقية التي كانت سائدةٌ قبل وقوعها، فيزداد القادرون قوة ومالًا، وتتفاقم أحوال الفقراء والضعفاء. لذلك، يجب ألا تتأثر أعمال الإصلاح والعون، في أعقاب وقوع الكارثة، بتدخل أصحاب النفوذ، على حساب المحتاجين الحقيقيين للإغاثة.


رجب سعد السيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...