دخيل الخليفة - لي نخلةٌ تبكي بلا معنَى..

وجَعي على مهْلٍ يؤرْجِحُني وأعبرُ هازئاً من سَكْرةِ الضجَرِ العميقِ/ أنا هُنا وأنايَ من ألمٍ هناكَ/ كأنّنا عدَمٌ يُخاتِلُ عمْرَهُ في خيبةِ العَبثِ الطويلِ/ طرقْتُ بابَ القلبِ/ قِنطَرتي غرامٌ لا يلائمُهُ الغيابُ/ فظلَّ يبحثُ فيَّ عن معنىً سؤالي.

بابٌ يدقُّ يدِي/ أنا يأساً أدقُّ البابَ/ أومئُ كي يرانيَ بعضيَ المنفيُّ خلفَ الوهْمِ تُربِكُني ظلالُ الأمسِ / أسْتلقي على ليلِ الكآبةِ لم أمُتْ من خيبةِ الترحالِ/ لكنّي طُعِنتُ برمْحيَ المكسورِ/ أوجَعَني احتفالُ الظنّ حينَ هُزِمْتُ من غيْبِ المتاهةِ /هاهُنا/ أمشي ورائي حامِلاً قلبَيْنِ من عتَبٍ/ ومن تعَبٍ أطيحُ على ظِلالي.

لي نخلةٌ في الجرْحِ عاريةٌ تراودُها الظنونُ/ وجرحُها عذقٌ يَخونُ/ ليَ ارتباكُ الأرضِ/ لي كلُّ المساءاتِ التي مضَغتْ وِشاياتِ الهواءِ/ تضُجُّ بي مَرثيةُ الخمْسينَ/ أنْهكَها العراءُ على رصيفِ الصدّ/ ما حوْلي سوَى صخَبٍ بلا معنَى يَذرُّ رمادَهُ في الريحِ/ تنبِذُني الجهاتُ يشيخُ بي الوعْدُ المؤجلُ/ أينَ أهربُ والجدارُ يميل متكئاً... علَيّ؟ أهيمُ لا سقفٌ سوَى ماضي الرُّعاةِ يُحاصِرُ الضوءَ البخيلَ / نسيتُ أيامي الخوالي.

ألمٌ تسرَّبَ من ثنايا الأمسِ يعلكُني/ كأنَّ الحزنَ مكتوبٌ على ثوبِ الفقيرِ/ نسيتُ وعدَ العمر أن الحبَّ قافيتي/ بقيتُ بشارعِ الموْتى بلا كفنٍ/ سألتُ ظلالَ أجدادي عن الأحزانِ في أصواتِ مَن ظَعَنُوا / وعنْ سفَرِ المضاربِ في حِداءِ البدْوِ/ عن زمَنٍ تعَرَّى في مناخِ النُّوقِ/ عن بدَويةٍ دفنَتْ همومَ البيتِ/ أهْربُ؟ أينَ أهْربُ؟ / أينَ نهرُبُ؟ / والبلادُ ـ كأنّها تغريبَةٌ بجذورِها بحْرٌ وصحراءان ـ تستلقي على أيامِنا الحُبلَى بمقْبرةٍ شواهدُها وُجوهُ الجنْدِ/ أمشي في مهَبّكِ يا قطيعتيَ الأخيرةَ لي بلادانِ/ السماءُ مَدينَتي في الليلِ والأرضُ احتمالاتُ الغيابِ/ وأنتِ نبضُ مدينتي الأولى التي هربَتْ بلا معنَى، أأهْرُبُ؟ أينَ أمضي؟ حبليَ السرّيُّ يربطُني بجَذْرِ النهرِ/ في عينَينِ خضراويْنِ مُتعبتَينِ من سرّ التمرّدِ في مرايا الوردِ/ مُتعبتَينِ من رقصِ القصيدةِ فوقَ عشْبِ الغيمِ/ مُتعبتَينِ منّي/ من مُصافحةِ الحريرِ بشارعِ خالٍ من العُشاقِ/ أهرُبُ؟ أينَ أهربُ/ أين نمضي والدروبُ ـ جهاتُنا الحبْلَى بماءِ النارـ تعقرُ ناقتي وأنا وشمسُ العمْرِ نغرقُ في الرمالِ.

لي نخلةٌ تبكي بلا معنَى وتجْمحُ عن معانقةِ المساءاتِ / ارتمَتْ ما بينَ جدرانِ الشجونِ تذيبُها صورُ السرابِ فتوصدُ الأبوابَ/ لا عذْقاً ولا ماءً تراهُ ولا شموعاً تسْتحثُّ خياليَ المنفيَّ/ أحبو نحْوها وجْداً وأسرقُ بينَ خطوتِها ونغمةِ دمعِها ليلَ البنفسجِ والكلامِ العذبِ / أحضنُ طيفَها مثلَ الغريبِ بشارعٍ خالٍ فيطردُني خيالي!

الآن، وحدي في المهبِّ يمورُ بي جمْرُ الحنينِ/ أتيهُ مثلَ الراحلينَ إلى النهايةِ هاهُنا وحدي أخطُّ نوافذَ الضوءِ الجديدِ/ أخيطُ أيامي وأمسحُ هازئاً جُرحَ الليالي.

...................
نشرت في مجلة (الأقلام) الثقافية العراقية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...