د. فاتحة الطايب - الترجمة السياحية والتنمية المستدامة؛ عالميا ووطنيا

بمناسبة اليوم العالمي للترجمة :

(مقتطف من الفصل الثالث" قطاع الترجمة المهنية في المغرب وآفاق التنمية"، من كتاب دراسات في الترجمة؛من العام إلى الخاص )

الترجمة السياحية والتنمية المستدامة؛ عالميا ووطنيا

1- على المستوى الدولي
تعد صناعة السياحة من الصناعات الثقافية المؤثرة بقوة في تطور الاقتصاد العالمي، فقطاع السياحة الذي يؤمن سنويا ما ينيف عن 15%من الوظائف عبر العالم يمثل 10 %من الناتج الداخلي الإجمالي العالمي بحسب إحصاءات المنظمة العالمية للسياحة بخصوص سنة 2018، مع العلم أن نسبة مساهمة صناعة السياحة الإجمالية المباشرة في هذا الناتج، تفوق نسبة مساهمة صناعة السيارات وصناعة البترول فالصناعة الغذائية1. مما يفسر، من ناحية، المنافسة الدولية الشديدة على الصناعة السياحية، ويضيء، من ناحية ثانية، اعتماد الدول النامية على السياحة بصفتها الأساس الأول أو الثاني لتحقيق الإقلاع الاقتصادي2.
تمثل القارة الأوروبية الوجهة السياحية الأولى عالميا، وخاصة مع انبعاث السياحة في بلدان أوروبا الجنوبية والشرقية، وبالرغم من ذلك فهي تحس بأنها مهددة بشدة ليس فقط من الولايات المتحدة الأمريكية وإنما من استثمار أمريكا الوسطى والدول الآسيوية وجزر الكاريبي وأستراليا على سبيل التمثيل في السياحة ونجاحها في التأثير في نسب العائدات العالمية.فأوروبا التي كانت في سنة 1975تتلقى نسبة 69%من أعداد السياح الدوليين، تلقت سنة 2019نسبة 51 % فقط بحسب الإحصائيات التي نشرتها المنظمة العالمية للسياحة سنة 2020، في حين انتقلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ في ظرف قياسي من نسبة 3، 9 % إلى نسبة 23 % من مجموع أعداد السياح العالميين3 .
لقد تمكنت الدول النامية اقتصاديا، إذا، من أن تصبح في الألفية الثالثة تخصيصا منافسا قويا للدول الأوروبية المسيطرة تقليديا على المجال، مثلما توضح ذلك المقارنة التي أجراها الخبير السياحي جريمي باور بين نسبة نمو أعداد السياح الدوليين ما بين سنة 2000وسنة 2015 في فرنسا التي تعد الوجهة السياحية الأولى في العالم ونسبة نمو هذه الأعداد في البلدان النامية، فخلال خمس عشرة سنة لم يرتفع عدد السياح في فرنسا بحسب باور سوى بنسبة 14 %، في حين نما عدد السياح بنسبة 50 % في روسيا، ونسبة 82 % في الصين، ونسبة 150 % في ماليزيا ونسبة215 % في التايلاند ونسبة 310 % في تركيا4.
وبحسب التقريرالذي نشرته المنظمة العالمية للسياحة عن النشاط السياحي العالمي في سنة 2019 5، حققت البلدان النامية تقدما كبيرا في المجال السياحي كما تترجم ذلك نسب نمو عدد السياح في هذه البلدان، فمنطقة الشرق الأوسط تتقدم جميع المناطق العالمية بنسبة نمو تصل إلى 8%، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ وبعدها أوروبا بنسبة 4%، في حين تتساوى إفريقيا والأمريكتان بنسبة نمو تصل الى 2%.
إن كل هذه المعطيات المحصل عليها - قبل جائحة كوفيد التي ألحقت ضررا كبيرا بالقطاع السياحي6- معطيات تدل على أن الاقتصادات النامية في طريقها إلى السيطرة فعلا على السوق السياحية الدولية مثلما استشرفت ذلك المنظمة العالمية للسياحة حينما توقعت آنذاك أن تصل نسبة أعداد السياح الذين ستستقبلهم البلدان النامية في سنة 2030إلى 57%من مجموع عدد السياح الدوليين7.
في ظل هذا الوضع الدولي التنافسي زمن العولمة، تؤدي الترجمة السياحية دورا حاسما في الرفع من الإنتاجية السياحية سواء بالنسبة إلى الدول التي تشعر بالتهديد وتجاهد في سبيل الحفاظ على وضعها أم بالنسبة إلى تلك التي تسعى إلى اختراق السوق العالمية وقلب المعادلة من خلال تطوير الصناعة السياحية التي تشكل أولوية بالنسبة إليها. فالترجمة تعد -في مجال يتطلب مهنية عالية وإبداعية خلاقة تشمل إعداد القواميس السياحية الضخمة8- إحدى الأسلحة التي تمكن الجهة السياحية من رفع نسب عائداتها وتحقيق التميز في ظل شراسة المنافسة. مما يضيء حرص شركات ووكالات الترجمة المهنية الضخمة المحلية منها والعابرة للقارات على تخصيص حيز هام من أنشطتها الترجمية للترجمة السياحية ،بما هي فن مخصوص لجلب السياح وتسويق المنتوج السياحي باستراتيجيات مبتكرة تسخر التطور التكنولوجي لتحسين الخدمة وتقديم عروض مغرية.
من أجل الوقوف على كيفية تسخير الدول المتقدمة للترجمة بهدف الحفاظ على الموقع في ظل إكراهات السوق السياحية العالمية، نأخذ كمثال فرنسا التي تزايدت فيها مؤسسات ووكالات الترجمة السياحية بشكل لافت للنظر في الألفية الثالثة9، وهي مؤسسات توظف مترجمين متخصصين في مجال السياحة، وتسخر التطور التكنولوجي في ترجمة الوثائق السياحية وشتى أنواع الدعم السياحي في لغات السياح الأصلية فضلا عن اللغة الإنجليزية.
نذكر من بينها وكالة TextMaster للترجمة السياحية الرقمية التي تم تأسيسها سنة 2011واستطاعت في ظرف سبع سنوات أن تلتحق بمجموعة Acolad المشهود لها عالميا بجودة الخدمات والفعالية، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققته في اختراق الأسواق الدولية بحيث وصل رصيدها من لغات الترجمة 50 لغة، وهي اليوم على رأس قائمة الوكالات الأوروبية للترجمة السياحية الرقمية، بكسبها ثقة الزبائن في 110 دولة، مما يفيد مساهمتها الفعالة في الدخل الإجمالي الفرنسي. ومن بين الترجمات التي تقوم بإنجازها على غرار باقي الوكالات الفرنسية للترجمة السياحية، ترجمة الدعامات السياحية الآتية :
- منشورات سياحية،
- كتيبات تجارية،
- الدليل السياحي،
- صحف
- بيانات صحفية،
- مواقع الفنادق ووكالات الأسفار متعددة اللغات على شبكة الانترنت،
- حملات دعائية
- تقارير،
- نشرات إخبارية،
- عقود،....
هذا بالإضافة إلى توفير الجولات السمعية والمصحوبة بمرشدين سياحيين.
وبما أن وكالات الترجمة تنطلق من مسلمة مفادها أن الترجمة السياحية تتطلب بالإضافة إلى مهارات في المجال السياحي مهارات في المجال التجاري والتسويق، فهي تبادرفي سياق إدراج الترجمة السياحية ضمن الترجمة التجارية والتسويقية، إلى ابتكار وعرض استراتيجيات تكسب بها وكالات الأسفار والفنادق وجميع العاملين في المجال السياحي الفرنسي ثقة أكبر عدد ممكن من الزبائن عبر العالم، حيث تشجع على التسويق للوجهات السياحية الفرنسية بلغات السياح الأصلية مع تركيز شديد على سياح الوجهات الغنية الذين من شأنهم المساهمة في الرفع السريع من نسبة العائدات الفرنسية في المجال، مثلما يتضح من هذا المقتطف من الإعلان الذي نشرته سنة 2017 وكالة Bilisالفرنسية للترجمة، لتحث الفاعلين الفرنسيين في مجال السياحية على استهداف السياح الصينيين10 :
Vous êtes un acteur du tourisme en France qui propose un lieu à Paris ou en province, un événement, un service, un séjour spécial ? Vous avez l’ambition d’attirer une clientèle chinoise ? Un site web tourisme en chinois est un levier d’action potentiellement très efficace pour développer cette cible particulière de touristes pour votre agence de voyages ou vos produits touristiques. . La confiance, ça se traduit en chinois
Inspirer confiance sera votre premier objectif. La clientèle qui vient de chine doit pouvoir découvrir la qualité de votre offre à travers son propre langage, son raffinement, sa complexité et ses nuances. Découvrir la destination France avec un langage, un style qui lui parle. La confiance est indéniablement considérée comme un déclencheur d’achat sur le web. Il faudra créer une certaine proximité avec les internautes asiatiques. Leur donner l’impression de consulter un site local. Votre produit ou service touristique doit se découvrir avec toutes les nuances et la sensibilité propres à la langue chinoise. Pour votre futur client, faire cette découverte dans sa langue maternelle sera une expérience de consommateur positive et opérante.
Une traduction pour mieux communiquer
Votre offre touristique, votre site web, en apportant une communication digitale dans la langue chinoise, permettra aux médias du pays, aux relais que sont la presse et les influenceurs d’avoir un contenu clair, captivant et parlant. Cette matière pourra ainsi est reprise, et contribuera à faire connaître votre existence et vos prestations auprès des voyageurs chinois… Acteur d’un tourisme qui parle chinois Que vous soyez un hôtel, une chambre d’hôte, un événement local culturel et/ ou festif, un prestataire touristique particulier, traduire votre savoir-faire en chinois constitue une opportunité en termes de développement économique importante. Vous savez que les voyageurs chinois se comptent en millions. [bctt tweet= »Boston Consulting Group prévoit 1,7 milliard de voyageurs chinois par an d’ici 2030 #tourisme » username= »agence_bilis »] Faire appel à une société de traduction professionnelle spécialisée en communication touristique s’adressant aux étrangers et plus particulièrement aux Chinois vous donnera la capacité de travailler avec justesse votre e-réputation d’acteur touristique français sur le web, notamment sur les réseaux sociaux.
Une clientèle chinoise qui va croissante D’après l’agence de presse officielle chinoise, 107 millions de Chinois ont voyagé à l’étranger et ont dépensé plus de 543 milliards d’euros en 2015. Pour le Boston Consulting Group, les activités touristiques chinoises vont doubler en 2030 par rapport à l’année 2012 (de 500 millions à 1,7 milliard de voyages à l’étranger par an). Les touristes chinois représentent indéniablement une aubaine pour la France.
2- على المستوى الوطني
يبدو التقرير الذي أعدته سنة2020اللجنة الدائمة المكلفة بالقضايا الاقتصادية والمشاريع الاستراتيجية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمملكة، تحت عنوان "السياحة رافعة للتنمية المستدامة والإدماج: من أجل استراتيجية وطنية جديدة للسياحة "11، تقريرا متكامل العناصر من حيث ربط الخاص المغربي بالعام العالمي واستشراف المستقبل من زاوية الحاضر والإمكانات غير المسخرة، استنادا إلى الإجابة على ثلاثة أسئلة محورية هي :
- ما هي الأهمية التي تكتسيها صناعة السياحة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي ؟
- ما هو واقع الحال في المغرب ؟
- أية أوجه قصور تطبع النموذج السياحي المغربي؟
تترجم الإجابة على السؤال الأول إحاطة المجلس بقوة تأثير صناعة السياحة في الاقتصاد العالمي والدور الحيوي الفعال الذي تضطلع به لتحقيق التنمية المستدامة، وهي تمثل مدخلا للإجابة على السؤال الثاني الخاص بالمغرب بالتركيزعلى الدعامة الأساسية التي يشكلها القطاع لاقتصاده. فاستنادا إلى الأرقام التي أدلى بها المكتب الوطني المغربي للسياحة سنة 2019 في خصوص رؤية 2020 12 ، ساهم قطاع السياحة بحوالي 7 في المائة في الناتج الداخلي الإجمالي، و20 في المائة في صادرات السلع والخدمات. كما قدرت مساهمته في التشغيل ب550.000منصب شغل مباشر أي 5 % من الساكنة النشيطة 13.
تسلط هذه الأرقام الضوء على الجهود التي بذلها المغرب ليصبح الوجهة الإفريقية الأولى، وعلى الاستراتيجيات محددة الأهداف التي وضعها للتنمية السياحية وخاصة رؤية 2010 لبلوغ هدف استقبال 10 مليون سائح14، التي شجعت المسؤولين على القطاع السياحي على بلورة رؤية 2020 الطموحة إلى تعزيز دور المغرب في التنافسية الإقليمية والعالمية، في سبيل أن يصبح من بين أفضل عشرين وجهة سياحية عالمية. وبالرغم من ذلك، فإن هذه الأرقام لا تتلاءم مع مؤهلات المغرب الكبيرة التي تعد من حيث المبدأ من أعمدة النجاح في المضمار بحسب خبراء السياحة، ولا تصمد أمام المقارنة بما يمكن أن تدره السياحة من عائدات وتوفره من فرص بحيث تشكل رافعة حقيقية للتنمية -كما هو الشأن بالنسبة إلى بلدان عديدة- لو تم توظيف مؤهلات المغرب في المجال السياحي وفق خطط استراتيجية تنطلق من مسلمة أن نمو القطاع السياحي مشروط بشكل أساسي بالنمو الاقتصادي، المشروط في جزء كبير منه بدوره بالتقدم التقني وبرفع مستوى الاستثمار. فتدارك الدول النامية في المجال السياحي، بحسب الخبير السياحي باور، يعد وجها من أوجه تداركها للتأخر الاقتصادي، مما يعني أن السياحة ليست رافعة للتنمية فحسب وإنما هي بالأخص نتيجة لهذا النمو15.إن العلاقة الجدلية بين التطور السياحي والتنمية الاقتصادية، هي التي تفسر في العمق عدم تحقيق رؤية 2020 جزءا هاما من الأهداف الأساسية التي سطرتها. لقد تأثرت السياحة المغربية بالفعل خلال هذه المدة بالعديد من"الأزمات الأمنية والصحية والبيئية الوطنية والدولية16"، إلا أن السبب الرئيس يظل هو الاختلالات البنيوية التي يعاني منها النموذج السياحي المغربي مقارنة بالنماذج النامية المنافسة لنماذج الدول المتقدمة، وتتصل هذه الاختلالات بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالسياسة السياحية المغربية وبآلية التنفيذ وضعف الميزانية المرصودة للقطاع17، حيث"يكشف التقرير الاقتصادي والمالي المصاحب لقانون المالية(2020) عن وجود تفاوت ملحوظ بين الطموحات الأولية لرؤية 2020 والنتائج التي تم تحقيقها، "إضافة إلى مشكل الحكامة، وأساسا على الصعيد الترابي، ومشكل القطاع غير المنظم الذي يؤثر على جودة العرض السياحي الوطني18".
علاوة على كل ذلك، فإن "آلية الترويج والتسويق السياحي المغربي لا تواكب بنجاعة التحولات العالمية19".وفي هذا السياق، نلاحظ أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي انتقد الحضور الخجول للمنتوج السياحي المغربي على الشبكات الإلكترونية بموضوعية ارتكزت على استحضار المنتوج السياحي العالمي، قد بأر في الاقتراحات التي أدلى بها قصد تحقيق تحول في السياحة المغربية20الدور الحيوي للرقمنة في إنتاجية القطاع السياحي في سياق "الهيمنة الواسعة للسياحة الإلكترونية على أنماط الاستهلاك". لكن هذا التقرير في أثناء تأكيده على اعتماد الصناعة السياحية العالمية الكبير على صورة الوجهات والتواصل بشأن العروض السياحية، لم يسجل الدور المحوري الذي تؤديه الترجمة السياحية في خلق دينامية سياحية، عبر تعزيز التنافسية السياحية وإعادة توجيه الطلب المحلي والعالمي. مما يفيد، ضرورة استثمار السياحة المغربية للتطور التكنولوجي بشكل إبداعي خلاق يتجاوز الخدمات السياحية التقليدية إلى تقديم عروض مغرية وسرديات ثقافية بلغات السياح الأصلية، في سبيل جلب اهتمام أكبر عدد ممكن من السياح عبر العالم.
واقع الأمر أن المغرب الذي يسعى إلى أن يجعل من السياحة أحد أهم محركات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية21، ويطمح نتيجة لذلك إلى أن يصبح مستقبلا من بين الوجهات السياحية العالمية الكبرى، لا يستثمر في الترجمة السياحية بصفتها مجالا متداخل الاختصاصات يشكل دعامة أساسية للصناعة السياحية في سياق اشتداد التنافس بين الوجهات السياحية العالمية. فقطاع الترجمة السياحية الذي تزايد الطلب عليه بشكل لافت للنظر بفعل تطور الصناعة السياحية عبر العالم ،كما أسلفنا، لا يمثل جزءا من السياسة السياحية المغربية التي تنظم المجال وتدعم مهنيي السياحة. بالرغم من ذلك، فقد بدأت الترجمة السياحية تتشكل على أرض الواقع كقطاع مخصوص يجمع بين الثقافي والتجاري ضمن قطاعات مهنية أخرى(الترجمة الطبية، الترجمة التقنية، الترجمة القانونية،...)بفضل تزايد مكاتب الترجمة المهنية في المدن المغربية الكبرى، وذلك تلبية لحاجيات الفنادق ووكالات الأسفار-(Marisar Travel مثلا)- التي عرفت انتعاشا لافتا للنظر في العشرية الثانية من الألفية الثالثة في تزامن مع تطبيق رؤية 2020. نعطي كمثال عن مكاتب الترجمة المهنية المغربية التي تستثمر في الترجمة السياحية:
أ-مؤسسةHispanophoneZakiبالدار البيضاء: وهي مؤسسة ذات توجه دولي، رأسمالها 5000 مترجم يترجمون أساسا بين اللغات العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية.وقد أسست سمعتها في سوق الترجمة المهنية الوطنية وبعض الأسواق الأجنبية بالتعامل الحرفي مع شتى المجالات ومن ضمنها المجال السياحي.وفي هذا السياق، تكتفي بتلبية طلبات زبائنها وتتمثل هذه الطلبات التي تتطابق مع ما تعرضه هي نفسها على الوكالات ومجموعات الأسفار والمكاتب واللجان السياحية22، في ترجمة: الدليل السياحي، والكتيبات التجارية والمنشورات السياحية، وشتى الوثائق والدعامات السياحية التي تتضمن بلاريب محتويات المواقع الرقمية.
ب-مؤسسةGood Speaker بالرباط: وهي مؤسسة توظف التطور التكنولوجي للتعامل مع أفضل المترجمين في الميدان من 100 دولة. تلبي في مجال الترجمة السياحية الطلبات نفسها التي تلبيها مؤسسة هسبانوفون زكي لفائدة الوكالات السياحية، والفنادق والمطاعم، والمتاحف والمنتزهات الترفيهية وباقي الهيئات السياحية، مؤكدة في عرض خدمات أفضل مترجميها على هذه الهيئات، على ضرورة مخاطبة السياح بلغاتهم الخاصة كوسيلة ناجعة لاستقطابهم وضمان استمتاعهم بالإقامة في المغرب فالعودة من جديد. وهي بذلك تترجم بين ثماني لغات أساسية فضلا عن العربية، خمس لغات منها هي لغات البلدان السياحية التقليدية التي تتخذ المغرب وجهة لها : الفرنسية والإيطالية والاسبانية والألمانية والإنجليزية، واللغات الثلاث الأخرى هي لغات الوجهات الجديدة المستهدفة من السياحة المغربية في رؤية 2020:الروسية والبرتغالية والصينية. مع العلم أن رصيد هذه المؤسسة من اللغات المعتمدة في الترجمة المهنية يصل إلى50 لغة، وهو الرصيد نفسه الذي تملكه المؤسسة الفرنسية TextMaster.
يبدو واضحا الجهد الذي تبذله في السنوات الأخيرة مثل هذه المؤسسات والمكاتب حديثة النشأة لتلبية الطلب في مجال الترجمة السياحية التي تتطلب مترجمين متخصصين، لكن الفرق في استراتيجية التسويق يظل شاسعا جدا ليس فقط بينها وبين وكالات الدول الأوروبية المتمرسة في الميدان من مثل الوكالات الفرنسية والإسبانية23،وإنما أيضا بينها وبين وكالات الترجمة السياحية في البلدان النامية التي تستثمر في هذا النوع من الترجمة المهنية لدعم قطاع السياحة وتطويره، مستفيدة من الإنترنت لاختراق السوق العالمية للخدمات السياحية.
إن الاستفادة الناجعة مما يقدمه هذا القطاع الحيوي للصناعة السياحية بالمغرب، رهينة بتوفر مقاربة استراتيجية لقطاع السياحة -في إطار الربط الجدلي بين النمو السياحي والنمو الاقتصادي-يكون من نتائجها تأسيس مشاريع من حول الترجمة السياحية.على أساس الاهتمام القبلي الجاد بإنشاء معاهد مجهزة بأحدث التقنيات لتخريج مترجمين متخصصين في المجال في أكبر عدد ممكن من اللغات الغربية والشرقية، يؤهلهم تكوينهم لإنشاء مكاتب ومؤسسات تجمع بين الحرفية في الترجمة السياحية والحرفية في مجال التسويق الرقمي، في سبيل توفير سرديات تحريرية وسمعية بصرية تتكئ على موقع المغرب الجغرافي الاستراتيجي وتوظف تاريخه على مدى 33 قرنا في أصالته وتفاعله مع شتى الشعوب، شرقية وغربية، فضلا عن توظيف غناه الثقافي والفني -بعيدا عن الفلكرة- وجميع مؤهلاته لجلب السياح إلى مختلف المناطق المغربية بلغاتهم الخاصة فضلا عن اللغة العالمية.
الأمر الذي سيؤدي من ناحية إلى تعزيز سعي المغرب إلى تنويع وجهاته السياحية التي كادت تنحصر قبل رؤية 2010 في مراكش وطنجة والدار البيضاء وأكادير، ويؤدي من ناحية ثانية إلى مساندة الجهود التي يبذلها في سبيل توسيع أفق أسواقه المستهدفة بتركيزه في رؤية 2020 على البرازيل، وروسيا، وأوروبا الشرقية وآسيا إلى جانب الأسواق الأوروبية التقليدية. فإلى حدود سنة2013 كان الطلب الملح على المغرب كوجهة سياحية يأتي من ستة بلدان أوروبية فقط، هي: فرنسا، إسبانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، بلجيكا وألمانيا، استنادا إلى نسبة السياح من هذه البلدان التي تمثل 75%من مجموع السياح الذين يستقبلهم المغرب سنويا.
تركيب
إذا استحضرنا إلى جانب الترجمة السياحية ،مختلف أنواع الترجمة المهنية في المغرب (من مثل: الترجمة المعتمدة لدى المحاكم ،ترجمة المنظمات والمؤتمرات الدولية،... ) سنخلص إلى أن استثمار بلادنا في صناعة الترجمة ،التي تعد بالفعل رافعة للتنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية استثمار ضعيف، في المجمل، لا يتلاءم مع الاحتياجات الوطنية والجهود التي يبذلها المغرب لأجل أن يصبح وجهة أساسية للسائح والمستثمر الأجنبيين.
ويبدو لنا أن المساهمة الواضحة للترجمة المهنية مؤخرا في النسيج الاجتماعي والاقتصادي المغربي من خلال خلق فرص للشغل داخل المغرب وخارجه، مع ما يعنيه ذلك من الرفع من نسبة احتياطي المغرب من العملة الصعبة، تمثل حافزا قويا لتأسيس مشاريع من حولها، من شأنها أن تخول للمغرب الالتحاق مستقبلا بالجهات الفاعلة عالميا في القطاع.
ويكفي أن يقارن المسؤولون بين ما تكسبه هذه الجهات -النامية منها تخصيصا- من استثمارها في الترجمة المهنية، وما يخسره المغرب بالرغم من مؤهلاته، لكي يصيخوا السمع لنداءات المتخصصين24 الذين يشددون على ضرورة جعل الترجمة من أولويات السياسة التعليمية بالمغرب.
الهوامش :
1 Jérémy Boer,”Le tourisme :moteur de l’économie mondiale “Cahiers Français , N° 393 ,2016,p.8.
2تعد السياحة بعد الملاحة التجارية الركيزة الاقتصادية الأساسية الثانية في اليونان.
3WorldTourismOrganisation:https://www.e-unwto.org/doi/pdf/10.18111/9789284422456
4 Jérémy Boer,op.cit ,p.12
5عرفت السياحة في هذه السنة ازدهارا كبيرا على غرار 2017 و2018.
6انظر في هذا الشأن التقرير الآتي الصادر عن المنظمة العالمية للسياحة :
-World Tourism Barometer(September2021) :https://webunwto.s3.eu-west-1.amazonaws.com/s3fs.../2021-
7 World Tourism Organisation, op.,cit.
8من مثل القاموس السياحي الأكثر رواجا في المجال العالم -الحالم الذي يحتوي على معلومات سياحية، تشمل معطيات جغرافية وتاريخية ومناخية ولسانية، ونقدية، ودينية،..إلخ.عن أزيد من 250 وجهة عالمية. انظر :
Robert Paillès , Globe-Rêveur ,Ed.Guides de voyage Ulysse , 2015.
9من بينها ما اتخذ قرار الاتحاد بعد خبرة أكثر من 30 سنة لمواجهة التحديات، كمؤسسة
وتترجم إلى 35 لغة. EuropaTrad
10انظر موقع الوكالة، الرابط:https://bilis.com/.../un-site-web-tourisme-en-chinois.../
11رابط التقرير:https://www.cese.ma/.../03/Avis-sur-le-tourisme-VA-1.pdf
12 أطلق المغرب يوم 30 نونبر2010خطة استراتيجية جديدة للرفع من مردوديته السياحية.
13تقريرالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمملكة:
14وضع المغرب الخطة الاستراتيجية بتاريخ 10 يناير2001 بمراكش، لبلوغ هدف استقبال 10 ملايين سائح سنة 2010 وكانت ناجحة بنسبة 93 %.
من بين الدراسات التي أنجزت عن هذه التجربة خلال سنوات تطبيقها نذكر :
Fatima Arib ,« Le tourisme :atout durable du développement au Maroc ? »,Téoros,24-1,2005.
15Jérémy Boer , op.cit.,p.11.
16 تقريرالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمملكة، م.س.، ص5.(إلى هذه الظروف سينضاف تأثير جائحة كوفيد سنة 2020.)
17انظر أوجه القصور التي تطبع النموذج السياحي المغربي في تقريرالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ص.6-11.
18نفس المرجع، ص. 7
19 نفسه.
20 نفسه، ص11- 12.
21 يمثل هذا الهدف ركيزة الخطاب المؤسساتي المغربي.
22انظرالورقة التعريفية بالوكالة على موقعها الخاص، الرابط:
23نذكر مثلا وكالةAltaLingua،وهي وكالة عالية الجودة تتعامل مع مترجمين حرفيين من شتى أنحاء العالم.
24 انظر على سيبل التمثيل :
-عبد الله العميد ، أوضاع الترجمة في المغرب( في سبيل إقرار الخطة الوطنية للترجمة) ،دار بالماريس، ط1، 2012.
-إسماعيل العثماني ، "الترجمة المغربية والتنمية المستدامة"، ضمن الكتاب الجماعي المقارنون العرب اليوم، القسم الثاني، تنسيق إدريس اعبيزة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم : 181، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط1، 2014.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...