د. أحمد الحطاب - هل فعلا زلزال الحوز عقابٌ من الله؟

عندما تحلُّ كارثةٌ من الكوارث الطبيعية من زلزالٍ وفيضانٍ وطوفان وإعصارٍ وتسونامي ببلد من البلدان الإسلامية أو حتى في بلدان غير إسلامية، إلا وهب بعض المسلمين، وعلى رأسهم، أولئك الذين اعتادوا على بسط سيطرتهم على عقول الناس، ليقولوا إن هذه الكارثة الطبيعية هي عقابٌ من الله لمجتمعات انتشر فيها الفساد والعصيان وكثرة الذنوب والفواحش…

لكن ما لا يريد هؤلاء المسلمون أن يذكرونه هو أن الفسادَ والرذيلة منتشران، بدون استثناء، في جميع بقاع العالم وحتى في البلدان الإسلامية. فلماذا لم يسلِّط اللهُ سبحانه وتعالى عقابَه على العالم بأسره؟

وما نعرفه عن الله سبحانه وتعالى أنه عادلٌ ومُنصِف ويريد الخيرَ لعباده. فإذا كانت الكوارث الطبيعية عقابا منه، فهل من العدل والإنصاف أن يسلِّطَ عقابَه على بشرٍ دون آخرين، علما أن الفسادَ والرذيلة ملازمان للإنسان في كل زمان ومكان؟

ثم إن الكوارث الطبيعية، عندما تحدث، لا تفرِّق بين مَن هم مؤمنون ومَن هم غير مؤمنين. فإنها تأتي على كل ما ومَن يوجد في طريقها. فهل من العدل والإنصاف أن يٌعاقبَ اللهُ سبحانه وتعالى بشرا بما اقترفه بشرُ آخرون من ذنوبٍ وفخشاءٍ ومُنكر؟ وبعبارة أخرى، فهل من العدل والإنصاف أن يُعاقبَ الله سبحانه وتعالى زَيداً على ما اقترفه عَمرٌ من ذنوب؟

وما تجب الإشارةُ إليه، هو أننا، عندما نقرَأُ القرآنَ الكريمَ، من أول سورة إلى آخرِ سورة، يلاحِظ القارئ أن آياتِِه، في مُعظمها، موجَّهة للبشر قصدَ هدايتِهم إلى ما لهم فيه خيرٌ ونفعٌ. وتتمثَّل هذه الهداية في إخراج هؤلاء البشر من ظلمات الجهل والفحشاء والمنكر إلى نور الحق والخير والعِلم والمعرفة.

كما يلاحِظ نفسُ القارئ أن اللهَ، سبحانه وتعالى، رغبةً منه، في إسعاد عباده البشر، أرسل لهم أنبياء ورُسُلاً ليكونوا صلةَ وصلٍ، من خلال الوحي، بينه وبين هؤلاء العباد، ليحثُّونهم على اتباع ما لهم فيه خيرُ ورحمة واجتناب ما لهم فيه شرٌّ وسوء وفساد.

ثم فكيف للهَ سبحانه وتعالى، الذي حرَّم الظلمَ على نفسه، أن يظلمَ عبادَه بتسليطِه عليهم العقابَ دون أن يُميِّزَ بين المؤمنين منهم وغير المؤمنين؟ وهو الذي قال في قرآنه الكريم : "تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (آل عمرن، 108). "وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ"، أي للناس جميعا بدون تمييز.

وخلاصة القول إن اللهَ سبحانه وتعالى لطيفٌ ورؤوفٌ بعباده ويريدهم أن يعيشوا في يُسرٍ وليس في عُسرٍ. وهو الذي يقول : "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…" (البقرة، 256)، وهو الذي يقول كذلك : "وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (يونس، 99).

انطلاقا من هاتين الآيتين الكريمتين، يتَّضح أن اللهَ سبحانه وتعالى بيَّن و وضَّح ورسَمَ لعباده، من خلال الأنبياء والرُّسل، الطريقَ المستقيمَ وترك لهم حرِّيةَ اتِّباعه أو عدم اتِّباعه. فهل من العدل والإنصاف أن ينزِّلَ، سبحانه وتعالى، عقابَه، بدون تمييز، على الذين اتَّبعوا الطريقَ المشتقيمَ والذين لم يتَّبعوه؟

صحيح أن اللهَ سبحانه وتعالى أنزل عقابَه على الأقوام الغابرة. وخصوصا أنه سبحانه وتعالى كان يبعث لهم أنبياء ورسلا خاصين بهم.

من بين هذه الأقوام الغابرة، الواردُ ذكرُها في القرآن الكريم، أذكر قومَ نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط ومدين وقوم فرعون. كما أن أنبياءَهم، بالتتالي، هم نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، إضافةً إلى أقوام أخرى كأصحاب الرس وأصحاب الأيكة وقوم تُبَّع مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا وعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا (الفرقان، 37 و 38) أو مصداقا لقوله عزَّ وجلَّ : "وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (ق، 12، 13 و14).

وهذا هو ما وقع مثلا لقوم نوح حينما سلَّط عليهم اللهُ سبحانه وتعالى الطوفانَ العظيمَ le déluge ونجّى نوحا ومَن آمن برسالته وبعضَ الحيوانات بواسطة سفينة أمر سبحانه وتعالى نوحا ببنائها مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (الفرقان، 37)

وهذا هو ما وقع كذلك لقوم النبي صالح أو قوم ثمود مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (فصلت، 17). والصاعقة هنا هي الدَّوِيُّ القوي والشديد المترتِّب عن البرق ثم الرعد، والذي يُحدِث ضغطا عاليا لا يقدر الجسم البشري تحمُّلَه، فيؤدي إلى الموت.

وقد تعدَّدت أنواع العذاب التي سلَّطَها اللهُ سبحانه وتعالى على الاقوام الغابرة مصداقا لقوله عزَّ وجلَّ : "فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (العنكبوت، 40).

فلماذا أنزل اللهُ عقابَه على الأقوام الغابرة؟

أولا، لأنهم هم الذين ظلموا أنفسَهم، كما جاء في الآية أعلاه : "…وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"

ثانيا، الله سبحانه وتعالى كان يبعث للأقوام الغابرة أنبياء ورسلا خاصين بهم وليس للناس جميعا كما كان الشأنّ بالنسبة للرسول والنبي محمد (ص) الذي بعثه اللهُ للبشرية جمعاء. وهذا يعني أن الأقوامَ الغابرة كانت توجد في أماكن معينة. وهذا هو ما بيَّنته الحفريات بالنسبة للبعض من هذه الأقوام الغابرة. فكان من السهل عليه، سبحانه وتعالى، أن يسلِّطَ عقابَه على الذين ظلموا أنفسَهم وعصَوه، ويُنقد مَن يشاء كما كان الشأن لنوح عليه السلام.

ما يتَّضح، من خلال ما سبق، هو أن اللهَ سبحانه وتعالى لطيف ورؤوف بعباده ويريد لهم الخير. بل إنه لا يظلم أحدا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (فصلت، 46). وإذا أنزل اللهُ سبحانه وتعالى عقابَه على الأقوام الغابرة، فلأنها كانت توجد في أماكن محدَّدة. فإنزال العقاب عليها كان يمسُّها هي وحدها.

وما أختم به هذه المقالة هو : هل يستطيع المسلمون الذين يدَّعون أن الكوارثَ الطبيعيةَ، وبالضبط، زلزالَ الحوز، عقابٌ من الله أن يُعطونا ولو دليلاً واحِدا يُبيِّن، بصفة قطعية ومُطلقة، أن الكوارثَ الطبيعية، وبالضبط، زلزال الحوز، عقابٌ من الله؟

لن يستطيعوا الإتيانَ بهذا الدليل لأن هذا الأمرَ يدخل في علم الغيب. وعِلم الغيب لا يعلمُه إلا الله مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (فاطر، 38). ومَن يدَّعي ذلك، فإنه يتاجر بالدين أو يستغلُّه لأغراض لا علاقةَ لها لا بالدين نفسِه ولا بالإيمان ولا بالتَّقوى.

فعوض أن يقول هؤلاء المسلمون إن زلزالَ الحوز كان عقابا من الله، فأضعف الإيمان أن يقولوا إنه ابتلاءٌ من الله.

والزلزال له تفسير علمي يتمثَّل في كون القشرة الأرضية، التي قد يصل عمقُها إلى عشرات الكيلومترات، هي في حركة بطيئة دائمة قد تؤدي إلى زلازل قوية حسب نوعية الصخور والحرارة المنبعثة منها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...