رجال ونساء، توغلوا، في حقل يمتد على مساحة زراعية شاسعة، وانهمكوا يحصدون، سنابل الشعير، بهمة ونشاط كبيرين.. حرارة ذلك الصباح الصيفي، تزداد ارتفاعا، والعرق يتصبب من جباههم السمر، لتتسلل قطراته المتلألئة، تحت أشعة الشمس الحارقة، منسابة بين تجاعيد الوجوه التي أضنتها المتاعب، وأرهقتها سنين الفقر والعوز..
فجأة تطلق إحدى النساء صرخة عالية لتمزق ستار الصمت المطبق على ذلك المكان ، فيلتفت الجميع لاستجلاء الأمر، فإذا بـ "فاطمة " تستنهض الجميع، مذعورة :
- "هيا اسرعوا، أختي"عائشة" لدغتها أفعى ! كن معها يارب !"
ألقى الجماعة بما في أيديهم وهبوا للنجدة.. يعرف عن "علي" أن له طريقته في التعامل مع لسعات الزواحف والحشرات السامة ..وما لبث أن طفق، للتو، في امتصاص السم، من موضع اللدغة، محاولا تعطيل سريانه داخل جسم المصابة..
لكن ذلك سوف لن يكون كافيا لإنقاذ "عائشة" من مخالب الخطر المطل من وراء تلك اللسعة السامة المرعبة.. وكان لابد من نقلها إلى المستشفى رغم بعد المسافة، عن ذلك المكان القصي، السحيق ، في عمق ريف بعيد، منعزل عن العمران، وخال، في ذلك الزمن الغابر، من أي وسيلة نقل، عدا بعض الحيوانات والدواب..
ولم يكن ثمة من حل سوى الإستعانة بحصان "علي"..
أركب "علي" "عائشة " خلفه، وأطلق العنان لحصانه الذي انبرى يركض، مسابقا عقارب الساعة، ليبلغ القرية القريبة، ويلحق بالقطار، المار من هناك، في اتجاه المدينة البعيدة...
يمضى الوقت سريعا، والقطار يوشك على الوصول ...
" أتسمعينني يا عائشة ؟ ها نحن، على مشارف المدينة، سنصل قريبا إلى المستشفى.. كيف أنت الآن ؟ "
تحاول " عائشة " ان تستجمع قواها، مقاومة الآلام التي تزداد ضراوة، وتجيب بصوت كأنه الهمس:
" ربي يفرج ".
انقضى من الوقت أكثر من ساعتين ، حين وصلا إلى قسم الإسعاف بالمستشفى المقصود . وهنالك، أمر الطبيب، على الفور، بحقن المصابة بمضاد لمقاومة تلك الآثار السامة، الناجمة عن لدغة تلك الحية اللعينة..
جلس "علي" مستندا إلى الجدار، فقد طلب منه المكوث في قاعة الإنتظار...
لم يعد يفكر في ما أصابه من تعب ؛ لقد اعتاد الوقوف، بقلب صامد في وجه تلك الهموم التي، مافتئت، في كل مرة، تلقي بأوزارها عليه، فيمضي في مصارعتها كما كان يصارعها، من قبله، من سكنوا تلك الفيافي، وقد شاءت الأقدار أن ترمي بهم ، هناك، ليكافحوا، بلا هوادة، ذلك الفقر الذي توارثوه جيلا بعد جيل..
تعاوده ذكرى مماثلة، لكنها كانت أشد ألما وقسوة ..هاهو يرى صورة ابنته "مبروكة" التي أصيبت، هي الأخرى بلسعة، ذات ليلة مظلمة، وهي عائدة، رفقة أخيها من سهرة عرس أحد الجيران، كانت أصرت، بكل عناد، على حضورها، رغم معارضة أمها.
كيف ينسى "علي" فاجعة الموت، الذي افترس ابنته وهي لا تزال بعمر الزهور ..ماتت أثناء غيابه عن البيت، لقضاء شأن له في المدينة.. كان ما يزال هناك، حين لحقه خبر نعيها ليعود، فيجد البيت قد خلا من ابتسامتها الهادئة، الخجولة، وعج بالمعزين..
لقد فعلت أمها كل ما في وسعها، حين هرعت بها إلى مستوصف البلدة، محاولة إنقاذها، لكن الموت كان الأسرع ليختطفها ، ولينشب الوجع مخالبه، بلا رحمة، في قلب الأم المكلوم...
تتحرك الدقائق ثقيلة، يلفها الصمت المشوب بالقلق ، والترقب، والخوف ، والغموض الذي يكتنف الساعات المقبلة..
ينتظر الجميع مرور الوقت على أحر من الجمر..
ويحل المساء حاملا معه تباشير مؤشرات، تنبئ باستقرار الحالة الصحية للمصابة، وبداية تدرجها نحو الانفراج ..
تهللت أسارير وجه "علي" وارتاحت نفسه كثيرا ، ونسي ما لحقه من مشاق التنقل إلى ذلك المكان..
يطل عليها زوجها من نافذة غرفتها بالمستشفى، سائلا عن حالها، فتجيبه بكلمات، بالكاد تنطقها:
- "الحمد لله الذي كتب لي عمرا جديدا"
فجأة تطلق إحدى النساء صرخة عالية لتمزق ستار الصمت المطبق على ذلك المكان ، فيلتفت الجميع لاستجلاء الأمر، فإذا بـ "فاطمة " تستنهض الجميع، مذعورة :
- "هيا اسرعوا، أختي"عائشة" لدغتها أفعى ! كن معها يارب !"
ألقى الجماعة بما في أيديهم وهبوا للنجدة.. يعرف عن "علي" أن له طريقته في التعامل مع لسعات الزواحف والحشرات السامة ..وما لبث أن طفق، للتو، في امتصاص السم، من موضع اللدغة، محاولا تعطيل سريانه داخل جسم المصابة..
لكن ذلك سوف لن يكون كافيا لإنقاذ "عائشة" من مخالب الخطر المطل من وراء تلك اللسعة السامة المرعبة.. وكان لابد من نقلها إلى المستشفى رغم بعد المسافة، عن ذلك المكان القصي، السحيق ، في عمق ريف بعيد، منعزل عن العمران، وخال، في ذلك الزمن الغابر، من أي وسيلة نقل، عدا بعض الحيوانات والدواب..
ولم يكن ثمة من حل سوى الإستعانة بحصان "علي"..
أركب "علي" "عائشة " خلفه، وأطلق العنان لحصانه الذي انبرى يركض، مسابقا عقارب الساعة، ليبلغ القرية القريبة، ويلحق بالقطار، المار من هناك، في اتجاه المدينة البعيدة...
يمضى الوقت سريعا، والقطار يوشك على الوصول ...
" أتسمعينني يا عائشة ؟ ها نحن، على مشارف المدينة، سنصل قريبا إلى المستشفى.. كيف أنت الآن ؟ "
تحاول " عائشة " ان تستجمع قواها، مقاومة الآلام التي تزداد ضراوة، وتجيب بصوت كأنه الهمس:
" ربي يفرج ".
انقضى من الوقت أكثر من ساعتين ، حين وصلا إلى قسم الإسعاف بالمستشفى المقصود . وهنالك، أمر الطبيب، على الفور، بحقن المصابة بمضاد لمقاومة تلك الآثار السامة، الناجمة عن لدغة تلك الحية اللعينة..
جلس "علي" مستندا إلى الجدار، فقد طلب منه المكوث في قاعة الإنتظار...
لم يعد يفكر في ما أصابه من تعب ؛ لقد اعتاد الوقوف، بقلب صامد في وجه تلك الهموم التي، مافتئت، في كل مرة، تلقي بأوزارها عليه، فيمضي في مصارعتها كما كان يصارعها، من قبله، من سكنوا تلك الفيافي، وقد شاءت الأقدار أن ترمي بهم ، هناك، ليكافحوا، بلا هوادة، ذلك الفقر الذي توارثوه جيلا بعد جيل..
تعاوده ذكرى مماثلة، لكنها كانت أشد ألما وقسوة ..هاهو يرى صورة ابنته "مبروكة" التي أصيبت، هي الأخرى بلسعة، ذات ليلة مظلمة، وهي عائدة، رفقة أخيها من سهرة عرس أحد الجيران، كانت أصرت، بكل عناد، على حضورها، رغم معارضة أمها.
كيف ينسى "علي" فاجعة الموت، الذي افترس ابنته وهي لا تزال بعمر الزهور ..ماتت أثناء غيابه عن البيت، لقضاء شأن له في المدينة.. كان ما يزال هناك، حين لحقه خبر نعيها ليعود، فيجد البيت قد خلا من ابتسامتها الهادئة، الخجولة، وعج بالمعزين..
لقد فعلت أمها كل ما في وسعها، حين هرعت بها إلى مستوصف البلدة، محاولة إنقاذها، لكن الموت كان الأسرع ليختطفها ، ولينشب الوجع مخالبه، بلا رحمة، في قلب الأم المكلوم...
تتحرك الدقائق ثقيلة، يلفها الصمت المشوب بالقلق ، والترقب، والخوف ، والغموض الذي يكتنف الساعات المقبلة..
ينتظر الجميع مرور الوقت على أحر من الجمر..
ويحل المساء حاملا معه تباشير مؤشرات، تنبئ باستقرار الحالة الصحية للمصابة، وبداية تدرجها نحو الانفراج ..
تهللت أسارير وجه "علي" وارتاحت نفسه كثيرا ، ونسي ما لحقه من مشاق التنقل إلى ذلك المكان..
يطل عليها زوجها من نافذة غرفتها بالمستشفى، سائلا عن حالها، فتجيبه بكلمات، بالكاد تنطقها:
- "الحمد لله الذي كتب لي عمرا جديدا"