بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي: الحمد لله الذي أعطى الأنعام جزيلاً، وقبل من الشكر قليلاً، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، وصلى الله على سيدنا محمد الذي لم يجعل له من جنسه عديلاً، وعلى آله وصحبه بكرة وأصيلاً.
وبعد فإني لما شرعت في جمع أخبار الأذكياء وذكرت بعض المنقول عنهم ليكون مثالاً يحتذى لأن أخبار الشجعان تعلم الشجاعة آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين لثلاثة أشياء.
الأول: أن العاقل إذا سمع أخبارهم عرف قدر ما وهب له مما حرمون، فحثه ذلك على الشكر.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: حدثنا علي بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن شاذان قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثنا خلف بن هشام قال: حدثنا الحكم بن سنان عن حوشب عن الحسن أنه قال: خلق الله عز وجل آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فدبوا على وجه الأرض، منهم الأعمى والأصم والمبتلى فقال آدم: يا رب ألا ساويت بين ولدي؟ قال: يا آدم إني أردت أن أشكر.
أخبرنا محمد بن عبد الملك، قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: حدثنا أبو عمر بن حيوية قال: أنبأنا ابن المرزبان قال: حارث بن محمد: سمعت محمد بن مسلم يقول: تكلم رجل في مجلس ابن عباس فأكثر الخطأ فالتفت عبد الله بن عباس إلى عبدٍ له فأعتقه فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ قال: إذ لم يجعلن الله مثلك.
والثاني: أن ذكر المغفلين يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة إذا كان ذلك داخلاً تحت الكسب وعامله فيه الرياضة، وأما إذا كانت الغفلة مجبولةً في الطباع، فإنها لا تكاد تقبل التغيير.
والثالث: أن يروح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظاً يوم القسمة، فإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو، وقد قال رسول الله ﷺ لحنظلة: " ساعة وساعة ".
لا ملامة في الضحك والمفاكهة
وعن حنظلة الكاتب أن النبي ﷺ ذكر الجنة والنار وكنا كأن رأينا رأي عين، فخرجت يوماً فأتيت أهلي فضحكت معهم فوقع في نفسي شيء، فلقيت أبا بكر فقلت: إني قد نافقت، قال: وما ذاك؟ قلت: كنت عند النبي ﷺ فذكر الجنة والنار فكنا كأن رأينا رأي عين، فأتيت أهلي فضحكت معهم. فقال أبو بكر:
إنا لنفعل ذلك. فأتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فقال: " يا حنظلة لو كنتم عند أهليكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطريق، يا حنظلة ساعة وساعة ".
ترويح القلوب مطلوب مرغوب
وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان. وقال أيضاً: إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفاً. وعن أسامة بن زيد قال: روحوا القلوب تعي الذكر. وعن الحسن قال: إن هذه القلوب تحيى وتموت فإذا حييت فاحملوها على النافلة، وإذا ماتت فاحملوها على الفريضة. وعن الزهري، قال: كان رجل يجالس أصحاب رسول الله ﷺ ويحدثهم، فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث، قال: " إن الأذن مجاجة، وإن القلوب حمضة، فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم ". وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهية أن أحمل عليها من لحق ما يكلها.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة ثم قال حمضونا، فيأخذ في أحاديث العرب ثم يعود يفعل ذلك مراراً. وعن الزهري أنه كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجة والقلب حمض. وقال ابن إسحاق: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من ظرفكم هاتوا من أشعاركم، أفيضوا في بعض ما يخفف عليكم وتأنس به طباعكم فإن الأذن مجاجة والقلب ذو تقلب. وعن مالك بن دينار قال: كان الرجل ممن كان قبلكم إذا ثقل عليه الحديث قال: إن الأذن مجاجة والقلب حمض فهاتوا من طرف الأخبار. عن ابن زيد قال: قال لي أبي: إن كان عطاء بن يسار ليحدثنا أنا
وأبا حازم حتى يبكينا ثم يحدثنا حتى يضحكنا، ثم يقول: مرة هكذا ومرة هكذا.
العلماء الأفاضل يحبون الملح
قلت: وما زال العلماء والأفاضل يعجبهم الملح، ويهشون لها، لأنها تجم النفس وتريح القلب من كد الفكر. وقد كان شعبة يحدث، فإذا رأى المزيد النحوي قال: إنه أبو زيد البسيط:
استعجمت دار نعمٍ ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
وقد روينا عن ابن عائشة أحاديث ملاحاً في بعضها رفث، وإن رجلاً قال له: أيأتي من مثلك هذا؟ فقال له: ويحك أما ترى أسانيدها؟ ما أحد ممن رويت عنه هو أفضل من جميع أهل زماننا، ولكنكم ممن قبح باطنه فرأى ظاهره، وإن باطن القوم فوق ظاهرهم. ووصف رجل من النساك عند عبيد الله ابن عائشة فقالوا: هو جد كله، فقال لقد أضاق على نفسه المرعى، وقصر طول النهى، ولو فككها بالإنتقال من حال إلى حال لتنفس عنها ضيق العقدة، وراجع الجد بنشاط وحدة.
وعن الأصمعي قال سمعت الرشيد يقول: النوادر تشحذ الأذهان وتفتق الآذان. وعن حماد بن سلمة أنه كان يقول: لا يحب الملح إلا ذكران الرجال ولا يكرهها إلا مؤنثهم. وعن الأصمعي قال: أنشدت محمد بن عمران التميمي قاضي المدينة وما رأيت في القضاة أعقل منه: السريع:
يا أيها السائل عن منزلي ... نزلت في الخان على نفسي
يغدو علي الخبز من خابزٍ ... لا يقبل الرهن ولا ينسي
آكل من كيسي ومن كسوتي ... حتى لقد أوجعني ضرسي
فقال: أكتبه لي، قلت: أصلحك الله إنما يكتب هذا الأحداث، فقال: ويحك أكتبه فإن الأشراف يعجبهم الملاحة.
نفوس العلماء تسرح في مباح اللهو
فصل
فقد بان مما ذكرنا أن نفوس العلماء تسرح في مباح اللهو الذي يكسبها نشاطاً للجد فكأنها من الجد لم تزل، قال أبو فراس: الرجز:
أروح القلب ببعض الهزل ... تجاهلاً مني، بغير جهل
أمزح فيه، مزح أهل الفضل ... والمزح، أحياناً، جلاء العقل
الإضحاك المحرم والإضحاك المباح
فصل
فإن قائل قائل: ذكر حكايات الحمقى والمغفلين يوجب الضحك؛ وقد رويتم عن النبي ﷺ أنه قال:: إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريا " فالجواب: إنه محمول على أنه يضحكهم بالكذب، وقد روي هذا في الحديث مفسراً: " ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحك الناس ". وقد يجوز للإنسان أن يقصد إضحاك الشخص في بعض الأوقات، ففي أفراد مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لأكلمن رسول الله لعله يضحك، قال: قلت: لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة فوجأت عنقها. فضحك رسول الله ﷺ.
وإنما يكره للرجل أن يجعل عادته إضحاك الناس لأن الضحك لا يذم قليله، فقد كان الرسول ﷺ يضحك حتى تبدو نواجذه، وإنه يكره كثيره لما روي عنه عليه السلام أنه قال: " كثرة الضحك تميت القلب ". والإرتياح إلى مثل هذه الأشياء في بعض الأوقات كالملح في القدر.
أبواب الكتاب
فصل
وقد قسمت هذا الكتاب أربعة وعشرين باباً وهذه تراجمها:
الباب الأول: في ذكر الحماقة ومعناها.
الباب الثاني: في بيان أن الحمق غريزة،
الباب الثالث: في ذكر اختلاف الناس في الحمق،
الباب الرابع: في ذكر أسماء الأحمق،
الباب الخامس: في ذكر صفات الأحمق،
الباب السادس: في التحذير من صحبة الأحمق،
الباب السابع؛ في ضرب العرب المثل بمن عرف حمقه،
الباب الثامن: في ذكر أخبار من ضرب المثل بحمقه وتغفيله،
الباب التاسع: في ذكر جماعة من العقلاء صدر عنهم فعل الحمقى،
الباب العاشر: في ذكر المغفلين من القراء،
الباب الحادي عشر: في المغفلين من رواة الحديث وتصحيفه،
الباب الثاني عشر: في ذكر المغفلين من القضاة،
الباب الثالث عشر: في ذكر المغفلين من الأمراء والولاة،
الباب الرابع عشر: في ذكر المغفلين من الكتاب والحجاب،
الباب الخامس عشر: في المغفلين من المؤذنين،
الباب السادس عشر: في المغفلين من الأئمة،
الباب السابع عشر: في المغفلين من الأعراب،
الباب الثامن عشر: في من قصد الفصاحة والإعراب من المغفلين،
الباب التاسع عشر: في من قال شعراً من المغفلين،
الباب العشرون: في المغفلين من القصاص،
الباب الحادي والعشرون: في المغفلين من المتزهدين،
الباب الثاني والعشرون: في ذكر المغفلين من المعلمين،
الباب الثالث والعشرون: في ذكر المغفلين من الحاكة،
الباب الرابع والعشرون: في ذكر المغفلين على الإطلاق.
قال الشيخ الإمام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي: الحمد لله الذي أعطى الأنعام جزيلاً، وقبل من الشكر قليلاً، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، وصلى الله على سيدنا محمد الذي لم يجعل له من جنسه عديلاً، وعلى آله وصحبه بكرة وأصيلاً.
وبعد فإني لما شرعت في جمع أخبار الأذكياء وذكرت بعض المنقول عنهم ليكون مثالاً يحتذى لأن أخبار الشجعان تعلم الشجاعة آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين لثلاثة أشياء.
الأول: أن العاقل إذا سمع أخبارهم عرف قدر ما وهب له مما حرمون، فحثه ذلك على الشكر.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: حدثنا علي بن الحسين بن الحسن بن أحمد بن شاذان قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثنا خلف بن هشام قال: حدثنا الحكم بن سنان عن حوشب عن الحسن أنه قال: خلق الله عز وجل آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فدبوا على وجه الأرض، منهم الأعمى والأصم والمبتلى فقال آدم: يا رب ألا ساويت بين ولدي؟ قال: يا آدم إني أردت أن أشكر.
أخبرنا محمد بن عبد الملك، قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: حدثنا أبو عمر بن حيوية قال: أنبأنا ابن المرزبان قال: حارث بن محمد: سمعت محمد بن مسلم يقول: تكلم رجل في مجلس ابن عباس فأكثر الخطأ فالتفت عبد الله بن عباس إلى عبدٍ له فأعتقه فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ قال: إذ لم يجعلن الله مثلك.
والثاني: أن ذكر المغفلين يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة إذا كان ذلك داخلاً تحت الكسب وعامله فيه الرياضة، وأما إذا كانت الغفلة مجبولةً في الطباع، فإنها لا تكاد تقبل التغيير.
والثالث: أن يروح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظاً يوم القسمة، فإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو، وقد قال رسول الله ﷺ لحنظلة: " ساعة وساعة ".
لا ملامة في الضحك والمفاكهة
وعن حنظلة الكاتب أن النبي ﷺ ذكر الجنة والنار وكنا كأن رأينا رأي عين، فخرجت يوماً فأتيت أهلي فضحكت معهم فوقع في نفسي شيء، فلقيت أبا بكر فقلت: إني قد نافقت، قال: وما ذاك؟ قلت: كنت عند النبي ﷺ فذكر الجنة والنار فكنا كأن رأينا رأي عين، فأتيت أهلي فضحكت معهم. فقال أبو بكر:
إنا لنفعل ذلك. فأتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فقال: " يا حنظلة لو كنتم عند أهليكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطريق، يا حنظلة ساعة وساعة ".
ترويح القلوب مطلوب مرغوب
وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان. وقال أيضاً: إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفاً. وعن أسامة بن زيد قال: روحوا القلوب تعي الذكر. وعن الحسن قال: إن هذه القلوب تحيى وتموت فإذا حييت فاحملوها على النافلة، وإذا ماتت فاحملوها على الفريضة. وعن الزهري، قال: كان رجل يجالس أصحاب رسول الله ﷺ ويحدثهم، فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث، قال: " إن الأذن مجاجة، وإن القلوب حمضة، فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم ". وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهية أن أحمل عليها من لحق ما يكلها.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة ثم قال حمضونا، فيأخذ في أحاديث العرب ثم يعود يفعل ذلك مراراً. وعن الزهري أنه كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجة والقلب حمض. وقال ابن إسحاق: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من ظرفكم هاتوا من أشعاركم، أفيضوا في بعض ما يخفف عليكم وتأنس به طباعكم فإن الأذن مجاجة والقلب ذو تقلب. وعن مالك بن دينار قال: كان الرجل ممن كان قبلكم إذا ثقل عليه الحديث قال: إن الأذن مجاجة والقلب حمض فهاتوا من طرف الأخبار. عن ابن زيد قال: قال لي أبي: إن كان عطاء بن يسار ليحدثنا أنا
وأبا حازم حتى يبكينا ثم يحدثنا حتى يضحكنا، ثم يقول: مرة هكذا ومرة هكذا.
العلماء الأفاضل يحبون الملح
قلت: وما زال العلماء والأفاضل يعجبهم الملح، ويهشون لها، لأنها تجم النفس وتريح القلب من كد الفكر. وقد كان شعبة يحدث، فإذا رأى المزيد النحوي قال: إنه أبو زيد البسيط:
استعجمت دار نعمٍ ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
وقد روينا عن ابن عائشة أحاديث ملاحاً في بعضها رفث، وإن رجلاً قال له: أيأتي من مثلك هذا؟ فقال له: ويحك أما ترى أسانيدها؟ ما أحد ممن رويت عنه هو أفضل من جميع أهل زماننا، ولكنكم ممن قبح باطنه فرأى ظاهره، وإن باطن القوم فوق ظاهرهم. ووصف رجل من النساك عند عبيد الله ابن عائشة فقالوا: هو جد كله، فقال لقد أضاق على نفسه المرعى، وقصر طول النهى، ولو فككها بالإنتقال من حال إلى حال لتنفس عنها ضيق العقدة، وراجع الجد بنشاط وحدة.
وعن الأصمعي قال سمعت الرشيد يقول: النوادر تشحذ الأذهان وتفتق الآذان. وعن حماد بن سلمة أنه كان يقول: لا يحب الملح إلا ذكران الرجال ولا يكرهها إلا مؤنثهم. وعن الأصمعي قال: أنشدت محمد بن عمران التميمي قاضي المدينة وما رأيت في القضاة أعقل منه: السريع:
يا أيها السائل عن منزلي ... نزلت في الخان على نفسي
يغدو علي الخبز من خابزٍ ... لا يقبل الرهن ولا ينسي
آكل من كيسي ومن كسوتي ... حتى لقد أوجعني ضرسي
فقال: أكتبه لي، قلت: أصلحك الله إنما يكتب هذا الأحداث، فقال: ويحك أكتبه فإن الأشراف يعجبهم الملاحة.
نفوس العلماء تسرح في مباح اللهو
فصل
فقد بان مما ذكرنا أن نفوس العلماء تسرح في مباح اللهو الذي يكسبها نشاطاً للجد فكأنها من الجد لم تزل، قال أبو فراس: الرجز:
أروح القلب ببعض الهزل ... تجاهلاً مني، بغير جهل
أمزح فيه، مزح أهل الفضل ... والمزح، أحياناً، جلاء العقل
الإضحاك المحرم والإضحاك المباح
فصل
فإن قائل قائل: ذكر حكايات الحمقى والمغفلين يوجب الضحك؛ وقد رويتم عن النبي ﷺ أنه قال:: إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريا " فالجواب: إنه محمول على أنه يضحكهم بالكذب، وقد روي هذا في الحديث مفسراً: " ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحك الناس ". وقد يجوز للإنسان أن يقصد إضحاك الشخص في بعض الأوقات، ففي أفراد مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لأكلمن رسول الله لعله يضحك، قال: قلت: لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة فوجأت عنقها. فضحك رسول الله ﷺ.
وإنما يكره للرجل أن يجعل عادته إضحاك الناس لأن الضحك لا يذم قليله، فقد كان الرسول ﷺ يضحك حتى تبدو نواجذه، وإنه يكره كثيره لما روي عنه عليه السلام أنه قال: " كثرة الضحك تميت القلب ". والإرتياح إلى مثل هذه الأشياء في بعض الأوقات كالملح في القدر.
أبواب الكتاب
فصل
وقد قسمت هذا الكتاب أربعة وعشرين باباً وهذه تراجمها:
الباب الأول: في ذكر الحماقة ومعناها.
الباب الثاني: في بيان أن الحمق غريزة،
الباب الثالث: في ذكر اختلاف الناس في الحمق،
الباب الرابع: في ذكر أسماء الأحمق،
الباب الخامس: في ذكر صفات الأحمق،
الباب السادس: في التحذير من صحبة الأحمق،
الباب السابع؛ في ضرب العرب المثل بمن عرف حمقه،
الباب الثامن: في ذكر أخبار من ضرب المثل بحمقه وتغفيله،
الباب التاسع: في ذكر جماعة من العقلاء صدر عنهم فعل الحمقى،
الباب العاشر: في ذكر المغفلين من القراء،
الباب الحادي عشر: في المغفلين من رواة الحديث وتصحيفه،
الباب الثاني عشر: في ذكر المغفلين من القضاة،
الباب الثالث عشر: في ذكر المغفلين من الأمراء والولاة،
الباب الرابع عشر: في ذكر المغفلين من الكتاب والحجاب،
الباب الخامس عشر: في المغفلين من المؤذنين،
الباب السادس عشر: في المغفلين من الأئمة،
الباب السابع عشر: في المغفلين من الأعراب،
الباب الثامن عشر: في من قصد الفصاحة والإعراب من المغفلين،
الباب التاسع عشر: في من قال شعراً من المغفلين،
الباب العشرون: في المغفلين من القصاص،
الباب الحادي والعشرون: في المغفلين من المتزهدين،
الباب الثاني والعشرون: في ذكر المغفلين من المعلمين،
الباب الثالث والعشرون: في ذكر المغفلين من الحاكة،
الباب الرابع والعشرون: في ذكر المغفلين على الإطلاق.