وضع (س.س) يده في جيب سترته العميق ليخرج المفتاح كالعادة، لكنه لم يجده في الجانب الأيمن، قال:
ـ لقد تعودت أن أضعه هنا. أسند عصاه التي بدأ يتوكأ عليها منذ عدة أشهر، بعد أن تزايدت عليه آلام الظهر، في الركن القريب من الباب، وأمسك بالصحف التي كانت في يسراه، وراح يبحث بيده الفارغة في جيبه الآخر، بين القطع النقدية المعدنية، وعلبة «القطرة» التي صرفها له الطبيب كدواء لعينيه، والقلم الرصاص الصغير (الذي غالبا ما يعالج به حلولا مختلفة للكلمات المتقاطعة)، لكنه لم يجد المفتاح.
قال:
ـ لقد تعودت أن أضعه في هذا الجيب أو ذاك. لكنه اضطر، صاغرا، أو ربما لحاجته الملحة في دخول الحمام، إلى إلقاء رزمة الصحف أمام قدمه اليمنى، ومد يده إلى جيبه الداخلي، واضطر لإخراج الحافظة، وأمسكها باليد المرتعشة، وبحث تحتها في جيبه، فلم يجد سوى ضرسه المعطوب (الذي كان قد احتفظ به مذ خلعه قبل أيام) فاضطر لفتح الحافظة (ربما كان قد تسرب إلى أحد جيوبها) فسقطت بعض القطع المعدنية القديمة التي كان يحتفظ بها منذ سنوات، فتأكد أن المفتاح ربما، يكون في السروال، لكنه اصطدم بحقيقة أن جيبي سرواله كانا مثقوبين منذ زمن، ولم يسعفه الوقت ليصلحهما، فتأكد أن المفتاح.. معقول؟ لقد أغلقت به الباب في الصباح، ثلاث «تكات»، هكذا، كما أضحى يفعل في الأيام الأخيرة. هز الباب القديم المثبت في مكانه بقوة لم تزدها الأيام إلا صلابة، فلم يستطع زحزحته شعرة واحدة، وكانت مثانته قد بدأت تضغط عليه، حتى أنه فكر في أن يتخلص من آلامه في الركن البعيد المظلم على السلم، لكنه خشي أن يكون جاره قد استيقظ بفعل الصوت الذي أحدثه الباب المغلق وهو يهزه بلا أي جدوى، فنظر للسلم القديم ذو الدرجات العالية، ثلاث طوابق كاملة علي أن أنزلها لأتخلص من هذا الألم. هذا الألم الذي أخذ يتزايد لدرجة أنه لم يستطع أن يحرك قدميه، فما كان منه إلا أن تبول على الباب، باب مسكنه هو نفسه، ولم يحدث، لحسن الحظ، أن استيقظ أحد من الجيران، على الرغم من أنه كان يسمع أصوات المسلسلات الرتيبة آتية من الأعلى والأسفل، من هنا وهناك، من وراء أبواب الشقق، وما أن تخلص من ألمه حتى لملم نفسه بأقصى سرعة استطاعها، وهبط السلم، وخرج من باب البيت القديم المتآكل. مشى بضع خطوات، ولم يحس بالأمان حتى وجد نفسه على رصيف الشارع العريض الذي تزاحمت العربات المركونة على أرصفته، فمشى بينها بصعوبة، ولم يتوقف حتى وجد نفسه يستند على سور كورنيش النيل، ويتطلع إلى ماء النهر المنساب، فتزايدت الرتابة في نفسه، على الرغم من أنه كان قد قضي يوما لم يعتد«ه» منذ زمن.
ـ 2 ـ
كان اليوم يوم عطلة، نعم، لكنه، وبدلا من أن يرتاح، فضل الذهاب في جولة يقوم فيها بزيارات مؤجلة منذ زمن، حتى أنه كاد ينسى أهله وأصدقاءه الذين كان يعدهم بمثابة أهله، ولأنه كان مصرا على أن يقوم بالمرور عليهم واحدا واحدا دون أن ينسى أيا منهم عاد خالته ثلاث مرات، لم تكن موجودة في اثنتين منهما، حتى وجدها وقضى معها وقتا طويلا حتى أنها شكت في أنه ربما يكون هناك أمر ما، يخفيه عنها، فأخذت تلح بالسؤال:
ـ هوا فيه حاجة كفا لله الشر؟.
وراح هو ينفي كل مرة، لكن الشك لم يترك ملامحها حتى وهي تودعه على عتبة الباب.
ـ 3ـ
لم يكن هو يحب التليفون، حتى أنه لم يمتلك واحدا في حياته، ولم يأبه على الإطلاق بالكلام الذي راح يقذفه الناس في اتجاهه، وهم يحاولون إقناعه بضرورة أن يكون لديه واحدا، خاصة وأنه يرى تلاميذ المدارس الآن يحملون التليفونات في أيديهم ويتحدثون بلا انقطاع، وكان حماسهم وهم يتبادلون الكلام، قد جعله يحس بضرورة أن يظل ثابتا على موقفه.
قال:
ـ ألا يكفي هذا الضجيج الذي أضحى يصم الأذان حتى يصطحب الواحد تليفونا إلى غرفة نومه؟
لذا، فإن أحدا من الذين زارهم هذا اليوم، قبل أن يفقد المفتاح في نهايته، لم يسأله عن أي شيء، حتى صديقه (ف. ف) المعروف بدقة مواعيده، لم يغضب من مفاجأته بالزيارة دون موعد، وإن كان قد استعجل الخروج معه ليجلس به على أقرب مقهى، وتركه هناك بعد دقائق لم يكن حتى قد أكمل فيها احتساء كوب من الشاي.
ـ أصلي أنا مستعجل.
ـ وأنا أيضا.
وكان هو بالفعل صادقا. على الأقل لأن الذين كان قد انتوى زيارتهم يتوزعون على أربعة أركان هذه المدينة التي أضحت الحركة فيها أمرا لا يطاق، هذه القاهرة التي أضحى زحامها يصم الروح، ومع ذلك، لم يتراجع عن خطته حتى زارهم واحدا واحدا دون كلل.
ـ 4 ـ
المشكلة انه كان سعيدا، كان سعيدا جدا لدرجة انه سمع السؤال عدة مرات:
ـ هوا فيه حاجة كفا الله الشر في وشي؟
ـ لا.
ـ ومال ليه بتبتسم؟
ـ لا. كدا يعني.
ـ كده؟
ـ آه. ولأنه لم يكن على استعداد لفقد البهجة التي كانت ترفرف حوله، بل وتدغدغه من الداخل، منذ اللحظة التي استيقظ فيها هذا الصباح، وقرر على أثرها القيام بهذه الزيارات، فإنه لم يكن يهتم بمثل هذا السؤال، أو أي سؤال آخر، فقد كان سعيدا بالفعل، حتى أنه ضبط نفسه يصفر بأغنية عبد الوهاب «يا دنيا اجري بينا»، بإيقاعها الفرح المعروف، بل أنه لم يهتم بما بدا على وجوه الناس، وهم يلتفتون إليه في استغراب.
ـ 5 ـ
كان قد قام بجولة ناجحة، لم يخلف فيها واحدا (أو واحدة) من معارفه وأصدقائه، بل وأهله، حتى أولئك الذين كانت صلته بهم تقع في البعد القصي من القرابة، لكنه ها هو الآن، يجد نفسه في هذا الموقف الصعب، واقفا علي كورنيش النيل، يتطلع لماء النهر، وقد بدأ الليل يتقدم إلي النهاية، وأطرافه بدأت ترتعش من البرد.
أين يذهب أو كيف يفتح الباب؟ فكر للحظة أن يذهب للحسين، وينام على أرض الجامع، لكنه خشي من أن يراه شخص ربما كان قد رآه يدخل المشرب ليسلم على صديقه (ك. ك) ويجلس معه لبعض الوقت، على الرغم من أنه لم يلمس بشفتيه أي شراب، فقد كان قد كف عن الشراب منذ وقت طويل لا يذكر مداه، لكنه راح يشتم سترته، فربما كان عبق الشراب قد علق بأحد أكمامها. ثم انه كان قد تعب، ولم يكن ما هو عليه من عمر، يؤهله لأن يقف هكذا على قدميه طوال هذا الوقت، حتى يأتي الصباح، وفكر أنه ربما كان عليه أن يعيد الجولة حين تطلع الشمس، على كل الذين زارهم، ليجد المفتاح، لكنه قال إن الزيارة هذه المرة ستكون أشبه بمحاولة الاشتباك في شجار بلا معنى، أو أن بعضهم ربما فهم بأنه يتهمه بشيء ما، كسرقة هذا المفتاح على سبيل المثال، لكن الفكرة خطرت بباله كالبرق:
ـ ولم لا أذهب وأجلس على عتبة الباب، فربما وجده أحدهم، وجاء ليعطيني إياه. لكنه فكر بأن هذا سيكون أمرا محرجا، خاصة وأن أحدا من الجيران لم يره جالسا عند عتبة الباب من قبل، هكذا، وفي هذا الوقت من الليل.
قال:
ـ الأفضل أن أفكر بكل ما.. لأتذكر متى (أو أين) وضعت يدي في جيبي، في أي مكان، أخرجت هذا الشيء أو ذاك.
لكنه لم يستطع أن يتذكر متى أو أين وضع يده في جيبه، ورأى أن المسألة تراوح مكانها دون حل.
لأذهب إذن إلى إحدى الحدائق. لكنه وجد نفسه وقد أصبح مكتئبا كفاية بشكل ربما لا يلائم الذهاب إلى حديقة، قال، لأنتظر إذن، حتى يطلع الصباح، وأذهب إلى النجار القريب من البيت، ألطلب منه أن يكسر الباب.
ـ 6 ـ
ارتاح لهذه الفكرة التي بدت أنها أكثر الأفكار جدارة، وأقلها مخاطرة، لكنه وقد بدأ يتحرك مع طلوع الشمس، رأى ملامح وجهه في مرآة الدكان وقد بدت عليها علامات الاكتئاب، وقف على جانب، واستند للجدار.
قال:
ـ علي أن أبتسم قبل أن أذهب، فكيف لي أن أتحدث مع النجار عن كسر ضلفة الباب في الصباح الباكر وأنا على هذه الحال؟.
ـ 7 ـ
لكنه بعد عدة خطوات أحس برعشة، فنظر للأرض، فسقطت النظارة من عينيه، لكنها تعلقت برقبته بالخيط الذي يربطها من الخلف، وقبل أن يرى، لم يعد يحس بأي شيء على الإطلاق.
ـ لقد تعودت أن أضعه هنا. أسند عصاه التي بدأ يتوكأ عليها منذ عدة أشهر، بعد أن تزايدت عليه آلام الظهر، في الركن القريب من الباب، وأمسك بالصحف التي كانت في يسراه، وراح يبحث بيده الفارغة في جيبه الآخر، بين القطع النقدية المعدنية، وعلبة «القطرة» التي صرفها له الطبيب كدواء لعينيه، والقلم الرصاص الصغير (الذي غالبا ما يعالج به حلولا مختلفة للكلمات المتقاطعة)، لكنه لم يجد المفتاح.
قال:
ـ لقد تعودت أن أضعه في هذا الجيب أو ذاك. لكنه اضطر، صاغرا، أو ربما لحاجته الملحة في دخول الحمام، إلى إلقاء رزمة الصحف أمام قدمه اليمنى، ومد يده إلى جيبه الداخلي، واضطر لإخراج الحافظة، وأمسكها باليد المرتعشة، وبحث تحتها في جيبه، فلم يجد سوى ضرسه المعطوب (الذي كان قد احتفظ به مذ خلعه قبل أيام) فاضطر لفتح الحافظة (ربما كان قد تسرب إلى أحد جيوبها) فسقطت بعض القطع المعدنية القديمة التي كان يحتفظ بها منذ سنوات، فتأكد أن المفتاح ربما، يكون في السروال، لكنه اصطدم بحقيقة أن جيبي سرواله كانا مثقوبين منذ زمن، ولم يسعفه الوقت ليصلحهما، فتأكد أن المفتاح.. معقول؟ لقد أغلقت به الباب في الصباح، ثلاث «تكات»، هكذا، كما أضحى يفعل في الأيام الأخيرة. هز الباب القديم المثبت في مكانه بقوة لم تزدها الأيام إلا صلابة، فلم يستطع زحزحته شعرة واحدة، وكانت مثانته قد بدأت تضغط عليه، حتى أنه فكر في أن يتخلص من آلامه في الركن البعيد المظلم على السلم، لكنه خشي أن يكون جاره قد استيقظ بفعل الصوت الذي أحدثه الباب المغلق وهو يهزه بلا أي جدوى، فنظر للسلم القديم ذو الدرجات العالية، ثلاث طوابق كاملة علي أن أنزلها لأتخلص من هذا الألم. هذا الألم الذي أخذ يتزايد لدرجة أنه لم يستطع أن يحرك قدميه، فما كان منه إلا أن تبول على الباب، باب مسكنه هو نفسه، ولم يحدث، لحسن الحظ، أن استيقظ أحد من الجيران، على الرغم من أنه كان يسمع أصوات المسلسلات الرتيبة آتية من الأعلى والأسفل، من هنا وهناك، من وراء أبواب الشقق، وما أن تخلص من ألمه حتى لملم نفسه بأقصى سرعة استطاعها، وهبط السلم، وخرج من باب البيت القديم المتآكل. مشى بضع خطوات، ولم يحس بالأمان حتى وجد نفسه على رصيف الشارع العريض الذي تزاحمت العربات المركونة على أرصفته، فمشى بينها بصعوبة، ولم يتوقف حتى وجد نفسه يستند على سور كورنيش النيل، ويتطلع إلى ماء النهر المنساب، فتزايدت الرتابة في نفسه، على الرغم من أنه كان قد قضي يوما لم يعتد«ه» منذ زمن.
ـ 2 ـ
كان اليوم يوم عطلة، نعم، لكنه، وبدلا من أن يرتاح، فضل الذهاب في جولة يقوم فيها بزيارات مؤجلة منذ زمن، حتى أنه كاد ينسى أهله وأصدقاءه الذين كان يعدهم بمثابة أهله، ولأنه كان مصرا على أن يقوم بالمرور عليهم واحدا واحدا دون أن ينسى أيا منهم عاد خالته ثلاث مرات، لم تكن موجودة في اثنتين منهما، حتى وجدها وقضى معها وقتا طويلا حتى أنها شكت في أنه ربما يكون هناك أمر ما، يخفيه عنها، فأخذت تلح بالسؤال:
ـ هوا فيه حاجة كفا لله الشر؟.
وراح هو ينفي كل مرة، لكن الشك لم يترك ملامحها حتى وهي تودعه على عتبة الباب.
ـ 3ـ
لم يكن هو يحب التليفون، حتى أنه لم يمتلك واحدا في حياته، ولم يأبه على الإطلاق بالكلام الذي راح يقذفه الناس في اتجاهه، وهم يحاولون إقناعه بضرورة أن يكون لديه واحدا، خاصة وأنه يرى تلاميذ المدارس الآن يحملون التليفونات في أيديهم ويتحدثون بلا انقطاع، وكان حماسهم وهم يتبادلون الكلام، قد جعله يحس بضرورة أن يظل ثابتا على موقفه.
قال:
ـ ألا يكفي هذا الضجيج الذي أضحى يصم الأذان حتى يصطحب الواحد تليفونا إلى غرفة نومه؟
لذا، فإن أحدا من الذين زارهم هذا اليوم، قبل أن يفقد المفتاح في نهايته، لم يسأله عن أي شيء، حتى صديقه (ف. ف) المعروف بدقة مواعيده، لم يغضب من مفاجأته بالزيارة دون موعد، وإن كان قد استعجل الخروج معه ليجلس به على أقرب مقهى، وتركه هناك بعد دقائق لم يكن حتى قد أكمل فيها احتساء كوب من الشاي.
ـ أصلي أنا مستعجل.
ـ وأنا أيضا.
وكان هو بالفعل صادقا. على الأقل لأن الذين كان قد انتوى زيارتهم يتوزعون على أربعة أركان هذه المدينة التي أضحت الحركة فيها أمرا لا يطاق، هذه القاهرة التي أضحى زحامها يصم الروح، ومع ذلك، لم يتراجع عن خطته حتى زارهم واحدا واحدا دون كلل.
ـ 4 ـ
المشكلة انه كان سعيدا، كان سعيدا جدا لدرجة انه سمع السؤال عدة مرات:
ـ هوا فيه حاجة كفا الله الشر في وشي؟
ـ لا.
ـ ومال ليه بتبتسم؟
ـ لا. كدا يعني.
ـ كده؟
ـ آه. ولأنه لم يكن على استعداد لفقد البهجة التي كانت ترفرف حوله، بل وتدغدغه من الداخل، منذ اللحظة التي استيقظ فيها هذا الصباح، وقرر على أثرها القيام بهذه الزيارات، فإنه لم يكن يهتم بمثل هذا السؤال، أو أي سؤال آخر، فقد كان سعيدا بالفعل، حتى أنه ضبط نفسه يصفر بأغنية عبد الوهاب «يا دنيا اجري بينا»، بإيقاعها الفرح المعروف، بل أنه لم يهتم بما بدا على وجوه الناس، وهم يلتفتون إليه في استغراب.
ـ 5 ـ
كان قد قام بجولة ناجحة، لم يخلف فيها واحدا (أو واحدة) من معارفه وأصدقائه، بل وأهله، حتى أولئك الذين كانت صلته بهم تقع في البعد القصي من القرابة، لكنه ها هو الآن، يجد نفسه في هذا الموقف الصعب، واقفا علي كورنيش النيل، يتطلع لماء النهر، وقد بدأ الليل يتقدم إلي النهاية، وأطرافه بدأت ترتعش من البرد.
أين يذهب أو كيف يفتح الباب؟ فكر للحظة أن يذهب للحسين، وينام على أرض الجامع، لكنه خشي من أن يراه شخص ربما كان قد رآه يدخل المشرب ليسلم على صديقه (ك. ك) ويجلس معه لبعض الوقت، على الرغم من أنه لم يلمس بشفتيه أي شراب، فقد كان قد كف عن الشراب منذ وقت طويل لا يذكر مداه، لكنه راح يشتم سترته، فربما كان عبق الشراب قد علق بأحد أكمامها. ثم انه كان قد تعب، ولم يكن ما هو عليه من عمر، يؤهله لأن يقف هكذا على قدميه طوال هذا الوقت، حتى يأتي الصباح، وفكر أنه ربما كان عليه أن يعيد الجولة حين تطلع الشمس، على كل الذين زارهم، ليجد المفتاح، لكنه قال إن الزيارة هذه المرة ستكون أشبه بمحاولة الاشتباك في شجار بلا معنى، أو أن بعضهم ربما فهم بأنه يتهمه بشيء ما، كسرقة هذا المفتاح على سبيل المثال، لكن الفكرة خطرت بباله كالبرق:
ـ ولم لا أذهب وأجلس على عتبة الباب، فربما وجده أحدهم، وجاء ليعطيني إياه. لكنه فكر بأن هذا سيكون أمرا محرجا، خاصة وأن أحدا من الجيران لم يره جالسا عند عتبة الباب من قبل، هكذا، وفي هذا الوقت من الليل.
قال:
ـ الأفضل أن أفكر بكل ما.. لأتذكر متى (أو أين) وضعت يدي في جيبي، في أي مكان، أخرجت هذا الشيء أو ذاك.
لكنه لم يستطع أن يتذكر متى أو أين وضع يده في جيبه، ورأى أن المسألة تراوح مكانها دون حل.
لأذهب إذن إلى إحدى الحدائق. لكنه وجد نفسه وقد أصبح مكتئبا كفاية بشكل ربما لا يلائم الذهاب إلى حديقة، قال، لأنتظر إذن، حتى يطلع الصباح، وأذهب إلى النجار القريب من البيت، ألطلب منه أن يكسر الباب.
ـ 6 ـ
ارتاح لهذه الفكرة التي بدت أنها أكثر الأفكار جدارة، وأقلها مخاطرة، لكنه وقد بدأ يتحرك مع طلوع الشمس، رأى ملامح وجهه في مرآة الدكان وقد بدت عليها علامات الاكتئاب، وقف على جانب، واستند للجدار.
قال:
ـ علي أن أبتسم قبل أن أذهب، فكيف لي أن أتحدث مع النجار عن كسر ضلفة الباب في الصباح الباكر وأنا على هذه الحال؟.
ـ 7 ـ
لكنه بعد عدة خطوات أحس برعشة، فنظر للأرض، فسقطت النظارة من عينيه، لكنها تعلقت برقبته بالخيط الذي يربطها من الخلف، وقبل أن يرى، لم يعد يحس بأي شيء على الإطلاق.