رام الله في 17 أيار[/مايو] 1953
سيدي الأخ الكريم أكرم لا عدمته؛
تحية واحترامًا. وبعد فإني ارجو أن تتقبل شكري للمطالعات القيمة التي ابديتها في رسالتك المؤرخة في 30 نيسان[/أبريل] في صدد المقدمة. وإنها لمطالعات قيمة للغاية أخذتها بعين الاعتبار، وقد صححت كلمتي في موضعين منها، وهما -لا بد أنك تذكر- عند قولي: ولعلي أنا أيضًا ضللت السبيل.. فقد رأيت أنك على حق في قولك إن مثل هذه المبالغة في التواضع تؤذي الكتاب أكثر مما تنفعه.. ورأيت أيضًا أنك على حق في قولك إن قولي: ما تركت إنسانًا إلا وسألته، ولا حادثة إلا واستنطقتها.. فيه شيء من المبالغة، ولهذا صححته بأسلوب لا يترك مجالاً لمثل هذا الاتهام.
ودعني أصارحك أيها الأخ العزيز، أنني ما برحت مترددًا في الأخذ بمطالعتك الثالثة، وهي التي تتعلق بالتاريخ. وإني لصادق في قولي أنني: لست أقصد التأريخ. وما أنا إلا (راوية) يروي للناس ما حدث، كما حدث. ولقد ذكرت وأنا اعالج هذه الناحية من الكتاب، ما ظل عالقًا في ذهني من دروس الجامعة، أن التاريخ لا يكتب عادة فور وقوع الحادث. وإنما يكتب بعد وقوعه بسنين. واختلف العلماء في تعيين عدد السنين التي يجب أن تنقضي قبل أن يلفظ التاريخ حكمه. فقال فريق منهم أن ذلك يجب أن لا يقل عن الخمسين، وقال آخرون أن يجوز كتابة التاريخ بعد مضي ربع قرن. ولكن المؤرخ سيكون في حاجة إلى أرقام وأسماء ومعلومات يرجع إليها في كتاباته عندما يحين الوقت الملائم للتأريخ. فيرجع إلى ما دوّنه (الرواة).
وما أنا إلا (راوية) أروي للناس ما حدث. وقد يرويه غيري بأسلوب غير أسلوبي، وبطريقة غير الطريقة التي انتهجها في تدويني. فما على المؤرخ الذي يأتي بعد ربع قرن، أو نصف قرن، أو أكثر، أو أقل إلا أن يقرأ جميع الروايات، ويمحصها! وعندئذ يستطيع أن يؤرخ. والكتاب الذي يكبته باسم (التاريخ) يكون بعيدًا عن الغمز والطعن. ذلك لأن كاتبه غير متأثر بالروح العائلية أو الحزب أو المصلحة الشخصية، كما لو كتبه حين وقوع الحادث.
طلبت من دار الحياة الأعداد التي ظهرت فيها مذكرات المرحوم محسن البرازي، فوصلتني واقتبست منها ما لا بد من اقتباسه. وقد أشرت إلى ذلك في الهامش.
وطلبت من مكتب جريدة (الحارس) البغدادية الأعداد التي ظهرت فيها مذكرات العميد الركن طه الهاشمي. وقد تسلمتها واقتبست منها ما لا بد من اقتباسه.
ويسرني أن أخبرك أنني حصلت على نسخة من التقرير السري الذي رفعته لجنة التحقيق إلى البرلمان العراقي. وأمامي الآن، وأنا اكتب إليك هذه السطور، الكتاب الذي نشره مناحيم بيجن قائد مؤسسة الأرغون اليهودية بعنوان The Revolt وهانذا جاد في مقابلة ما كتبت على ما قرأت في هذه الكتب والوثائق، والله اسأل أن يوفقني.
وختامًا ارجو أن تتأكد من عظيم احترامي لشخصك الكريم، وإعجابي بأدبك الجم، وعلمك الغزير.
ودم لأخيك،
المخلص عارف العارف
سيدي الأخ الكريم أكرم لا عدمته؛
تحية واحترامًا. وبعد فإني ارجو أن تتقبل شكري للمطالعات القيمة التي ابديتها في رسالتك المؤرخة في 30 نيسان[/أبريل] في صدد المقدمة. وإنها لمطالعات قيمة للغاية أخذتها بعين الاعتبار، وقد صححت كلمتي في موضعين منها، وهما -لا بد أنك تذكر- عند قولي: ولعلي أنا أيضًا ضللت السبيل.. فقد رأيت أنك على حق في قولك إن مثل هذه المبالغة في التواضع تؤذي الكتاب أكثر مما تنفعه.. ورأيت أيضًا أنك على حق في قولك إن قولي: ما تركت إنسانًا إلا وسألته، ولا حادثة إلا واستنطقتها.. فيه شيء من المبالغة، ولهذا صححته بأسلوب لا يترك مجالاً لمثل هذا الاتهام.
ودعني أصارحك أيها الأخ العزيز، أنني ما برحت مترددًا في الأخذ بمطالعتك الثالثة، وهي التي تتعلق بالتاريخ. وإني لصادق في قولي أنني: لست أقصد التأريخ. وما أنا إلا (راوية) يروي للناس ما حدث، كما حدث. ولقد ذكرت وأنا اعالج هذه الناحية من الكتاب، ما ظل عالقًا في ذهني من دروس الجامعة، أن التاريخ لا يكتب عادة فور وقوع الحادث. وإنما يكتب بعد وقوعه بسنين. واختلف العلماء في تعيين عدد السنين التي يجب أن تنقضي قبل أن يلفظ التاريخ حكمه. فقال فريق منهم أن ذلك يجب أن لا يقل عن الخمسين، وقال آخرون أن يجوز كتابة التاريخ بعد مضي ربع قرن. ولكن المؤرخ سيكون في حاجة إلى أرقام وأسماء ومعلومات يرجع إليها في كتاباته عندما يحين الوقت الملائم للتأريخ. فيرجع إلى ما دوّنه (الرواة).
وما أنا إلا (راوية) أروي للناس ما حدث. وقد يرويه غيري بأسلوب غير أسلوبي، وبطريقة غير الطريقة التي انتهجها في تدويني. فما على المؤرخ الذي يأتي بعد ربع قرن، أو نصف قرن، أو أكثر، أو أقل إلا أن يقرأ جميع الروايات، ويمحصها! وعندئذ يستطيع أن يؤرخ. والكتاب الذي يكبته باسم (التاريخ) يكون بعيدًا عن الغمز والطعن. ذلك لأن كاتبه غير متأثر بالروح العائلية أو الحزب أو المصلحة الشخصية، كما لو كتبه حين وقوع الحادث.
طلبت من دار الحياة الأعداد التي ظهرت فيها مذكرات المرحوم محسن البرازي، فوصلتني واقتبست منها ما لا بد من اقتباسه. وقد أشرت إلى ذلك في الهامش.
وطلبت من مكتب جريدة (الحارس) البغدادية الأعداد التي ظهرت فيها مذكرات العميد الركن طه الهاشمي. وقد تسلمتها واقتبست منها ما لا بد من اقتباسه.
ويسرني أن أخبرك أنني حصلت على نسخة من التقرير السري الذي رفعته لجنة التحقيق إلى البرلمان العراقي. وأمامي الآن، وأنا اكتب إليك هذه السطور، الكتاب الذي نشره مناحيم بيجن قائد مؤسسة الأرغون اليهودية بعنوان The Revolt وهانذا جاد في مقابلة ما كتبت على ما قرأت في هذه الكتب والوثائق، والله اسأل أن يوفقني.
وختامًا ارجو أن تتأكد من عظيم احترامي لشخصك الكريم، وإعجابي بأدبك الجم، وعلمك الغزير.
ودم لأخيك،
المخلص عارف العارف