أبي الحبيب:
في ذكرى وفاتك الثالثة، وكأنها الثلاثين، وبعد صراعٍ كبيرٍ ومرعبٍ نجوتُ فيه من بين براثن دموع الألم والحنين، قرَّرتُ أنْ أُقرأك السَّلام، وأستدرج أفكاري البيضاء فقط كي أكتب لك في هذا اليوم المفجِع!
علَّها تصلكَ مشاعري صادقةً نقيةً كعهدكَ بها رغم ما أصابها من عطبٍ جرَّاء بُعدكَ...
بابا حبيبي:
لديَّ الكثير الذي أودُّ أن أحكيه لكَ، وأن أسرَّك به من الإسرار لا السرور (بابي ) لكن سأحجرُ على الكثير الكثير الذي حدثَ في غيابكَ، وأبوحُ لك بالجميل منه؛ رغم يقيني المطلق بأنكً على علمٍ بكككل شيء.
سأجلس على مرمى لهفةٍ منكَ، وأحدِّثك وحدي بعيدًا عن ضجيج إخوتي لنناقشه سويًا- كما كنا نفعل دائمًا- فأنا في الآوانة الأخيرة لم أعد أعي مالذي يجري حولي، وحدك من كان يفهمني، ومازال!
يبدو أنَّ كل من حولي قد ماتوا، وأنت (الحي الوحيد) بينهم، أتدري لماذا؟!
لأنَّي لم أعد أقوى على فهمهم، ولا أدرك طلاسم ما يقولونه، وأحيانًا يقرِّرونه بكلِّ تجبرٍّ دون الأخذ برأيي -رغم أنه يخصني وجدًا- كما كنت تفعل أنت ودون سماع رفضي أو قبولي حتى!
حتى.. عندما أطلق سجيِّتي بالصراخ كمن يرشُّ بعض الماء بصوتي المرتفع على وجوههم، فلا يستفيقوا! يصرِّون على غفلتهم! ياااربي!!
هل يطيب لهم النوم، أبي؟! وكأن الماء نفسه قد مات، وليسوا هم فقط!
لكني مع ذلك، ورغم صمم آذانهم، أعيش على طريقتي التي أحبُّ، وأثق بقدرتها على الاحتواء، وأسمع صوتي الداخلي الذي أؤمن به جدًا حتى وأنا مشغولةٌ بترتيب حاجياتي- على قلِّتها -لآتي إليكَ
هل تريد شيئًا ما أحضره معي في طريقي إليك؟! استغلْ فرصة قدومي إليك بابا، واطلبْ ما شئتَ، سآتيكَ به والله حتى ولو كان في السماء السابعة، ها؟صوتكَ منخفضٌ، أكاد لا أسمعه؟؟
قل أبي ولا تتحرَّج، وثق أني لن أخذلكَ أبدًا، ولا تحسب أنَّ أخوتي الذكور أقدر مني على ذلك، صدِّقني بابا لن يستطيعوا حمل ما سأحمله إليك!
لذا...أُطلب، أُطلب، بل أؤمرني، ولا تتردَّد، وثقْ أني قادرةٌ على تلبية طلبك، أعرف أنك تثق بي، بل متأكدة!
حاولت كثيرًا والله يا بابا ألا أتصادم مع أيٍّ منهم رغم أن الحقَّ غالباً كان معي، لكنهم كانوا يقولون لي: رغم قلبك الذهب لكنك عصبيةٌ، ولا نستطيع تحمل تبعات عصبيتك.. هم لا يرون مراياهم المشعورة،ولا يسمعون أصداء أصوات فحيحيهم...
بابا هل تسمعني؟؟
أضع يدي على أذني وأصرخ من بعيدٍ:
ماذا تقول أبي، أكاد لا أسمع ما تهمهم به
ها؟ ...تعدُني بمعالجة الموضوع على طريقتك؟!
ليتك تفعل( بابي)،وأعدكَ ألا أتأخَّر بالمجيء إليك، وريثما تفعل، دعني أخبرك:
عن السعال المخنوق في حُجرات صدري الخَرِب...
عن رائحة معسِّل النرجيلات التي تزيد في اختناقي، وهم يتعمدون نفخ دخانها الكثيف في وجهي..
عن عواء الضباع حولي كلما خرجت خلسةً في الليل؛ لآتي إليك، واحكي لك عن كلللل شيء طمسوه عن عينيك!
عن الذين سلكوا دروب التيه؛ فأضاعوا أنفسهم قبل الطريق
عن قهقهات الغرباء الشامتين بنا
عن أولادنا الذين ينادون عليك كل ليلةٍ كي تمسحَ على رؤوسهم؛ فيسكنوا ويناموا...
عن جدران بيتنا العتيق وثريَّاته التي كنتَ تُعلِّقُ النجف فيها بيديك العظميتين بعد أن تلمِّعها بنفسك حدَّ التَّوهُّج، فتبرق في أسقف منزلنا الجميل ذي الجدران البيضاء النقية، فتضيء قلوبنا قبل غرف بيتنا،وقد انطفأتِ الآن!
عن الأشواك المحفوفة بدربي الطويل إليكَ...
ومع ذلك لا تقلق (بابا حبيبي) والله سأحضر لك معي كلَّ مقتنياتك الثمينة والرخيصة..ولا أحسب ما كنت تقتنيه رخيصًا إلا المال الذي جمعتَهُ لنا....
فلا تدعِ الأيام بيني وبينك تمرُّ بلا جدوى..ها قل لي، ماذا أحضر لك يا حبيبي!
إيمان فجر السيد
في ذكرى وفاتك الثالثة، وكأنها الثلاثين، وبعد صراعٍ كبيرٍ ومرعبٍ نجوتُ فيه من بين براثن دموع الألم والحنين، قرَّرتُ أنْ أُقرأك السَّلام، وأستدرج أفكاري البيضاء فقط كي أكتب لك في هذا اليوم المفجِع!
علَّها تصلكَ مشاعري صادقةً نقيةً كعهدكَ بها رغم ما أصابها من عطبٍ جرَّاء بُعدكَ...
بابا حبيبي:
لديَّ الكثير الذي أودُّ أن أحكيه لكَ، وأن أسرَّك به من الإسرار لا السرور (بابي
سأجلس على مرمى لهفةٍ منكَ، وأحدِّثك وحدي بعيدًا عن ضجيج إخوتي لنناقشه سويًا- كما كنا نفعل دائمًا- فأنا في الآوانة الأخيرة لم أعد أعي مالذي يجري حولي، وحدك من كان يفهمني، ومازال!
يبدو أنَّ كل من حولي قد ماتوا، وأنت (الحي الوحيد) بينهم، أتدري لماذا؟!
لأنَّي لم أعد أقوى على فهمهم، ولا أدرك طلاسم ما يقولونه، وأحيانًا يقرِّرونه بكلِّ تجبرٍّ دون الأخذ برأيي -رغم أنه يخصني وجدًا- كما كنت تفعل أنت ودون سماع رفضي أو قبولي حتى!
حتى.. عندما أطلق سجيِّتي بالصراخ كمن يرشُّ بعض الماء بصوتي المرتفع على وجوههم، فلا يستفيقوا! يصرِّون على غفلتهم! ياااربي!!
هل يطيب لهم النوم، أبي؟! وكأن الماء نفسه قد مات، وليسوا هم فقط!
لكني مع ذلك، ورغم صمم آذانهم، أعيش على طريقتي التي أحبُّ، وأثق بقدرتها على الاحتواء، وأسمع صوتي الداخلي الذي أؤمن به جدًا حتى وأنا مشغولةٌ بترتيب حاجياتي- على قلِّتها -لآتي إليكَ
هل تريد شيئًا ما أحضره معي في طريقي إليك؟! استغلْ فرصة قدومي إليك بابا، واطلبْ ما شئتَ، سآتيكَ به والله حتى ولو كان في السماء السابعة، ها؟صوتكَ منخفضٌ، أكاد لا أسمعه؟؟
قل أبي ولا تتحرَّج، وثق أني لن أخذلكَ أبدًا، ولا تحسب أنَّ أخوتي الذكور أقدر مني على ذلك، صدِّقني بابا لن يستطيعوا حمل ما سأحمله إليك!
لذا...أُطلب، أُطلب، بل أؤمرني، ولا تتردَّد، وثقْ أني قادرةٌ على تلبية طلبك، أعرف أنك تثق بي، بل متأكدة!
حاولت كثيرًا والله يا بابا ألا أتصادم مع أيٍّ منهم رغم أن الحقَّ غالباً كان معي، لكنهم كانوا يقولون لي: رغم قلبك الذهب لكنك عصبيةٌ، ولا نستطيع تحمل تبعات عصبيتك.. هم لا يرون مراياهم المشعورة،ولا يسمعون أصداء أصوات فحيحيهم...
بابا هل تسمعني؟؟
أضع يدي على أذني وأصرخ من بعيدٍ:
ماذا تقول أبي، أكاد لا أسمع ما تهمهم به
ها؟ ...تعدُني بمعالجة الموضوع على طريقتك؟!
ليتك تفعل( بابي)،وأعدكَ ألا أتأخَّر بالمجيء إليك، وريثما تفعل، دعني أخبرك:
عن السعال المخنوق في حُجرات صدري الخَرِب...
عن رائحة معسِّل النرجيلات التي تزيد في اختناقي، وهم يتعمدون نفخ دخانها الكثيف في وجهي..
عن عواء الضباع حولي كلما خرجت خلسةً في الليل؛ لآتي إليك، واحكي لك عن كلللل شيء طمسوه عن عينيك!
عن الذين سلكوا دروب التيه؛ فأضاعوا أنفسهم قبل الطريق
عن قهقهات الغرباء الشامتين بنا
عن أولادنا الذين ينادون عليك كل ليلةٍ كي تمسحَ على رؤوسهم؛ فيسكنوا ويناموا...
عن جدران بيتنا العتيق وثريَّاته التي كنتَ تُعلِّقُ النجف فيها بيديك العظميتين بعد أن تلمِّعها بنفسك حدَّ التَّوهُّج، فتبرق في أسقف منزلنا الجميل ذي الجدران البيضاء النقية، فتضيء قلوبنا قبل غرف بيتنا،وقد انطفأتِ الآن!
عن الأشواك المحفوفة بدربي الطويل إليكَ...
ومع ذلك لا تقلق (بابا حبيبي) والله سأحضر لك معي كلَّ مقتنياتك الثمينة والرخيصة..ولا أحسب ما كنت تقتنيه رخيصًا إلا المال الذي جمعتَهُ لنا....
فلا تدعِ الأيام بيني وبينك تمرُّ بلا جدوى..ها قل لي، ماذا أحضر لك يا حبيبي!
إيمان فجر السيد