فلت الجرف من مكانه وسال النهر يبسط نفوذه على المسطحات المجاورة بشكل عشوائي ، فطوى النخل المغروس على الحافة جذوعه المنخورة وتدلى السعف غاطسا ذوائبه ليشرب من القاع كرقبة بعير، فزعت الطيور وبعض الصيادين الذين هالهم منظر انحناء النخيل ،ظلّ النهر مكتئبا ً يشرب غرينه المالح الذي يشبه لون انحسار الشمس وهي تجر أذيالها في أواخر المساءات ، جفلت الحيوانات وهاجت من أماكنها راكضة باتجاه سيل الماء وهي تتكئ على أطرافها الأمامية لتشرب بنهم .
الناس..النهر ..العطش.. أعذاق النخيل الخاوية تحاول الانزياح والخروج من مقتربات المياه لتدفع تهمة العطش المسندة إليها .
ظل النهر يلحس جرفه بعدما فرغ تماما ، بينما ظل ما فاض منه يسيح باتجاهات مختلفة ، انتحار جماعي للأسماك والسلاحف على مرأى من الناس ، البعض منهم أخذتهم الغيرة والنخوة فتلقفوا معاولهم وهم يحفرون في قاع النهر في محاولة لرد اعتبار ماء الوجه، شيوخ طاعنون في السن يصوبون بنادقهم نحو غيمة سوداء في محاولة لخرقها أو أيجاد ثقب أو فجوة تصب عليهم ما يكفي لغسل وجوههم أو تبليل شفاههم المتيبسة وهم يحثون بعضهم على التيمم للصلاة بدلا ً من الوضوء تقشفا..!
الغيمة تراودهم يمينا وشمالاً دون أن تستقر في مكان وعلى غفلة منهم داهمت ْ النهر وشربت ْما تبقى في قعره وحواشيه وساقته إلى جهة مجهولة ، صار الناس يحلفون بالماء ، الأطفال، النساء، الطيور ، الأشجار تستغيث ..تلهث!
قرر الناس بعد مشاورات مكثفة الانتحار على شكل فئات عمرية ، انتحر أولا ً أصحاب الخبرة ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين ، احتار ذووهم بتغسيلهم ، انتحر بعدهم الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين، ثم الثلاثين، ثم العشرين ، احتجت النساء وخاصة المراهقات وتعالت صيحات الاحتجاج والصراخ بعدما فرغت المدينة من الرجال تماما ً ، عندما انتشرت روائح الجثث النتنة قررت النساء البحث عن حل فرفعن الهمّة وقررن دفن المنتحرين ، بدأن الحفر ، كلما حفرن قدما غرق بدموعهن ، يحفر الأطفال فتبكي النساء ، تحفر النساء فيبكي الأطفال ، فاضت المدينة بالدموع فطافت الجثث ، انحدرت كل جثة إلى منزلها دون أن تخطي ء جثة واحدة بالعودة إلى منزلها ، استعانت النساء والأطفال بجذوع الأشجار والحيوانات التي تعوم بتتبع قتلاهم ، وجدوا الرجال بانتظارهم مبتسمين ملوحين بأيديهم نحو السماء وهم يحوّلون مجرى الدمع باتجاه النهر اليابس الذي استقبلهم بحفاوة بالغة ، وكانت فرحة الأطفال والنخيل والطيور لا توصف، إلا أن بعض النسوة ندبن حظهن العاثر بعد عودة أزواجهن الذين أفسدتهم محاولات الانتحار المزيفة ..
* نهر الجندالة: نهر يقع جنوب قضاء المجر الكبير بمحافظة ميسان جفف تماما في زمن النظام السابق وهاجر سكان القرية التي تقع عليه
الناس..النهر ..العطش.. أعذاق النخيل الخاوية تحاول الانزياح والخروج من مقتربات المياه لتدفع تهمة العطش المسندة إليها .
ظل النهر يلحس جرفه بعدما فرغ تماما ، بينما ظل ما فاض منه يسيح باتجاهات مختلفة ، انتحار جماعي للأسماك والسلاحف على مرأى من الناس ، البعض منهم أخذتهم الغيرة والنخوة فتلقفوا معاولهم وهم يحفرون في قاع النهر في محاولة لرد اعتبار ماء الوجه، شيوخ طاعنون في السن يصوبون بنادقهم نحو غيمة سوداء في محاولة لخرقها أو أيجاد ثقب أو فجوة تصب عليهم ما يكفي لغسل وجوههم أو تبليل شفاههم المتيبسة وهم يحثون بعضهم على التيمم للصلاة بدلا ً من الوضوء تقشفا..!
الغيمة تراودهم يمينا وشمالاً دون أن تستقر في مكان وعلى غفلة منهم داهمت ْ النهر وشربت ْما تبقى في قعره وحواشيه وساقته إلى جهة مجهولة ، صار الناس يحلفون بالماء ، الأطفال، النساء، الطيور ، الأشجار تستغيث ..تلهث!
قرر الناس بعد مشاورات مكثفة الانتحار على شكل فئات عمرية ، انتحر أولا ً أصحاب الخبرة ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين ، احتار ذووهم بتغسيلهم ، انتحر بعدهم الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين، ثم الثلاثين، ثم العشرين ، احتجت النساء وخاصة المراهقات وتعالت صيحات الاحتجاج والصراخ بعدما فرغت المدينة من الرجال تماما ً ، عندما انتشرت روائح الجثث النتنة قررت النساء البحث عن حل فرفعن الهمّة وقررن دفن المنتحرين ، بدأن الحفر ، كلما حفرن قدما غرق بدموعهن ، يحفر الأطفال فتبكي النساء ، تحفر النساء فيبكي الأطفال ، فاضت المدينة بالدموع فطافت الجثث ، انحدرت كل جثة إلى منزلها دون أن تخطي ء جثة واحدة بالعودة إلى منزلها ، استعانت النساء والأطفال بجذوع الأشجار والحيوانات التي تعوم بتتبع قتلاهم ، وجدوا الرجال بانتظارهم مبتسمين ملوحين بأيديهم نحو السماء وهم يحوّلون مجرى الدمع باتجاه النهر اليابس الذي استقبلهم بحفاوة بالغة ، وكانت فرحة الأطفال والنخيل والطيور لا توصف، إلا أن بعض النسوة ندبن حظهن العاثر بعد عودة أزواجهن الذين أفسدتهم محاولات الانتحار المزيفة ..
* نهر الجندالة: نهر يقع جنوب قضاء المجر الكبير بمحافظة ميسان جفف تماما في زمن النظام السابق وهاجر سكان القرية التي تقع عليه