إصاءة على ديوان
"أمضي على أثر له" للشاعر. عصام الأشقر. الأردن
بقلم. محمد فتحي المقداد. سوريا
"أمضي على أثر له" للشاعر. عصام الأشقر. الأردن
بقلم. محمد فتحي المقداد. سوريا
صدر حديثًا كتاب "أمضي على أثر له" للشّاعر عصام الأشقر. يحتوي على مجموعة من القصائد العموديّة، انتهج فيها المُباشرة التقريريّة بمحاكاتها للواقع، وهو الأسلوب المُحبّب للشّاعر، وقد نسجها بلغة سليمة وصافية بلا تعقيد. قام بانتقاء الكلمات والتعابير وفق قاموسه اللّغويّ وبأسلوبه الخاصّ. وبمُتابعة القصائد تُلحَظ العاطفة الجيّاشة الصّادقة. من خلال الحشد للطاقات الأدبيّة بهدف إيصال رسالته بيسر وسهولة للقارئ.
وبالتوقّف في رحاب العنوان الطويل "أمضي على أثر له"، المُتدثّر بثوب جُملة فعليّة بصيغة المُضارع، والفاعل يحكي ما ورد على لسان المُتكلّم (الأنا)؛ فجاءت الجملة مُكتَملة البناء، من فعلٍ وفاعلٍ ثمّ المُكمّلات من أشباه الجُمَل؛ فكان الفعل المضارع "أمضي" بمعنى الانطلاق إلى مكان ما، أو هدف قريبًا كان أو بعيدًا، وبمتابعة شبه الجملة: "على أثر" يمكن أن يكون هذا الأثر باقيًا من آثار شخصٍ ما، سيتبيّن وتنكشف هويته لاحقًا، وشبه الجملة الثانية "له" مُؤكِّدة للمقصود الغائب، فالأثر الباقي منه، هو الدّليل إليه وعليه.
وبعد المقدّمة التي جاءت على هيئة نصٍّ قصير بعنوان "استفتاح" بمثابة مقدّمة للدّيوان، نسجها الشاعر بقصيدة موزونة على قافية حرف الدّال. ليأتي بعدها نصٌّ بعنوان "أبي ودروب الفداء"، التفسيريّ لعنوان الدّيوان الرّئيس. القصيدة مُهداة (إلى روح شهيد لا تحدّه الكلمات. أبي)، فالشاعر "عصام الأشقر" صاحب قضيّة، استشهد والده، وضحّى بروحه ودمه من أجلها، من هنا تتّضح فكرة العنوان "أمضي على أثرٍ له" أي على أثر الوالد. ويقول الشّاعر: (لأبي الشّوارع. حين كان بِزيّه يمشي بها تتأهّب. كانت شوارع بلدتي، تمضي على أثر له. تتسحّبُ)ص٩. وهذه القصيدة هي الحاملة للدّيوان، وواجهته الأبرز، وعنوانه الرّئيس.
وفيها تتجلّى تفسيرات وتأويلات العنوان الذي قصده الشّاعر، بقوله: (سيظلّ دربُكَ جَذوةً. أحيا بها. تُعطي الحياة لِنَسلِنا. إنّ الحياة لَتُوهَب) ص١٤.
والقصيدة تنفتح على فضاءات المكان بشكل لافت: (الشّوارع. بلدتي. عِزبته. الأردنّ. وقّاص. القليعات. إربد. درعا. الجولان). والانطلاق إلى فضاءات المكان، وهو ميدان كفاح الأب، ليجعل الشّاعر ثابتًا على هدي نفس الدّرب: (يا أبي لم أنسَ يومًا دربنا. سيظلّ دربك جذوة. أحيا بها). ص١٣/١٤. وفي هذه العبارة تفسير جليّ لفكرة العنوان الرّئيس، وسبب اختياره. إنّه الوطن ليس إلّا. الوطن الذي لا يعدله ولا يُوازيه أيّ مكان في الكوْن إطلاقًا. بفضاءات الدّيوان المكانيّة المُوزّعة على قصائد أخرى: (جنين. منازلها. الضفّة. طريق. الأقصى. حقل. الوطن. نهر. الدنيا. السّكن. الجنّات. بلادي. مَخادِع. الأردن. درج. القدس. العراق. الشام. أرض الكنانة. إربد.. يرموك. روما. جرش. دمشق. العراق). بهذه الطّائفة من الأمكنة تتّضح هويّة ديوان الشّاعر الأشقر، وطبيعة الألم المُكتَنز في قلبه ونفسه، وهو الشّاعر المهموم بواقع الأمّة المُحبِط، ليعود للتاريخ واستنهاض رموزه: (خالد. صلاح الدين. محمد النبي. الفاتح"محمد الفاتح" الأجداد. طارق بن زياد، زياد بن أبيه).
تعدّدت في الدّيوان صيغة النداء: (يا أبي. يا أبت. يا أمتي. يا قدس. يا بن آدم. يا سيدي. يا توأمْيّ. با صديق. يا رب. يا ناثرًا. يا ويل. يا حلمه. يا قلب. يا أمة. يا إربد. يا غصن. يا أهل)، وبهذه الطّائفة من الأدلّة المتناثرة في ثنايا القصائد، ما هي إلًا دليل على احتراق دواخل الشّاعر على قضايا وطنه وأُمّته. وهو دليل آخر على عاطفة صادقة جيّاشة.
كما أنّ ظاهرة التناصّ بتعالقاتها وردت في مواضع عدّة:
*(هنّ العواصم والقواصم) ص٤٤. تناص مع عنوان كتاب (العواصم من القواصم. أبو بكر بن العربي).
*(سبحان الربّ، وقد أسرى) ص٥٥. تناص مع الآية الكريمة "1" من سورة الإسراء: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).
*(هذا زمان الشدّ فاشتدّي زِيَم) ص٩٥. تناصّ مع بيت الشعر (هذا أوان الشدّ فاشتدّي زِيَم.. قد لفّها اللّيل بسوّاق حُطَم) الذي ضمّنه "الحجّاج بن يوسف الثقفيّ" في خطبته الشهيرة حينما وُلّي أمر العراق.
كذلك استحضر الشّاعر التاريخ وحوادثه على سبيل استخلاص الدّروس والعبر، واستذكار لأيّام العزّة والمواقف، بإسقاطاتها على الواقع، بهدف النّهوض واليقظة.
بهذه العجالة حاولتُ الإضاءة على بعضٍ من مسارات ودروب ومقاصد ديوان "أمضي على أثر له"، الذي ظهرت فيه أيضًا تجليّات روحانيّة بأبعاد صوفيّة برؤُى عقلانيّة تتألم لتَخِز الضّمائر النّائمة والميّتة.
عمّان. الأردن
١١/١٢/2023
١١/١٢/2023