تقديم
يشكل المطبخ وما يتضمن من عادات وتقاليد، وما يزخر به من أطباق أحد الروافد الأساسية المشكلة للتراث الثقافي والحضاري لمجتمع ما؛ فالمطبخ، كالمعمار، والفن، واللباس، والعادات والتقاليد…، يشكل أحد الجوانب الثقافة والحضارية التي تشكلت عبر تعاقب السنين.
في الزمن الراهن، المطبخ وما ينتج من موائد ووجبات ومشروبات…، تتجاوز قيمته القيمة الغذائية، بل أصبح ضمن الاستراتيجيات المعلنة في التخطيط الاقتصادي، إذ غدا المطبخ أداة من أدوات التي تساهم في تحريك عجلة التجارة، والسياحة، ومن الوسائط والقوة الناعمة الناقلة والحاملة لمضامين ثقافية ثاوية تحت ذوق..هذا الأخير الذي يخضع لسيرورة التنميط.
يبدو حسب حركة وصلات الاشهار، أن أكثر الميادين المحركة للأقتصاد؛ التسويق والتجارة، والسياحة، تتعلق بالمطبوخ، فإعلانات الوجبات السريعة والدسمة والمشروبات، وغيرها من الوجبات العابرة للحدود والثقافات لا سيما تلك التي أخذت موقعها في الخريطة الذوق العالمي، حاضرة بقوة في جل المنابر الاستشهارية، فيكاد تكون استراتيجية التسويق والسياحة في الزمن الراهن تدور حول المطبوخ والمعد للأكل والشرب…إلخ.
في دهاليز هذا الموضوع سنحاول، أن نستعرض جملة من المضامين السوسيوتاريخية والانثربولوجية التي تتحدث عن موضوع الموائد والطعام بشكل عام، كما سنعطي شذرات عن المطبخ المغربي، وبعض موائده من الماضي القريب التي تباينت بين موائد الفقراء وموائد الأغنياء، مع الاشارة إلى التمثلات الاجتماعية حول “النعمة” أي الخبز في وجدان الانسان المغربي، وذلك من وحي بعض الكتابات، ومن وحي الذاكرة المغربية الموشومة بأعوام، من القحوط والجفافات والجوائح، والغلاء…إلخ، بلغ فيها نقص الخبز والحنطة الغذائية لدون سد رمق الجوع. إن موضوع الغذاء والمطبخ حمال أوجه، كما يتحدث أي مطبخ عن نفسه، وعن ثقافة المجتمع، يحيل أيضا لواقع الفقر الذي يترأى من خلال ما نأكل وما لا نأكل.
إذا ما الدلالة السوسيوثقافية حول “الخبز”؟ ماذا تقول بعض التصورات السوسيوانثربولوجيا حول موائد الطعام؟ ما أبرز المحطات التاريخية لتشكل المطبخ المغربي؟ وما أهم الأطعمة الرئيسية للمجتمع المغربي خلال الماضي القريب؟ هذه جملة من الأسئلة التي يحاول موضوع هذا المقال، أن يقدم عنها اضاءات، بالاعتماد على بعض الكتابات في الموضوع، ومن وحي الذاكرة لبعض المناطق في المجال القروي.
أولا: في دلالة الخبز
يعد الخبز هو المادة الأولى لقوت الانسان، حيث هذه المادة تعتبر منذ قرون، لليوم عند العديد من الشعوب والمجتمعات المادة الغذائية الأولى، لاسيما أنها عند بعض المجتمعات لليوم، هي المطلب الأول لسد حاجيات الفيسيولوجيا المتعلقة بالطعام. إلا أن الخبز _قدس الله سره_ يتجاوز هذا البعد الذي يسد حاجيات الانسان الغذائية، إذ هو رمز من الرموز الذي تدل على أكثر من مجرد كسرة الفقراء الأولى من الطعام في سد رمق الجوع. فقد شكل الخبز، عند بعض المجتمعات رمزا المأدبة الأول، الذي يقاوم به الجوع، ومن هذا المنطلق، تفننت الثقافات الشعبية في تسمية الخبز، وذلك من المجتمعات من جعلت للخبز العديد من الأسماء والأوصاف المعبرة عن تمثلات الاجتماعية عنه، ففي العالم العربي ومكوناته الثقافية، ومن وحي الثقافة الشعبية، يطلق المغاربة مثلا؛ أسماء عدة على الخبز(أغروم بالامازيغية)، من بينها وأشهرها “النعمة”، بينما عند المصريين، يطلقون على رغيف الخبز؛ “العِيشْ” وهلم جرا من التسميات التي تدل على حقل دلالي يتجاوز الخبز كوجبة أساسية في المائدة…إلخ. جل التسميات في المجال العربي، تحمل في دلالاتها؛ رمزية-شاعرية ووجدانية تشي إلى كون الخبز رمز “النعمة” الأول في سد رمق الجوع ونحوه. والخبز بكافة أشكاله وتسمياته؛ كما هو معلوم، يتكون من مادة دقيق القمح أو الشعير أو الذرة…إلخ، مع إضافة قليل من الماء والملح، وشيئا من الخميرة-حسب العادات، ثم يطهى في الفرن، بعد أن تكون النسوة قامت بمزج العجين، واخضاعه لدلك، حسب نوعية الخبز المراد تحضيره.
في المجال المغربي، الخبز حاضر بقوة في مفاصل وجبات المائدة المغربية-وجبة الفقراء، ففي وجبة الفطور يحضر الخبز بأحد أنواعه، وفي الغذاء، والعشاء.
حينا يقال؛ إن الخبز كناية، فمعنى ذلك أن الخبز يتجاوز السُّفرة(1) بل إنه حجر الزاوية في “ديوان المائدة”(2) فالخبز يستخدم في لغة الحياة اليومية على أكثر من وجه، أي أن الخبز حاضرا بسمته، في كل شيء، ولعل الحضور الرمزي القوي لمسألة الخبز في لغة الحياة يعبر عنه الفقراء، ففي ثقافة المجتمع المغربي، الكل يناضل من أجل:
– “طرف خبز ديال الحلال”؛
– ” خبز الولاد/ الدراري”
أي العمل والاجتهاد من أجل سد رمق الأسرة، بعمل مشروع، من أجل تلبية احتياجات أفراد الاسرة من القوت. وهناك رابط قوي في الثقافة الشعبية المغربية بين الخبز، كمادة للأكل والنضال من أجل الابناء. ومن الجدير بالإشارة، يتجاوز الخبز ككناية ورمزية هذا البعد المرتبط بالإشارة للعمل والنضال، بل يصل الخبز ك”كسرة” يقسم بأحد أطرافها على فعل فعله المرء أو لم يفعله؛ “وحق هذا الرزق” الإشارة إلى الخبز؛ إن الخبز كالقِبلة الصلاة، والسيد (=الولي الصالح)، والشرف…يقسم عليه في الثقافة الشعبية.
ومن تجليات الوقار وهالة الاحترام التي يحظى بها الخبز، فلا يسمح ضمير الانسان المغربي، أن يمر على قطعة خبز على ناصية الطريق، ويسمح له ضميره أن يتجاوزها أو يتخطاها، دون القيام بفعل إماطة الخبز عن الطريق؛ فتلزمه القاعدة، قاعدة العادات والتقاليد-والمتوارثة، أن يحمله ويقبله..ويقول، وهو يضعه في مكان مرتفع، في قرارة نفس” الله يقويك علينا.. وهلا يحرمنا من رزقك”؛ ومن أجل فهم هذا الفعل وبعض العادات الاجتماعية الممارسة بدواليب مسرح الحياة الاجتماعية في المجتمع المغربي، فلكي يتم فهما لابد من الرجوع إلى الماضي القريب وما قبله، حيث عاش المغاربة، أعواما عجاف جعلت تلك الكسرة من الخبز، تقل للحد مقايضة أو رهان بعض الاسر في زمن الأزمنة العسيرة، ما يقرب من هكتار أو أكثر من الأراضي الزراعية بمد من الشعير أو القمح خلال نهاية القرن 19 ومنتصف القرن 20 في بعض المناطق حسب الرواية الشفوية. بل في الماضي القريب شكل الخبز أحد المقايضات في الاجارة، حيث عملت بعض الاسرة التي تكالبت عليها ظروف الفقر على العمل مع بعض الفلاحين خلال الماضي القريب بما مقابله “خبزة” (3) .
قصارى القول، ما تحت سطور “الخبز”؛ بالخط العريض الجوع، الجوع الذي شكل أحد الأزمات الفتاكة التي تتسبب فيها الجوائح الطبيعية، والحروب البشرية، ونحوها من أمور التدبير والتسيير؛ فالذاكرة ما تزال موشومة في بعض المجتمعات التي كانت في الأمس القريب تعيش حياة الكفاف، وحياة البؤس، وحياة الندرة، وأخطر حالة وصلها لها المجتمع المغربي مثلا؛ حالة “عام يرني”(4)؛ وذلك عام جاع في الناس بما تعني كلمة جوع من معنى، حيث اقتات الناس على حشائش الأرض وميتتها… قصارى القول؛ الخبز هو في سيرورة الحياة الاجتماعية، هو كاشف حقيقة خبايا التنمية.
ثانيا: الطعام مقاربة سوسيوانثربولوجية
يعد حسب سرديات العلوم الإنسانية والاجتماعية، الانسان الكائن الوحيد الذي يقوم بعملية طبخ طعامه عن باقي الكائنات الموجودة، وعليه، شكل الطعام، وما يتعلق به من تفاصيل أحد الأرضيات التي اعتمدها رواد العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ أرضية لدراسة الحياة الاجتماعية، في عدة أبعاد، على رأسها الابعاد الاقتصادية والثقافية للمجتمع، سواء المتعلق بالمجتمع القديم أو الحديث عبر سيرورته الحضارية والثقافية. فمائدة الطعام، بكل تفاصيلها من سيرورة اعدادها، وتهيئتها وطبخها، وتنظيمها وتقديمها، وصيرورة تناولها على السُفرة، ونوعية المطعوم؛ يعد شكل من الأشكال المعبرة عن مضامين ثقافية واجتماعية وتاريخية تتعلق بجماعة اجتماعية ما، تبرز المباح والمحظور (الحلال والحرام)، وغيرها من التفاصيل في الحياة الاجتماعية عند الجماعة الأولى ومن جاء بعدها.
إن الطعام المعد من قبل ثقافة طبخ ما، وما ينتج عنه من موائد مختلفة الألوان، والأشكال والأذواق..والمقدم في إطار شكل ما من أشكال التقديم؛ يتجاوز كونه غذاء وفقط، يقتات عليه الانسان، من أجل أن يلبي حاجيات البدن من السعرات الغذائية، بل الطعام جزء لا يتجزأ من منظومة المعطيات الاجتماعية المشيدة أي معطى اجتماعي، وأحد مستويات الإنتاج، والابداع الذي أبدعت فيه؛ أقواما، وشعوبا عبر سيرورتها الحضارية، وجعلت له عادات اجتماعية وطقوس ما. وكما للغة تاريخ، ولمهنة الطب تاريخ، وغيرها من الحرف والمهن والظواهر، للطعام تاريخ طويل، يربطه البعض باستخدام الانسان للنار، الذي يعود حسب بعض التقارير العلمية إلى قبل مليون عام(5).
ومن الجدير بالذكر، ربما أكثر العلوم من حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية التي قامت بحفريات عميقة من خلال أرضية موضوع الطعام، نجد الانثربولوجية؛ التي رصدت عادات وتقاليد الطعام لدى الشعوب المصنفة من قبل المعرفة الكولونيالية(6) شعوب بدائية.
ففي متن بعض الكتابات الاستشراقية(7) توجد فصول تتحدث عن عادات، وتقاليد الشعوب في إعداد الطعام، ومصنفاتها من المشروبات والمأكولات المتعارف عليها.
لقد كان هذا “الغير” الذي له ذوقه الخاص، وطريقته الخاصة في إعداد طعامه وشرابه، كان محل دراسة من قبل الآخر، صاحب الحضارة والعلوم…إلخ. وفي سياق الثقافة العربية يعد المستشرق ماكسيم رودنسون من بين المستشرقين الذين استوقفهم موضوع آدب الطعام عند العرب. كما كان موضوع الطعام وعادته وتقاليده جزء من أعمال سوسيوانثربولوجية عديدة، خلال الحقبة الكولونيالية، لا سيما أن المعرفة كولونيالية التي كانت مسخرة إلى معرفة الآخر، الموصوم “بالبدائي” من قبل النزعة المركزية الأوربية.
في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية نجد مجموعة من الكتابات ذات البعد السوسيوانثربولوجي العميق، لاسيما تلك التي حفرت في أعماق الثقافة، هذه الأخيرة التي تحيل لكل شيء يقوم به الانسان من المهد إلى اللحد حسب إليوت(8)؛ ومن ذلك طبخ طعام وتقديمه في شكل ما من الاشكال التي تميز طبقة اجتماعية ما.
فمن الأبحاث والدراسات التي رصدت الثقافة من خلال بعد الطعام، نجد دراسات وأبحاث تؤكد على مساهمة العالم الاجتماع والانثربولوجي الفرنسي ليفي ستراوس، الذي يعود أحد أئمة البنيوية في العلوم الانسانة والاجتماعية. فمن خلال مؤلفاته(9)، نجد مؤلفات تتناول موضوع الطعام؛ ففي كتابه المعنون ب”أسطوريات” الذي يتضمن أربعة أجزاء: أسطوريات (مجلد 1) النيئ والمطبوخ (1964)؛ أسطوريات (مجلد 2) من العسل إلى الرماد (1966)؛ أسطوريات (مجلد 3) أصل أدب المائدة (1968)؛ أسطوريات (مجلد 4) الإنسان العاري (1971). تعد كتابات سترواس من الكتابات العميقة التي “أكد على أن الطعام والمطبخ يقفان بين الطبيعة والثقافة ويتوسطان بينهما، وأنهما يعدان وسيلة من وسائل التعبير عن الغنى الثقافي والاجتماعي، ومؤشرا على التحولات السوسيوتاريخية(10)، وحسب المدخل الانثربولوجي، التحولات الغذائية لدى الشعوب، كانت من النيئ إلى المطبوخ. بل إن النيئ والمطبوخ حسب شراح ليفي ستراوس، يشكل أحد الثنائيات في بينة العقل البشري، كالتقابل بين الانسان والحيوان، والطبيعة والثقافة…وما أكثر الثنائيات التي تنمط المجتمعات في علم الاجتماع.
وراء سطور الطعام من المدخل السوسيوانثربوجي، ثقافة عميقة تعبر عن تمثلات رمزية للمجتمع، فقد فككت شفرتها عالمة الانثربولوجية كارول كونيهان في كشف التراتبيات الاجتماعية في نوع الطعام في مؤلفها” أنثربولوجيا الطعام والجسد: النوع والمعنى والقوة”(11). ومنذ القديم لليوم، هناك فروق نوعية وكمية بين طعام الطبقات الاجتماعية في المجتمع، فاليوم كما الأمس البعيد والقريب، هناك من يأكل الطعام ب”ملعقة من ذهب” _تصور فاحش للثراء_، وهناك من لا يجد طعاما يأكله بأصابع يده. أو بلغة كونيهان “يتم الحفاظ على التراتب الهرمي، والطبقي، والطائفي، والعنصري والنوعي(بين الرجال والنساء) جزئيا من خلال تميز الناس عن بعضهم البعض في التحكم في الطعام وطرق الحصول عليه. كما أن نوع الطعام الذي يأكله الشخص، وكميته، ومع من يأكل يكشف عن موقع هذا الشخص في النسق الاجتماعي”(12). كما أن “الطعام”، من خلال اعداده، وتهيئته وعرضه، وتفاصيل تناوله ومناسباته، وما عليه هذا الطعام، من أطباق متنوعة، أو مقتصرة على لون واحد، وما يرفقه من طقوس ما، لها علاقة بما هو مقدس(الذبيحة) في المعتقد تكشف عن جوانب عديدة من تفاصيل عن الانساق الاجتماعية والثقافية في المجتمع، فليس هناك شيء عرضي بل جل التفاصيل الموازية والمرتبة للمائدة هي شكل من أشكال الدالة على الثقافة والانتماء الإديولوجي. ولعله من الجدير بالذكر استحضار أحد المعطيات السوسيولوجية في بعض المجتمعات الدالة على نوع خاص من العلاقات الاجتماعية المرتبطة بمتغير الطعام؛ ما يطلق عليه “قرابة الملح” ذلك التعبير السوسيولوجي المعبر عن نوع من العلاقات الاجتماعية في بعض المجتمعات، ففي كتابه “قرابة الملح: الهندسة الاجتماعية للطعام”(13) يبرز السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري، أن آداب المؤطرة للمأدبة والغذاء عموما وما يتضمن طبق المائدة من نوعية طعام(الكم والنوع) هو دال ومدلول عن الهوية والانتماءات..إلخ.
ومن الجانب السوسيواقتصادي، يلاحظ مجموعة من الملاحظات المستوحاة من السفرة، وما يرتبط بها من عادات وتقاليد وطقوس وأعراف تقدم لنا مظاهر سوسيولوجية معبرة عن الاسرة والطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها هذه الاسرة، وكذا عن التمثلات الاجتماعية، وسياسة التدبير والتسيير للأسرة؛ فمن خلال مظاهر التقشف أو البذخ، أي الوضع الاقتصادي للأسرة يستشف من خلال المائدة، بل إن المائدة اليوم في جميع المجتمعات؛ هي الكاشف الأول عن واقع التنمية من حيث مؤشر الفقر الحقيقي الذي يتعلق بلقمة العيش، أولم يقل صاحب “التنمية حرية”(14)، أن من أبعاد التنمية حرية الانسان من الجهل والمرض والفقر؟ فما يأكل ويشرب المجتمع؛ وما نوعية ما يأكل ويشرب؛ وما فائدة ما يأكل ويشرب المجتمع هو الشاهد على مستوى الفقر والحرمان والجوع في الدول.
ثالثا: اضاءات تاريخية عن تشكل “المطبخ المغربي”
من معالم وألوان التراث المغربي(15)اليوم وبدون منازع، اعدادات وانتاجات المطبخ المغربي؛ فما عليه المائدة المغربية العامرة من وجبات ومشروبات، وما تعرفه هذه الوجبات والمشروبات من دروب ومسالك في الإعداد، وما تتضمن من تفاصيل اللون والذوق “المالح”، و”الحلو”، و”الحار”، و”المعسل”..، تجعل للمائدة المغربية ذوقا، ولونا وبناء خاصا، يجعلها ميزة من الميزات التي يتميز بها انتاج ثقافة المطبخ المغربي، هذا المطبخ الذي شيدته الثقافة المغربية بسواعد المرأة المغربية من جيل إلى جيل، يعبر عن أحد أشكال التراث بالمجال المغربي كباقي أنواع التراث المتجلية في العمران واللباس، والعادات الاجتماعية والتقاليد في المناسبات؛ المعبرة عن الخصائص العمرانية والمجالية والثقافية للمجتمع المغربي.
بالعودة إلى الكتابات السوسيوتاريخية حول المائدة المغربية، نجد أن التشكيلة التي عليها مائدة المطبخ المغربي، هي امتداد للتاريخ العريق؛ لهذا المجال الذي التقت في أقوم، وشعوب، وامتزجت فيه مكونات وروافد ثقافية متعددة، أثرت وتأثرت فيما بينها عبر عملية التثاقف. فمن إرث مرحلة تاريخية إلى إرث مرحلة أخرى؛ تشكلت هوية المطبخ المغربي؛ الذي يبدو عليه، بملاحظة العابرين؛ كالسياح، والمقيمين كالبعثات العلمية والديبلوماسية، وضيوف المغرب من جميع الثقافات والبلدان، أنه مميز، ومتنوع، يثير شهية الأكل والتذوق…إلخ.
إن المطبخ المغربي الذي عليه اليوم من أطباق وأذواق، ليس وليد اليوم، بل هو نتاج، لسيرورة تاريخية طويلة(16) من المزج والاضافات وللمسات والتحويرات…كما يؤكد الباحثون على أن مرحلة التحول الذي عرفها المطبخ المغربي ترجع إلى عهد المرابطين والموحدين والعصر المريني(17)، ومنذ هذا الحين والمطبخ المغربي في طريق تكوين هويته وخصوصيته، يشهد لأحد الرافد المطبخية، المطبخ الأندلسي في تنوع المطبخ المغربي، حيث استقدم المورسكيين ومعهم في رحلة الهروب الكبير من جحيم محاكم التفتيش إبان سقوط غرناطة_ ونهاية امارة بني الأحمر بالاندلس_ عاداتهم وتقاليدهم التي ستضيف لمسة على الثقافة المغربية في جميع الفنون الممكنة.
ومن مفارقات انتاج المطبخ المغربي، أن بعض الاطباق التي عليها المائدة المغربية؛ كالخبز، وبعض مشتقاته، والعصيدة ونحوها من الوجبات الأساسية في التاريخ المغربي الوسيط، هي امتداد للعديد من القرون حافظت على طريقة اعدادها في الكانون(18) المغربي.
في كتب التاريخ، يحيلونا محمد حجاج الطويل، لمجموعة من المصادر (19) التي تعود للعصر الوسيط، والعصر الذي يليه إلى مجموعة من المصادر التي وردت فيها مواد تتعلق بموضوع الطبخ والمائدة المغربية: من قبيل فضالة الخوان_العصر المريني، وأرجوزات تؤرخ لدخول مادة الشاي إلى المجال المغربي. ومن الجدير بالإشارة، يتضمن مؤلف معلمة المغرب(20)، جانبا مهما من الموضوعات التي تتعلق بموضوع المطبخ المغربي، والعديد من الإشارات المفيدة والغنية بالمعلومات عن بعض الوجبات والمعطيات المجالية في دروب التراث الذي يزخر به المجال المغربي.
يقول أحد الأمثلة في اللسان الدراج المغربي؛ “الماكلا بلا ما من قلت الفهاما” أي الأكل بدون وجود ماء الشروب على المائدة من نواقص مائدة؛ وعلى ضوءه، فمن أشهر المشروبات في تاريخ المغرب؛ “أتاي”، الذي كانت بدايته خلال القرن 17م، في مشوار قصر سلطان المولى إسماعيل(1672-1727)، ومن هذا التاريخ بدأت رحلة “أتاي” التي أرخ لها مؤرخين مغربيين؛ في مؤلف “من الشاي إلى أتاي”(21)، سيصبح أحد رموز الكرم، واجتماع العائلة…إلخ، وفي الزمن الراهن، أصبح “أتاي ومعه الخبز” أحد رموز الدالة في الزمن الراهن سوسيولوجيا على وجبة الفقراء(الخبز وأتاي).
رابعا: لمحة عن “خبز” الفقراء والأغنياء بالمغرب
بادئ ذي بدء في هذه المداخلة سنستعين بمضامين من “المغرب النباتي”؛ هذا الأخير، هو عنوان كتاب، لصاحبه الدكتور محمد حبيدة، جاء على العنوان التالي: “المغرب النباتي: الزراعة والأغذية قبل الإستعمار”(22) هذا المؤلف يعد من الكتب النوعية التي تناولت الشأن المغربي/المغاربي، من ناحية الحياة الاجتماعية والاقتصادية من خلال المدخل الغذائي والزراعي للمجتمع المغربي، لحقبة مهمة من تاريخ المغرب، وهي حقبة ما قبل الإستعمار. هذه الحقبة التي رصدها المؤرخ، وقدما لنا ملامحها العامة والخاصة، وخصائصها السوسيوتاريخية المتعلقة بالغذاء والتي تتضمن مستويات العيش.
إن “المغرب النباتي” مؤلف يقدم لنا قراءة سوسيوتاريخية وانثربولوجية عن التاريخ الاجتماعي المغربي، من خلال الزراعة والغذاء. من أهم المضامين التاريخية الواردة في متن المغرب النباتي؛ الإشارة إلى أن الحقبة الممتدة من القرن 15 إلى القرن 18 هي حقبة تعرض خلالها المجال المغربي لمجموعة من الجوائح؛ كالمجاعات والأوبئة، ومجموعة من التحولات السياسية المتجلية في تعاقب الاسر الحاكمة على المغرب، لقد كانت هذه التحولات السياسية والجوائح الصحية والبيئية، أثر كبير على تطور المشهد الزراعي بالمغرب.
خلال مرحلة ما قبل الاستعمار، كان مشهد الإنتاج الطاغي على المشهد الزراعي المغربي، انتاج الحبوب بالمجالات البورية، وبعض الخضر والفواكه بالمجالات السقوية؛ إذ كانت زراعة القمح والشعير هي السائدة. وحسب ما يذهب له المؤرخ، أن القمح والشعير كان ضرورة زراعية؛ فهو عصب الغذاء للبشر، وللدواب التي هي في نفس الوقت تقدم أحد الاحتياجات الغذائية للمجتمع، وهي في الأني ذاته من أدوات العمل في عمليات الفلح، كالاحصنة…إلخ.
إبان حقبة ما قبل الاستعمار كانت قيمة القمح ورمزيته، أكثر من الشعير، فهذا الأخيرة كان من استهلاك عوام السكان المغاربة وفيه غذاء دوابهم.
بينما القمح كان استهلاكه من طرف عليّة القوم، وهي الفئة الغنية التي تمتلك السلطة والمال. وبمعنى سوسيولوجي كان القمح رمزا للثراء هو ومعه المزروعات؛ الفواكه والخضر في تخوم الحواضر المغربية.
تصنف المائدة المغربية اليوم، عند العديد ممن زاروا المغرب من أكرم الموائد، وأكثرها تنوعا، وربما ألدها ذوقا، فمن المعروف عن المجتمع المغربي، حسن ضيافته، وكرم مائدته التي تتفنن الاسر في الاشتغال عليها، وتنويعها بأطباق مغربية تعبر عن أصالة العادات والتقاليد الاجتماعية المرتبطة بالضيافة وكرم المجتمع المغربي…إلخ. لكن السؤال الذي يطرح، ما أهم الأطعمة ما قبل الاستعمار؟ بالعودة إلى “المغرب النباتي”، كان للمغاربة، ثلاثة أطعمة رئيسية، وهي: الخبز، الطْعام، اللحم.
-أما الخبز، فكان نوعين؛ الخبز الأبيض، والخبز الأسود؛ الأول يتم اعداده من الدقيق الخالص دون ادخال نخالة القمح، وهو كان من استهلاك الخاصة/الأغنياء، في حين الخبز الأسود الدقيق الخالص المعد مناصفة مع النخالة يستهلكه، العامة/الفقراء. ومن المفارقات حول القيمة الغذائية حسب المعايير علم الأغذية أن خبز الفقراء أغنى قيمة غذائية من قيمة الغذائية للخبز الأبيض، وهذا المعيار ما أعاد توجيه استهلاك الخبز لصالح الخبز الأسود (الملقب ب”خبز الحمرا” في بعض المناطق المغربية).
-الطعام، أو الكسكس: يعد هذا الطبق المغربي اليوم، من أهم الأطباق مشهورة في العالم، لقد شكل “الطْعَامْ” من أكثر الأطعمة تناولا لدى المجتمع المغربي ما قبل الاستعمار، وكان حسب الكتابات التاريخية، طبق يومي. في حين اليوم تحول لطبق، مخصص بالأساس ليوم الجمعة من كل أسبوع، ويكون في كل تأبين جنازة.
– اللحم: عرف المغرب اليوم طفرة كمية ونوعية في استهلاك اللحوم بكافة ألوانها، لكن اللحم في تاريخ المجتمع المغربي خلال الحقب الماضية، كان طبقا احتفاليا؛ إذ كان مرتبط بعيد الأضحى بالاساس، وبعض المناسبات كالفرح أو القرح.
ومن المفارقات التي يتضمن المؤلف هو مقاربة وجبات الأغذية التي كان يتناولها المغاربة من الناحية البيولوجيا، حيث استحضر المقاربة البيولوجيا للغذاء المغربي فكانت تؤكد على أن غذاء العامة من المجتمع المغربي كانت أكثر صحية من الناحية البيولوجيا من الغذاء الخاصة. ومسألة المقاربة البيولوجيا للغذاء تكمن في كربوهيدرات وبروتين، ماء ، فيتامينات، معادن. وهي جملة من مكونات الغذاء النباتي المغربي التي كانت تتواجد في القطاني كالحمص والفول، والعدس..إلخ(التي تلقب بلحوم الفقراء.). والخضر والفواكه والسكر والعسل.
خاتمة
لقد كانت هذه إضاءات عن بعض الإشارات حول موضوع المائدة بصفة عامة، وموضوع المطبخ المغربي، الذي يتجاوز موضوعه الجانب الغذائي، فهو أحد القوة المعبرة عن ثقافة المجال المغربي المتعدد الروافد والفنون. من الجدير بالملاحظة، ما يزال هذا الموضوع في أمس الحاجة للرصد والتناول والتدوين في حالة بعض المناطق بالمجال المغربي، حيث نجد ما يحكى في الثقافة الشعبية من وحي الذاكرة ما يقدم شهادات حية عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحياة المجتمع المحلي في تدبير شأنه الغذائي وقوته اليومي…مع العلم أن ما تزال معركة القوت اليومي تشكل أول قضية عند شرائح اجتماعية في العالم برغم مما تتوفر عليه الأرض من خيرات؛ “لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرّجال”؛ يقول الشاعر عمرو بن الأهتَم المِنْقَري السعدي.
المراجع
(1) ديوان المائدة؛ هو كتاب لصاحبه الشاعر المغربي سعد سرحان: يطرق موضوع أدب المائدة، وفنون المطبخ، للمزيد أنظر: سعد سرحان، ديوان المائدة، دار العين للنشر، القاهرة، مصر 2015؛ كما للشاعر مجموعة من المقالات (23 مقالا) خصصها حول المائدة المغربية في جريدة هسبريس سنة 2020.
(2) المائدة وما عليها من طعام، يستخدم الشاميين(الشام) اصطلاح السفرة في حياتهم اليومية بشكل مكثف.
(3)هي شكل من أشكال الإجارة في المغرب، عرفتها بعض المناطق ما قبل الاستقلال، تختلف أشكالها، حيث كان يوجد في العالم القروي من يعمل مع بعض الفلاحين بمقابل “شبعة كرشو” أي إلتزام الفلاح صاحب الأرض بإمداد الأجير بمونة الأكل؛ القمح، الشعير، السكر، الشاي…إلخ. وهناك نظام في معاملات الفلاحية، كتب حوله جليل حليم؛ اسمه “الخبزة” يشير نظام تعاقد فلاحي شبيه بتعاقد الخماسة، للمزيد، أنظر: عبد الجليل حليم، الخبزة، معلمة المغرب، ج11، ص3671.
(4) عام يرني؛ إنه عام اقتاتت فيه بعض المناطق المغربية على نبتة تسمى “يرني”، وكان ذلك في مجاعة 1825م. للمزيد حول تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب، أنظر: محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب: في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. منشورات كلية الأدب العلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 18. المملكة المغربية، جامعة محمد الخامس. 1992م.
(5) للمزيد أنظر: موقع القناة الألمانية؛ تحت عنوان: الإنسان الأول استخدم النار للطهي قبل مليون
(6) للمزيد حول طبيعة المعرفة الاستعمارية/الكولونيالية خصوصا المتعلق بالمجتمع المغربي في بعض الجوانب أنظر: دورية عمران، المجلد الخامس، العدد17(صيف2016).
(7) ترجع بعض الأبحاث جذور ظاهرة الاستشراق إلى مقولة “اعرف عدوك لتهزمه”، ويعرف الاستشراق على كونه جملة من الدراسات التي قام بها باحثون غريبون من أجل معرفة ثقافة الانسان الشرقي، للمزيد حول ظاهرة الاستشراق أنظر: إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، ط1( القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2006).
(8) توماس ستيرنز إليوت، ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة شكري محمد عياد، المركز القومي للترجمة، سلسلة ميراث الترجمة، عدد 1623، القاهرة، 2010م.
(9) للمزيد أنظر: كلود ليفي ستراوس.. عالم اجتماع وأنثروبولوجي فرنسي، موسوعة الجزيرة:
(10) محمد التركي الربيعو، أنثروبولوجيا الطعام في المجتمعات المحلية العربية، موقع جريدة القدس العربي،
(11) كارول م. كونيهان، أنثربولوجية الطعام والجسد: النوع والمعنى، والقوة، ترجمة سهام عبد السلام، المركز القومي للترجمة، العدد 1779، مصر-القاهرة، ط1(2013).
(12) كارول م. كونيهان، أنثربولوجية الطعام والجسد: النوع والمعنى، والقوة، المرجع السابق، ص 22.
(13) يقول العطري” إن الطعام في صيغ اعداده وشكل تقديمه واستهلاكه يعبر عن الانتماء الثقافي للأفراد، إنه علامة هوية، تكشف على المعنى الذي ينتجه المجتمع بصدد وضعياته وتبادلاته، بل إن الطعام يصير مؤسسا لحدود اثنية ودينية وطبقية وسياسية وجنسية أحيانا” للمزيد أنظر: عبد الرحيم العطري، قرابة الملح: الهندسة الاجتماعية للطعام، سلسلة المكتبة الاجتماعية، المغرب-الدار البيضاء، ط1(2016)، ص 29.
(14) صن أمارتيا، التنمية حرية: مؤسسات حرة و إنسان متحرر من الجهل و المرض و الفقر، ترجمة شوقي جلال، عالم المعرفة 303، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2004).
(15) ينقسم التراث المغربي إلى تراث مادي يتمثل في المواقع الأثرية والأثار والمعالم التاريخية والمباني المتميزة و المخازن الجماعية والمنشآت الأخرى كالمدارس والمساجد والأضرحة والدور الخصوصية، والمرافق كالكتاتيب القرآنية والخزانات والسقايات العمومية والمطاحن والحمامات و والتحف الأثرية الفنية والتي خلفتها الأجيال كالمسكوكات و النقود…إلخ. أما التراث غير المادي، فهو يدخل ضمنه كل ما في العادات والتقاليد الشعبية؛ وأسلوب كيفية عيش الناس وتعاملهم فيما بينهم ومع محيطهم الإجتماعي والطبيعي وكيفية اقامة حفلاتهم وتخليد أعيادهم وذكرياتهم، ومطبخهم، …إلخ. كما تدخل الحرف والصنائع من باب التعليم والتوارث التقني والمعرفي. وتدخل فيه كذلك الفنون المستعرضة والموسيقى الشعبية، والتراث اللغوي ….إلخ. للمزيد أنظر: عبد العزيز توري، التراث المغربي، معلمة المغرب(ج7)، المرجع السابق، ص 2310.
(16) محمد حجاج الطويل، الطبخ المغربي، معلمة المغرب، ج17، ص5720.
(17) محمد حجاج الطويل، الطبخ المغربي، معلمة المغرب، ج17، ص5721.
(18) كلمة الكانون تعني في سياق البحوث السوسيوتاريخة المغربية، يقصد أو تعني حرفيا الدار، المنزل، العائلة=الكانون. للمزيد أنظر:الفقيه الادريسي، الكانون، معلمة المغرب(ج20)، ص 6728. لكن الكانون في استعمال الاجتماعي المغربي-القروي هو بيت من بيوت القروية الذي كان يكون ملاصقا لبيت الخزين للمواد الأساسية الغذائية من قمح وطحين وقطاني…إلخ، فاذا كان بيت الخزين هو بيت المونة هو بيت ادخار المواد الأساسية للغذاء، فبيت الكانون، هو بيت تضرم فيه نار الطبخ، حيث لم يكون بعد يوجد في المجال القروي وجود قنيات غاز الطبخ، وكان الاعتماد على الحطب، لذا خصصت الأسرة بيت خاصا أطلت الكانون؛ وفي اللغة العربية نجد وَضَعَتِ القِدْرَ عَلَى الكَانُونِ، أي على الموقد ….إلخ.
(19) حسب المقاليين الوارديين في معلمة المغرب؛ “الخبز” ج11، و”الطبخ المغربي” ج17؛ يشير محمد حجاج الطويل لمجموعة من المصادر التي تناولت موضوع المطبخ في المغرب، من قبيل: ابن رزين: “فضالة الخوان” ، الرباط، 1981؛ ميراندا: “كتاب الطبخ في المغرب والأندلس”، مجلة المعهد المصري بمدريد، 1961-1962؛ البتوري، شرح الارجوزة الفائقة، مخطوط؛ الزموري، شرح أرجوزة الزموري في أتاي، م، د، 1709؛ ابن خلدون، العبر، 1967؛ الوزان، وصف افريقيا، الرباط، 1980…إلخ. للمزيد أنظر:
– محمد حجاج الطويل، الخبز، معلمة المغرب، ج11، ص3670.
– محمد حجاج الطويل، الطبخ المغربي، معلمة المغرب، ج17، ص5720.
(20) معلمة المغرب : المغرب الأقصى ( قاموس مرتب على حروف الهجاء يحيط بالمعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والجغرافية و البشرية و الحضارية للمغرب الأقصى ). المدير المشرف محمد حجي، الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة والنشر. (ج22): مطابع سلا : 1426ه /2005م.
(21) عبد الأحد السبتي، عبد الرحمان لخصاصي، من الشاي إلى الآتاي: العادة والتاريخ، منشورات كلية الأداب والعلوم الإنسانية-الرباط، بحوث ودراسات رقم 25، ط1(1999).
(22) محمد حبيدة، المغرب النباتي: الزراعة والأغذية قبل الإستعمار، منشروات ملتقى الطرف، الدار البيضاء المغرب، ط1(2018).
يشكل المطبخ وما يتضمن من عادات وتقاليد، وما يزخر به من أطباق أحد الروافد الأساسية المشكلة للتراث الثقافي والحضاري لمجتمع ما؛ فالمطبخ، كالمعمار، والفن، واللباس، والعادات والتقاليد…، يشكل أحد الجوانب الثقافة والحضارية التي تشكلت عبر تعاقب السنين.
في الزمن الراهن، المطبخ وما ينتج من موائد ووجبات ومشروبات…، تتجاوز قيمته القيمة الغذائية، بل أصبح ضمن الاستراتيجيات المعلنة في التخطيط الاقتصادي، إذ غدا المطبخ أداة من أدوات التي تساهم في تحريك عجلة التجارة، والسياحة، ومن الوسائط والقوة الناعمة الناقلة والحاملة لمضامين ثقافية ثاوية تحت ذوق..هذا الأخير الذي يخضع لسيرورة التنميط.
يبدو حسب حركة وصلات الاشهار، أن أكثر الميادين المحركة للأقتصاد؛ التسويق والتجارة، والسياحة، تتعلق بالمطبوخ، فإعلانات الوجبات السريعة والدسمة والمشروبات، وغيرها من الوجبات العابرة للحدود والثقافات لا سيما تلك التي أخذت موقعها في الخريطة الذوق العالمي، حاضرة بقوة في جل المنابر الاستشهارية، فيكاد تكون استراتيجية التسويق والسياحة في الزمن الراهن تدور حول المطبوخ والمعد للأكل والشرب…إلخ.
في دهاليز هذا الموضوع سنحاول، أن نستعرض جملة من المضامين السوسيوتاريخية والانثربولوجية التي تتحدث عن موضوع الموائد والطعام بشكل عام، كما سنعطي شذرات عن المطبخ المغربي، وبعض موائده من الماضي القريب التي تباينت بين موائد الفقراء وموائد الأغنياء، مع الاشارة إلى التمثلات الاجتماعية حول “النعمة” أي الخبز في وجدان الانسان المغربي، وذلك من وحي بعض الكتابات، ومن وحي الذاكرة المغربية الموشومة بأعوام، من القحوط والجفافات والجوائح، والغلاء…إلخ، بلغ فيها نقص الخبز والحنطة الغذائية لدون سد رمق الجوع. إن موضوع الغذاء والمطبخ حمال أوجه، كما يتحدث أي مطبخ عن نفسه، وعن ثقافة المجتمع، يحيل أيضا لواقع الفقر الذي يترأى من خلال ما نأكل وما لا نأكل.
إذا ما الدلالة السوسيوثقافية حول “الخبز”؟ ماذا تقول بعض التصورات السوسيوانثربولوجيا حول موائد الطعام؟ ما أبرز المحطات التاريخية لتشكل المطبخ المغربي؟ وما أهم الأطعمة الرئيسية للمجتمع المغربي خلال الماضي القريب؟ هذه جملة من الأسئلة التي يحاول موضوع هذا المقال، أن يقدم عنها اضاءات، بالاعتماد على بعض الكتابات في الموضوع، ومن وحي الذاكرة لبعض المناطق في المجال القروي.
أولا: في دلالة الخبز
يعد الخبز هو المادة الأولى لقوت الانسان، حيث هذه المادة تعتبر منذ قرون، لليوم عند العديد من الشعوب والمجتمعات المادة الغذائية الأولى، لاسيما أنها عند بعض المجتمعات لليوم، هي المطلب الأول لسد حاجيات الفيسيولوجيا المتعلقة بالطعام. إلا أن الخبز _قدس الله سره_ يتجاوز هذا البعد الذي يسد حاجيات الانسان الغذائية، إذ هو رمز من الرموز الذي تدل على أكثر من مجرد كسرة الفقراء الأولى من الطعام في سد رمق الجوع. فقد شكل الخبز، عند بعض المجتمعات رمزا المأدبة الأول، الذي يقاوم به الجوع، ومن هذا المنطلق، تفننت الثقافات الشعبية في تسمية الخبز، وذلك من المجتمعات من جعلت للخبز العديد من الأسماء والأوصاف المعبرة عن تمثلات الاجتماعية عنه، ففي العالم العربي ومكوناته الثقافية، ومن وحي الثقافة الشعبية، يطلق المغاربة مثلا؛ أسماء عدة على الخبز(أغروم بالامازيغية)، من بينها وأشهرها “النعمة”، بينما عند المصريين، يطلقون على رغيف الخبز؛ “العِيشْ” وهلم جرا من التسميات التي تدل على حقل دلالي يتجاوز الخبز كوجبة أساسية في المائدة…إلخ. جل التسميات في المجال العربي، تحمل في دلالاتها؛ رمزية-شاعرية ووجدانية تشي إلى كون الخبز رمز “النعمة” الأول في سد رمق الجوع ونحوه. والخبز بكافة أشكاله وتسمياته؛ كما هو معلوم، يتكون من مادة دقيق القمح أو الشعير أو الذرة…إلخ، مع إضافة قليل من الماء والملح، وشيئا من الخميرة-حسب العادات، ثم يطهى في الفرن، بعد أن تكون النسوة قامت بمزج العجين، واخضاعه لدلك، حسب نوعية الخبز المراد تحضيره.
في المجال المغربي، الخبز حاضر بقوة في مفاصل وجبات المائدة المغربية-وجبة الفقراء، ففي وجبة الفطور يحضر الخبز بأحد أنواعه، وفي الغذاء، والعشاء.
حينا يقال؛ إن الخبز كناية، فمعنى ذلك أن الخبز يتجاوز السُّفرة(1) بل إنه حجر الزاوية في “ديوان المائدة”(2) فالخبز يستخدم في لغة الحياة اليومية على أكثر من وجه، أي أن الخبز حاضرا بسمته، في كل شيء، ولعل الحضور الرمزي القوي لمسألة الخبز في لغة الحياة يعبر عنه الفقراء، ففي ثقافة المجتمع المغربي، الكل يناضل من أجل:
– “طرف خبز ديال الحلال”؛
– ” خبز الولاد/ الدراري”
أي العمل والاجتهاد من أجل سد رمق الأسرة، بعمل مشروع، من أجل تلبية احتياجات أفراد الاسرة من القوت. وهناك رابط قوي في الثقافة الشعبية المغربية بين الخبز، كمادة للأكل والنضال من أجل الابناء. ومن الجدير بالإشارة، يتجاوز الخبز ككناية ورمزية هذا البعد المرتبط بالإشارة للعمل والنضال، بل يصل الخبز ك”كسرة” يقسم بأحد أطرافها على فعل فعله المرء أو لم يفعله؛ “وحق هذا الرزق” الإشارة إلى الخبز؛ إن الخبز كالقِبلة الصلاة، والسيد (=الولي الصالح)، والشرف…يقسم عليه في الثقافة الشعبية.
ومن تجليات الوقار وهالة الاحترام التي يحظى بها الخبز، فلا يسمح ضمير الانسان المغربي، أن يمر على قطعة خبز على ناصية الطريق، ويسمح له ضميره أن يتجاوزها أو يتخطاها، دون القيام بفعل إماطة الخبز عن الطريق؛ فتلزمه القاعدة، قاعدة العادات والتقاليد-والمتوارثة، أن يحمله ويقبله..ويقول، وهو يضعه في مكان مرتفع، في قرارة نفس” الله يقويك علينا.. وهلا يحرمنا من رزقك”؛ ومن أجل فهم هذا الفعل وبعض العادات الاجتماعية الممارسة بدواليب مسرح الحياة الاجتماعية في المجتمع المغربي، فلكي يتم فهما لابد من الرجوع إلى الماضي القريب وما قبله، حيث عاش المغاربة، أعواما عجاف جعلت تلك الكسرة من الخبز، تقل للحد مقايضة أو رهان بعض الاسر في زمن الأزمنة العسيرة، ما يقرب من هكتار أو أكثر من الأراضي الزراعية بمد من الشعير أو القمح خلال نهاية القرن 19 ومنتصف القرن 20 في بعض المناطق حسب الرواية الشفوية. بل في الماضي القريب شكل الخبز أحد المقايضات في الاجارة، حيث عملت بعض الاسرة التي تكالبت عليها ظروف الفقر على العمل مع بعض الفلاحين خلال الماضي القريب بما مقابله “خبزة” (3) .
قصارى القول، ما تحت سطور “الخبز”؛ بالخط العريض الجوع، الجوع الذي شكل أحد الأزمات الفتاكة التي تتسبب فيها الجوائح الطبيعية، والحروب البشرية، ونحوها من أمور التدبير والتسيير؛ فالذاكرة ما تزال موشومة في بعض المجتمعات التي كانت في الأمس القريب تعيش حياة الكفاف، وحياة البؤس، وحياة الندرة، وأخطر حالة وصلها لها المجتمع المغربي مثلا؛ حالة “عام يرني”(4)؛ وذلك عام جاع في الناس بما تعني كلمة جوع من معنى، حيث اقتات الناس على حشائش الأرض وميتتها… قصارى القول؛ الخبز هو في سيرورة الحياة الاجتماعية، هو كاشف حقيقة خبايا التنمية.
ثانيا: الطعام مقاربة سوسيوانثربولوجية
يعد حسب سرديات العلوم الإنسانية والاجتماعية، الانسان الكائن الوحيد الذي يقوم بعملية طبخ طعامه عن باقي الكائنات الموجودة، وعليه، شكل الطعام، وما يتعلق به من تفاصيل أحد الأرضيات التي اعتمدها رواد العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ أرضية لدراسة الحياة الاجتماعية، في عدة أبعاد، على رأسها الابعاد الاقتصادية والثقافية للمجتمع، سواء المتعلق بالمجتمع القديم أو الحديث عبر سيرورته الحضارية والثقافية. فمائدة الطعام، بكل تفاصيلها من سيرورة اعدادها، وتهيئتها وطبخها، وتنظيمها وتقديمها، وصيرورة تناولها على السُفرة، ونوعية المطعوم؛ يعد شكل من الأشكال المعبرة عن مضامين ثقافية واجتماعية وتاريخية تتعلق بجماعة اجتماعية ما، تبرز المباح والمحظور (الحلال والحرام)، وغيرها من التفاصيل في الحياة الاجتماعية عند الجماعة الأولى ومن جاء بعدها.
إن الطعام المعد من قبل ثقافة طبخ ما، وما ينتج عنه من موائد مختلفة الألوان، والأشكال والأذواق..والمقدم في إطار شكل ما من أشكال التقديم؛ يتجاوز كونه غذاء وفقط، يقتات عليه الانسان، من أجل أن يلبي حاجيات البدن من السعرات الغذائية، بل الطعام جزء لا يتجزأ من منظومة المعطيات الاجتماعية المشيدة أي معطى اجتماعي، وأحد مستويات الإنتاج، والابداع الذي أبدعت فيه؛ أقواما، وشعوبا عبر سيرورتها الحضارية، وجعلت له عادات اجتماعية وطقوس ما. وكما للغة تاريخ، ولمهنة الطب تاريخ، وغيرها من الحرف والمهن والظواهر، للطعام تاريخ طويل، يربطه البعض باستخدام الانسان للنار، الذي يعود حسب بعض التقارير العلمية إلى قبل مليون عام(5).
ومن الجدير بالذكر، ربما أكثر العلوم من حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية التي قامت بحفريات عميقة من خلال أرضية موضوع الطعام، نجد الانثربولوجية؛ التي رصدت عادات وتقاليد الطعام لدى الشعوب المصنفة من قبل المعرفة الكولونيالية(6) شعوب بدائية.
ففي متن بعض الكتابات الاستشراقية(7) توجد فصول تتحدث عن عادات، وتقاليد الشعوب في إعداد الطعام، ومصنفاتها من المشروبات والمأكولات المتعارف عليها.
لقد كان هذا “الغير” الذي له ذوقه الخاص، وطريقته الخاصة في إعداد طعامه وشرابه، كان محل دراسة من قبل الآخر، صاحب الحضارة والعلوم…إلخ. وفي سياق الثقافة العربية يعد المستشرق ماكسيم رودنسون من بين المستشرقين الذين استوقفهم موضوع آدب الطعام عند العرب. كما كان موضوع الطعام وعادته وتقاليده جزء من أعمال سوسيوانثربولوجية عديدة، خلال الحقبة الكولونيالية، لا سيما أن المعرفة كولونيالية التي كانت مسخرة إلى معرفة الآخر، الموصوم “بالبدائي” من قبل النزعة المركزية الأوربية.
في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية نجد مجموعة من الكتابات ذات البعد السوسيوانثربولوجي العميق، لاسيما تلك التي حفرت في أعماق الثقافة، هذه الأخيرة التي تحيل لكل شيء يقوم به الانسان من المهد إلى اللحد حسب إليوت(8)؛ ومن ذلك طبخ طعام وتقديمه في شكل ما من الاشكال التي تميز طبقة اجتماعية ما.
فمن الأبحاث والدراسات التي رصدت الثقافة من خلال بعد الطعام، نجد دراسات وأبحاث تؤكد على مساهمة العالم الاجتماع والانثربولوجي الفرنسي ليفي ستراوس، الذي يعود أحد أئمة البنيوية في العلوم الانسانة والاجتماعية. فمن خلال مؤلفاته(9)، نجد مؤلفات تتناول موضوع الطعام؛ ففي كتابه المعنون ب”أسطوريات” الذي يتضمن أربعة أجزاء: أسطوريات (مجلد 1) النيئ والمطبوخ (1964)؛ أسطوريات (مجلد 2) من العسل إلى الرماد (1966)؛ أسطوريات (مجلد 3) أصل أدب المائدة (1968)؛ أسطوريات (مجلد 4) الإنسان العاري (1971). تعد كتابات سترواس من الكتابات العميقة التي “أكد على أن الطعام والمطبخ يقفان بين الطبيعة والثقافة ويتوسطان بينهما، وأنهما يعدان وسيلة من وسائل التعبير عن الغنى الثقافي والاجتماعي، ومؤشرا على التحولات السوسيوتاريخية(10)، وحسب المدخل الانثربولوجي، التحولات الغذائية لدى الشعوب، كانت من النيئ إلى المطبوخ. بل إن النيئ والمطبوخ حسب شراح ليفي ستراوس، يشكل أحد الثنائيات في بينة العقل البشري، كالتقابل بين الانسان والحيوان، والطبيعة والثقافة…وما أكثر الثنائيات التي تنمط المجتمعات في علم الاجتماع.
وراء سطور الطعام من المدخل السوسيوانثربوجي، ثقافة عميقة تعبر عن تمثلات رمزية للمجتمع، فقد فككت شفرتها عالمة الانثربولوجية كارول كونيهان في كشف التراتبيات الاجتماعية في نوع الطعام في مؤلفها” أنثربولوجيا الطعام والجسد: النوع والمعنى والقوة”(11). ومنذ القديم لليوم، هناك فروق نوعية وكمية بين طعام الطبقات الاجتماعية في المجتمع، فاليوم كما الأمس البعيد والقريب، هناك من يأكل الطعام ب”ملعقة من ذهب” _تصور فاحش للثراء_، وهناك من لا يجد طعاما يأكله بأصابع يده. أو بلغة كونيهان “يتم الحفاظ على التراتب الهرمي، والطبقي، والطائفي، والعنصري والنوعي(بين الرجال والنساء) جزئيا من خلال تميز الناس عن بعضهم البعض في التحكم في الطعام وطرق الحصول عليه. كما أن نوع الطعام الذي يأكله الشخص، وكميته، ومع من يأكل يكشف عن موقع هذا الشخص في النسق الاجتماعي”(12). كما أن “الطعام”، من خلال اعداده، وتهيئته وعرضه، وتفاصيل تناوله ومناسباته، وما عليه هذا الطعام، من أطباق متنوعة، أو مقتصرة على لون واحد، وما يرفقه من طقوس ما، لها علاقة بما هو مقدس(الذبيحة) في المعتقد تكشف عن جوانب عديدة من تفاصيل عن الانساق الاجتماعية والثقافية في المجتمع، فليس هناك شيء عرضي بل جل التفاصيل الموازية والمرتبة للمائدة هي شكل من أشكال الدالة على الثقافة والانتماء الإديولوجي. ولعله من الجدير بالذكر استحضار أحد المعطيات السوسيولوجية في بعض المجتمعات الدالة على نوع خاص من العلاقات الاجتماعية المرتبطة بمتغير الطعام؛ ما يطلق عليه “قرابة الملح” ذلك التعبير السوسيولوجي المعبر عن نوع من العلاقات الاجتماعية في بعض المجتمعات، ففي كتابه “قرابة الملح: الهندسة الاجتماعية للطعام”(13) يبرز السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري، أن آداب المؤطرة للمأدبة والغذاء عموما وما يتضمن طبق المائدة من نوعية طعام(الكم والنوع) هو دال ومدلول عن الهوية والانتماءات..إلخ.
ومن الجانب السوسيواقتصادي، يلاحظ مجموعة من الملاحظات المستوحاة من السفرة، وما يرتبط بها من عادات وتقاليد وطقوس وأعراف تقدم لنا مظاهر سوسيولوجية معبرة عن الاسرة والطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها هذه الاسرة، وكذا عن التمثلات الاجتماعية، وسياسة التدبير والتسيير للأسرة؛ فمن خلال مظاهر التقشف أو البذخ، أي الوضع الاقتصادي للأسرة يستشف من خلال المائدة، بل إن المائدة اليوم في جميع المجتمعات؛ هي الكاشف الأول عن واقع التنمية من حيث مؤشر الفقر الحقيقي الذي يتعلق بلقمة العيش، أولم يقل صاحب “التنمية حرية”(14)، أن من أبعاد التنمية حرية الانسان من الجهل والمرض والفقر؟ فما يأكل ويشرب المجتمع؛ وما نوعية ما يأكل ويشرب؛ وما فائدة ما يأكل ويشرب المجتمع هو الشاهد على مستوى الفقر والحرمان والجوع في الدول.
ثالثا: اضاءات تاريخية عن تشكل “المطبخ المغربي”
من معالم وألوان التراث المغربي(15)اليوم وبدون منازع، اعدادات وانتاجات المطبخ المغربي؛ فما عليه المائدة المغربية العامرة من وجبات ومشروبات، وما تعرفه هذه الوجبات والمشروبات من دروب ومسالك في الإعداد، وما تتضمن من تفاصيل اللون والذوق “المالح”، و”الحلو”، و”الحار”، و”المعسل”..، تجعل للمائدة المغربية ذوقا، ولونا وبناء خاصا، يجعلها ميزة من الميزات التي يتميز بها انتاج ثقافة المطبخ المغربي، هذا المطبخ الذي شيدته الثقافة المغربية بسواعد المرأة المغربية من جيل إلى جيل، يعبر عن أحد أشكال التراث بالمجال المغربي كباقي أنواع التراث المتجلية في العمران واللباس، والعادات الاجتماعية والتقاليد في المناسبات؛ المعبرة عن الخصائص العمرانية والمجالية والثقافية للمجتمع المغربي.
بالعودة إلى الكتابات السوسيوتاريخية حول المائدة المغربية، نجد أن التشكيلة التي عليها مائدة المطبخ المغربي، هي امتداد للتاريخ العريق؛ لهذا المجال الذي التقت في أقوم، وشعوب، وامتزجت فيه مكونات وروافد ثقافية متعددة، أثرت وتأثرت فيما بينها عبر عملية التثاقف. فمن إرث مرحلة تاريخية إلى إرث مرحلة أخرى؛ تشكلت هوية المطبخ المغربي؛ الذي يبدو عليه، بملاحظة العابرين؛ كالسياح، والمقيمين كالبعثات العلمية والديبلوماسية، وضيوف المغرب من جميع الثقافات والبلدان، أنه مميز، ومتنوع، يثير شهية الأكل والتذوق…إلخ.
إن المطبخ المغربي الذي عليه اليوم من أطباق وأذواق، ليس وليد اليوم، بل هو نتاج، لسيرورة تاريخية طويلة(16) من المزج والاضافات وللمسات والتحويرات…كما يؤكد الباحثون على أن مرحلة التحول الذي عرفها المطبخ المغربي ترجع إلى عهد المرابطين والموحدين والعصر المريني(17)، ومنذ هذا الحين والمطبخ المغربي في طريق تكوين هويته وخصوصيته، يشهد لأحد الرافد المطبخية، المطبخ الأندلسي في تنوع المطبخ المغربي، حيث استقدم المورسكيين ومعهم في رحلة الهروب الكبير من جحيم محاكم التفتيش إبان سقوط غرناطة_ ونهاية امارة بني الأحمر بالاندلس_ عاداتهم وتقاليدهم التي ستضيف لمسة على الثقافة المغربية في جميع الفنون الممكنة.
ومن مفارقات انتاج المطبخ المغربي، أن بعض الاطباق التي عليها المائدة المغربية؛ كالخبز، وبعض مشتقاته، والعصيدة ونحوها من الوجبات الأساسية في التاريخ المغربي الوسيط، هي امتداد للعديد من القرون حافظت على طريقة اعدادها في الكانون(18) المغربي.
في كتب التاريخ، يحيلونا محمد حجاج الطويل، لمجموعة من المصادر (19) التي تعود للعصر الوسيط، والعصر الذي يليه إلى مجموعة من المصادر التي وردت فيها مواد تتعلق بموضوع الطبخ والمائدة المغربية: من قبيل فضالة الخوان_العصر المريني، وأرجوزات تؤرخ لدخول مادة الشاي إلى المجال المغربي. ومن الجدير بالإشارة، يتضمن مؤلف معلمة المغرب(20)، جانبا مهما من الموضوعات التي تتعلق بموضوع المطبخ المغربي، والعديد من الإشارات المفيدة والغنية بالمعلومات عن بعض الوجبات والمعطيات المجالية في دروب التراث الذي يزخر به المجال المغربي.
يقول أحد الأمثلة في اللسان الدراج المغربي؛ “الماكلا بلا ما من قلت الفهاما” أي الأكل بدون وجود ماء الشروب على المائدة من نواقص مائدة؛ وعلى ضوءه، فمن أشهر المشروبات في تاريخ المغرب؛ “أتاي”، الذي كانت بدايته خلال القرن 17م، في مشوار قصر سلطان المولى إسماعيل(1672-1727)، ومن هذا التاريخ بدأت رحلة “أتاي” التي أرخ لها مؤرخين مغربيين؛ في مؤلف “من الشاي إلى أتاي”(21)، سيصبح أحد رموز الكرم، واجتماع العائلة…إلخ، وفي الزمن الراهن، أصبح “أتاي ومعه الخبز” أحد رموز الدالة في الزمن الراهن سوسيولوجيا على وجبة الفقراء(الخبز وأتاي).
رابعا: لمحة عن “خبز” الفقراء والأغنياء بالمغرب
بادئ ذي بدء في هذه المداخلة سنستعين بمضامين من “المغرب النباتي”؛ هذا الأخير، هو عنوان كتاب، لصاحبه الدكتور محمد حبيدة، جاء على العنوان التالي: “المغرب النباتي: الزراعة والأغذية قبل الإستعمار”(22) هذا المؤلف يعد من الكتب النوعية التي تناولت الشأن المغربي/المغاربي، من ناحية الحياة الاجتماعية والاقتصادية من خلال المدخل الغذائي والزراعي للمجتمع المغربي، لحقبة مهمة من تاريخ المغرب، وهي حقبة ما قبل الإستعمار. هذه الحقبة التي رصدها المؤرخ، وقدما لنا ملامحها العامة والخاصة، وخصائصها السوسيوتاريخية المتعلقة بالغذاء والتي تتضمن مستويات العيش.
إن “المغرب النباتي” مؤلف يقدم لنا قراءة سوسيوتاريخية وانثربولوجية عن التاريخ الاجتماعي المغربي، من خلال الزراعة والغذاء. من أهم المضامين التاريخية الواردة في متن المغرب النباتي؛ الإشارة إلى أن الحقبة الممتدة من القرن 15 إلى القرن 18 هي حقبة تعرض خلالها المجال المغربي لمجموعة من الجوائح؛ كالمجاعات والأوبئة، ومجموعة من التحولات السياسية المتجلية في تعاقب الاسر الحاكمة على المغرب، لقد كانت هذه التحولات السياسية والجوائح الصحية والبيئية، أثر كبير على تطور المشهد الزراعي بالمغرب.
خلال مرحلة ما قبل الاستعمار، كان مشهد الإنتاج الطاغي على المشهد الزراعي المغربي، انتاج الحبوب بالمجالات البورية، وبعض الخضر والفواكه بالمجالات السقوية؛ إذ كانت زراعة القمح والشعير هي السائدة. وحسب ما يذهب له المؤرخ، أن القمح والشعير كان ضرورة زراعية؛ فهو عصب الغذاء للبشر، وللدواب التي هي في نفس الوقت تقدم أحد الاحتياجات الغذائية للمجتمع، وهي في الأني ذاته من أدوات العمل في عمليات الفلح، كالاحصنة…إلخ.
إبان حقبة ما قبل الاستعمار كانت قيمة القمح ورمزيته، أكثر من الشعير، فهذا الأخيرة كان من استهلاك عوام السكان المغاربة وفيه غذاء دوابهم.
بينما القمح كان استهلاكه من طرف عليّة القوم، وهي الفئة الغنية التي تمتلك السلطة والمال. وبمعنى سوسيولوجي كان القمح رمزا للثراء هو ومعه المزروعات؛ الفواكه والخضر في تخوم الحواضر المغربية.
تصنف المائدة المغربية اليوم، عند العديد ممن زاروا المغرب من أكرم الموائد، وأكثرها تنوعا، وربما ألدها ذوقا، فمن المعروف عن المجتمع المغربي، حسن ضيافته، وكرم مائدته التي تتفنن الاسر في الاشتغال عليها، وتنويعها بأطباق مغربية تعبر عن أصالة العادات والتقاليد الاجتماعية المرتبطة بالضيافة وكرم المجتمع المغربي…إلخ. لكن السؤال الذي يطرح، ما أهم الأطعمة ما قبل الاستعمار؟ بالعودة إلى “المغرب النباتي”، كان للمغاربة، ثلاثة أطعمة رئيسية، وهي: الخبز، الطْعام، اللحم.
-أما الخبز، فكان نوعين؛ الخبز الأبيض، والخبز الأسود؛ الأول يتم اعداده من الدقيق الخالص دون ادخال نخالة القمح، وهو كان من استهلاك الخاصة/الأغنياء، في حين الخبز الأسود الدقيق الخالص المعد مناصفة مع النخالة يستهلكه، العامة/الفقراء. ومن المفارقات حول القيمة الغذائية حسب المعايير علم الأغذية أن خبز الفقراء أغنى قيمة غذائية من قيمة الغذائية للخبز الأبيض، وهذا المعيار ما أعاد توجيه استهلاك الخبز لصالح الخبز الأسود (الملقب ب”خبز الحمرا” في بعض المناطق المغربية).
-الطعام، أو الكسكس: يعد هذا الطبق المغربي اليوم، من أهم الأطباق مشهورة في العالم، لقد شكل “الطْعَامْ” من أكثر الأطعمة تناولا لدى المجتمع المغربي ما قبل الاستعمار، وكان حسب الكتابات التاريخية، طبق يومي. في حين اليوم تحول لطبق، مخصص بالأساس ليوم الجمعة من كل أسبوع، ويكون في كل تأبين جنازة.
– اللحم: عرف المغرب اليوم طفرة كمية ونوعية في استهلاك اللحوم بكافة ألوانها، لكن اللحم في تاريخ المجتمع المغربي خلال الحقب الماضية، كان طبقا احتفاليا؛ إذ كان مرتبط بعيد الأضحى بالاساس، وبعض المناسبات كالفرح أو القرح.
ومن المفارقات التي يتضمن المؤلف هو مقاربة وجبات الأغذية التي كان يتناولها المغاربة من الناحية البيولوجيا، حيث استحضر المقاربة البيولوجيا للغذاء المغربي فكانت تؤكد على أن غذاء العامة من المجتمع المغربي كانت أكثر صحية من الناحية البيولوجيا من الغذاء الخاصة. ومسألة المقاربة البيولوجيا للغذاء تكمن في كربوهيدرات وبروتين، ماء ، فيتامينات، معادن. وهي جملة من مكونات الغذاء النباتي المغربي التي كانت تتواجد في القطاني كالحمص والفول، والعدس..إلخ(التي تلقب بلحوم الفقراء.). والخضر والفواكه والسكر والعسل.
خاتمة
لقد كانت هذه إضاءات عن بعض الإشارات حول موضوع المائدة بصفة عامة، وموضوع المطبخ المغربي، الذي يتجاوز موضوعه الجانب الغذائي، فهو أحد القوة المعبرة عن ثقافة المجال المغربي المتعدد الروافد والفنون. من الجدير بالملاحظة، ما يزال هذا الموضوع في أمس الحاجة للرصد والتناول والتدوين في حالة بعض المناطق بالمجال المغربي، حيث نجد ما يحكى في الثقافة الشعبية من وحي الذاكرة ما يقدم شهادات حية عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحياة المجتمع المحلي في تدبير شأنه الغذائي وقوته اليومي…مع العلم أن ما تزال معركة القوت اليومي تشكل أول قضية عند شرائح اجتماعية في العالم برغم مما تتوفر عليه الأرض من خيرات؛ “لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرّجال”؛ يقول الشاعر عمرو بن الأهتَم المِنْقَري السعدي.
المراجع
(1) ديوان المائدة؛ هو كتاب لصاحبه الشاعر المغربي سعد سرحان: يطرق موضوع أدب المائدة، وفنون المطبخ، للمزيد أنظر: سعد سرحان، ديوان المائدة، دار العين للنشر، القاهرة، مصر 2015؛ كما للشاعر مجموعة من المقالات (23 مقالا) خصصها حول المائدة المغربية في جريدة هسبريس سنة 2020.
(2) المائدة وما عليها من طعام، يستخدم الشاميين(الشام) اصطلاح السفرة في حياتهم اليومية بشكل مكثف.
(3)هي شكل من أشكال الإجارة في المغرب، عرفتها بعض المناطق ما قبل الاستقلال، تختلف أشكالها، حيث كان يوجد في العالم القروي من يعمل مع بعض الفلاحين بمقابل “شبعة كرشو” أي إلتزام الفلاح صاحب الأرض بإمداد الأجير بمونة الأكل؛ القمح، الشعير، السكر، الشاي…إلخ. وهناك نظام في معاملات الفلاحية، كتب حوله جليل حليم؛ اسمه “الخبزة” يشير نظام تعاقد فلاحي شبيه بتعاقد الخماسة، للمزيد، أنظر: عبد الجليل حليم، الخبزة، معلمة المغرب، ج11، ص3671.
(4) عام يرني؛ إنه عام اقتاتت فيه بعض المناطق المغربية على نبتة تسمى “يرني”، وكان ذلك في مجاعة 1825م. للمزيد حول تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب، أنظر: محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب: في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. منشورات كلية الأدب العلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 18. المملكة المغربية، جامعة محمد الخامس. 1992م.
(5) للمزيد أنظر: موقع القناة الألمانية؛ تحت عنوان: الإنسان الأول استخدم النار للطهي قبل مليون
(6) للمزيد حول طبيعة المعرفة الاستعمارية/الكولونيالية خصوصا المتعلق بالمجتمع المغربي في بعض الجوانب أنظر: دورية عمران، المجلد الخامس، العدد17(صيف2016).
(7) ترجع بعض الأبحاث جذور ظاهرة الاستشراق إلى مقولة “اعرف عدوك لتهزمه”، ويعرف الاستشراق على كونه جملة من الدراسات التي قام بها باحثون غريبون من أجل معرفة ثقافة الانسان الشرقي، للمزيد حول ظاهرة الاستشراق أنظر: إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة محمد عناني، ط1( القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2006).
(8) توماس ستيرنز إليوت، ملاحظات نحو تعريف الثقافة، ترجمة شكري محمد عياد، المركز القومي للترجمة، سلسلة ميراث الترجمة، عدد 1623، القاهرة، 2010م.
(9) للمزيد أنظر: كلود ليفي ستراوس.. عالم اجتماع وأنثروبولوجي فرنسي، موسوعة الجزيرة:
(10) محمد التركي الربيعو، أنثروبولوجيا الطعام في المجتمعات المحلية العربية، موقع جريدة القدس العربي،
(11) كارول م. كونيهان، أنثربولوجية الطعام والجسد: النوع والمعنى، والقوة، ترجمة سهام عبد السلام، المركز القومي للترجمة، العدد 1779، مصر-القاهرة، ط1(2013).
(12) كارول م. كونيهان، أنثربولوجية الطعام والجسد: النوع والمعنى، والقوة، المرجع السابق، ص 22.
(13) يقول العطري” إن الطعام في صيغ اعداده وشكل تقديمه واستهلاكه يعبر عن الانتماء الثقافي للأفراد، إنه علامة هوية، تكشف على المعنى الذي ينتجه المجتمع بصدد وضعياته وتبادلاته، بل إن الطعام يصير مؤسسا لحدود اثنية ودينية وطبقية وسياسية وجنسية أحيانا” للمزيد أنظر: عبد الرحيم العطري، قرابة الملح: الهندسة الاجتماعية للطعام، سلسلة المكتبة الاجتماعية، المغرب-الدار البيضاء، ط1(2016)، ص 29.
(14) صن أمارتيا، التنمية حرية: مؤسسات حرة و إنسان متحرر من الجهل و المرض و الفقر، ترجمة شوقي جلال، عالم المعرفة 303، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2004).
(15) ينقسم التراث المغربي إلى تراث مادي يتمثل في المواقع الأثرية والأثار والمعالم التاريخية والمباني المتميزة و المخازن الجماعية والمنشآت الأخرى كالمدارس والمساجد والأضرحة والدور الخصوصية، والمرافق كالكتاتيب القرآنية والخزانات والسقايات العمومية والمطاحن والحمامات و والتحف الأثرية الفنية والتي خلفتها الأجيال كالمسكوكات و النقود…إلخ. أما التراث غير المادي، فهو يدخل ضمنه كل ما في العادات والتقاليد الشعبية؛ وأسلوب كيفية عيش الناس وتعاملهم فيما بينهم ومع محيطهم الإجتماعي والطبيعي وكيفية اقامة حفلاتهم وتخليد أعيادهم وذكرياتهم، ومطبخهم، …إلخ. كما تدخل الحرف والصنائع من باب التعليم والتوارث التقني والمعرفي. وتدخل فيه كذلك الفنون المستعرضة والموسيقى الشعبية، والتراث اللغوي ….إلخ. للمزيد أنظر: عبد العزيز توري، التراث المغربي، معلمة المغرب(ج7)، المرجع السابق، ص 2310.
(16) محمد حجاج الطويل، الطبخ المغربي، معلمة المغرب، ج17، ص5720.
(17) محمد حجاج الطويل، الطبخ المغربي، معلمة المغرب، ج17، ص5721.
(18) كلمة الكانون تعني في سياق البحوث السوسيوتاريخة المغربية، يقصد أو تعني حرفيا الدار، المنزل، العائلة=الكانون. للمزيد أنظر:الفقيه الادريسي، الكانون، معلمة المغرب(ج20)، ص 6728. لكن الكانون في استعمال الاجتماعي المغربي-القروي هو بيت من بيوت القروية الذي كان يكون ملاصقا لبيت الخزين للمواد الأساسية الغذائية من قمح وطحين وقطاني…إلخ، فاذا كان بيت الخزين هو بيت المونة هو بيت ادخار المواد الأساسية للغذاء، فبيت الكانون، هو بيت تضرم فيه نار الطبخ، حيث لم يكون بعد يوجد في المجال القروي وجود قنيات غاز الطبخ، وكان الاعتماد على الحطب، لذا خصصت الأسرة بيت خاصا أطلت الكانون؛ وفي اللغة العربية نجد وَضَعَتِ القِدْرَ عَلَى الكَانُونِ، أي على الموقد ….إلخ.
(19) حسب المقاليين الوارديين في معلمة المغرب؛ “الخبز” ج11، و”الطبخ المغربي” ج17؛ يشير محمد حجاج الطويل لمجموعة من المصادر التي تناولت موضوع المطبخ في المغرب، من قبيل: ابن رزين: “فضالة الخوان” ، الرباط، 1981؛ ميراندا: “كتاب الطبخ في المغرب والأندلس”، مجلة المعهد المصري بمدريد، 1961-1962؛ البتوري، شرح الارجوزة الفائقة، مخطوط؛ الزموري، شرح أرجوزة الزموري في أتاي، م، د، 1709؛ ابن خلدون، العبر، 1967؛ الوزان، وصف افريقيا، الرباط، 1980…إلخ. للمزيد أنظر:
– محمد حجاج الطويل، الخبز، معلمة المغرب، ج11، ص3670.
– محمد حجاج الطويل، الطبخ المغربي، معلمة المغرب، ج17، ص5720.
(20) معلمة المغرب : المغرب الأقصى ( قاموس مرتب على حروف الهجاء يحيط بالمعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والجغرافية و البشرية و الحضارية للمغرب الأقصى ). المدير المشرف محمد حجي، الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة والنشر. (ج22): مطابع سلا : 1426ه /2005م.
(21) عبد الأحد السبتي، عبد الرحمان لخصاصي، من الشاي إلى الآتاي: العادة والتاريخ، منشورات كلية الأداب والعلوم الإنسانية-الرباط، بحوث ودراسات رقم 25، ط1(1999).
(22) محمد حبيدة، المغرب النباتي: الزراعة والأغذية قبل الإستعمار، منشروات ملتقى الطرف، الدار البيضاء المغرب، ط1(2018).