د. أميرة الأدهم - عالم يحتفى بعريه

ظننتُ في البداية أنها الرغبة في الموسيقي. ثم أدركت أنها رغبة في معني الموسيقي، مع مرور الشعر علي حياتي كقراءة أي ممارسة، أصبحت الموسيقي هي المجال، كلما كانت الموسيقي باطنية غير ظاهرة ، زاد انتباهي أنه شعر. أن نرغب في معني الموسيقي لا أن نسير وفقًا لموسيقي جاهزة. الخيال مسألة أخري، الخيال هو كل ما سبق، هو المعني وهو الموسيقي وحتي الرغبة نفسها كثيرًا ما تكون خيالا.

اللغة – لست علي علاقة واضحة بها، قد تكون آلة حية، تعمل عليها لإنتاج المعني فتفاجئك بشيء آخر من عندها، وهي آلة قاسية علي الرغم من متع مفاجآتها، لم أذهب معها أبعد من ذلك، آخذ منها حذري وأترك لها الحرية؛ ربما تم اعتبار الشعر هو تحدّيا لسلطة اللغة أو سلطة أحادية اللغة، قال الكثيرون ذلك، لكن بالنسبة لي أفضل أن أتحاشي الصراع معها ضد سطوتها. العوم بإنسيابية مع ادعاءاتها؛ بامتلاك الدلالة أو النص بأكمله، يبدو لي حلًا مُناسبًا هذه الأيام.

مفهوميًا تم الاعتداد بالشعر كصرخة وجودية، أي فلسفة المأساة، في أزمنة سابقة كان الشعر حضور المأساة (كتبت التراجيديات شعرًا) . أما الآن نقع في معضلة قد تمنعنا من تجربة الشعر: أن تقدر الوجود الإنساني وخبرته الوجدانية وخياله بينما الواقع يفعل عكس ذلك تمامًا. معضلة أن تبالغ في تقدير الإنسان وهو يُسحق في حرب، في مذبحة، بلا حكمة أو رثاء. هنا الشعر فن النجاة، النجاة وجدانياً وعقلياً وليس جسدياً فقط. مثلاً شاهدتُ فيديو لطفل سوري،وأنت تعرف الحرب هناك جيدًا، يعزف علي العود ويتعلم الموسيقي ويعلن اعتداده بالمعرفة من داخل قلب الخراب، شاهدتُ الطفل باعتباره شعرا خالِصا.

تتم الاستهانة بالحيوات، لكن يبقي الشعر ويزداد في الذاتية، ويقترب من لغة الكلام العادي وتفاصيل الحياة اليومية؛ ذلك يوحي بشيء من المرح وليست المفارقة أو الكوميديا، المرح حر وحي، لاعب لا يهدف إلي نقطة محددة، مثل الإضحاك “الإفيه مُقيد” بينما المرح رحِب ولا ينتهي.

ربما لأجل ذلك لم أحب الشعر السلطوي الزاعق أو قصيدة العامية، هم أصحاب خطط الإبهار والضحك – البكاء، ويتم إدراك ذلك أثناء التلقي مما ينفي حتي هدفه الوحيد. أحب قصيدة النثر، قصيدة النثر هي المرح والحيوية حتى اسمها يُنكر ذاته، اسمها شعري: أنا قصيدة ولكني لست مكتوبة شعرًا، كأنها تقول: ماهي خبرتك في الشعر؟ عند كل مرة تطرح نفسها، قبل بدئها تقول شعراً. عانت قصيدة النثر من إدعاء أنها ليست شعراً وأعتقد إنها مسألة وقت ليس أكثر، وسيحتاج أي نص من قصيدة النثر، إمكانية وجوده.

أحب الشعر، وصفته سابقًا بالسحر، لحاجة الإنسان للغموض، المعني في عقولنا دائمًا مستتر ويلزمه الكشف. الأدق: احتاج لاكتشاف المعني في عذوبة ، احتاج الشعر، في عالم يحتفي بعريّه، يحتفي بموت المعني، تزيد طموحاته في التوحُش، كلما ازداد وحشية طالب نفسه بأكثر من ذلك، تزيد معدلات الانتحار والمرض علي الضفة الثانية فيزيد صخب المفارقة بلا أية عذوبة أو فهم، يتم الترويج لموضة العدم والموت، هنا مادمنا أحياء فنحن نتعاطي الشعر. الوجود بالكامل يقدم نفسه علي هيئة مجاز.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...