بسم الله الرحمن الرحيم، بفضل الله ومشيئته سمح لي موقع ابولو بالكتابة الأسبوعية عما أريد أو _والعياذ بالله _طرح أفكار في صورة مقالية، وقد اخترت فكرة المقال الأدبي لمناقشة_استغفر الله العظيم_ الإنكار وما بعد الحداثة، وهذا قرار لا أريد من أحد أن يعينني عليه؛ فأنا على أثر ذلك انتقيت عنوانا استهلاكيا مستعينة بكل سواعد الاستظراف وما يخطر لي ببال من (حندقة وتنطيط) بما يلائم المرحلة ويتوافق مع الموضوع الذي أنا بصدد الانشغال به نوعا ما(مش قوي يعني) لأنكم تحبونه فكاهياً. فلندخل إلى الإنكار وكيف (يشتغل المرء ذاته) ويتطور الموضوع لأن (يشتغلنا المجتمع) ويطوعنا إثر رغباته بالعاب عقلية جماعية، ينفلت منها القليل من البؤساء الذين يلمحون (الاشتغالة) ثم ينتبهون أنهم واقعين في دائرة مفرغة من الاشتغالات، وإن تلك الاشتغالات التي سيطرت وعلت سياطها هي التي تسود وتحكم وتترأس الطاولة، مدعومة طبعا _تلك الاشتغالات_ بسُلطات كبيرة قد اسرفت الكثير من القوى والجهود والتكاليف المادية والمعنوية إلى جانب ما سفخته من المستعمر لقاء استعماره واستبداده من تكونولوجيا وخلافه، بالإضافة إلى الثقافة الاستهلاكية، ومعها هدية على العرض مسحة شرقية رجعية تتجاوز في بدائيتها عصر الكهوف وماقبل القيم واللغة، وترتكز هذه الاشتغالات على أسس غريزية ونزعة حيوانية ورغبة في التكاثر والاستمرار وتمشية الأمور وأنا لا اعترض بتاتا على مفردات الاشتغالة أو حتى الفرجة عليها لكن ما أنا بصدد مواجهته أن الاشتغالة لا تريد الاعتراف بأنها مجرد اشتغالة، وتلتصق بسجون ومحاكمات وعنف وقيم وقداسة لا تليق بكونها مجرد اشتغالة.
انظر معي، إلى الشارع، الشارع المصري الجميل، المتدين بطبعه، الأصولي صاحب القيم والعادات والتقاليد، الذي لا تخرج من لسانه العيبة، ذلك الشارع أو المجتمع، يصلي ويصوم ويحج ويتباهى بشعائره وطقوسه ويحتفي بها ويفخر بمصريته وتقاليده أمام العالم، نظرت كويس؟ أنظر أكثر: مجتمعنا هذا يتمحور حول الجنس، وبغض النظر إنها قضية إنسانية بركيزة غريزية حيوانية قد قننتها الأديان والشرائع والمجتمعات المتحررة تخلصت من هواجسها بإباحتها وتحريرها لتتقلص حجم المشكلة نفسيا ومعنويا وبغض النظر عن مناقشة الجنس بين الإباحة والتحريم من مصر الجديدة إلى التحرير، إلا أن مجتمعنا تحديدا يتمحور حول الجنس ويرفض أن يأتي له أحد بسيرته، أنا حتى من ضخامة عدد الأمثلة للتدليل على تمحوره وانحساره وتقلص جهوده حول الموضوع؛ من اعلانات أدوية الضعف الجنسي ليل نهار على التلفزيون وبوسترات الصيدليات وفي الشارع حتى لو أنك مسكت هاتفك ستجد رسالة من شركة تدعوك إلى شراء أدوية لمعالجة الضعف الجنسي، لا لن أبدأ من هنا، هناك بيوت لا يدخلها الفياجرا ولا اعلانات شعبان عبد الرحيم، ولا تعرف شيئا عن أثر الترامادول في الحياة الزوجية وغير الزوجية، سأضرب مثالا بالعائلات المحترمات، ما أن تنهي أية فتاة فيها الدراسة حتى تبدأ أمها بمراسم الموسم التزاوجي" للبونَية"، أشي شراء ملايات وقمصان نوم وأشي شكوى من العنوسة وأشي تحسين علاقتها مع أقاربها وقريناتها ممن أكرمهن الله بذَكر، لا دعك من الفتيات التي تتكرم وتتعلم،دعك من أمهاتهن الغلابة، سأضرب لك مثالا بالرجل، ذلك المفضوح في اعلانات الضعف الجنسي، هل مررت في لحظة تجسس على جلسة رجالية، ادفع لك ما تريد إن خلا الحديث عن الجنس، أو التغني ببطولاته الجنسية الشرعية وغيرها، لا بلاش.. من أحاديث الذكور كلنا نعلم أنها محض هتش وتفاخر وأنعرة كدابة وتفريغ عقد نقص وعدم تحقق ومشاكل بطالة وفراغ وهارد ويير كامل من أفلام البورنو ومستقبل مؤجل غالبا لأن البيه كان يتحدث عن الجنس وليس فاضيا، لا إنني أكثر رحمة ولن أتحدث عنه بدوره غلبان هو الآخر، ننتقل إلى مرحلة المراهقين، هل رأيت مراهقا كلامه يخلو من الألفاظ الاباحية المليئة بالتساؤلات، لو شفته أديله مية جنيه عِدية يستاهل غلبان راخر، دعك من العناصر البشرية والامساك في الأفراد الأبرياء لأني اتعاطف مع الفردي دائما، تعالى نخرج إلى القطاعات التي يليق بها الوصفة الاجتماعية، الشارع نفسه، بأسفلته ورصيفه، يتمحور حول الجنس: تحرش بالفتيات والنساء، أكيد لا يتحرش بها ويلقي على مسامعها ما لذ وطاب من أجل أن يقرأ لها قصيدة شعر مثلا، هذا من أجل الجنس، محلات اللانجري العديدة والمتناثرة بشكل فج وكوميدي، حتى إنني وجدت البارحة بدلة رقص معروضة بمنتصف الشارع كانها اعلان لانتخابات ما، غير اللانجري والتحرش وبوسترات الأدوية المذكورة سلفا، كل ما ستسمعه أذنك من أغاني تخص الجنس، وكل سكتات الحديث عن المعنى والمصلحة، إما بالغضب في صورة سباب جنسي فج يخص أعضاء جنسية أو بالمزاح والضحك والتنكيت بما يخص الجنس أيضا،إذن فلنتعتبر الشارع مذبلة ما يلقي فيها المجتمع قاذوراته، المجتمع البريء الطاهر، وندخل إلى قدس الأقداس، مناطق العمل والعبادة، في مناطق العمل سيدي الفاضل من أول مكاتب الموظفين حتى الحرم الجامعي، يتم تقييم الأفراد في الأحاديث الجانبية بناء على الجنس، بمعنى؛ رئيستك في العمل أو رئيسك الطاعن في السن لو يقرفك في المواعيد إما هي مطلقة أو ارملة تعاني من كبتا ما وإما هو عاجز جنسيا ويأخذ شباشبا من زوجته ويضربها في اليوم التالي في وجهك، مشاكل العمل في الجنس، ولا داعي للخوض طبعا في الخريجات الجداد أو الطالبات التي تقاس مجهوداتهن بمقاس السوتيان أو حلاوة ساقيها لأن هذه المنطقة منطقة أعراض لا أعراض الفتيات بل أعراض أصحاب العمل وأساتذة الجامعة وأرباب الشعر الشائب والقيم والمثل العليا الذين يتمحورون حول الجنس، ننتقل إلى القدس الثان وهو دور العبادة أو حتى القنوات الفضائية الدينية: لو تحجبت النساء لانصلح حال الاقتصاد، نقابك سر رفعة الإسلام، صوت المرأة عورة، ليبرالية يعني أمك تقلع، تقلع وخلاص بقى، إن نسائكم حرث لكم، الأسئلة الدينية في البرامج ترقى إلى عيادات العقم والذكورة والجلدية التناسلبة في أسئلتها، المرأة هي أصل كل الشرور، بل والأسوأ هي محور الأحداث، لماذا المرأة؟ لأنها الزينة؟ ولماذا هي زينة؟ لأنها عورة؟ ولماذا عورة؟ لأنهم يعانون مشاكل جنسية؟ سيكو سيكو يعني؟ ياراجل م تقول؟ حتى هذا يدور حول الجنس...!
اعتقد أنني اعطيتك أمثلة من المجتمع كفيلة لدرجة بسيطة من الاقتناع ولو واحد في المائة كمقدمة للمقال، ومع الواحد في المائة هذا مائة في المائة أن أغلب هذا المجتمع وأفراده حتى الواعيين أو الذين يقولون عن أنفسهم الوعي، سيتأثرون للغاية ويستغفرون الله ويتلاعنون مَن يأتي لهم بسيرة الجنس في : فيلم، رواية، عمل تشكيلي. ويصبح الذي يكشف غطاء الاشتغالة أو حتى يلعب فيها على سبيل الغناء بنفس الأغنية، فاسق وداعر ومسِف ويريد أن يقَطع أواصر القيم في هذا المجتمع ابن الحلال، بل إن ذلك تحديدا، ابن الكلاب الذي سيكتب عن الجنس ويعرضه سواء في مشهد أو في مقال، سيقع عِجلا لكل السكاكين الباردة بأنصالها المرتخية عدم اللامؤاخذة، وقد يساق إلى اتهامه بأنه يريد تمرير حضارة الغرب( الذين يعيشون على فوائدها الاستهلاكية والتي تلعب بهم الكرة) ويبيح التحرر الجنسي كما فعلت المجتمعات المتحررة المتحضرة لا قدر الله بإباحة الجنس والمخدرات لتقليل حجم الماساة، وكما اتفقنا، أنه لا داعي للخوض بأن تلك المجتمعات استندت على احصائيات ودراسات تفيد بأن سياسة التحريم في المجتمع تزيد من فرط تأثير الخطر وتسببه في أزمات مجتمعية والأهم بالنسبة لهم مشاكل العمل والتحقق والانتاج، وبما إننا ليس لدينا مشكلة في انهيار العمل والتحقق الانتاج نحن لن نفعل فعلتهم أبدا ولو على جثثنا جميعا، بغض النظر عن هذه المسائل التي لا اناقشها هنا، أنا غالبا على ما أتذكر أنني بصدد الدفاع عن الفنان ذلك العِجل الذي يلعب معه المجتمع لعبة السكاكين ويمارس عليه كل السلطات والأحكام إذ يتكلم عن موضوع هم يأكلونه ويشربونه ويصنعون منه تماثيل وأيقونات وتفاصيل حياة وخيالات؛ أو بمعنى أصح الوقوف بمواجهة الاشتغالة.
يصاب المرء بحالة إنكار إذ يتسمّر ويرتبك أمام حدثا ما لا يستطيع مواجهته، يلعب عقله لعبة قذرة، مقنعا أياه، أن مالا أستطيع أن اتقبله، لم يحدث أصلا، وبعدما ينكر الواقع، يتعامل بسياسة ما، سياسة بناء على ما قرر أن يقوله لنفسه: الجنس عيب وحرام وقلة أدب واللي هيفتح الموضوع ده هيبقى سافل وحقير، وبناء على ما يحدث فعليا : حدث ما حدث وتمحورت الحياة المصرية حول الجنس. تستخدم هذه الحيلة النفسية الدفاعية اللاشعورية، مثل بقية الحيل، لتمشية الأمور وترييح الدماغ والضمير بما يجلب للنفس الرضا والسعادة والتكييف وكل أشكال الأنتخة والرحرحة والتهوية على المراوح، مشوارنا مع الانكار طويل، والهري فيه سيستمر على مدار أسابيع طويلة، وتمرير الاشتغالات جم وكثيف ويحدث طوال الوقت، لكن هنا في هذه الحلقة ثمة ضحية وأنا أحب الضحايا الحقيقة..ألا وهو المسكين الفنان، تحديدا أغلب أنواع الفنانين وأكثرهم استسلاما وأقلهم انتشارا في مجتمعنا، طويل البال فقير الجيب قليل الحيلة؛ الكاتب. الكاتب عليه أن يتكلم عن أشياء تحدث (الجنس يحدث طوال الوقت نحن في مجتمع من أوائل التحرش ولدينا نتائج مبهرة في الزيادة السكانية وأخبار لابأس بها عن الاغتصاب وزنا المحارم وقدر لطيف جدا من انتشار عادات يومية تخص الجنس وبناء مفاهيم وأحكام مجتمعية بناء على الحياة الجنسية للأفراد) وتلك الأشياء التي تحدث ولابد ان يتكلم عنها الكاتب لابد أن تخلو من الجنس؟ أعطيني عقلك وأمشي حافيا بدون عقل؟ هل هذا منطقي؟ أترضاه لعقلك؟ إن رضيته وقررت أن يحكي لك الروائي حدوتة بعيدة تماما عن المشاكل للموضوع اللي مايتسماش ده أو حتى ممارساته، هل هذه حكاية تصلح كحكاية والتاريخ الإنساني بدأ بغيرة هابيل على قابيل بسبب أمرأة أي بسبب قصة جنسية؟ ثم ماذا يتبقى أصلا من سلسة المحرمات للكاتب، بعدما تحرّج السياسة وتحرّم عليه المناقشة الفكرية فيما يمس العقيدة وتحرّم عليه الثقافة او تلّقي أشكالا أخرى من مستويات الوعي والتساؤل، وتسجنه في الدائرة المفرغة للعبث، بأن الفنان لو أراد لنفسه رسالة أو قيمة جمالية عن العدل أو الخير أو مواجهة الظلم فمصيره نفخ القٍرب المخرومة وعليه أن يكلم نفسه ويؤذن في مالطة ولن ينتبه له أحد، ثم يلجأ الغلبان، للهاث وراء المتعة، ماهي خربانة خربانة، ويحاول أن يحكي لك خيالات أو مشاهد أو تجارب أو طموحات أو مشاكل أو أي ما يمس المسألة الجنسية بصلة، ويعرض لك ما تفحته في حياتك اليومية ليلا ونهارا، يعرضه لك بصورة فن، تسامي، حاجة راقية يعني، وجزاء حسرته في هذه المنطقة، سيأخذ بالجزمة طبعا دونما اعتبار لما يقوله حقيقيا أو لا، أعجبك أو لا، واجهك بمشكلة أو لا صالحك على مصيبتك أو لا.
الكاتب والفنان سيدخلان أخدود المجرمين، يالا مع السلامة، وتستمر الاشتغالة، التي هي أصيلة، أصالة تحقير الفنان كونه أراجوزا أو مشخصاتيا أو عيل هفأ لا يقدم إنتاج ملموس، وسنزج إنشالله بهم جميعا إلى براثن اللاقيمة والاستحقار؟ هل أنت مبسوط؟ انظر العصفورة؟ العصفورة تحب النظر إليهاوهي تؤسس عشها، منظر رومانسي يبعث على النفس الرقة، العصورة وكيتش رقتها هذا حول الجنس، حلوة الاشتغالة؟ جميلة الاشتغالة أنا أيضا أحب الاشتغالات لكن أحاول ألا امارسها بنفس الجدية والصرامة التي يصر عليها المجتمع وهو يشتغل ذاته، أنا لا أريد أن يتوقف الناس عن اشتغال أنفسهم جذريا، أريد فقط على أقل تقدير أن يشتغلنا المجتمع وهو يشتغل نفسه برفق أكثر.
ستواجهني اتهامات عديدة بسبب هذا المقال، إن قراه أحد أصلا، وعلى هذه الفرضية، أحب أن اتذكر حادثة قريبة لي وأحكي لك حدوتة فاطمة، وهي طفلة عندها 14 سنة تعمل في محل كوافير، فاطمة أول ما تراها، سيرد في بالك كل ما تعرفه عن الاساءة للأطفال، فاطمة عندما تقابلها الساعة تاسعة بالليل وتراها لا تكاد تفتح عينيها من التعب، ستعرف فعلا أن عمالة الاطفال واستغلالهم ليست عند الميكانيكية أو بيع المناديل، وعندما ترتبك من كونها قليلة الحجم وأنوثتها الباكرة لا تليق بما تضعه من مكياج وأكسجين في شعرها وهيئة حريمية، أتذكر أنا الاساءة الجنسية للاطفال ومن دفعها إلى هذا الأداء الباكر على هرموناتها وعمرها، فاطمة وهي تعترف لي بأنها لم تذهب إلى المدرسة أبدا وعندما أنهرها عن ذلك وابلغها استيائي، تقول لي أنها مش بتاعة مدارس وتطلعني على الدبلة الصيني الرخيصة وأنها متزوجة، هنا أقول لها بصوت عالٍ جدا : أحيه، تضع فاطمة يدها على فمها خجلا من فعلتي المشينة وينظر لي الناس بتعالٍِ وتكَبُر على أنني مجنونة من اندهاشي والكلمة البذيئة التي خرجت مني، وتحزن فاطمة على وضعي الحرج، وتخجل أكثر عندما أقول لها أن قول الأحيه بسيط وعادي مقارنة بما يفعله العالم بها، لا تفهمني وتخجل: أكرر لها كنشيد قومي، أحيه يافاطمة على اللي بتعمليه، تستغرب ولا أريد أن ادخل في تفاصيل تؤرق حياتها أو تُطلعها على الجحيم الذي تعيشه، فاطمة بريئة وبشكل جزئي ضحية، أنا فقط أريد أن أقول الأحيه بما لا يسبب لي الاحراج أو الاساءة، وعلى فرضية الاساءة التي ستواجهني بسبب هذا المقال، لا أريد أن أحكي بأن قصة فاطمة أو المجتمع بأكمله أكثر فداحة من الأحيه، ولا أريد أن أعكنن على كل سلطة ارهابية سوف تتهمني في هذا المقال، وأواجهها بأنني فقط أقول أحيه لما يستوجب الأحيه، هل تضايقكم تلك الأحيه؟ أحيه يافاطمة أحيه..في النهاية أحب أن أشكر موقع أبولو لأنه ترك لي مساحة لا بأس بها من( الأحيه) وإن حدث واستكملت المقالات الأسبوعية فهي ستكون بخصوص نفس الموضوع، لا ليس الجنس، بل الانكار وما بعد الحداثة ولربما أتيح لي الوقت لحكاية لماذا كان اسم المتتابعة ( للاستعمال الخارجي فقط) .
انظر معي، إلى الشارع، الشارع المصري الجميل، المتدين بطبعه، الأصولي صاحب القيم والعادات والتقاليد، الذي لا تخرج من لسانه العيبة، ذلك الشارع أو المجتمع، يصلي ويصوم ويحج ويتباهى بشعائره وطقوسه ويحتفي بها ويفخر بمصريته وتقاليده أمام العالم، نظرت كويس؟ أنظر أكثر: مجتمعنا هذا يتمحور حول الجنس، وبغض النظر إنها قضية إنسانية بركيزة غريزية حيوانية قد قننتها الأديان والشرائع والمجتمعات المتحررة تخلصت من هواجسها بإباحتها وتحريرها لتتقلص حجم المشكلة نفسيا ومعنويا وبغض النظر عن مناقشة الجنس بين الإباحة والتحريم من مصر الجديدة إلى التحرير، إلا أن مجتمعنا تحديدا يتمحور حول الجنس ويرفض أن يأتي له أحد بسيرته، أنا حتى من ضخامة عدد الأمثلة للتدليل على تمحوره وانحساره وتقلص جهوده حول الموضوع؛ من اعلانات أدوية الضعف الجنسي ليل نهار على التلفزيون وبوسترات الصيدليات وفي الشارع حتى لو أنك مسكت هاتفك ستجد رسالة من شركة تدعوك إلى شراء أدوية لمعالجة الضعف الجنسي، لا لن أبدأ من هنا، هناك بيوت لا يدخلها الفياجرا ولا اعلانات شعبان عبد الرحيم، ولا تعرف شيئا عن أثر الترامادول في الحياة الزوجية وغير الزوجية، سأضرب مثالا بالعائلات المحترمات، ما أن تنهي أية فتاة فيها الدراسة حتى تبدأ أمها بمراسم الموسم التزاوجي" للبونَية"، أشي شراء ملايات وقمصان نوم وأشي شكوى من العنوسة وأشي تحسين علاقتها مع أقاربها وقريناتها ممن أكرمهن الله بذَكر، لا دعك من الفتيات التي تتكرم وتتعلم،دعك من أمهاتهن الغلابة، سأضرب لك مثالا بالرجل، ذلك المفضوح في اعلانات الضعف الجنسي، هل مررت في لحظة تجسس على جلسة رجالية، ادفع لك ما تريد إن خلا الحديث عن الجنس، أو التغني ببطولاته الجنسية الشرعية وغيرها، لا بلاش.. من أحاديث الذكور كلنا نعلم أنها محض هتش وتفاخر وأنعرة كدابة وتفريغ عقد نقص وعدم تحقق ومشاكل بطالة وفراغ وهارد ويير كامل من أفلام البورنو ومستقبل مؤجل غالبا لأن البيه كان يتحدث عن الجنس وليس فاضيا، لا إنني أكثر رحمة ولن أتحدث عنه بدوره غلبان هو الآخر، ننتقل إلى مرحلة المراهقين، هل رأيت مراهقا كلامه يخلو من الألفاظ الاباحية المليئة بالتساؤلات، لو شفته أديله مية جنيه عِدية يستاهل غلبان راخر، دعك من العناصر البشرية والامساك في الأفراد الأبرياء لأني اتعاطف مع الفردي دائما، تعالى نخرج إلى القطاعات التي يليق بها الوصفة الاجتماعية، الشارع نفسه، بأسفلته ورصيفه، يتمحور حول الجنس: تحرش بالفتيات والنساء، أكيد لا يتحرش بها ويلقي على مسامعها ما لذ وطاب من أجل أن يقرأ لها قصيدة شعر مثلا، هذا من أجل الجنس، محلات اللانجري العديدة والمتناثرة بشكل فج وكوميدي، حتى إنني وجدت البارحة بدلة رقص معروضة بمنتصف الشارع كانها اعلان لانتخابات ما، غير اللانجري والتحرش وبوسترات الأدوية المذكورة سلفا، كل ما ستسمعه أذنك من أغاني تخص الجنس، وكل سكتات الحديث عن المعنى والمصلحة، إما بالغضب في صورة سباب جنسي فج يخص أعضاء جنسية أو بالمزاح والضحك والتنكيت بما يخص الجنس أيضا،إذن فلنتعتبر الشارع مذبلة ما يلقي فيها المجتمع قاذوراته، المجتمع البريء الطاهر، وندخل إلى قدس الأقداس، مناطق العمل والعبادة، في مناطق العمل سيدي الفاضل من أول مكاتب الموظفين حتى الحرم الجامعي، يتم تقييم الأفراد في الأحاديث الجانبية بناء على الجنس، بمعنى؛ رئيستك في العمل أو رئيسك الطاعن في السن لو يقرفك في المواعيد إما هي مطلقة أو ارملة تعاني من كبتا ما وإما هو عاجز جنسيا ويأخذ شباشبا من زوجته ويضربها في اليوم التالي في وجهك، مشاكل العمل في الجنس، ولا داعي للخوض طبعا في الخريجات الجداد أو الطالبات التي تقاس مجهوداتهن بمقاس السوتيان أو حلاوة ساقيها لأن هذه المنطقة منطقة أعراض لا أعراض الفتيات بل أعراض أصحاب العمل وأساتذة الجامعة وأرباب الشعر الشائب والقيم والمثل العليا الذين يتمحورون حول الجنس، ننتقل إلى القدس الثان وهو دور العبادة أو حتى القنوات الفضائية الدينية: لو تحجبت النساء لانصلح حال الاقتصاد، نقابك سر رفعة الإسلام، صوت المرأة عورة، ليبرالية يعني أمك تقلع، تقلع وخلاص بقى، إن نسائكم حرث لكم، الأسئلة الدينية في البرامج ترقى إلى عيادات العقم والذكورة والجلدية التناسلبة في أسئلتها، المرأة هي أصل كل الشرور، بل والأسوأ هي محور الأحداث، لماذا المرأة؟ لأنها الزينة؟ ولماذا هي زينة؟ لأنها عورة؟ ولماذا عورة؟ لأنهم يعانون مشاكل جنسية؟ سيكو سيكو يعني؟ ياراجل م تقول؟ حتى هذا يدور حول الجنس...!
اعتقد أنني اعطيتك أمثلة من المجتمع كفيلة لدرجة بسيطة من الاقتناع ولو واحد في المائة كمقدمة للمقال، ومع الواحد في المائة هذا مائة في المائة أن أغلب هذا المجتمع وأفراده حتى الواعيين أو الذين يقولون عن أنفسهم الوعي، سيتأثرون للغاية ويستغفرون الله ويتلاعنون مَن يأتي لهم بسيرة الجنس في : فيلم، رواية، عمل تشكيلي. ويصبح الذي يكشف غطاء الاشتغالة أو حتى يلعب فيها على سبيل الغناء بنفس الأغنية، فاسق وداعر ومسِف ويريد أن يقَطع أواصر القيم في هذا المجتمع ابن الحلال، بل إن ذلك تحديدا، ابن الكلاب الذي سيكتب عن الجنس ويعرضه سواء في مشهد أو في مقال، سيقع عِجلا لكل السكاكين الباردة بأنصالها المرتخية عدم اللامؤاخذة، وقد يساق إلى اتهامه بأنه يريد تمرير حضارة الغرب( الذين يعيشون على فوائدها الاستهلاكية والتي تلعب بهم الكرة) ويبيح التحرر الجنسي كما فعلت المجتمعات المتحررة المتحضرة لا قدر الله بإباحة الجنس والمخدرات لتقليل حجم الماساة، وكما اتفقنا، أنه لا داعي للخوض بأن تلك المجتمعات استندت على احصائيات ودراسات تفيد بأن سياسة التحريم في المجتمع تزيد من فرط تأثير الخطر وتسببه في أزمات مجتمعية والأهم بالنسبة لهم مشاكل العمل والتحقق والانتاج، وبما إننا ليس لدينا مشكلة في انهيار العمل والتحقق الانتاج نحن لن نفعل فعلتهم أبدا ولو على جثثنا جميعا، بغض النظر عن هذه المسائل التي لا اناقشها هنا، أنا غالبا على ما أتذكر أنني بصدد الدفاع عن الفنان ذلك العِجل الذي يلعب معه المجتمع لعبة السكاكين ويمارس عليه كل السلطات والأحكام إذ يتكلم عن موضوع هم يأكلونه ويشربونه ويصنعون منه تماثيل وأيقونات وتفاصيل حياة وخيالات؛ أو بمعنى أصح الوقوف بمواجهة الاشتغالة.
يصاب المرء بحالة إنكار إذ يتسمّر ويرتبك أمام حدثا ما لا يستطيع مواجهته، يلعب عقله لعبة قذرة، مقنعا أياه، أن مالا أستطيع أن اتقبله، لم يحدث أصلا، وبعدما ينكر الواقع، يتعامل بسياسة ما، سياسة بناء على ما قرر أن يقوله لنفسه: الجنس عيب وحرام وقلة أدب واللي هيفتح الموضوع ده هيبقى سافل وحقير، وبناء على ما يحدث فعليا : حدث ما حدث وتمحورت الحياة المصرية حول الجنس. تستخدم هذه الحيلة النفسية الدفاعية اللاشعورية، مثل بقية الحيل، لتمشية الأمور وترييح الدماغ والضمير بما يجلب للنفس الرضا والسعادة والتكييف وكل أشكال الأنتخة والرحرحة والتهوية على المراوح، مشوارنا مع الانكار طويل، والهري فيه سيستمر على مدار أسابيع طويلة، وتمرير الاشتغالات جم وكثيف ويحدث طوال الوقت، لكن هنا في هذه الحلقة ثمة ضحية وأنا أحب الضحايا الحقيقة..ألا وهو المسكين الفنان، تحديدا أغلب أنواع الفنانين وأكثرهم استسلاما وأقلهم انتشارا في مجتمعنا، طويل البال فقير الجيب قليل الحيلة؛ الكاتب. الكاتب عليه أن يتكلم عن أشياء تحدث (الجنس يحدث طوال الوقت نحن في مجتمع من أوائل التحرش ولدينا نتائج مبهرة في الزيادة السكانية وأخبار لابأس بها عن الاغتصاب وزنا المحارم وقدر لطيف جدا من انتشار عادات يومية تخص الجنس وبناء مفاهيم وأحكام مجتمعية بناء على الحياة الجنسية للأفراد) وتلك الأشياء التي تحدث ولابد ان يتكلم عنها الكاتب لابد أن تخلو من الجنس؟ أعطيني عقلك وأمشي حافيا بدون عقل؟ هل هذا منطقي؟ أترضاه لعقلك؟ إن رضيته وقررت أن يحكي لك الروائي حدوتة بعيدة تماما عن المشاكل للموضوع اللي مايتسماش ده أو حتى ممارساته، هل هذه حكاية تصلح كحكاية والتاريخ الإنساني بدأ بغيرة هابيل على قابيل بسبب أمرأة أي بسبب قصة جنسية؟ ثم ماذا يتبقى أصلا من سلسة المحرمات للكاتب، بعدما تحرّج السياسة وتحرّم عليه المناقشة الفكرية فيما يمس العقيدة وتحرّم عليه الثقافة او تلّقي أشكالا أخرى من مستويات الوعي والتساؤل، وتسجنه في الدائرة المفرغة للعبث، بأن الفنان لو أراد لنفسه رسالة أو قيمة جمالية عن العدل أو الخير أو مواجهة الظلم فمصيره نفخ القٍرب المخرومة وعليه أن يكلم نفسه ويؤذن في مالطة ولن ينتبه له أحد، ثم يلجأ الغلبان، للهاث وراء المتعة، ماهي خربانة خربانة، ويحاول أن يحكي لك خيالات أو مشاهد أو تجارب أو طموحات أو مشاكل أو أي ما يمس المسألة الجنسية بصلة، ويعرض لك ما تفحته في حياتك اليومية ليلا ونهارا، يعرضه لك بصورة فن، تسامي، حاجة راقية يعني، وجزاء حسرته في هذه المنطقة، سيأخذ بالجزمة طبعا دونما اعتبار لما يقوله حقيقيا أو لا، أعجبك أو لا، واجهك بمشكلة أو لا صالحك على مصيبتك أو لا.
الكاتب والفنان سيدخلان أخدود المجرمين، يالا مع السلامة، وتستمر الاشتغالة، التي هي أصيلة، أصالة تحقير الفنان كونه أراجوزا أو مشخصاتيا أو عيل هفأ لا يقدم إنتاج ملموس، وسنزج إنشالله بهم جميعا إلى براثن اللاقيمة والاستحقار؟ هل أنت مبسوط؟ انظر العصفورة؟ العصفورة تحب النظر إليهاوهي تؤسس عشها، منظر رومانسي يبعث على النفس الرقة، العصورة وكيتش رقتها هذا حول الجنس، حلوة الاشتغالة؟ جميلة الاشتغالة أنا أيضا أحب الاشتغالات لكن أحاول ألا امارسها بنفس الجدية والصرامة التي يصر عليها المجتمع وهو يشتغل ذاته، أنا لا أريد أن يتوقف الناس عن اشتغال أنفسهم جذريا، أريد فقط على أقل تقدير أن يشتغلنا المجتمع وهو يشتغل نفسه برفق أكثر.
ستواجهني اتهامات عديدة بسبب هذا المقال، إن قراه أحد أصلا، وعلى هذه الفرضية، أحب أن اتذكر حادثة قريبة لي وأحكي لك حدوتة فاطمة، وهي طفلة عندها 14 سنة تعمل في محل كوافير، فاطمة أول ما تراها، سيرد في بالك كل ما تعرفه عن الاساءة للأطفال، فاطمة عندما تقابلها الساعة تاسعة بالليل وتراها لا تكاد تفتح عينيها من التعب، ستعرف فعلا أن عمالة الاطفال واستغلالهم ليست عند الميكانيكية أو بيع المناديل، وعندما ترتبك من كونها قليلة الحجم وأنوثتها الباكرة لا تليق بما تضعه من مكياج وأكسجين في شعرها وهيئة حريمية، أتذكر أنا الاساءة الجنسية للاطفال ومن دفعها إلى هذا الأداء الباكر على هرموناتها وعمرها، فاطمة وهي تعترف لي بأنها لم تذهب إلى المدرسة أبدا وعندما أنهرها عن ذلك وابلغها استيائي، تقول لي أنها مش بتاعة مدارس وتطلعني على الدبلة الصيني الرخيصة وأنها متزوجة، هنا أقول لها بصوت عالٍ جدا : أحيه، تضع فاطمة يدها على فمها خجلا من فعلتي المشينة وينظر لي الناس بتعالٍِ وتكَبُر على أنني مجنونة من اندهاشي والكلمة البذيئة التي خرجت مني، وتحزن فاطمة على وضعي الحرج، وتخجل أكثر عندما أقول لها أن قول الأحيه بسيط وعادي مقارنة بما يفعله العالم بها، لا تفهمني وتخجل: أكرر لها كنشيد قومي، أحيه يافاطمة على اللي بتعمليه، تستغرب ولا أريد أن ادخل في تفاصيل تؤرق حياتها أو تُطلعها على الجحيم الذي تعيشه، فاطمة بريئة وبشكل جزئي ضحية، أنا فقط أريد أن أقول الأحيه بما لا يسبب لي الاحراج أو الاساءة، وعلى فرضية الاساءة التي ستواجهني بسبب هذا المقال، لا أريد أن أحكي بأن قصة فاطمة أو المجتمع بأكمله أكثر فداحة من الأحيه، ولا أريد أن أعكنن على كل سلطة ارهابية سوف تتهمني في هذا المقال، وأواجهها بأنني فقط أقول أحيه لما يستوجب الأحيه، هل تضايقكم تلك الأحيه؟ أحيه يافاطمة أحيه..في النهاية أحب أن أشكر موقع أبولو لأنه ترك لي مساحة لا بأس بها من( الأحيه) وإن حدث واستكملت المقالات الأسبوعية فهي ستكون بخصوص نفس الموضوع، لا ليس الجنس، بل الانكار وما بعد الحداثة ولربما أتيح لي الوقت لحكاية لماذا كان اسم المتتابعة ( للاستعمال الخارجي فقط) .