نور الدين شماس - أصل تسمية الملحون..

- الجزء الأول-

تضاربت الآراء حول أصل تسمية هذا النمط من الأدب الشعبي المغربي الملحون،الجميل و الغريب في أن واحد في الموضوع هو ان هذا التضارب تنبأ به احد بناة المدرسة الملحونية وهو عبدالله بن احساين في النص الذي أرخ به الدكتور ألجراري هذا التراث حيث قال :
حتى نقول ما قالوا عشاق النبي فكل ازمان
وانكون في اقْريضْ الملحون أنا المادحه حسان
اللوغى واللغا واللغوْ بـين اللها امــــع لَـلسـان
والْحُبْ دَا:الشفيع الشافع فالقلبْ وَالدخالْ اتْصان
يقول الأستاذ الفاسي معرفا أصل التسمية " إن لفظة الملحون هنا مشتقة من اللحن بمعنى الغناء لأن الفرق الأساسي بينه وبين الشعر العربي الفصيح أن الملحون ينظم قبل كل شئ ليتغنى به. "
أما الدكتور عباس الجرار ي فيقول : " نحن نرى على العكس من أن هذه التسمية اشتقت من اللحن بمعنى الخطأ النحوي."
في حين يقول الشيخ الأستاذ احمد سهو م: " إن القول الملحون هو القول البليغ الواصل المقنع."
هذه الآراء وأخص بالذكر منها الأول والثاني تبناها العديد من الباحثين والمهتمين فمنهم من نحى منحى الفاسي ومنهم من نحى منحى الجراري
فالأستاذ عبد الله الشليح يقول مرجحا قولة الدكتور الجراري : " إنه ذلك الكلام المقفى المصوغ في قوالب خاصة بلغة عربية سليمة في أغلبها ولكنها غير خاضعة لقواعد النحو والصرف ." (مجلة بن يوسف )
كذلك يقول الأستاذ عبد الجليل (وإني أستصوب الرأي القائل بأن تسمية الملحون اشتقت من اللحن بمعنى الخطأ اللغوي . "
وإلى هذا يذهب الدكتور المرزوق محمد حين قال:"إنها اشتقت -أي الملحون- من لحنَ يلحنُ في كلامه أي ينطق بلغةٍ غير معربة.(مجلة الفكر التونسي عدد 8 )
وفي الواجهة الثانية نجد الدكتور عبد الله شقر ون الذي يوضح رأي الأستاذ الفاسي قائلاً : " يقال الملحون باعتبار أن هذا الشعر الشعبي يوضع ليكون ملحنا ومنغما ومغنى ... وهذا اللون من النظم يعتمد عدد المقاطع سمعيا ويجد وزنه في الغناء ولذلك دعي باسم الملحون أي ملحن ومغنى ."
وقد كان الأستاذ سهو م من دعاة هذا الرأي قبل أن يستجوب القصيدة فتبوح له بأسرارها ويستنطق السرابة فتفصح له عن مكنوناتها حيث قال : " ولا أنكر أنني روجتُ له في مستهل حياتي العملية." (الملحون الغربي ص230)
أما الأستاذ عبد الرحمان الملحوني فيتأرجح بين المعنيين إذ يقول:"الملحون اسم مشتق من اللحن بمعنى الخطأ وقيل من اللحن بمعنى الموسيقى لأن الشاعر في نفس الوقت ناظم وملحن ."
ونختم هذا الجرد فيما قيل من تعاريف حول أصل التسمية بمقولة الشيخ الباحث الخزان الأستاذ دلال الحسيكة رحمة الله عليه:
"من أعرب في الملحون فقد لحن"
يقول الأستاذ الفاسي رحمه الله محللا رأيه:"إن أول ما يتبادر إلى الذهن انه شعر بلغة لا إعراب فيها فكأنه كلام فيه لحن، أي شعر منظوم في لغة ملحونة لأنه باللغة العامية التي تولدت عن الفصحى والتي تتميز بعدم الإعراب."وهذا اشتقاق باطل في نظر الأستاذ من عدة وجوه والتي يتضمنها قوله، " إننا لا نقابل الكلام الفصيح بالكلام الملحون وإنما باللهجات العامية ولم يرد هذا التعبير عند أحد من الكتاب القدامى لا بالمشرق ولا بالمغرب" ويدلي الأستاذ برأيه مع طرح لبعض التعـليلات مفاد هذا الرأي أن هذه اللفظة اشتقت من التلحين بمعنى التنغيم لا من اللحن أي الخطأ في القواعد الإعرابية وذلك أن اللغة التي يستعملها الملحون غير أعرابية و لكن تنفرد بخصائص مستقلة ولها أساليب وقواعد خاصة بها حيث يقول:" والذي أرى أنهم اشتقوا هذه اللفظة من التلحين بمعنى أن الأصل في هذا الشعر الملحون أنه ينظم ليتغنى به قبل كل شيء لأنه لا يعقل أن يلحن المتكلم في لغة يدركها حق الإدراك ثم يطلق هذا الخطأ على إنتاجه الشعري وإنما جاء الإلتباس في أذهان البعض من الموافقة الصوتية بين المعنيين اللذين يؤديهما لفظ اللحن في الغة العربية."
ولتوضيح وتدعيم رأيه يحيلنا الأستاذ الفاسي على ما ورد عـند ابن خلدون حيث قال :" ونجد ما يؤيد هذا النظر في قول ابن خلدون في المقدمة الفصل الخمسين" في أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد" بعد أن تكلم على الشعر باللغة العامية فقال:وربما يلحنون فيه ألحانا بسيطة لا على الصناعة الموسيقية
ومفاد هذه القولة أن الفرق الأساسي بينه وبين الشعر الفصيح أن الملحون ينظم قبل كل شيء لكي يتغنى به وبالتالي لا تدرج هذه الأشعار في الموازين الموسيقية المعروفة وإنما تخصص لها ألحانا منفردة وخاصة تخالف الألحان المعروفة والمتداولة من بسيط وبطا يحي .
انطلاقا من هذا الرأي تبدأ نقطة الخلاف بين الأستاذ الفاسي والدكتور الجراري لأن هذا الأخير يقف موقفا مناقضا للأول بحيث يقول أن أصل التسمية اشتقت من اللحن بمعنى الخطأ النحوي ويعلل ذلك مناقشا الأستاذ الفاسي من ثلاثة وجهات هي كالتالي:
1- أن هذا الشعر لم يكن ينظم أول الأمر ليتغنى به وان اتخاذه للغناء ثم في مرحلة تالية .
2- إننا لا نقابل الكلام الفصيح بالكلام الملحون لأن الفصاحة قد تكون في الملحون وغير الملحون .
3- إن استعمال التسميتين المعرب والملحون متعارف عليه عند كل الدين تعرضوا للونين.
ثم يأتي باستشهادات ليؤكد بها ما انتهى إليه فيقول هذا ابن سعيد متحدثا عن بعض الشعراء فيقول:" وله شعر ملحون على طريقة العامية "، ثم تطرق بعد ذلك إلى استدلال محمد الفاسي بكلام ابن خلدون ليطعن فيه من وجوه ثلاثة :
1- انه لا يرى في كلام ابن خلدون ما يشير إلى الشعر العامي المغربي فطرح القولة من جديد ليحيلنا على الوجه الأصوب في نظره فهو يقول أي ابن خلدون " أما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الاعاريض على ما كان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطولات فأهل أمصار المغرب من العرب يسمون هذه القصائد بالأصمعيات وأهل المشرق يسمون هذا النوع من الشعر البدوي .
2- يدقق الدكتور الجراري في قولة ابن خلدون ويـبـيـن خطأ ما اعتمد عليه الأستاذ محمد الفاسي ليؤكد أن ابن خلدون لم يذهب إلى أن اللحن الموسيقي والغناء من خصائص هذا الشعر وإنما رأى انه قد يتخذ في بعض الأحيان للغناء وهذا مغزى قوله "ربما "
3- إن ابن خلدون حين تطرق إلى الحديث عن عروض البلد الذي استحسنه أهل الأمصار وساروا على منواله في أشعارهم الشعبية اقتصر على مسألة خلو هذه الأخيرة من الأعراب ، ولم يشر إلى أنها كانت تغنى ولو كانت كذلك لما غفل ابن خلدون عن هذه الإشارة حيث قال : " فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقتهم وتركوا الأعراب الذي ليس من شأنهم وكثر سماعه بينهم واستفحل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافا."
وفي تعريفه لأصل التسمية يفند الأستاذ أحمد سهو م كل ما جاء عند الأستاذ الفاسي والدكتور الجراري حيث يقول في الملحون المغربي ص 230 :=ذهب البعض إلى القول أن كلمة ملحون تعني الخطأ اللغوي فما دام غير خاضع لأصول النحو والصرف وقواعد الصرف فهو القول الملحون أي المغلوط أو القول المخطئ وأنا أرى أن الخطأ اللغوي لايمكن أن يظهر إلا من خلال الصواب اللغوي فنقرأ قصيدة شعرية فصيحة أو قطعة أدبية فصيحة ويكون في القراءة بعض الخطأ فذلك هو اللحن أما الملحون فلغة الخطاب فيه هي الدارجة المغربية وتلك طبيعتها.
ويضيف الأستاذ سهو م " نعم أن الدارجة هي البنت البكر للعربية الفصحى ولقد ورثت عن أمها سائر مقومات التعبـير العربي وقيمه وخصائصه وخصوصياته ، إلا أنها تحررت وبصفة نهائية من كل قيود النحو وأصبحت لا يحكمها إلا المنطق الذي ينبثق عنها في الاستعمال اليومي السريع والذي يمكن أن نعـتبره فقه الدارج المغربية ولغة هذه طبيعتها لا يستساغ أبدا أن نعتبر أدبها مغلوط أو مخطئ ."
ثم يعقب على ما ورد عند الفاسي في تعريفه لأصل التسمية فيقول : " وذهب البعض الأخر إلى أن كلمة ملحون أصلها من اللحن الموسيقي فهو القول الملحون أي الملحن بتشديد الحاء ولا أنكر أنني سبق وان اقـتـنعت بهذا الرأي بل روجت له في مستهل حياتي العملية ."
أما عن أصل التسمية فيقول :أول من وجدنا كلمة ملحون في بعض أثاره الشعرية هو مولاي عبد الله بن احساين ويرجع عهده إلى العصر السعدي نقرأ له الهدونة فنجده يقول في بعض أبياتها :
وَالْقُولْ قُولْ ملحون أو فَ النْظَامْ موزون
ويقول في ختام وصية له : ملحون فَ: الـْمْعاني موزون عْلَى ا نـْظامت النظام
وكلمة ملحون في البيت الأول كما في البيت الثاني لا تشير أبدا إلى الألحان الموسيقية وإنما تشير إلى ما في هذا القول من فصاحة وبلاغة وبيان ، وهكذا فإن القول الملحون هو القول البليغ والواصل المقـنع ، ومولاي عبد الله بن أحسا ين الذي ثبت أنه كان يفصل بين الناس في قضاياهم اليومية ، وأنه كان يفتيهم في شؤون دينهم ودنياهم ولا أضنه كان يجهل معنى الحديث النبوي الشريف"لعل أحدهم يكون ألحن بحجته من أخيه".الحديث الشريف الذي استشهد به الأستاذ سهو م رواه البخاري ومسلم عن الرسول علية الصلاة والسلام قال:إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو يتركها . "
ولفظة ألحن بحجته هنا أشد فهما وانتباها بها، وقد وردت عند الزمخشري في أساس البلاغة: وهو لَحِن بحجته : فهمُ فاطنُ بها بصرفها إلى أي وجه شاء، وفلان لسنُُ لقنُُ لحنُ، وفلان ألحن بحجته من صاحبه، وفلان يلاحن الناس، يفاطنهم ويغالبهم لفطنته ودهائه .
بعد حصرنا لما قيل في التعريف بأصل التسمية وقبل مناقشة وتحليل ما ذكر سالفا في هذا الباب أود أن أقف بالقارئ أمام لفظ اللحن .
- يقول الزمخشري في أساس البلاغة ص406 :" لحن في الكلام إذا مال به عن الإعراب إلى الخطأ أو صرفه عن موضعه إلى الألغاز ، ورجل لحان ولحانة ولحـنَـتـهُ : نسبته إلى اللحن ، وقلت له قد لَحَنتَ ولحنْتُ له لحناً : قلت له ما يفهمه عني ويخفى على غيره ، وعرفت ذلك من لَحْنِ كلامه : في فحواه وفيما صرف إليه من غير إفصاح به قال :
مَنْطقُ واضحُ وَ يَلْحَنُ أَحيا ناً وأَحْلى الحديث ما كان لَحْناً
أي تـكالم بما يخفى على الناس ، ولحن في قراءته تلحينا : طرب فيها، وقراء بألحان ولحون . ولحِنَ ذلك بكسر الحاء : فهمه، وهولحن بحجته : فهم فطن بها يصرفها الى أي وجه شاء. وفلان لسِنُُ لقِنُُ لحنُ.
قال لــبـيـد :
مُـتـعَودُُ لَحِنُُ يُعيد بكفه قلما على عُسُبٍ ذَبَـلـنَ وبانِ" .
وفلان ألحن بحجته من صاحبه، وفلان يلاحنُ الناس: يفاطنهم ويغالبهم لفطنته ودهائه.
-ويقول صاحب البستان في ج 2 ص2158 : " لحن القارئ في القراءة والمتكلم في كلامه يلحنُ لَحناً ولحوناً ولحناً أخطاء في الإعراب وخالف وجه الصواب ، وفلانُُ لفلان لحنا : قال له قولا يفهمه عنه ويخفى على غيره وإليه نواه وقصده ومال إليه وقوله فهمه ، لَحِنَ الرجل يلحنُ لحناً : فطن لحجته وانتبه - وقوله فهمه ، اللحن بالفتح مصدر ومن الأصوات المصوغة الموضوعة ج ألحان و لحون ، واللحن أيضا اللغة تقول - لحنت بلحن فلان- أي تكلمت بلغـته ، لَحْنُ الكلام : فحواه ومعناه ومعَاريضه ، واللحن محركة الفطنة قولهم هو ألحن من فلان أي أسبق فهما منه ، ألحن الناس : أحسنهم قراءة أو غناء ، وقولهم فلان لا يعرف لحن هذا الشعر : أي لا يعرف كيف يغنيه . "
إن دلالة لفظ اللحن على هذا المعنى متأخرة سبقتها دلالات أخرى ، وأغلب الظن أنه استعمل لأول مرة بهذا المعنى عندما تنبه العرب بعد اختلاطهم بالأعاجم إلى الفرق ما بين التعبير الصحيح والتعبير الملحون وفي هذا الصدد نجد أحمد بن الفارض يقول : "فأما اللحن بسكون الحاء فإمالة الكلام عن جهته الصحيحة ، في العربية يقال : لحن لحنا وهذا من كلام المولد لان اللحن محذت لم يكن في العرب العاربة الذين تكلموا بطباعهم السليمة ."


***

-الجزء الثاني-

ولعل أول معنى لهذا اللفظ هو ما ذكره ابن فارض وهو إمالة الشيء عن جهته وبهذا تحددت دلالة هذا المعنى العام فكانت للفظ الدلالات الآتية :
-1 الغـنـاء : وترجيع الصوت والتطريب والمعنى العام ملحوظ في هذه الدلالة إذ هي إمالة الشيء عن جهته الصحيحة بالزيادة والنقصان في الترنيم
يقول الزمخشري في أساس البلاغة : لحن في قراءته تلحينا : طرب فيها بألحان ولحون ، ونجد عبد الله البستاني يقول : اللحن بالفتح مصدر من الأصوات المصوغة الموضوعة ج ألحان ولحون ، قولهم هو ألحن الناس أي أحسنهم قراءة أو غناء وقولهم فلان لا يعرف لحن هذا الشعر أي لا يعرف كيف يغنيه ، ولحن فلان في قراءته :طرب فيها وترنم .
ومن شواهد هذا المعنى قول يزيد بن النعمان:
لقد تركت فؤاد كمستجنا مطوقة على قـنن تغني
وقد استدرك أبو عبيد البكري على هذا الاستشهاد فقال : وهذا وهم من آبى علي وإنما المراد باللحن الذي هو ضرب من الأصوات الموصوفة للتغني والدليل على ذلك قوله :
مطوقة على فنن تغني يرددن لحونا ذات ألوان
-2الخطاء في اللغة : وهو راجع أيضا إلى المعنى العام الذي ذكرناه وهو إمالة الشيء عن جهته ، وقد أورد الزمخشري لفظ "مال" في تفسيره للحن بهذا المعنى حيث قال في أساس البلاغة : " لحن في كلامه إذا مال به عن الإعراب إلى الخطأ
-3 اللهجة الخاصة: وهذه الدلالة تدخل أيضا ضمن المعنى العام وهو الميل فاختلاف اللهجة عن اللغة المشتركة يعد ميلا عنها بوجه عام ، ومن شواهد هذا الدلالة قول عمر رضي الله عنه :" أبي اقرؤنا " قالوا إنا لنرغب من لحنه أي من لغته والمراد اللهجة ، وكذلك ما ورد عند الزمخشري:قال الطرماح :
وأدت الي القول عنهن زولة تلاحن أو ترنو لقول الملاحنِ
أي تكالم بما يخفى على الناس ، وعن ابي مهدية : ليس هذا من لحني ولا من لحن قومي : أي من نحوي ومذهبي الذي أميل إليه وأتكلم به : يعني لغـتـه .
بعد هذه الإطلالة على دلالات لفظة اللحن نعود إلى أصل تسمية هذا الأدب وإني لأرجح قولة الأستاذ الفاسي بأن أصل التسمية مشتقة من اللحن بمعنى الغناء وذلك لعدة أسباب :
-أولا: إن لفظة اللحن هنا ليس المقصود بها الخطأ اللغوي وذلك ما أشار إليه الأستاذ الفاسي حين قال أنه لايعقل أن يلحن المتكلم في لغة يدركها حق الإدراك ثم يطلق هذا الخطأ على إنتاجه الشعري، كما استبعدها الأستاذ سهو م حيث قال أن الخطأ اللغوي لايمكن أن يظهر إلا من خلال الصواب اللغوي أما الملحون فلغة الخطاب فيه هي الدارجة وتلك طبيعتها لأنها تحررت من قيود النحو وأصبحت لا يحكمها إلا المنطق الذي نْبتقَ عنها في الإستعمال ولغة هذه طبيعتها لا يستساغ أبدا أن نعتبر أدبها مغلوط أو مخطوء .
- تانية : جميع ما ورد عند الأستاذ الجراري من مصادر لاتشير صراحة إلى الملحون المغربي وإنما عن الشعر العامي.
-تالثـا: يقول الدكتورالجراري أن هذا الشعر لم يكن ينظم أول الأمر ليتغنى به وإنما اتخاده للغناء ثم في مرحلة تالية، مع العلم انه أول من رجح أن تكون الاغاني والمرددات والاناشيد الشعبية المحلية هي الاصل الاول للقصيدة التي نشأت محلية نابعة من البيئة ومتأترة بها كغيرها من الفنون.
هذه الأغاني والمرددات وإن لم تصلنا نصوص لها يقول الدكتور الجراري " فإنا لسنا بحاجة إليها لنتبت وجودها لأن المغرب ليس بدعا من الشعوب والمجتمعات فقد كانت له أغانيه ومردداته وأناشيده يتنغم بها في مختلف اللهجات المنتشرة فيه وبالعربية منذ أن ثم استعرابه في عهد الموحدين وربما قبل ذلك ." القصيدة ص556
وفي هذا الصدد يحليلنا الأستاذ سهو م على جانب من هذه المرددات في كتابه الملحون المغربي ص63 حيث يقول متسائلا : أعطي ألف قصيدة لمن يستطيع أن يجيب على هذا السؤال : هل الجيلالي امتيرد هو الذي فتنه وزن قبيلة بني حسن الذي يتغنى به على إيقاعات المقس والبندير
الصلات علىمحمد ونافي قلبي احـلات
من لا يبغيك يالهادي مولاك ايشْتتُ اشَتاتْ
اشْفراللي اعْليه سماواْالناس زمان بوشفر
اشفراللي اشحال من واحد شد عليه بالغدر
اشفراللي شحال يقتل واشحال يقصف العمر
ما نَامَنْ فيه ما نْحاديهْ من صغري تَ للكبر
قلت هل امتيرد هو الذي أعجبه هذا الوزن من بني احسن فختاره لقصيدة الطيرالتي تقول لازمتها :
طيرامْشالي اوْلااعرفته فين امشى صابغ الاشفار
تجمعني بيه يالمولى طالتْ بالشوقْ غيبْته
ويعيد الأستاذ التسائل: هل امتيرد هو الذي اختار وزن ابن حساين لقصيدة الطيرأم أن ابني حسن هم الذين اختاروا وزن الطير لشعرهم المحلي.
ويظيف أن جدور الوزن الذي أقام عليه الجيلالي امتيرد حرازه -هو من بحرالسوسي- هو من العيطة الحوزية ولاأقول المرساوية أو الحصباوية وإنما الحوزية "
واعود وأطرح قولة الدكتور الجراري والتي مفادها أن هذا الشعر لم يكن ينظم أول الامر ليتغنى به وإنما اتخاذه للغناء ثم في مرحلة تالية ، في حين أن نصوص الشيوخ الذين أرخ بهم الدكتور مرحلة النشاءة تشيرصراحة الى وجود عنصرالنغم في شعر الملحون، فالشيخ بوعمروهو من تلاميد بن احساين يقول في عبلة :
انْـظَمْ اوَانغني سعدي اسكامْ وانْقول ا فْحلتي اوْشعري وَاسْـجالي
فْ مَحرابْ لغرام هي القبلة
وفي زهرة يقول:
واشْ من اعيبْ علْ لشْطارْ وَالغنا بمحاسنْ لمرا
والشيخ الحاجْ اعمارة في رتاء بوعمر يقول :
النبيل الفد النشادْ سيد من غنى وَ اشْـدا
بوعمر المنيرْ الوقادْ الحبـيــبْ الا لـيـهْ افدا
ويقول في اخر قصيدة فاطمة:
ياراوي لبياتْ عني غني اوصول لاتخشى من عدياني
والشيخ محمد بن عبد الله بن احساين في قصيدة طامه يقول:
صوت العدرا امعَ انغامه اسرى فَمْفَاصَلْ الْجْسامْ
خمر داتي بلا امدام
ونجد الشيخ عبد العزيز المغراوي يقول :
من لا غَناوْا بالبسيط وَلا بغْميقْ الى تسْمعْ الْغاتهمْ اتقولْ اطيارْ
وفي قصيدة شفقة يقول :
والسلام على كل نَشادْ مثني عن جَمعْ لَجوادْ
وفي الربيعية يقول :
والجناح ايْبرقم والطرور والربايبْ واللغى يتبدلْ بنغايمه امدرج
وفي السلوانية له يقول :بغنا ايْدوبْ القلوبْ الصفوانْ مبالَكْ الهايمينْ
- رابعا : ان جميع التعاريف الواردة للزجل تشير صراحة إلى وجود عنصر النغم فيه فالحلي يقول: وأول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد مقصدة وأبيات مجردة على عروض العرب بقافية واحدة كالقريض لايغايره بغير اللحن واللفظ العامي وسموها القصائد الزجلية ."
وهذا ابن عباد الرندي يقول: أما مقطعات الششتري وأزجاله فلي فيها شهوة وإليها اشتياق وأما تحليها بالنغم والصوت الحسن فلا تسل فإن قدرتم أن تقيدوا منها ما وجدتموه فافعلوا ذلك ."
والحلي يقول : وإنما سمي هذا الفن زجلا لأنه لا يلتذ يه ويفهم مقاطع اوزانه ولزوم قوافيه حتى يغنى به ويصوت فيزول اللبس بذلك ."
وفي تعليقه على نص ورد في كتاب جميع نواميس الكنيسة والقانون المقدس يقول الدكتور عبد العزيز الاهواني "وهذا نص فيما نعتقد عظيم الأهمية ، وقيمته ليست في أن الزجل كان موجودا قبل ابن قزمان فحسب بل إنه كان شعبيا له مكانته في العرائس بين الموسيقى والرقص والأغاني .
وعند ترجمته لابن سبعين يقول الدكتور الجراري في القصيدة ص543 : أن أبا الحسن الششتري -610 . 668هـ - حين وفد إلى المغرب اتصل بابن سبعين وتتلمد عليه ، ويقال أن المتصوف المغربي أعطى تلميذه علما وطلب منه أن يتجول في السوق مغنيا ببيت زجلي يقول فيه :
أبديت بذكر الحبيب اوْ عَيْشي ايْطيبْ
ومضى الششتري يغني في الأسواق بهذا البيت وقضى يومين دون أن يستطيع إضافة شيء إليه حتى كان اليوم الثالث فأكمله وقال:
لما دارالكاس مابين الجلاس عنهم زال الباس
اسقاهم بكاس الرضا عفا الله عما امضى
ويضيف الدكتور الجراري قائلا : ومثل هذه الحكاية تـتبث لاشك أن بن سبعين كانت له معرفة بنظم الزجل وأن هذا الفن لم يكن غريبا على المغاربة إلى حد أنهم يسمعونه في الاسواق وأن الششتري كان ينتقل داخل المدن المغربية وينظم أزجالا يتغنى بها في الأسواق كهذا الزجل الذي يقول في مطلعه :
شْويخْ من أرض مكناس وسط الأسواق ايغني
اشْ عْليا من الناس واشْ على الناسِ مني
نفس المقطع الذي تغنى به الششتري نظم فيه محمد الشرقي قصيدة الفياشية :
أنا مالي فياش واشْ اعليا مني
نقنط من رزقي لاشْ والخالق يرزقني
كما نظم على غرارها الجيلالي امتيرد قصيدة حب احبيب الرحمان :
حب احبيب الرحمان خمرني يالخوان
وسقاني من جريان يامحلاه بجرجون
كما نظم على غرارها الزجال المبدع الحاج أحمد الطيب العلج قصيدة :
ما نا إلا بشر عندي قلب اونضـر
وانت كلك خطر متبقاشي اتحقق فيا



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...