بعد أن صهرتنا مرائر السنوات وأفراحها الشحيحات في روح واحدة، كانت ميتتها المباغتة، أول طعنة غدر وأشدها أذى على الأطلاق، واجهتني في حياتي... واليوم، وقد بلغت الستين، وحيدا دونما حبيب أو أنيس، وسلال أيامي توشك على النفاد، أفتقد حضورها البهي، وأشعر باليتم المكتمل، كما لو كنت طفلا غريرا أفلتته قبضة أمه في خضم متلاطم من الكائنات والأحداث في بازار متشعب المتاهات..
لم يحدث أن أنقطعت، مرة واحدة، كل تلك السنوات، عن القيام بواجبي، في زيارتها الأسبوعية، حتى وإن كان الشاغل عظيم الأهمية، أو كان مرضا شديدا يلزمني الفراش، على الرغم من مسافة، ماينقص أو يزيد على الساعتين والنصف، حسب حال الطريق بين محل سكناي والمقبرة.
والشمعة متقدة للتو، والقبر مبلل بماء الورد، وسحائب الدخان الشفيفة لعيدان البخورالمجمرة، تتراقص توافقا مع حراك الريح الهين، وكما لو كنت أقرأ تقريرا مكتوبا على ورق، رحت أتلو وكما في كل مرة،على مسامع شاهدة القبر، بالتفصيل الممل، الوقائع التي جرت لي الأسبوع المنصرم، ممتزجة بمشاعري وأفكاري حيالها، مثل من يفرغ حمولة ثقيلة تجثم، بتراكم دقائق وساعات وأيام أسبوع كامل، على صدره، ما أن تنزاح عنه يتنفس الصعداء.
بعفو الخاطر، كنت ألمح، عن بعد يسير، ظلا لأمرأة تقعي أمام شاهدة قبر، عددا من المرات في جمع سابقة، غير أني لم أكن منتبها الى التقاطيع المشدودة لجسدها الفارع، سوى ذلك النهار التشريني الدافئ، وكانت قد أحتضنت، بين ساقيها الممتلئتين، رخام الشاهدة، بشغف واضح ...
ضعف بصري لايعينني على تحديد سقف محدد لسني عمرها، ولكن يمكنني التخمين أنها عبرت حاجز الأربعين. ومايلفت، إضافة الى ماسبق، أن جسدها بأكمله، كان ينود، مرة الى الأمام وأخرى والى الخلف، بوتيرة واحدة، لكأنما ثمة إيقاع يظبطه، يبدو أنها كانت تنعي فقيدها على إنغام ترتيلة ما..
وأنا منهمك، مرة، بحديث ذي شجون مع قبر زوجتي ، كان هناك من يربت على كتفي، ألتفت فإذا بالمرأة الفارعة القوام ذاتها، كما نخلة، واقفة فوق رأسي، أبتسمت لها مستفهما، قالت: عذرا، فقدت في الطريق علبة البخور، فهل من قليل منه؟
نهضت نشيطا، ناولتها علبة بخور كاملة، فيما راحت، تسيح نظراتي، مرغما، في خمائل وجهها وتفاصيل قوامها، قالت هامسة: ولكن ماذا بشأن .. وأخذت تقرأ كلمات شاهدة القبر .. أجبتها: عندي المزيد لقبر زوجتي. ترحمت قارئة سورة الفاتحة على روح الفقيدة، شكرتني وغادرت.
في الزيارات الأولى للمقبرة، أعقاب مواراة زوجتي في بقعة صغيرة من أرضها المترامية، كان إنقباض شديد الوطء يجثم على أنفاسي، وسرعان ما أولي الإدبار هاربا، فقد كانت أرضها المتربة الجافة والغبار المتصاعد منها، فضلا عن المرئى العشوائي للقبور وشواهدها، وكذا سراديب الموتى التي توحي بحيوات غامضة تحت الأرض تتوزع القبور الظاهرة، كلها تثير القرف بل وبعض الهلع في النفس، ولكن مع الوقت وتكرار الزيارات أمسيت متآلفا مع المشهد، وبت على علاقة ما مع الشواهد التي تخبرك بزمن ولادة وموت المتوفى، وإن كان شابا أو شابة هناك صورة له مثبتتة أعلى الشاهدة تدعوك للأسف على شبابه، ومع توالي الأيام والشهور، رحت أقضي مزيدا من الوقت هناك، حتى أخذت أستأنس بوجودي بالقرب من قبر زوجتي وما يحيط به من قبور وسراديب..
ذات ضحى، وضياء الشمس فتيا ينير المكان، كنت في طريقي الى وجهتي المعتادة، لمحت عن مبعدة ضلا لآدمي يقف قبالة شاهدة قبر زوجتي، ولما أقتربت كانت هي ذاتها " زميلتي" الأربعينية الفارعة، ترتل" يوم لا ينفع مال ولابنون إلآ من أتى الله بقلب سليم "، فيما القبر مبلل بماء الورد وأعواد البخور والشموع المشتعلة تحيط به... إنتظرت حتى ختمت ترتيلها، فبادرتها ممتنا شاكرا. ردت:ـ في جنات النعيم إن شاء الله.
لم أشاء أن أتركها تغادر من دون أن تحتسي معي قدحا من الشاي، طامعا بمواصلة الحديث ومعرفتها عن قرب أكثر، أعتذرت في البدء ومن ثم رضت، سألتها ونحن نفترش التراب:ـ هل من أولاد لكما أنت والفقيد؟ أجابت بعد لأي:ـ نعم ولدين، ولكن أي ولدين .. إنهما كما فراخ" الشيج" ما أن يغادر المولود منهم رحم أمه حتى يطير بلا رجعة... :ـ كان الله في عونك .. واسيتها مضيفا:ـ لعن الله الوحدة كم قاسية هي .. قالت:ـ أقضي نهاراتي ولياليها أحدث الحيطان، من يراني يظنني مجنونة... سألتني:ـ وأنت؟ .. أرتشفت فما من قدح الشاي ثم أجبت:ـ حالي أهون قليلا من حالك، وقتي معظمه أقضيه هاربا في العمل، لأعود ليلا الى جحيم الوحدة، لم نرزق بإولاد أبدا، كانت الفقيدة عاقرا.
كنت أتملى متمهلا، وأنا أتحدث، في قسمات وجهها القمحي عيونها الموغلة الأزرقاق وشفتيها المكتنزتين المتهدلتين. همَت بالقيام نافضة ماعلق بعباءتها من تراب، مدت ذراعيها وجمعت كفيها لتقرأ الفاتحة، ومشت الى قبر فقيدها، سبقتها حاملا كيس الشمع والبخور وماء الورد، ولما لحقت بي كنت قد انتهيت من إشعال عيدان البخور وأصابع الشمع ورش ماء الورد على قبر الفقيد .. قرأنا الفاتحة معا، لحظات صمت أعقبت مالبثت أن كسرتها بالقول:ـ هل أوصلك معي، لدي سيارة .. شكرتني وأضافت:ـ سأبقى بعض الوقت أحدثه .. وأشارت الى القبر. قلت:ـ حسنا .. الى اللقاء.
وأنا أقفل مغادرا تنبهت الى أنني، وللمرة الأولى، لم أبث الفقيدة زوجتي هموم الأسبوع المنصرم منذ فقدتها وحتى اللحظة .. وطوال الأيام الستة التالية، لم يغب بهاء صورة زميلتي، وعذوبة صوتها عن تفكيري، وسبحت أخيلة مجنحة شتى في يقظتي ومنامي، هل يعقل أن كهلا بلغ الستين تتملكه أحلام مراهق في السادسة عشرة ؟! .. ولكن من أين لنا الحول أو القوة على شكم جموح هوى النفس، لإ سيما الجوع الجسدي والحرمان من المؤانسة، يكتنفانها بل يكتفانها زمنا طويلا؟...
جمعة بعد جمعة، وزيارة بعد زيارة، وتبادل بعد آخر للشمع والبخور ومياه الورد، نشأ بيننا ود راح ينمو ويكبر حد تبادل الزهور والعطور وهدايا صغيرة أخرى، فيما طرأ تحول جوهري على طقوس الزيارات، حيث غدت مناسبات للتنزه والأستجمام كما هي عطل" الويك أيند"، ولم نعد نعير زوجينا الفقيدين ألتفاتة حتى، ثم مالبثت لقاءاتنا أن أمست حميمة الى درجة تكاشفنا فيها، وشكا كل منا وحشته وقسوة وحدته، بل وشوقه العارم الى لقاء ألآخر. تجولنا كثيرا بين القبور، بلغنا أطراف المقبرة، على شساعتها، ثم عدنا، مررنا بسراديب ومقامات وأضرحة، ولم يكن من بد سوى العثور على مكان نختلي به، لنأمن المفاجآت وشر أو حسد الأموات المتلصصين ...
في إحدى المرات، وأثناء تجوالنا، كنا قد مررنا بسرداب متوج بقبة متقنة البناء، يغلفها القاشان الفيروزي المزجج وتقوم على بناء سداسي الأضلاع، كل ضلع فيه عبارة عن رخامة مستطيلة منقوش عليها مرأى واحد، مرة بإطفال أكتافهم أجنحة ملائكة، وثانية بأشجار ثمارها قناديل ملونة، وثالثة بطواويس باهرة الألوان، و .. و ..
صامتين مأخوذين هبطنا سلمه المرمري ، لاصوت ولا أية نأمة. بلغنا أرضيته الرخامية الصقيلة التي أقيم فوقها قبرمزجج مهيب، ومن دون أية أرادة أووعي، ألقت حبيبتي عباءتها جانبا وخلعت ماترتديه، وكذا فعلت أنا، فيما أنبجست بنحو مفاجىء، في الظلمة المحيطة هالة ضوء لجبهة صبي تنز دما ومسمار نابت فيها، فيما ذراعاه مشرعتان. بعد دقائق لاتنضوي مطلقا تحت قياس الزمن المعتاد، أخذت مساماتنا تنز شبقا وعشقا، ليس من وصف يحيط بهما..
حين خرجنا من السرداب وجدتنا، كما لو أننا ولدنا للتو، طفلين غضين مبتهجين تحيط بنا غابة كثيفة من الأشجار المثمرة الورقاء، مثقلة بكل ما لذ وطاب.
كاظم جماسي
لم يحدث أن أنقطعت، مرة واحدة، كل تلك السنوات، عن القيام بواجبي، في زيارتها الأسبوعية، حتى وإن كان الشاغل عظيم الأهمية، أو كان مرضا شديدا يلزمني الفراش، على الرغم من مسافة، ماينقص أو يزيد على الساعتين والنصف، حسب حال الطريق بين محل سكناي والمقبرة.
والشمعة متقدة للتو، والقبر مبلل بماء الورد، وسحائب الدخان الشفيفة لعيدان البخورالمجمرة، تتراقص توافقا مع حراك الريح الهين، وكما لو كنت أقرأ تقريرا مكتوبا على ورق، رحت أتلو وكما في كل مرة،على مسامع شاهدة القبر، بالتفصيل الممل، الوقائع التي جرت لي الأسبوع المنصرم، ممتزجة بمشاعري وأفكاري حيالها، مثل من يفرغ حمولة ثقيلة تجثم، بتراكم دقائق وساعات وأيام أسبوع كامل، على صدره، ما أن تنزاح عنه يتنفس الصعداء.
بعفو الخاطر، كنت ألمح، عن بعد يسير، ظلا لأمرأة تقعي أمام شاهدة قبر، عددا من المرات في جمع سابقة، غير أني لم أكن منتبها الى التقاطيع المشدودة لجسدها الفارع، سوى ذلك النهار التشريني الدافئ، وكانت قد أحتضنت، بين ساقيها الممتلئتين، رخام الشاهدة، بشغف واضح ...
ضعف بصري لايعينني على تحديد سقف محدد لسني عمرها، ولكن يمكنني التخمين أنها عبرت حاجز الأربعين. ومايلفت، إضافة الى ماسبق، أن جسدها بأكمله، كان ينود، مرة الى الأمام وأخرى والى الخلف، بوتيرة واحدة، لكأنما ثمة إيقاع يظبطه، يبدو أنها كانت تنعي فقيدها على إنغام ترتيلة ما..
وأنا منهمك، مرة، بحديث ذي شجون مع قبر زوجتي ، كان هناك من يربت على كتفي، ألتفت فإذا بالمرأة الفارعة القوام ذاتها، كما نخلة، واقفة فوق رأسي، أبتسمت لها مستفهما، قالت: عذرا، فقدت في الطريق علبة البخور، فهل من قليل منه؟
نهضت نشيطا، ناولتها علبة بخور كاملة، فيما راحت، تسيح نظراتي، مرغما، في خمائل وجهها وتفاصيل قوامها، قالت هامسة: ولكن ماذا بشأن .. وأخذت تقرأ كلمات شاهدة القبر .. أجبتها: عندي المزيد لقبر زوجتي. ترحمت قارئة سورة الفاتحة على روح الفقيدة، شكرتني وغادرت.
في الزيارات الأولى للمقبرة، أعقاب مواراة زوجتي في بقعة صغيرة من أرضها المترامية، كان إنقباض شديد الوطء يجثم على أنفاسي، وسرعان ما أولي الإدبار هاربا، فقد كانت أرضها المتربة الجافة والغبار المتصاعد منها، فضلا عن المرئى العشوائي للقبور وشواهدها، وكذا سراديب الموتى التي توحي بحيوات غامضة تحت الأرض تتوزع القبور الظاهرة، كلها تثير القرف بل وبعض الهلع في النفس، ولكن مع الوقت وتكرار الزيارات أمسيت متآلفا مع المشهد، وبت على علاقة ما مع الشواهد التي تخبرك بزمن ولادة وموت المتوفى، وإن كان شابا أو شابة هناك صورة له مثبتتة أعلى الشاهدة تدعوك للأسف على شبابه، ومع توالي الأيام والشهور، رحت أقضي مزيدا من الوقت هناك، حتى أخذت أستأنس بوجودي بالقرب من قبر زوجتي وما يحيط به من قبور وسراديب..
ذات ضحى، وضياء الشمس فتيا ينير المكان، كنت في طريقي الى وجهتي المعتادة، لمحت عن مبعدة ضلا لآدمي يقف قبالة شاهدة قبر زوجتي، ولما أقتربت كانت هي ذاتها " زميلتي" الأربعينية الفارعة، ترتل" يوم لا ينفع مال ولابنون إلآ من أتى الله بقلب سليم "، فيما القبر مبلل بماء الورد وأعواد البخور والشموع المشتعلة تحيط به... إنتظرت حتى ختمت ترتيلها، فبادرتها ممتنا شاكرا. ردت:ـ في جنات النعيم إن شاء الله.
لم أشاء أن أتركها تغادر من دون أن تحتسي معي قدحا من الشاي، طامعا بمواصلة الحديث ومعرفتها عن قرب أكثر، أعتذرت في البدء ومن ثم رضت، سألتها ونحن نفترش التراب:ـ هل من أولاد لكما أنت والفقيد؟ أجابت بعد لأي:ـ نعم ولدين، ولكن أي ولدين .. إنهما كما فراخ" الشيج" ما أن يغادر المولود منهم رحم أمه حتى يطير بلا رجعة... :ـ كان الله في عونك .. واسيتها مضيفا:ـ لعن الله الوحدة كم قاسية هي .. قالت:ـ أقضي نهاراتي ولياليها أحدث الحيطان، من يراني يظنني مجنونة... سألتني:ـ وأنت؟ .. أرتشفت فما من قدح الشاي ثم أجبت:ـ حالي أهون قليلا من حالك، وقتي معظمه أقضيه هاربا في العمل، لأعود ليلا الى جحيم الوحدة، لم نرزق بإولاد أبدا، كانت الفقيدة عاقرا.
كنت أتملى متمهلا، وأنا أتحدث، في قسمات وجهها القمحي عيونها الموغلة الأزرقاق وشفتيها المكتنزتين المتهدلتين. همَت بالقيام نافضة ماعلق بعباءتها من تراب، مدت ذراعيها وجمعت كفيها لتقرأ الفاتحة، ومشت الى قبر فقيدها، سبقتها حاملا كيس الشمع والبخور وماء الورد، ولما لحقت بي كنت قد انتهيت من إشعال عيدان البخور وأصابع الشمع ورش ماء الورد على قبر الفقيد .. قرأنا الفاتحة معا، لحظات صمت أعقبت مالبثت أن كسرتها بالقول:ـ هل أوصلك معي، لدي سيارة .. شكرتني وأضافت:ـ سأبقى بعض الوقت أحدثه .. وأشارت الى القبر. قلت:ـ حسنا .. الى اللقاء.
وأنا أقفل مغادرا تنبهت الى أنني، وللمرة الأولى، لم أبث الفقيدة زوجتي هموم الأسبوع المنصرم منذ فقدتها وحتى اللحظة .. وطوال الأيام الستة التالية، لم يغب بهاء صورة زميلتي، وعذوبة صوتها عن تفكيري، وسبحت أخيلة مجنحة شتى في يقظتي ومنامي، هل يعقل أن كهلا بلغ الستين تتملكه أحلام مراهق في السادسة عشرة ؟! .. ولكن من أين لنا الحول أو القوة على شكم جموح هوى النفس، لإ سيما الجوع الجسدي والحرمان من المؤانسة، يكتنفانها بل يكتفانها زمنا طويلا؟...
جمعة بعد جمعة، وزيارة بعد زيارة، وتبادل بعد آخر للشمع والبخور ومياه الورد، نشأ بيننا ود راح ينمو ويكبر حد تبادل الزهور والعطور وهدايا صغيرة أخرى، فيما طرأ تحول جوهري على طقوس الزيارات، حيث غدت مناسبات للتنزه والأستجمام كما هي عطل" الويك أيند"، ولم نعد نعير زوجينا الفقيدين ألتفاتة حتى، ثم مالبثت لقاءاتنا أن أمست حميمة الى درجة تكاشفنا فيها، وشكا كل منا وحشته وقسوة وحدته، بل وشوقه العارم الى لقاء ألآخر. تجولنا كثيرا بين القبور، بلغنا أطراف المقبرة، على شساعتها، ثم عدنا، مررنا بسراديب ومقامات وأضرحة، ولم يكن من بد سوى العثور على مكان نختلي به، لنأمن المفاجآت وشر أو حسد الأموات المتلصصين ...
في إحدى المرات، وأثناء تجوالنا، كنا قد مررنا بسرداب متوج بقبة متقنة البناء، يغلفها القاشان الفيروزي المزجج وتقوم على بناء سداسي الأضلاع، كل ضلع فيه عبارة عن رخامة مستطيلة منقوش عليها مرأى واحد، مرة بإطفال أكتافهم أجنحة ملائكة، وثانية بأشجار ثمارها قناديل ملونة، وثالثة بطواويس باهرة الألوان، و .. و ..
صامتين مأخوذين هبطنا سلمه المرمري ، لاصوت ولا أية نأمة. بلغنا أرضيته الرخامية الصقيلة التي أقيم فوقها قبرمزجج مهيب، ومن دون أية أرادة أووعي، ألقت حبيبتي عباءتها جانبا وخلعت ماترتديه، وكذا فعلت أنا، فيما أنبجست بنحو مفاجىء، في الظلمة المحيطة هالة ضوء لجبهة صبي تنز دما ومسمار نابت فيها، فيما ذراعاه مشرعتان. بعد دقائق لاتنضوي مطلقا تحت قياس الزمن المعتاد، أخذت مساماتنا تنز شبقا وعشقا، ليس من وصف يحيط بهما..
حين خرجنا من السرداب وجدتنا، كما لو أننا ولدنا للتو، طفلين غضين مبتهجين تحيط بنا غابة كثيفة من الأشجار المثمرة الورقاء، مثقلة بكل ما لذ وطاب.
كاظم جماسي